الصفحات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وتسعون - ١١ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وتسعون - ١١ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٦

قصة أحد الشهداء الايرانيين الـ 6

محمد حسين من خوزستان.. شهید تحر یر فلسطین

كوثر عبياوي
ذكر اسماء 6 شهداء ايرانيين في الانتفاضة الفلسطينية، هو للتذكير بشجاعة 6 رجال، في صخب وقلق أيام الخمسينات ذهبوا إلى الأراضي المقدسة بصمتٍ تام. نفس الشهداء الستة الذين ولد من نسلهم السليمانيون ولم يقتصروا على الدفاع عن المظلومين في حدود وجغرافيا محددة وعززوا الإنسانية. تصف هذه القصة، حیاة أحد شهداء انتفاضة القدس، الشهداء الذين لم يعودوا إلى أحضان أمهاتهم والوطن ولم يعد منهم شي إلا حقيبتهم وكوفيتهم، إنها قصة 6 شهداء ظلت آثارهم مجهولة.
الشهيد «محمد حسين إثنى عشري» هو أحد شهداء انتفاضة القدس الستة في البلاد والشهيد الوحيد من محافظة خوزستان. ولد الشهيد محمد حسين اثنى عشري عام 1958م في عائلة متدينة بمدينة دزفول.
لم يكن محمد حسين يتجاوز السابعة من عمره عندما فقد والده، وفي نفس السن، أثناء دراسته، بدأ العمل لإعالة الأسرة. كان منذ طفولته مهتماً بمساعدة الفقراء والمحرومين لأنه ذاق هو نفسه طعم الفقر المرير والحرمان. كان في الصفوف الأولى في الحرب ضد النظام المستبد، وبعد انتصار الثورة الإسلامية بدأ العمل في الحرس الثوري الإسلامي. ولكن بعد أن تأكد تماما من انتصار الثورة، كان قلبه قلقا على الأمة الإسلامية وخاصة فلسطين المحتلة والمظلومة. ولم يكن يرى أن من الصواب ألا يفعل شيئا ويبقى صامتا، فذهب إلى لبنان مع مجموعة من القوات الإسلامية بقيادة الشهيد محمد منتظري لمحاربة محتلي القدس.
يقول رفاقه: بفضل مهاراته الفنية، قام محمد حسين بتصميم جهاز يحمل مدافع ثقيلة ويقدم مساعدة كبيرة للجنود في الصراع مع العدو.
استشهد محمد حسين اثني عشري، المناضل الوحيد من اهالي خوزستان مدينة دزفول، في الیوم الـ 10 من شهر آذر عام 1359(الاول من ديسمبر عام 1980م)  في عملية جرت في جنوب لبنان تحت قيادته، وقد تعرفت عليه القوات الصهيونية وإستهدفته بقذيفة وإستشهد رضوان الله عليه.

سيحمي الله عائلتي
قالت إحدى شقيقات الشهيد اثنى عشري أن محمد حسين أتى إلى البيت قبل الوداع ومغادرته إلبلاد وتوجهه إلى فلسطين، فقلت له محمد حسين أنت الولد الوحيد الموجود في هذا البيت وبعد الله أمل الأم فيك أنت.
فأجابني محمد حسين، سأستودع أمي بالله أولاً، ثم أستودعها بكن أنتن خمس أخواتي، اعتنن بها حتى إذا عدت أعوضكن، وإذا استشهدتُ، الله سوف يعتني بكن.
وبحسب رواية أصدقاء ورفاق الشهيد إثنى عشري، فإنه يعتقد أنه في طريق تحرير القدس، يجب أن نحاول مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم والمعذب.
ووفقاً لاقوال الإمام الخميني(رض)، علينا أن نبذل قصارى جهدنا لرفع راية الإسلام في القدس الشريف ومساعدة الثورة الإسلامية الفلسطينية ومحاربة الصهاينة الغاصبة.
رواية شقيقة الشهيد محمد حسين اثنى عشري عن أخيها
أخي محمد حسين ولد عام 1958م  وكان الإبن الخامس في الأسرة. نحن خمس أخوات وشقيقان من مدينة دزفول التابعة لمحافظة خوزستان. لم يكن محمد حسين يتجاوز السابعة من عمره عندما انتقل والدنا إلى رحمة الله. كان والدي مزارعاً وفي أحد الأعوام هاجم الجراد كل البساتين ودمر الزراعة.
بعد ذلك، حصل والدي على متجر في سوق دزفول وعمل فیه، لكن لم يمض وقت طويل بعد وظيفته الجديدة حتى انتقل إلى رحمة الله. بعد ذلك بدأ محمد حسين العمل لإعالة أسرته وبذل كل ما في وسعه.
على الرغم من أنه لم يكن كبيراً في السن، إلا أنه أصبح معيل المنزل. وكان عندما يتقاضى راتبه يعطي المال لأمنا أولاً ثم يعطي جزءاً من راتبه للمحتاجين.
كان محمد حسين ذكياً جداً، لم يكن لدينا مثله بین أقاربنا، وكان يجتهد ليحصل على الخبز الحلال. اختبر محمد حسين عدة وظائف إلى أن أصبح ماهراً جداً في مجال الميكانيكا. قال أستاذه الميكانيكي (إن محمد حسين كان ذكياً جداً، وفي المرة الأولى التي علمته فيها، تعلم بسرعة).
بعد ذلك ذهب أخي إلى إحدى الشركات وقام بإصلاح آلاتها الثقيلة.
على الرغم من أنهم لم يمنحوا محمد حسين راتباً جيداً، إلا أنه فعل ذلك لاكتساب خبرته الخاصة وتحسين قدرته.
أحد معاقي الثورة
كان النشاط الثوري لمحمد حسين إلى جانب نشاط أختي وأزواجنا وعندما كانت الثورة على وشك الانتصار، ذهب إلى اهواز واستأجر متجراً في تقاطع آبادان وكان لديه العديد من الطلاب.
ومن هناك شارك أخي في الاحتجاجات الشعبية في آبادان. أصيب مرتين نتيجة مطاردته من قبل ضباط الشرطة في زمن حكومة محمد رضا البهلوي.
لجنة الثورة الإسلامية
ذهب محمد حسين إلى لجنة الثورة الإسلامية وعمل في قسم مكافحة المخدرات. كان يعمل في سبيل الله. وبعد 40 عاماً وجدت رئيس أخي في اللجنة، فحدثني عن ذكريات ونشاطات محمد حسين في اللجنة. وكان محمد حسين نشطاً في الحدود وقام بالعديد من الخدمات في اللجنة. وبحسب أقوال أصدقائه فإن محمد حسين بذل كل قوته في المهمة والمسؤولية الموكلة إليه.
إنبعث إلى لبنان
عندما كان محمد حسين يعمل في لجنة مكافحة المخدرات في أهواز، كانت قنصلية السفارة الفلسطينية قُربَ اللجنة، ذهب محمد حسين إلى القنصلية وطلب ارساله إلى فلسطين.
فقال رئيسه: قلت لمحمد حسين لماذا سجلت اسمك؟ وردا على ذلك قال: "يجب أن أذهب وأشكر الله أنهم وافقوا على تسجيل اسمي".
فكرة نصرة الشعوب المظلومة تشكلت في وجود وذهن أخي، وأخيراً غادر محمد حسين مع مجموعة من القوى الأمنية برئاسة الشهيد محمد منتظري إلى جنوب لبنان.
بأمل تحرير القدس
وطالما أن محمد حسين لم يسجل إسمه للحضور في فلسطين، لم نكن على دراية تامة بالأحداث التي تجري هناك ونضالات الشعب ضد النظام الصهيوني. وعندما سمعنا أن محمد حسين اتخذ هذا القرار، خالفنا هذا القرار وقلنا إننا لا نريدك أن تذهب.
أين فلسطين أصلا؟! وقال أخي، انظري يا أختي، الفلسطينيون مظلومون ويحتاجون إلى المساعدة.
يجب أن نذهب لمساعدتهم. لقد انتصرت ثورتنا ونتركها في أيدي أبنائنا الآخرين ونذهب لمساعدت الفلسطينيين إذا استطعنا، لا داعي للبقاء هنا، لدينا أشياء أخرى لنفعلها.
قلت يا محمد حسين لا تذهب فالأم مريضة وتحتاجك. قال إنكم خمس أخوات وكل شهر واحدة منكم ستعتني بالأم وأنا سأوصل نفسي بالشهر السادس.
قلت يا محمد حسين هل ستعود يا أخي؟ فقال: «یا أختي، لا يعلم أحد شيء عن تقديره إلا الله».
وبالتالي، ودعنا محمد حسين مع التحية والسلام والصلوات على محمد وآل محمد.
كان يغني أغنيته بهذا المحتوى: هنيئاً لأهالي مدينة دزفول على وجود مزار سيد قُبا في مدينتهم، ومن ذهب إلى الزيارة لاشك أنه سيحصل على ما يريد.
قلت هل لديك یا محمد حسين أمنية ومُراد؟ قال: نعم، بالتأكيد.
كانت رغبة محمد حسين هي مساعدة الشعب الفلسطيني. لقد نال مراده وأتمنى أن أراه مع الشهداء يوم تحرير القدس.
لحظة الوداع
لقد جاءني في مدينة دزفول ليودعني عندما انتهت مهمته. كان يوم 17 من شهر رمضان المبارك.
قال أنا ذاهب إلى فلسطين. قلت هل تفكر في والدتك أصلا؟ وقال الله كريم، أنت وإخواتي إلى جانب أمي.
وبما أنه كان مسافراً ولم يكن صائماً، فقد أعددت له الغداء. والدتي لم تكن في المنزل في ذلك اليوم. صلى أخي الصلاة وقال هيا نتناول الغداء معاً. قلت بالأول أنت تناول الطعام، وسوف أتناوله لاحقاً، كان يفكر في الرحيل كثيرا لدرجة أنه نسي تماما أنه شهر رمضان المبارك. ثم قال تعالي تناولي لقمة حتى
أرتاح قليلاً.
لقد كنت أنا ومحمد حسين قريبين جداً وكان بالنسبة لي بمثابة صديق مقرب. كنا ننفذ العديد من البرامج الثورية وغيرها من الأعمال بالتعاون والتنسيق معاً. فلما رأيته يصر كثيراً على تناول الغداء، قلت: يا محمد حسين، إني صائمة! وضرب جبهته بيده بشدة.
قلت له لماذا تضرب على جبهتك وأنت مسافر! الصيام ليس واجبا عليك! فقال: أعلم، ولكن ما كان ينبغي أن آكل أمامك شيئاً. جهز حقيبته وسلم بندقيته للجنة، لكنه أعطاني بعض خراطيشه التي بقيت في لوازمه وقال يا أختي خذي هذه وسلميها للجنة.
وفي لحظة الفراق أمسكت بيديه وقلت يا محمد حسين ممکن أطلب منك أن لاتذهب؟ فقال: يا أختي لا تكرري هذه الجملة مرة أخرى. يجب أن أرحل... لقد رحل والآن أنا فخورة به وأنه جعل مدينتي وبلدي يعتزون ويفتخرون به.
لقد كان محمد حسين تقياً وثورياً جداً، والحمد لله أنه خطى على هذا الطريق وأصبح مدافعاً عن حريم آل الله والإسلام.
معجب بالإمام الخميني (رض)
عندما قرر أخي الذهاب، أخبرني زوجي أنه عندما ذهبنا إلى مدينة قم المقدسة مع محمد حسين للقاء الإمام الخميني (رض)، كان الإمام يتحدث عن الشعب الفلسطيني. وكان محمد حسين منتبهاً تماماً لحديث الإمام(رض)، وقال لي هل رأيت أن الزعيم كان يتحدث أيضاً عن الشعب الفلسطيني.
قال زوجي إن محمد حسين كان يفكر على طول طريقنا من مدينة قم المقدسة إلى مدينة دزفول، وأخيرا، في عام 1979م، تم إرساله إلى جنوب لبنان بإرشاد الشهيد منتظري، وبعد دورة تدريبية ذهب إلى فلسطين وبقى هناك حوالي 9 أشهر.
وبعد الانتهاء من الدورات الفدائية، تولى محمد حسين المسؤولية في الجيش الفلسطيني. يقول أصدقاؤه إنه كان قادراً جداً ومدرباً. إنه يسعد الجميع بحركاته ونشاطه وطاقته ويبدو الأمر كما لو أن جيشاً من رجل واحد دخل ساحة المعركة وهاجم.
وفقاً لأقوال رفاقه، أظهر محمد حسين شجاعته الكبيرة، ولأنه ماهر تقنياً، صمم جهازاً يمكنه حمل مدافع ثقيلة وتمكين المحاربين من توجيه العديد من الضربات في القتال مع العدو.
ولكن يبدو ان الأمر كما لو أن قوات النظام الصهيوني عثرت على هویة محمد حسين، وبعد 14 شهراً من التواجد وجهود عديدة، استشهد أخي في عملية اليوم العاشر من شهر آذر عام 1359 (الاول من ديسمبر عام 1980م) بقذيفة هاون ودُفن جثمانه بين مقابر الشهداء الفلسطينيين.
وكان أخي يبلغ من العمر 22 عاماً حينها، وعندما كان محمد حسين هناك كتب لنا رسالة وصلت إلينا بعد استشهاده. لقد مرت 42 سنة على تلك الأيام، وللأسف نسينا نص الرسالة. لقد احتفظنا بصور محمد حسين وملابسه وممتلكاته كأمانة عندنا.
السفارة الفلسطينية وخبر الاستشهاد
أتذكر ذلك الیوم جيدا. بدأت الحرب المفروضة وقصف الجيش الصدامي مدينة دزفول. بعد مرور 12 يوماً على استشهاد محمد حسين، جاء إلى منزلنا بعض الأشخاص من السفارة الفلسطينية. وكان معهم مترجم أيضاً. وفي اللحظة التي كانوا فيها جالسين في المنزل، قام الجيش الصدامي بقصف أطراف وحوالي المنزل مرة أخرى. ركض الأطفال إلى الشارع وأحضروا قطعاً من قذائف الهاون إلى المنزل. وعندما شاهد الضيوف الفلسطينيون ذلك المشهد قالوا: ألا تخافون من شيء؟
كنا نظن أن وضعنا هو الأسوأ، ولكن يبدو أنكم أيضاً في وضع صعب. وكانت الحرب قد بدأت للتو في تلك الأيام. أخبرتهم أن هذا هو الخط الأمامي للمعركة ضد العدو. نحن صامدون ولسنا خائفين من هذه التفجيرات.
هذه هي الجبهة نفسها
أهالي مدينة دزفول هم أهل المواقف ويدافعون عن بلادهم حتى آخر أنفاسهم، وظهرت ابتسامة على شفاه الضيوف. وبعد قليل، أظهروا لنا صورة محمد حسين. كانوا يتحدثون والمترجم يترجم لنا كلامهم، في البداية أثنوا على شجاعة محمد حسين، ثم أخبرونا بخبر استشهاده. وبالطبع كان زوجي على علمٍ تامٍ باستشهاد محمد حسين قبل يومين. من فيلق مدينة دزفول ذهبوا إلى منزل عمي الذي كان في اللجنة وأبلغوه باستشهاد محمد حسين. كما أبلغ ابن خالي زوجي بهذا الخبر المرير، لكنه قال إنني لا أملك الشجاعة لإخبار العائلة بخبر استشهاد محمد حسين. على أية حال، بعد أن سمعنا خبر الاستشهاد، صدمنا جميعاً، وحتى ذلك الحين لم يحضروا لنا جثمان أخي.
في أحد الأيام، قالت لي والدتي دعينا نذهب إلى شهيد آباد، هناك شهيد يحمل نفس اسم شقيقك "محمد حسين".
ذهبت أنا وزوجي إلى قبر ذلك الشهيد مع والدتي. فكلما إشتاقت أمي لأخي، ذهبت إلى قبر هذا الشهيد.
قصف قبر محمد حسين
محمد حسين كان أعزب. جاءت والدتي معي إلى السوق قبل أن يأتينا خبر استشهاد محمد حسين. قالت إنها تريد شراء قماش لمحمد حسين وعروسه. وكانت والدتي صبورة جدا. وبعد استشهاد أخي كانت تقول: "بعد ولادة محمد حسين، كنت كلما نظرت إلى وجهه ينكسر قلبي وكانت تمضي بي الأيام بصعوبة.
كان يهمس لي صوت داخلي أن هذا الطفل لن يدوم لكِ.
وعندما استشهد محمد حسين أقاموا له مراسم ودفنوه بجوار شهداء فلسطين. لكن بعد فترة قليلة قصف الكيان الصهيوني مدفن الشهداء ولم يبق من الشهداء شيء. على كل حال نحن راضون بإرادة الله.
 

البحث
الأرشيف التاريخي