في أطول ليلة بالسنة غزة تناشد العالم
يلدا المقاومة.. إنتصار النور على الظلام
الوفاق/ خاص
موناسادات خواسته
اليوم نودّع الخريف بألوانه الزاهية في آخر يومه.. نودّع تساقط الأوراق من الأشجار، والتي تذكّرنا بتساقط أرواح الأبرياء الذين يتساقطون في غزة أمام أعين العالم.. ولا أحد يواجه الغطرسة الأمبريالية والصهيونية في هذه الجرائم..
نودّع الخريف ونستقبل الشتاء ببياضه الذي ينشر النور بتساقط الثلوج من سماء الرحمة إلى الأرض التي تشهد أبشع الجرائم والسواد في غزة..
اليوم نستقبل أطول ليلة في السنة، وهي ليلة يلدا التي يحتفل بها كل عام الإيرانيون والشعوب الأخرى في مختلف أنحاء العالم، ولها تقاليدها الخاصة في كل بلد، ولا أريد تكرار ما يُقال عن هذه الليلة في كل عام وهو موجود على مواقع التواصل الإجتماعي وبإمكانكم الإطلاع عليه من خلال حركة محرك البحث على غوغل، أما اليوم أريد الكلام من مِنظار آخر عن الفروقات التي تتميز بها هذه السنة في ظل الأحداث التي تجري في غزة المظلومة.
يلدا رمز المقاومة
ليلة "يلدا" هي دائماً رمز الزمن الطويل بما أنها أطول ليلة في العام.. يلدا رمز المقاومة والتذكير بأن هناك دائماً بياضا ونورا بعد كل سواد وظلام، كما أن بعد ليلة يلدا الطويلة، في صباحها نستقبل النور.. كما يقول الشاعر الإيراني الكبير "نهاية الليل الدامس، هو النور".
كل الاحتفالات في الثقافة الإيرانية لها فلسفة، وفلسفة يلدا ليست الاحتفال بأطول ليلة فقط، بل هي الإحتفال ببداية إطالة النهار وفرصة أكثر لإستخدام الضوء، ليلة يلدا هي رمز المرور من الظلام وتكريم النور والسطوع.
يلدا ميلاد جديد
معنى كلمة يلدا باللغة السريانية هو ميلاد وولادة جديدة، ويحتفل الإيرانيون بليلة يلدا منذ آلاف السنين، وهي الفترة التي بين غروب الشمس في آخر يوم من أيام الخريف، إلى شروق الشمس في أول يوم من الشتاء، وتلك الليلة هي أحلك ليلة في السنة.
في الحقيقة هذه الليلة هي ذريعة رمزية لمباركة استقبال الشتاء وخلق الأمل والقوة للسعي إلى حياة أفضل.
ومن السمات الفريدة لهذه الطقوس والتقليد القديم للإيرانيين، هو مركزية الأسرة والأم في إقامة هذا الإحتفال ومشاركة الفرح والسرور مع إخوانهم من البشر والإستفادة من الهدايا والمواهب الطبيعية على مائدة يلدا، في الحقيقة مهرجان يلدا يذكر الإيرانيين باحترام الوالدين.
الإهتمام بالآخرين
إحدى الدروس التي نتعلمها من إحياء تقليد ليلة يلدا هي الإهتمام بالآخرين كأحد المظاهر الثقافية البارزة للمجتمع الإيراني، كما يقول "سعدي" الشاعر الإيراني الشهير المعروف في العالم: "إذا يكون هناك ألم في عضو من الأعضاء في يوم ما/ لم يبق قرار وسلام لبقية الأعضاء" وهذا من واقع التقاليد الإيرانية.
وهو احد الفروقات في ليلة يلدا هذا العام مع الأعوام السابقة، بما أننا ليس بإمكاننا أن ننسى ما يجري في غزة، فهذه السنة نجتمع في ليلة يلدا ونذكر أهل غزة ونرفع أيدينا إلى السماء وندعو لإنتصارهم.
يعتقد الإيرانيون أن اللامبالاة تجاه الآخرين أمر غير مناسب ويقفون إلى جانب بعضهم البعض في الفرح والحزن، ولهذا السبب فإن من عادات احتفالاتنا القديمة هي مشاركة السعادة مع جميع الأصدقاء والمعارف معاً، وجنباً إلى جنب، وليس فقط في إيران بل لجميع أحرار ومظلومي العالم.
شعر المقاومة والتماسك الثقافي
قراءة أشعار حافظ وشاهنامة التي تُعتبر من تقاليد هذه الليلة، تتضمن دروسا أخلاقية كثيرة، كما يعتبر الأكاديمي الدكتور أمير الهامي أن نصوص الأدب الفارسي مثل الشاهنامة وديوان حافظ لها وظائف مختلفة وإحدى هذه الوظائف هي الوحدة وجمع الناس معاً ويقول: فهما يجمعان الإيرانيين معاً بغض النظر عن عرقهم وعقيدتهم ومعتقدهم. يحب الإيرانيون تعاليم وأشعار هذين الكتابين، وهذه المصلحة المشتركة تخلق وحدة ثقافية. لذا فإن قراءة هذه النصوص، إلى جانب وظائفها الأخرى، كانت مهمة بالنسبة لنا عبر التاريخ بمفهوم الوحدة والتماسك
الثقافي.
وكذلك عند النظر إلى أشعار المقاومة، نرى أن تاريخ الشعر في القضايا الفلسطينية طويل جداً، في الواقع، كان للشعراء أول رد فعل على احتلال فلسطين من خلال كتابة الشعر، وهذا يعني أن الشعر كان بمثابة المقاومة في تاريخ الحق ضد الباطل.
وبما أننا نؤمن بأن القضية الفلسطينية جزء من الإسلام، وعلى العالم الإسلامي برمّته أن يتحرك بشكل فعال لتحرير الشعب الفلسطيني والتعبير عن تعاطفه معه، كما يؤدي الشعراء والكتاب في هذا المجال على شكل الكتابة والشعر.
رموز يلدا
ليلة يلدا هي ليلة مليئة بالعناصر المتنوعة، ولكل منها فلسفته الخاصة وتشير إلى مفهوم فريد، ولليلة يلدا رموزها التي تُعتبر كميزة بيّنة لهذه الليلة، حيث يتم وضع الشموع والمكسرات والفواكه المجففة والفواكه الطازجة والجافة والحلويات وما إلى ذلك على هذه الطاولة، ومن الفواكه يمكن أن نذكر البطيخ الأحمر والرمّان، وهما معروفان بأنهما ممثلان للشمس بسبب لونهما الأحمر، وسبب استخدام المكسرات والفواكه المجففة هو أن البذور رمز البركة.
الرمّان رمز المقاومة
تعتبر فاكهة الرمّان أهم عنصر في ليلة يلدا، ويتم ذكرها في جميع أنحاء إيران كرمز للبركة أثناء بداية البرد والشتاء.
الرمان هو العنصر الأكثر أهمية في ليلة يلدا، والذي خلفه قصة خاصة، وبدونه لن يكون حفل يلدا مكتملاً وممتعاً بأي شكل من الأشكال.
أولاً، الرمان فاكهة مقاومة للبرد، وعلى الرغم من أنه يتم حصاده منذ نهايات سبتمبر حتى أوائل ديسمبر، إلا أنه يتمتع بفترة صلاحية طويلة ولا يُتلف بسهولة. مقاومة هذه الفاكهة العالية للبرد جعلت القدماء يعتبرونها رمزاً للمقاومة، واعتقدوا أنه يمكنهم استعارة هذه الميزة منها عن طريق تذوقها.
نقطة أخرى هي دور فاكهة الرمان في الطقوس التقليدية وكذلك في التعاليم الإسلامية. نظرت الطقوس التقليدية إلى الرمان على أنه فاكهة فريدة ومبتكرة وأطلقت عليه اسم المعالج. يعتبر الرمان في التعاليم الإسلامية فاكهة سماوية لها خصائص كثيرة، وتزيد الرزق والبركة.
أما يمكننا أن نذكر السبب الآخر لأهمية الرمان هو دوره البارز في الأساطير التقليدية. لطالما تم تشبيه الرمان بالشمس في الأساطير الإيرانية بسبب تشابه ظاهره مع الشمس.
هذا التشبيه جعل الرمان يبدو تدريجياً وكأنه فاكهة دافئة في أذهان الناس، واستخدام الرمان يشبه دعوة للشمس والضوء على الطاولة. كل هذه الأشياء تسير جنباً إلى جنب حتى نتمكن في ليلة يلدا من مشاهدة إنشاء مجموعات وتصاميم جميلة ومبتكرة بموضوع الرمان.
اليمن عقيق يلدا المقاومة
ليلة يلدا برموزها الحُمر تذكرنا بالعقيق اليمني الأصيل وما يقوم به الشعب اليمني لدعم الشعب الفلسطيني المظلوم، لقد كان للشعب اليمني على مر التاريخ دائماً حضوراً مميزاً، كجوهرة الخاتم في جبهة معركة الحق ضد الباطل والجهاد في سبيل الله سواء في الحروب الأولى بزمن الإمام الحسن (ع)، أو في صحراء كربلاء المقدسة، وأخذ الثأر من قتلة أبي عبد الله الحسين (ع)، والشعب اليمني عبر التاريخ، فإنه لم يفقد شرف الجهاد أبداً، ويفتخرون بالتضحية بأرواحهم في الجهاد في سبيل الله، ويؤمنون بانتصار الدم على السيف.
واليوم أصبح عقيق اليمن أكثر إحمراراً من أي وقت مضى بما قدمه من دماء فداء وجهاد. واليوم اليمن هو نقطة الوصل بين قلوب العشاق الذين تعاهدت قلوبهم على الإسلام في دول محور المقاومة، وينتظرون بعيون دامعة الاحتفال بانتصار الدم فوق السيف.
من أهم ركائز الهوية الاهتمام بالعادات والتقاليد المحلية، وأساس ليلة يلدا باعتبارها مهرجاناً قديماً وتقليدياً وقيماً في الثقافة الإيرانية، هو الزيارة وصلة الأرحام وهذا ما توصي به الثقافة الإسلامية تحت عنوان التعاليم الأخلاقية، فنتمنى لكم ولجميع إخواننا في جميع أنحاء العالم وخاصة الشعب الفلسطيني المظلوم الإنتصار على الظالم والظلم والسواد الذي ينشرونه في هذه الأرض المقدسة.