الأم التي أنجبت الأطفال فأرضعتهم حب الأرض وشرف الحياة
المرأة الفلسطينية أيقونة المقاومة ونور التحرير
د. رُلى فرحات
نصف المجتمع، جزء لا يتجزأ منه، وعلى يدها يتربى النصف الآخر، إنّها المرأة، هي المسؤول الأول عن تنشئة الأسرة وتربية أفرادها وحجر الأساس لتنميّة المجتمع المستدامة، إذ أنّ أدوارها تختلف وتتباين وتُؤثّر في بناء المجتمعات، فتتوزع بين دورها كإبنة، وأخت، وصديقة، وزوجة، ومسؤولة، وقائدة، ومحاربة، ومقاومة...
الذي يُساعده في التفكير والتخطيط بطريقة سليمة لإدارة شؤون الأسرة وتأمين مستلزماتها وُتخفف عنه الإجهاد والضغط والتوتر عدا عن أنها مصدر الإلهام الأول للزوج والداعم الحقيقي للإنجازات التي يقوم بها، ليس هذا فحسب بل يجب أن لا ننسى وولاءها وإخلاصها وتفانيها تجاه الزوج وكل أفراد عائلتها، الذين يلجأون إليها في كل مرة احتاجوا أمنا وأمانا وثقة.
تُربي الأطفال وتقدم الحب والعطف،، والحنان، بدون أي مقابل، كيف "لا" وهي الأم، ، والصديقة، والحكيمة، والمرشدة، والمعطاءة، تُعززّ من أخلاقهم فتشجعهم على الانتظام، والانضباط، والصدق وغيرها من الأخلاق الحميدة، وتسعى جاهدة لتُنشئ أفراد مجتمع أسوياء ويتميزون بالرشد، يرتقون بمجتمعاتهم ويكون لهم بصمةً خاصة فيه.
وقد برز دور المرأة في المجتمع، إذْ أصبحت سيدة أعمال، وقد شغلت العديد من المسميات الوظيفية الهامة وأثبتت كفاءتها في مختلف الأصعدة. حيث أنّها تساهم في الكفاح من أجل المطالبة بحقوق المرأة نفسها وحقوق أفراد مجتمعها. أثبتت قوّتها وإمكانياتها بوسائل مختلفة وعبر وجهات متنوعة. وقد ساعدت في تنمية المجتمع وتساهم في تطويره وتنميته من خلال مناصبها القيادية فيه، ويعود هذا الأمر لارتباط المرأة بالأسرة التي تعد الجزء الأساسي للمجتمعات، فتقوم بتطبيق الاستراتيجيات السليمة التي تقوم على استراتيجيات القائدة فهي تهتم بشكل أكبر بالأشخاص الذين تحكمهم أو ترأسهم وتهتم بالتفاصيل التي تتعلق بهم أكثر، لتكون قادرة على مساعدتهم وخدمتهم في تحقيق التنميّة الضروريّة والمستدامة.
هذه هي المرأة بشكل عام وأكثر، ونحن نود أن نتكلم عن المرأة الفلسطينيّة بشكل خاص، هذه المرأة التي جمعت كل الصفات الأنثويّة في قالب بطولي مرسوم بتاريخ من النضال والدفاع... المرأة الفلسطينية أيقونة المقاومة ونور التحرير... هي الأم التي أنجبت الأطفال فأرضعتهم حب الأرض وشرف الحياة، وربتهم وعلمتهم ليصبحوا مناضلين وليرتقوا شهداء. هى الزوجة التي دفعت للأمام وبثت الحماس وكانت كتفا بكتف في النضال منذ اندلاع الشرارة الأولى على الإنسانيّة. وهي الأخت التي صادقت وعلمت وكانت السر والظهر الحامي للمناضل الفلسطيني، .... وإنّ الذاكرة الفلسطينيّة لتزخر بالنساء اللاتي تركن خلفهن بصمات واضحة إذْ تسلحن بالإرادة ونجحن في تخطي العديد من الحواجز والعقبات ليخلدن حضورا ودورا رياديا واضحا عبر صفحات تاريخ شعبنا الفلسطيني ومن هؤلاء نذكر:
الشهيدة دلال المغربي
واحدة من أشهر المناضلات الفلسطينيات، ولدت عام 1958 في أحد مخيمات الفلسطينيين في بيروت، وهي إبنة لعائلة من مدينة يافا لجأت الى لبنان عقب نكبة عام 1948. قررت الإنضمام الى صفوف الثورة الفلسطينيّة والعمل في صفوف الفدائيين في حركة فتح وهي ما زالت على مقاعد الدراسة، فتلقت العديد من الدورات العسكريّة والدّروس الخاصّة في حرب العصابات، فتدربت خلالها على أنواع مختلفة من الأسلحة. تم اختيارها رئيسة للمجموعة التي ستنفذ عمليّة فدائيّة في الداخل المحتل مكونة من عشرة فدائيين، وقد عرفت العملية بعملية «كمال عدوان»، والفرقة باسم «دير ياسين».
في صباح 11/3/1978 نزلت دلال مع فرقتها من قارب كان يمر أمام السّاحل الفلسطيني واستقلت المجموعة قاربين، ونجحت عملية الإنزال والوصول، دون أن يتمكن الإسرائيليون من اكتشافها لغياب تقييمهم الصحيح لجرأة الفلسطينيين، فنجحوا بالوصول نحو تل أبيب وقامت بالإستيلاء على الحافلة بجميع ركابها الجنود، في الوقت الذي تواصل الإشتباك مع عناصر إسرائيلية أخرى خارج الحافلة، وقد أدت هذه العمليّة الى إيقاع المئات من القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي، وعلى ضوء الخسائر العاليّة قامت حكومة إسرائيل بتكليف فرقة خاصة من الجيش يقودها أيهود باراك بإيقاف الحافلة وقتل واعتقال ركابها، حيث استخدمت الطائرات والدبابات لحصار الفدائيين، الأمر الذي دفع دلال المغربي الى القيام بتفجير الحافلة وركابها مما أسفر عن قتل الجنود الإسرائيليين، وما إن فرغت الذخيرة أمر باراك بحصد جميع الفدائيين بالرشاشات فاستشهدوا جميعا.
زكية شموط
ولدت في مدينة حيفا عام 1945، والتحقت بالعمل الفدائي المقاوم عام 1968، أي (23 سنة) من عمرها، لتكون من أوائل الفدائيات الفلسطينيات اللواتي نفذن عمليات داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 1948.
بلغ عدد العمليات التي نفذتها 7 عمليات، وذلك في نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات؛ ما أسفر عن سقوط عشرات الإسرائيليين بين قتيل وجريح، قبل أن يتم اعتقالها وزوجها وأفراد عائلتها وهي حامل في شهرها الخامس. أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكماً بسجنها 12 مؤبداً (1188 سنة)؛ بينما حكم على زوجها بالسجن مدى الحياة. أنجبت زكية بتاريخ 18 شباط 1972، طفلتها نادية داخل سجن «نيفي ترتسيا» الإسرائيلي في منطقة الرملة، لتكون أول فلسطينية أسيرة تنجب مولودها داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وفي عام 1983 أطلق سراحها في عملية تبادل الأسرى بين الثورة الفلسطينية وإسرائيل، وأبعدت إلى الجزائر. توفيت المناضلة زكية شموط بتاريخ 16/09/2014 عن عمر يناهز 69 سنة إثر مرض عضال، ووري جثمانها التراب في مقبرة زرالدة بالجزائر.
حلوة جقمان
ولدت في بيت لحم عام 1913، ساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي العربي العام في بيت لحم، أواخر العام 1947، وانتخبت نائبة لأول رئيسة للاتحاد، السيدة بيروت معلوف، ثم انتخبت رئيسة للاتحاد، وبقيت تشغل هذا الموقع حتى العام 1992. وقد قامت بدور وطني تحريضي، خاصة بعد نكسة عام 1967، فشكلت مع زميلات لها، جمعية سرية، تعمل على تنظيم المظاهرات، والإضرابات، وتحث الناس على مقاومة التهجير ما عرّضها للاعتقال من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية مرتين. كما وساهمت من خلال تأسيس جمعية الإسكان الخيرية العام 1960، في بناء وحدات سكنيّة في مناطق مختلفة. وشاركت في مؤتمرات عربية وعالمية، منها مؤتمر الإتحاد النّسائي العربي في بيروت، ثم مؤتمر الإسكان في روما، ومؤتمر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في القدس العام 1965، توفيت في بيت لحم في 20/7/2004.
أسماء طوبي
رائدة اعلامية ولدت في مدينة الناصرة سنة 1905كانت عضواً نشطا في «اتحاد المرأة» في مدينة عكا وعضواً بارزاً في أكثر من جمعيّة. أذاعت العديد من أحاديثها الإذاعية في محطات عديدة. كما أذيعت أحاديثها الشهيرة عبر أثير إذاعة بيروت. كانت تحرر الصفحة النسائية في جريدة «فلسطين» قبل عام 48، وبعدها حررت الصفحة نفسها في جريدة كل شيء، ومجلة الأحد في بيروت، كانت رئيسة الاتحاد النسائي العربي في عكا أواخر عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، منحت الوسام اللبناني الرفيع «قسطنطين الأكبر» سنة 1973، لها عدد من المسرحيات والكتب الأدبية الأخرى والأعمال المترجمة، توفيت أسماء طوبي في الناصرة عام 1983. منح اسمها وسام القدس للثقافة والفنون في سنة 1990.
ربيحة ذياب
ولدت في العام 1955، في قرية دورا القرع، شمال مدينة رام الله. انخرطت منذ صغرها بالعمل السّياسي والجماهيري والإجتماعي وكذلك بالعمل التنظيمي (الحزبي)، واعتقلت لأول مرة عام 1968 وأفرج عنها بسبب صغر سنها (13 سنة)، مقابل دفع غرامة ماليّة، ثم اعتقلت في عام 1976 لمدة عام ونصف، واعتقلت في عام 1981 لمدة خمس سنوات أمضت منها في السجن أربع سنوات، واعتقلت خلال الإنتفاضة الأولى أربع مرات خضعت خلالها للتحقيق، وفرضت عليها الإقامة الجبرية مرتين في كل مرة مدة 6 شهور، منعت من السفر إلى خارج فلسطين لمدة 19 عاماً؛ لذلك كله تعثرت مسيرتها التعليميّة حيث التحقت بالجامعة في بيروت عام 1974 وتخرجت من جامعة بير زيت عام 1999، حيث حصلت على البكالوريوس في علم الاجتماع، أي بـعد 25 عاماً من الدراسة، فكانت فدائية عنيدة في مسيرة الثورة الفلسطينية، فارسة مبدعة في مسيرة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينيّة.
شغلت ربيحة خلال حياتها العديد من المناصب ومنها: وزير شؤون المرأة، عضو مجلس تشريعي من 2006 حتى وفاتها، وكيل مساعد وزارة الشباب والرياضة 2005. توفيت بتاريخ 22 نيسان عن عمر يناهز 62 عاماً، وقد وصفت بالمناضلة الوطنية الكبيرة، التي أفنت حياتها في خدمة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
مهيبة نهاد خورشيد
ولدت في مدينة يافا عام 1921، درست في المعهد العالي للمعلمين بالقدس، وبعد حصولها على دبلوم المعلمين، عادت أدراجها إلى مسقط رأسها (مدينة يافا) لتبدأ رحلتها المهنيّة في تعليم الفتيات في المدارس الثانوية التي شهدت جهودها في غرس روح القومية في نفوس الطالبات. عام 1947، أسست مهيبة بمشاركة شقيقتها «ناريمان خورشيد»، جمعية «زهرة الأقحوان» التي بدأت كجمعيّة نسائيّة اجتماعيّة الطابع، تهتم بالوحدة بين الأديان، وتساعد الطلبة الفقراء؛ ثمّ تحوّلت فيما بعد إلى الكفاح المسلّح، لتكون أول منظمة فلسطينية نسائية مسلحة. وكان لخورشيد دورها القيادي في منظمة زهرة الأقحوان، فعملت على تنظيم وتنفيذ العمليات، ووضع الاستراتيجيات، وجمع المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى جمع التبرعات وشراء السلاح؛ وتركز نشاطها في مدينة يافا. عرفت مهيبة بخطاباتها العامة الحماسية في التظاهرات، ما اضطر سلطة الانتداب البريطاني آنذاك بإيعاز من الحركة الصهيونية إلى استدعائها للتحقيق. بعد النكبة عام 1948 هُجّرت مهيبة إلى مصر وماتت فيها في العام 2000.
شادية أبو غزالة
ولدت المناضلة عام 1949 في مدينة نابلس، وتلقت تعليمها الإبتدائي والثانوي في مدارس المدينة وتخرجت من المدرسة الفاطميّة للبنات. التحقت سنة 1966 بجامعة عين شمس في القاهرة، قسم الإجتماع وعلم النفس، ثم قررت العودة إلى نابلس وإكمال تعليمها في كليّة النجاح الوطنية، ولم تنجح محاولات أسرتها بثنيها عن هذا القرار، خاصةً بعد أحداث النكسة. بدأ نشاطها السياسي منذ الصغر، فانتسبت إلى التنظيم الفلسطيني لحركة القوميين العرب عام 1962، وبعد حرب 1967،انبثقت عن حركة القوميين العرب منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبحت شادية عضواً قيادياً فيها. كانت متفوقة في دراستها، جدية، صامتة، تحب الأطفال. وكانت تحب أن تردد بيت الشعر «أنا إنْ سقطتُ فخذ مكاني ... يا رفيقي في الكفاح». شاركت في العديد من العمليات الفدائيّة ضد الاحتلال. وفي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1968 كانت تعد في البيت قنبلة لتفجيرها في عمارة إسرائيلية بتل أبيب، فانفجرت القنبلة بين يديها مما أدى لاستشهادها، لتكون بذلك أول شهيدة فلسطينية بعد نكسة 1967.
هذه هي المرأة الفلسطينيّة
هذه هي المرأة الفلسطينيّة (الشهيدة دلال، زكية، حلوة، أسماء، ربيحة، مهيبة، شادية ...)
واللائحة تحتاج عشرات ومئات الأوراق كي تحوي عدد السيدات الرائدات في الفنون والعلوم والفلسفة وعلم النّفس وعلم الإجتماع والشريعة (مسيحي & إسلامي).
يجمعهن قاسم مشترك هو حب الوطن والتّضحيّة من أجله ورفع الصوت عالياً كي يعرف العالم كله ظروف المعيشة والحياة في فلسطين المحتلة وكي يحثوا العالم كله للوقفة التضامنية والمُساعدة ضد الظلم...
«أطفالها طيورٌ من أبابيل» سوف يُلقنون الكيان الصهيوني درساً في البطولة والإيثار والكلمة الحرة «الطفلة عهد التميمي مثال» لتعود فلسطين حرة أبيّة، يتغزّل شعراؤها في جمال سمائها والسّيدات يتمايلن في زيهنّ الفلسطيني المميّز (له حكاية خاصة، نرويها لاحقا) وفي جيدهن مفتاح العودة، وفي قلوبهن حب يملأ الدنيا ويُعطي دروساً
في الإنسانيّة..
بيروت فلا عجبا أنّ مُقاومي القضيّة الفلسطينيّة مروا بك او استقروا على أرضك وبين ثنايا الوطن لبنان، فلطالما كنت منارة البحار وصلة الشرق بالغرب، والمنبر الحر، وسيد الكلام.... وفلسطين كنت وما زالت أسطورة الشهادة ورمز الحياة والكرامة والصبر والإيمان... وإنّ طال قيد الظلم ففجر النصر القريب...