الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وتسعون - ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وتسعون - ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

المفاهيم الدينية أساس حركة نهضة الغابات

قائدها العالم المناهض للاستعمار ميرزا كوجك خان

لم تكن حركة نهضة الغابة، التي تشكلت شمال إيران رداً على هزيمة الثورة  الدستورية وقمع تطلعات المجتمع الإيراني في وجه الاستبداد الداخلي والاستعمار الأجنبي، مجرد حركة عصابات عسكرية متأثرة بأجواء الحرب آنذاك، إذ كانت لهذه الحركة الشعبية والوطنية، القائمة على شخصية قادتها الأوائل وفكرها، أسس الوحدة الإسلامية، أسس وجذور دينية لا يبالي التاريخ العلماني بها في رسم المسار الفكري لهذه الحركة. التيار القومي يرسم ملامح هذه الحركة كونها تنتمي إلى التيار اليساري ، ولكلا التيارين شيءٌ واحد مشترك، وهذا الرابط هو أن الدين والمعتقدات الدينية للقادة الأوائل للحركة لا تؤخذ بعين الاعتبار.
بالنظر إلى الخلفية التاريخية لمنطقة جيلان في تشيعهم والاهتمام بالأسس الفكرية للقادة الأوائل لنهضة الغابة مثل ميرزا كوجك خان، يمكن إقامة علاقة مباشرة بين فكر مواجهة الظلم والاستشهاد عند الشيعة وارتباطها بالدوافع والعوامل المسببة  لحركة نهضة الغابة. تعتبر هذه الأفكار متجذرة لدى أهالي جيلان، وأولوية أهل جيلان في الطابع الديني القومي لقادتها الأوائل، فإن تشكيل حركة نهضة الغابة يعود إلى أنشطة الاتحاد الإسلامي في جيلان.
انتماء حركة النهضة لمجلس الاتحاد الإسلامي
في إيران، تُعد منطقة جيلان إحدى المناطق التي ينشط فيها مجلس الاتحاد الإسلامي، يقول يحيى ديو سالار:" اجتمع الأحرار من الديمقراطيين والمعتدلين المتطرفين والمحافظين وشكلوا جمعية تُسمى اتحاد الإسلام، والتي كانت على اتصال بعلماء مدينة النجف الأشرف ومراكز دينية أخرى، وكان يقودها المرحوم مستوفي الممالك، المتحالف مع الحكومتين الألمانية والعثمانية، اللتين كانتا في حالة حرب مع روسيا وبريطانيا، وحصلت منهما على أسلحة. في الوقت نفسه، بعد اجتماع المجلس، تقرر أن يتطوع عدد من الرجال المتفانين وذوي الخبرة للذهاب إلى الشمال من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع تقدم الجيش الروسي. ونتيجة لذلك، تم انتخاب 46 شخصا تحت إشراف خمسة أشخاص، من بينهم ميرزا كوجك خان. شكلت هذه المجموعة، التي كان لها 17 عضوا من مجتهدي جيلان بقيادة آية الله السيد عبد الوهاب صالح ضيابري، نواة الحركة لمحاربة المحتلين الأجانب والحكومة الديكتاتورية.
من المفاوضات واللقاءات الأولية، يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أنه إذا ظهر مركز دائم للإرشاد وصنع السياسات، فإنه سيمنع الاشتباكات المتفرقة، ويقلل الضغط على الناس، ويكون حصناً ضد الأجانب. لذلك، اعتبر مجلس الاتحاد الإسلامية دعماً جيداً لإنشاء وتاسيس حركة نهضة الغابة. يقول كشاورز في تحليله للعلاقة بين اختيار اسم الاتحاد الإسلامي من قبل نهضة الغابة على النحو التالي: "يبدو أن اسم مجلس الاتحاد الإسلامي اختارته نهضة الغابة لأن هدفها النهائي، مثل الاتحاد الإسلامي الذي أسسه السيد جمال الدين أسد آبادي، كان محاربة الاستعمار في ظل التضامن الإسلامي".
خلال منفاه في طهران، اتصل ميرزا بالعديد من الشخصيات المعروفة المنتسبة إلى جماعة الاتحاد الإسلامي الذي أصبح فكرةً تشمل وتجمع المهتمين بالتحرر من الحكم الاستعماري، وبدأ الاتحاد الإسلامي عمله في إيران عام 1912م وسرعان ما استقطب عدداً كبيراً من الأحرار. بلغ عدد أعضاء لجنة الاتحاد الإسلامي 72 عضواً، أدى هذا التغيير إلى دخول العلمانيين في مجلس الاتحاد الإسلامي، ما أخل بالأسس الأصلية له.
تم اختيار مجلس الاتحاد الإسلامي من قبل ميرزا ورفاقه لحركة الغابة لأن هدفها، مثل الاتحاد الإسلامي الذي أسسه السيد جمال الدين آبادي، كان محاربة الاستعمار وعملائه في ضوء تضامن جميع المسلمين. وبعد إقامة علاقات مع الاتحاد الإسلامي في طهران والنقاش معهم، قرر ميرزا أن "أي حكومة لا تستطيع إنقاذ بلادها من هيمنة وسلطة الأعداء الأجانب، يكون من واجب الأمة أن تنهض لتحرير وطنها". ولهذا قرر تنظيم القوى بمختلف أطيافها، يذكر أتباع الحركة في جريدتهم صراحة علاقتهم وانتمائهم إلى وفد الاتحاد الإسلامي على النحو التالي: "لقد نهضنا باسم الوحدة الإسلامية وننسب إلى هذه الطائفة المقدسة، ولكن ينبغي العلم أننا من أنصار الوحدة الإسلامية تحت عنوان "إنما المؤمنون أخوة " وفي هذه البرهة التي تسود التفرقة والاختلاف بين المسلمين، فلا يجب ان يقتل المسلم أخاه المسلم، ولا يجب المحاربة باسم الشيعة أو السنة، ولا يجب منح العدو الفرصة ولأننا إيرانيون ومسؤولون عن الحفاظ على هذه الأرض والمياه لإيران والوطن المقدس للإيرانيين.
"الغابة" صحيفة ناطقة باسم حركة نهضة الغابة
في عام 1917م، واثر سقوط القيصرية وقيام الحكومة البلشفية استدعت الأخيرة القوات الروسية المتواجدة في إيران للعودة إلى بلادها. وفي طريق عودتها بدأت تنهب أموال الناس وتضرم في بيوتهم النار وتنكل بهم، فما كان من ميرزا كوچك خان إلا أن وقف لها بالمرصاد عند الحدود الإيرانية _ الروسية واشتبك معها وأنزل بها خسائر بالغة حيث قتل العشرات من أفرادها ما أجبر تلك القوات للتفاوض مع ميرزا كوچك خان للتخلص من المأزق الذي وقعوا فيه والذي أوجدوه بأيديهم، وأسفرت المفاوضات عن موافقة الروس على تعويض الخسائر الناشئة في اعتداء القوات الروسية على الناس العزل وعدم التعرض لأي فرد إيراني عند الانسحاب من الأراضي الإيرانية.
 هذا الانتصار الكبير لفت أنظار الملايين من أبناء الشعب الإيراني المسلم.. وراحت تثني عليه وتبني عليه الآمال العريضة لتحرير الأراضي الإيرانية من دنس الاحتلال، الأمر الذي ساهم في توسيع قاعدته الجماهيرية فقويت شوكته وازداد الثوار حتى أصدروا جريدة مركزية باسم "جنگل" (أي الغابة) نسبة إلى الغابات التي كانوا يستقرون فيها وتتصدر صفحتها الأولى في كل عدد الشعار التالي: "هذه الجريدة تحرس حقوق الإيرانيين وتنور أفكار المسلمين والتي كانت مكلفة  بنشر أفكار مجلس الاتحاد الإسلامي .
وبالنظر إلى تاريخ صدور العدد 28 من جريدة جنكل، يتبين أنه على الرغم من دخول التيارات المعارضة في حركة الغابة، إلا أن الموقف الرسمي والدعائي للحركة كان متمسكاً بفكر مجلس الاتحاد الإسلامي. والحقيقة أن نفس الشعار الأساسي للحركة، التي أسستها النواة الأصلية، استمر في السنوات التالية. استطاع مجلس الاتحاد الإسلامي، من خلال أفعاله، النفوذ في قلوب شعوب المنطقة منذ البداية.
أصبحت هذه الإجراءات أحد العوامل في جذب القوى من أجزاءٍ مختلفة من البلاد إلى حركة وتجمع طالبي الحرية حول نهضة الغابة. في وقت السلم، كانت الحركة تتعاظم ويتوسع وجودها يوماً بعد يوم. ولم يقتصر تأثيرها على تغطية مساحة كبيرة من البلاد فحسب، بل اتسع نطاق أنشطتها كل يوم. لم يكن هناك يوم لم ينضم إليها فيه الكثير من الناس من جميع أنحاء إيران. لذا لا ينبغي اعتبار مجلس الاتحاد الإسلامي في مجال الفكر والعقيدة فقط مؤيدا وداعما لحركة الغابة. فبسبب تأثيرهم وقدرتهم المالية في المجتمع، كانوا يقدمون الدعم بالأسلحة والذخائر وإيصالها للمناضلين من أعضاء الحركة ومساعدتهم بكافة الوسائل،  
عاشوراء أساس حركة النهضة
كان لعاشوراء وكربلاء مكانةً خاصة في نظر قائد حركة الغابة ووجدها نموذجاً مناسباً لتأسيس حركة احتجاجية واستلهم منها. وعليه، قبل بدء إحدى المعارك، خاطب الشهيد ميرزا المناضلين قائلاً: "أخبرنا الله تعالى على لسان محمد (ص) أن قلة من الناس ربما تغلبت على عدد كبير من آخرين. نأخذ من رئيس مجاهدي الإسلام حضرة سيد الشهداء (ع)، قوتنا فكان يزيد والحكومة الأموية أقل من الحكومة القيصرية [روسيا] وعدد سكان الإمام(ع) لم يكن أكثر من هؤلاء السكان [إشارةً لأنصاره]، بالرغم من عدم تحقيق الإمام الحسين(ع) النصر، ظاهرياً، لكن اسمه أضاء دائماً قلوب الساعين إلى الحرية، فكان هذا هو النصر الأعظم.
قائد الحركة.... ميرزا كوجك خان
ولد الشهيد ميرزا كوچك خان في مدينة رشت الواقعة في شمال إيران . في عام 1895م استقر في طهران لمواصلة دراسته فيها. وقد كان يتألم كثيراً وهو ابن الثامنة عشرة ربيعاً، وكغيره من الأحرار، من الرياح التي أخذت تهب بقوة على كل بقاع وطننا الإسلامي، والتي تحمل معها سموم التغريب والغزو الفكري. وتنذر بالخطر العظيم، فضلاً عما ينطوي عليه المناخ السياسي السائد يومئذٍ من تمهيد الأرضية اللازمة للهيمنة الاستعمارية وفي شتى الميادين وخاصة السياسية والاقتصادية والحضارية.   ففي غمرة الهجمة الاستعمارية وطلائعها المعروفة، وجد نفسه مدفوعاً للوقوف بوجه هذا الخطر الداهم، فراح يساهم في بث الوعي الإسلامي بين صفوف الشباب عبر المحاضرات التي كان يلقيها عليهم، وكان يحث فيها على التحلي بالأخلاق الإسلامية، والتضحية في سبيل الإسلام والمسلمين.  
فلقد كان شاهد عيان على العديد من المخاضات العسيرة التي كانت تشهدها إيران: "انتفاضة التنباك 1889م، اغتيال ناصر الدين شاه 1896م، ثورة الدستور (المشروطة) 1906م، اكتشاف النفط 1909م، ازدياد حدة التنافس الغربي _ الروسي على النفوذ في إيران، وما أسفر ذلك كله من اضطراب سياسي انعكس بقوة على الشارع الايراني، وهذا ما أدى إلى تبلور ومن ثم التحديد النهائي للموقف السياسي لميرزا كوچك خان والذي تلخص بالدفاع عن إيران ضد كل المحاولات الاستعمارية (الشرقية والغربية) منها على السواء. وإذا كانت هناك من محطة تركت أثرها العميق في نفس ميرزا كوچك خان _ كما هو تاريخ إيران الحديث _ فهي ثورة الدستور عام 1906م، التي أدت إلى دخول القوات الروسية مدينة طهران لإعادة الشاه وحمايته فتوجه ميرزا كوچك خان مع عشرات الآلاف من أبناء الشعب الإيراني إلى مدينة "جرجان"، وهناك وقع اشتباك بين الطرفين (أي الجماهير والروس) قتل خلاله الكثيرون، وسقط ميرزا جريحاً مع مئات آخرين وقد نجا بأعجوبة.
بعد عودته إلى طهران انضم إلى حركة "اتحاد الإسلام" التي أسسها عدد من علماء الدين، بعد ذلك أوجد خلايا مسلحة وتوجه إلى القسم الشمالي من إيران واستقر مع رفاقه في الغابات، وبدأ يتصدى للقوات الروسية والبريطانية، واستمر في نضاله حتى ارتقى شهيداً  قي شهر ديسمبر من العام 1921م.
بعد سقوط بغداد عام 1917م بيد الاحتلال البريطاني حاول الانكليز بسط نفوذهم على إيران كلها وكانت تزمع على احتلال بلاد القوقاز، غير أنهم كانوا يرون في ثوار الغابات الذين يقودهم ميرزا كوچك خان مانعاً بوجه هذه المطامع الاستعمارية، لهذا قررت بريطانيا التفاوض مع ميرزا كوچك خان وأغروه مقابل السماح لهم بالدخول إلى القوقاز، بيد أنه لم ينخدع بأحاييل المستعمرين فوقعت معركة دامية في منطقة "منجيل" استخدمت خلالها القوات البريطانية الدبابات والطائرات وكبدت قوات ميرزا خسائر جسيمة لأن الهجوم جاء مفاجئاً وكان العدو متفوقاً في مختلف النواحي.   _ ورغم شهادات قائد الهجوم الذي نشر كتاباً حول "انتفاضة الغابات" فيما بعد والذي وصف فيه ميرزا كوچك خان بأنه شخص ثوري ومثالي وشريف ومنصف.. غير أن أجهزة الدعاية الإنكليزية وأبواقها حاولت إشاعت الاتهامات الرخيصة ضد ميرزا كاتهامه بالعمالة لألمانيا وروسيا والدولة العثمانية.  إزاء ذلك لم يقف ميرزا مكتوف الأيدي بل راح يرد على تلك الإتهامات ببيان وجهه إلى الأمة، قال فيه: "لا يستطيع أي شخص شريف أن يلوم شخصاً يحافظ على بيته وشرفه لأن الدفاع عن النفس يعتبر من الحقوق المشروعة لكل إنسان، وأن الذي لا يدفع الضرر عنه ولا يحرص حقوقه المشروعة ولا يحافظ على دينه ووطنه وشعبه.. فهو عديم الضمير ولا دين له"، وتساءل ميرزا في مكان آخر من البيان: "لماذا نضحي بأنفسنا ويضحي شبابنا بأنفسهم؟ لماذا نتحمل المشقات منذ عدة أعوام؟ لماذا فضلنا النضال وما يترتب عليه من المتاعب على الراحة؟ هل لأجل الحكومتين العثمانية والألمانية؟ أم لبسط سلطة الآخرين؟.. إنها اتهامات قذرة. إن استلام المال من الأجنبي والعمل لصالحه هو شأن الأشخاص التافهين".   وجاء في بيان آخر له: "إننا انتفضنا لحفظ ديننا وشرفنا.. وسوف نضحي بأنفسنا في سبيل تحرير واستقلال وطننا.. وندافع إلى آخر قطرة من دمائنا لحفظ القوانين الإسلامية"
زعيماً وطنياً ومقاتلا شرساً
يقول فخري في كتابه عن الشخصية الدينية لقائد الغابة:" ميرزا نفسه، كان مجرد رجل متدين ينظر إلى جميع جوانب الثورة من منظور الدين. وقد نظمت حركة نهضة الغابة اجتماعات منتظمة من أجل قراءة الشاهنامه للفردوسي وإلهام الروح الحربية للشعب. كان ميرزا "مسلماً شيعياً، ووطنياً لا شك فيه، ومقاتلاً شرساً، وزعيما ًنزيهاً وصادقاً، هدفه الوحيد هو تحرير البلاد من هيمنة القوى الأجنبية والفساد الداخلي.
آمن قائد حركة نهضة الغابة بالشرعية التاريخية للمسار الذي سلكه بسبب معتقداته. تاريخياً، قارن الظروف التي كان يمر بها هو ورفاقه بالظروف التي مر بها الإمام الحسين (ع). لذلك، استخدم هذه الإمكانات من أجل تعزيز أهداف الحركة، لا سيما في المواقف الحرجة والضغوط التي تمارس على الحركة من قبل الأعداء الداخليين والخارجيين.
في رسالته الأخيرة قبل شهر من استشهاده -والتي كتبها في أصعب ظروف الجمهورية، يقول الشهيد ميرزا: "قد يكون العدو هو المنتصر عبر الأساليب التي اتخذها، لكني بعون الله العادل لا أرى قادراً إلاّ الله وأتمنى أن يساعدنا، في جميع الظروف".
ختاماً يتطلب فهم طبيعة وأساس نهضة الغابة فهماً صحيحاً للسياقات الفكرية لهذه الحركة التي استمرت سبع سنوات. ولطالما كان عنصر الدين والمفاهيم الدينية حاضراً في سلوك وقرارات قائد الحركة ومؤسسيها وكمبادئ ثابتة لزعيمها البارز ميرزا كوجك خان، ولم يكن هناك أبداً أي تناقض بين تديّن وقومية قائد نهضة الغابة. فخلال حركة الحركة ومسيرها، كانت المفاهيم الدينية قوية وتؤكد النضال من أجل الحفاظ على الوطن والاستقلال عن الأجانب. لهذا السبب، أنكر التاريخ العلماني دور التدين لقادة نهضة الغابة ومقاتليها ولم يأخذ في الاعتبار هذا الجانب لها.

 

البحث
الأرشيف التاريخي