على رأسها «ستاربكس» و«ماكدونالدز»

مقاطعة إسرائيل توجع الداعمين.. خسائر بالمليارات للعلامات الأميركية

تتكشف يوماً تلو الآخر خسائر الشركات التي تعرضت لحملة مقاطعة إسرائيل بفعل دعمها أو وقوف دولها بجانب العدوان الوحشي على غزة، لتبدو هذه الخسائر الأكثر إيلاماً.
جاءت البيانات المالية الصادرة عن العديد من الشركات الأميركية والغربية التي تعرضت للمقاطعة بفعل دعمها المباشر أو وقوف دولها بجانب الكيان الصهيوني في عدوانها الوحشي على قطاع غزة، لتكشف عمق الأضرار التي تتعرض لها تلك الشركات، إذ وصلت في إحداها فقط إلى تبخر نحو 12 مليار دولار من قيمة أسهمها في 20 يوماً، ما يعكس عمق أزمتها وهروب المستثمرين منها في ظل انهيار إيراداتها.
وتصاعدت حملات مقاطعة إسرائيل في مختلف الدول العربية والإسلامية وكذلك في الكثير من الدول الغربية التي تشهد حضوراً للجاليات العربية، حيث اشتدت جذوة هذه الحملات بعد استئناف جيش الاحتلال الصهيوني عدوانه الإجرامي على غزة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عقب أيام معدودة من الهدنة.
وانتشرت مقاطع لفروع سلاسل تجارية وأغذية ومقاه أميركية تحديداً، فارغة من الزبائن، منها "ستاربكس" و"ماكدونالدز"، و"كنتاكي" و"إتش آند إم". ونهاية الأسبوع الماضي، كشفت "ستاربكس" عن تكبد أسهمها سلسلة قياسية من الخسائر مع تزايد مخاوف مستثمريها من تزايد حدة التراجع التي أصابت مبيعات شركة القهوة العملاقة.
وخلال 20 يوماً، تلاشى نحو عُشر القيمة السوقية للشركة بما يعادل 12 مليار دولار تقريباً، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية. كذلك أشارت بيانات المبيعات إلى تباطؤ لافت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بينما كانت قد حققت نمواً قوياً في المبيعات بنسبة 8% في الربع المالي الأخير لها، حسب مذكرة لبنك "جيه بي مورغان" الأميركي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أبدت ستاربكس تأييداً للاحتلال الصهيوني، ورفعت إدارة الشركة دعوى قضائية ضد نقابة العاملين بها، والتي تحمل اسم "اتحاد عمال ستاربكس"، متعللة باستخدامهم غير السليم للعلامة التجارية للشركة، في أعقاب نشر النقابة منشوراً مؤيداً لفلسطين.
 تحدي كبير خلال الفترة المقبلة
وبحسب تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية في السادس من الشهر الجاري، فان تيار "السخط العام" في العالم العربي يشير إلى أن فروع الشركات الأميركية والغربية ستواجه تحدياً كبيراً خلال الفترة المقبلة.
وكانت سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" الأكثر استهدافاً بحملة مقاطعة إسرائيل في العالم العربي، بحسب وكالة رويترز، وذلك بعد إعلان "ماكدونالدز الأم" تقديم طرود غذائية ووجبات مجانية لجنود الاحتلال الصهيوني، إلى جانب شركة ستاربكس التي هاجمت نقابة عمالها، في بيان، على خلفية نشرها بياناً تضامنياً مع فلسطين.
ونقلت الوكالة عن مصادر بمكاتب ماكدونالدز الرئيسية في مصر أن مبيعات الفرع المصري في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين انخفضت بنسبة 70% على الأقل مقارنة بنفس الشهرين من العام الماضي 2022.
وفي منطقة الخليج الفارسي، دفعت الاستجابة لحملة مقاطعة إسرائيل في الكويت وقطر وعمان، "ماكدونالدز العالمية"، ووكلاءها إلى إصدار بيان، في مطلع الشهر الماضي، ينفي دعم سلسلة المطاعم الشهيرة أي "طرف من الصراع الدائر حالياً في الشرق الأوسط".
 خسائر فادحة عربياً
ويقول الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات صحفية: إن الشركات المستهدفة بالمقاطعة ستتكبد خسائر فادحة عربياً، لاسيما في دول الخليج الفارسي التي تحظى بإنفاق مرتفع.
ويلفت إسماعيل، في هذا الصدد، إلى مشكلة تتعلق بفروع الشركات المستهدفة بالمقاطعة في المنطقة العربية والخليج الفارسي، إذ تتم إدارتها من قبل رجال أعمال محليين يمتلكون حق التشغيل أو شركات محلية تعمل تحت نظام "حق الامتياز التجاري"، ويدفعون نسبة من الأرباح للشركة الأم في الولايات المتحدة، ما يعني أن الخسائر ستشمل قطاعاً من الاقتصاد الوطني أيضاً.
ومع ذلك، فإمكان إنشاء بدائل لشركات الامتياز وللعمالة الوطنية بها أمر قائم، بحسب إسماعيل، الذي يؤكد أن "الرسالة من المستهلكين العرب واضحة، وهي رفض الدعم الأميركي اللامحدود للكيان الصهيوني وحربها على غزة".
شكل من أشكال المقاومة الشعبية
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أن الاستجابة للمقاطعة تؤشر إلى التصاعد الكبير في الحس الشعبي الرافض لحملة الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، بما في ذلك جرائم النازيين، لافتاً إلى أن هذه المقاطعة تأتي كشكل من أشكال المقاومة الشعبية، لاسيما في ظل حالة العجز الرسمي للدول.
وعن تأثير هذه المقاومة، يقول عايش: إن التراجع ملحوظ في عائدات فروع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وعلى رأسها ستاربكس وماكدونالدز، مشيراً إلى أن نسبة هذا التراجع وصلت إلى 90% في بعض الدول، ما كان له الأثر البالغ في انخفاض القيمة السوقية لهذه الشركات.
فالمقاطعة نشرت حالة من "عدم اليقين" بشأن مستقبل فروع هذه الشركات، خاصة في المنطقة العربية، ومنها دول الخليج الفارسي، وهي الحالة التي تتسبب في تراجع بقيمة الشركات؛ لكن استمرار هذا التراجع يرتبط باستمرار المقاطعة لفترة تتراوح بين 6 أشهر إلى عام، لتقييم النتائج المالية الحقيقية المترتبة عليها، سواء كانت مرتبطة بالقيمة السوقية أو أسعار الأسهم أو بالأرباح أو الفروع، بحسب عايش.
وفي حال استمرار المقاطعة لعام كامل، يتوقع عايش "انهيارات" لفروع الشركات المستهدفة، لافتاً إلى أن سلاسل مثل "ماكدونالدز" تمثل "مؤسسة عقارية" وليس فقط مجرد مطاعم، ما يعني أن مقاطعته من شأنها تكبيد السلسلة خسائر كبيرة على مستوى الإيجارات أيضاً، وليس العائدات فقط.
ولم تنحسر الآلام التي سببتها المقاطعة في أنشطة المطاعم والمقاهي وإنما علامات تجارية شهيرة في مجال الملابس، منها "إتش آند إم" التي أشارت وسائل إعلام مغربية خلال الأيام الماضية إلى اعتزامها الإغلاق، لتتصدر المشهد بجانب "ستاربكس" في هذا البلد .
وتتوفر ستاربكس، حسب موقعها الرسمي، على ثمانية عشر مقهى في المغرب، حيث تتمركز في خمس مدن كبرى، متمثلة في الدار البيضاء ومراكش وطنجة والرباط والقنيطرة. وسعت ستاربكس إلى توضيح طبيعة علاقتها مع الكيان الصهيوني، حيث أوضحت، عبر موقعها الرسمي، أنها حلت شراكتها في الكيان الصهيوني قبل عشرين عاماً بسبب "التحديات التشغيلية" التي تقول إنها واجهتها.
غير أن ذلك لم يخف تراجع نشاط تلك المقاهي في الفترة الأخيرة. وهو ما تجلى في المدن الكبيرة مثل الدار البيضاء، حيث اعتاد شباب وأسر من الطبقة المتوسطة ارتياد تلك المقاهي. ويؤكد نورالدين الحراق، رئيس الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم في المغرب، تأثر نشاط العلامة الأميركية بتداعيات المقاطعة التي تستهدف أيضاً علامات أجنبية أخرى.
ويتجلى أن مطاعم الوجبات السريعة ماكدونالدز، لم تتعاف من حملة المقاطعة، رغم محاولة الفرع المغربي النأي بنفسه عن الفرع الإسرائيلي الذي قدم وجبات مجانية للجيش الصهيوني. وعمد الفرع المغربي الذي ينشط منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلى حملة تواصلية سعى من ورائها إلى التأكيد على أنها شركة مغربية برأسمال محلي، وتوفر المئات من فرص العمل مباشرة وغير مباشرة.
تغيير خريطة الأسواق في المنطقة
ولعل طول أمد العدوان الصهيوني على غزة هذه المرة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، قد يساهمان في ترسيخ المقاطعة وتغيير خريطة الأسواق في المنطقة. ودعت حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" أخيراً إلى تكثيف وتصعيد جهود المقاطعة، مشيرة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني إلى ضرورة "التعطيل السلمي المدروس لنظام الهيمنة الغربية الذي يسلح ويمول ويحمي العدو الصهيوني من المساءلة".
ودعت إلى تركز المقاطعة على بضع شركات تعتبرها الأكثر دعماً لدولة الاحتلال "لمضاعفة الأثر"، منها "بوما" للملابس والأحذية الرياضية، وسلسلة متاجر "كارفور"، وشركة "أكسا" الفرنسية العاملة في قطاع التأمين التي تستثمر في مؤسسات مالية صهيونية منها بنك "لئومي"، وشركة HP، وعلامة "Ahava" لمستحضرات التجميل، و"صودا ستريم" للمشروبات الغازية.

البحث
الأرشيف التاريخي