سعيا منها لاستعادة أموالها

هل من الممكن أن تصبح روسيا من المستثمر‌ين في البنية التحتية الاسيوية؟

الوفاق/ تواجه روسيا مشكلة مالية في الهند، حيث تراكمت لديها أموال ضخمة بالروبية الهندية نتيجة للتجارة الثنائية، ولا تستطيع تحويلها إلى عملة أخرى أو إعادتها إلى اقتصادها المحلي. وتبحث روسيا عن حلول لهذه المشكلة، ومن بينها إمكانية استخدام هذه الأموال كاستثمارات في مشاريع البنية التحتية في الهند ودول آسيوية أخرى، مما قد يمنحها دوراً جديداً كممول للتنمية الإقليمية فهل يمكن لروسيا أن تستثمر في البنية التحتية الآسيوية لتحرير 40 مليار دولار من أموالها المجمدة في الحسابات الهندية، لاسيما أن الأمر يتطلب بذل جهود كبيرة من البنوك والشركات الهندية التي تتعامل مع روسيا للاستفادة بشكل كامل من آلية التسويات المالية بالروبية الهندية والروبل الروسي، وفقا لما قاله مؤخراً سفير روسيا لدى الهند دينيس أليبوف .
 المشكلة
 وفي مناقشته للتجارة بين البلدين - والتي ارتفعت بشكل كبير في العام والنصف الماضيين، مسجلة رقما قياسيا تجاوز 43.8 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 - أشار أليبوف إلى أن مشاكل الدفع ما زالت تعوق تطور التبادل التجاري. وأكد أليبوف على ضرورة بذل "جهود إضافية" من قبل الشركات والبنوك الهندية لاستكشاف سبل الاستفادة القصوى من آلية التسويات المالية بالعملتين الوطنيتين. كما شدد الدبلوماسي الروسي على أهمية قيام البنوك والمصدرين الهنود بحل هذه المشكلة، مشيراً إلى أن الآلية بحاجة إلى تحسينات - مضيفا أن البنوك الهندية على استعداد للتعاون من أجل ذلك.
أنشأت روسيا والهند آلية تسويات مالية بعملتيهما الوطنيتين العام الماضي، بعد أن أثرت العقوبات الأمريكية على روسيا سلباً على التجارة الثنائية، وتحديداً على الواردات الهندية الحيوية من روسيا، بما في ذلك معدات الدفاع مثل منظومات S-400 والأسمدة والمعادن وغيرها من السلع. لكن مسؤولين روس وهنود أكدوا أن آلية الروبية-الروبل فشلت حتى الآن في تحقيق الزخم المتوقع، بسبب عدم توازن الميزان التجاري إلى حد كبير. فمع تصاعد واردات الهند من النفط الروسي، تراكم فائض يتجاوز 40 مليار دولار لصالح روسيا في حسابات "فوسترو" الخاصة، التي تحتفظ فيها البنوك الهندية بأموال لصالح البنوك الروسية بالعملة المحلية. وفي سبتمبر الماضي، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه ناقش هذه المسألة مع نظيره الهندي. وفي مؤتمره الصحفي بنيودلهي، قال لافروف: "في الوقت الراهن، تراكمت لدى روسيا مليارات الروبيات في حسابات البنوك الهندية، ونحن نناقش مع أصدقائنا الهنود كيفية استخدام هذه الأموال كاستثمارات في مجالات واعدة".
هل تتبع روسيا المسار الصيني في آسيا؟
 تعني مشكلة التسويات المالية أن مدفوعات الهند لقاء واردات الطاقة من روسيا تتراكم بالروبية الهندية في حسابات "فوسترو" المملوكة لروسيا. وتواجه روسيا صعوبة في تحويل تلك الأموال وإعادتها إلى اقتصادها المحلي، نظراً لأن الروبية الهندية ليست عملة دولية شائعة - وتجد روسيا صعوبة في التخلص من فائض 40 مليار دولار منها. وتمثل هذه مشكلة بالنسبة للهند أيضاً، لأن الوضع الراهن يحول دون استمرار روسيا في توريد النفط والغاز وغيرها من السلع دون القدرة على الاستفادة من العوائد. كما يعيق هذا الوضع تطور التبادل التجاري بين البلدين، وقد يؤدي إلى تقليص صادرات الطاقة الروسية التي تحتاجها الهند بشدة لدعم نموها الصناعي، إذا لم ُيتوصل إلى حل. وتشير المناقشات إلى إمكانية تحويل المدفوعات المستحقة لروسيا إلى استثمارات في بعض الشركات الحكومية الهندية، مما قد يمهد الطريق أمام موجة جديدة من الاستثمارات الروسية في البنية التحتية الهندية، مع إمكانية تحقيق عوائد مستقبلية على هذه الاستثمارات. وهذا من شأنه أن يعيد صياغة الدور الروسي باعتباره ممولاً لمشاريع البنية التحتية الآسيوية، تماماً مثلما تفعل الصين من خلال مبادرة "الحزام والطريق". والسؤال الرئيس هنا: هل يقبل الجانب الروسي بهذا الحل من عدمه، إذا لم يعالج مسألة إعادة تدوير رأس المال إلى الاقتصاد المحلي؟ وتشمل الحلول البديلة إمكانية استخدام موريشيوس كمنصة استثمارية، نظراً لوجود اتفاقية تجارة حرة بينها وبين الهند، فضلاً عن انضمامها لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية. لذا، يمكن لروسيا استغلال فائضها بالعملة الهندية لتمويل مشاريع تنموية في أفريقيا. كما أبرمت الهند اتفاقية شراكة اقتصادية مع الإمارات، وجارٍ العمل على ترتيبات صرف بين الروبية الهندية والدرهم الإماراتي، مما قد يتيح استخدام الفائض الروسي للاستثمار في الإمارات ودول مجلس تعاون الخليج الفارسي.
 وتمثل إمكانية إعادة توظيف الفائض النقدي الروسي في الهند، على شاكلة نموذج "الحزام والطريق" الصيني، خياراً جديراً بالدراسة، ويتوقف ذلك جزئيًا على مدى الحاجة إلى إعادة ما يزيد عن 40 مليار دولار من الروبية إلى روسيا. ومن البدائل الأخرى إعادة استثمار هذه الأموال واستردادها من خلال آليات بديلة تشمل دولاً ثالثة في أفريقيا والشرق الأوسط كمنصات استثمارية،وستتطلب عملية الموازنة بين رأس المال الروسي المجمد في الهند واحتياجات الاستثمار المحلية والخارجية الروسية، بعض المراوغة، ولكنها قد تمهد الطريق أمام دور روسي متنامٍ كمستثمر عالمي رئيسي في دول الجنوب.

البحث
الأرشيف التاريخي