قائد الثورة، خلال استقباله جمعاً كبيراً من التعبويين:
طوفان الأقصى هي بداية «نزع الأمركة»
الوفاق- إلتقى صباح أمس الأربعاء 29/11/2023 قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، جمعٌ من التعبويّين في حسينيّة الإمام الخميني )رض).
في مستهل كلمته خلال اللقاء وصف الإمام الخامنئي، التعبئة بأنها من الأثر الثمين الذي تركه الإمام الخميني رضوان الله عليه، واعتبر اعتزاز الإمام بالانتماء إلى التعبئة دليلاً على كرامة التعبئة العظيمة. واعتبر أن بصيرة الإمام في إدراك حاجة البلاد الملحة إلى قوة شعبية كبيرة ومقتدرة هي الأساس المنطقي وراء تشكيل قوات التعبئة، وقال: إن منطق تعظيم مقاومة البلاد ضد كل الأخطار والتهديدات هو منطق قوي وحاضر اليوم وفي المستقبل، ووجود التعبئة هو من أجل "الدفاع الشامل" مادياً وروحياً عن الهوية الوطنية وأمن إيران ومصالح الأمة، أمر ضروري للغاية. كما عدّ قائد الثورة أداء التعبئة خلال الـ 44 سنة الأخيرة مؤشراً على دقة الإمام في تحديد الأهداف في إنشاء هذه المؤسسة الشعبية، وتابع: إن أداء التعبئة الحاسم والمنتصر في الدفاع المقدس كان مثالاً واضحاً على بعد نظر الإمام.
وفي شرح مكانة التعبئة في مدرسة الإمام، أشار إلى جملتين للإمام الراحل قائلاً: التعبئة في نظر الإمام هي جيش الله الصادق ومدرسة المحبة.
واعتبر قائد الثورة "الجانب العابر للحدود الوطنية" أنه سمة بارزة أخرى للتعبئة، وأكد بالقول: بشرى الإمام عن "بلورة نوى المقاومة العالمية" بات حقيقة في المنطقة اليوم، ونوى المقاومة تغيّر مصير المنطقة، ومثال على ذلك عملية طوفان الأقصى التي لن تنضب باتت ترسم ملامح جديدة للجغرافيا السياسية في غرب آسيا، ومن أبرز ملامح هذا الأمر نزع الأمركة وخلق ثنائية المقاومة أو الاستسلام، والتسريع في حلّ القضية الفلسطينية.
الجانب القتالي للتعبئة
واعتبر سماحة قائد الثورة الإسلامية استخدام الامام لمصطلح "الجيش" مؤشرا على الجانب القتالي للتعبئة، وقال: القتال يعني الجمع بين القوة "المادية والبدنية" و"القوة الروحية والإرادة والشجاعة" و"القوة الفكرية" والتي تعني الإستراتيجية وتكتيكات الحرب.
وأكمل سماحته، أيضاً في شرح "جيش الله المؤمن": إن عبارة الإمام هذه تعني التعبئة والتعبوية، والجهاد المخلص في سبيل الله، وفي المعركة هي مظهر من مظاهر التفاني. واعتبر أن استخدام الإمام الخميني لمصطلح "مدرسة العشق" للتعبئة دليل على أن التعبئة هي "العشق لله والمعنوية والشعب". واعتبر قائد الثورة الإسلامية أداء التعبئة (البسيج) من مظاهر هذه المفاهيم، وقال: لقد قامت التعبئة بعمل عظيم في الدفاع المقدس مع قادة لامعين من قبيل الشهيد سليماني، وصياد الشيرازي، وهمت، وبابائي، وشيرودي، وهمداني. ومئات من الجنرالات الآخرين، ونجحت هذه الحركة في الدفاع عن حريم البلاد وعزتها واستمرت في ذلك.
التعبئة أكثر من منظمة
ولفت إلى الحضور الجليّ للتعبئة في مجالات العشق الإلهي والخدمة والسعي، بما في ذلك في مجالات البناء والصحة والكوارث الطبيعية والعلوم والأبحاث، ودعا الشهيد فخري زاده والمرحوم كاظمي آشتیانی (مؤسس معهد رويان للأبحاث) وهما من التعبئة في مجال العلم والمعرفة، اللذين عززا العلم في البلاد. وأكد سمحاة الإمام الخامنئي مشيرا الى التعبير عن مفهوم واسع للتعبئة، وقال: التعبئة أكثر من مؤسسة، إنها ثقافة وتفكير، وكل شخص يملك هذه الثقافة والتفكير، حتى لو لم يكن في منظمة التعبئة، فهو تعبوي، وبهذا الوصف فإن عدداً كبيراً من المواطنين هم تعبويون دون أن يكونوا أعضاء في مؤسسة التعبئة.
في مستهل كلامه استعرض قائد الثورة الخصائص المهمة للثقافة التعبوية. مؤكدا أن تكون شخصا شعبياً، وأن يكون لديك الالتزام والشعور بالمسؤولية، وعدم تجاهل القضايا الحالية والمستقبلية للبلاد، وفهم معنى الثورة، وأن تكون ثوريا، وأن لا تكون جامحا، وأن لا تخرق الأعراف، هذه الصفات هي صفات الثقافة التعبوية.
التعبئة والإعتراض على بعض الأمور
وأضاف الإمام الخامنئي: التعبئة بالطبع قد تعترض على شيء أو شخص أو حقيقة، لكنها لا تعبر عن هذا الاعتراض بخرق الأعراف حتى لا تجد قاسماً مشتركاً مع العدو.
وتابع سماحته: تجنّب العمل الاستعراضي بدون محتوى وعروض، ومساعدة الضعفاء، ومواجهة الظالمين، وتجنب الاستكبار والكبرياء، وتجنب المديونية للثورة والوطن والأمة، والتوجه بالالتزام، وتجنب استخدام المرافق والقدرات التنظيمية لتحقيق منافع شخصية، وأمانة الآخرين. هذه هي الخصائص التي عددها قائد الثورة لتوضيح خصائص الثقافة التعبوية. وقال: ثقافة التعبئة - كما شهدنا في مساعدة الناس في الكوارث الطبيعية - هي خدمة الناس جميعا؛ أبعد من الدين والعرق والذوق السياسي للشعب. ووصف قائد الثورة الإمام الخميني (رض) بأنه مثال كل خصائص الثقافة التعبوية وقال سماحته: كان الإمام يعتبر نفسه دائما مدينا للناس، ولم يقضِ لحظة واحدة من حياته في تأمين مصالحه الخاصة.
فشل أمريكا في رسم خريطة جديدة للمنطقة
واستعرض سماحته أمثلة على فشل أمريكا في رسم خريطة جديدة للمنطقة، فقال: إن أمريكا سعت إلى تدمير حزب الله، لكن بعد حرب الـ 33 يوما، أصبح حزب الله أقوى بأكثر 10 مرات من ذي قبل.
ووصف آية الله خامنئي فشل أمريكا في ابتلاع العراق من خلال تشكيل حكومة أمريكية وحكم جنرال أمريكي أو زعيم مدني أمريكي وحتى عراقي تابع للولايات المتحدة في فترة ما بعد الاحتلال، بأنه مظهر آخر من مظاهر الفشل، وأضاف: في العراق الذين سعوا إلى ابتلاع هذا البلد، دخلت اليوم فيه فصائل المقاومة بقوّة إلى القضية الفلسطينية.
جرائم الکیان الصهيوني فضحت الغرب
وقال قائد الثورة الاسلامية ان جرائم الکیان الصهيوني في غزة فضحت الغرب وشوهت سمعة الثقافة الغربية وحضارته.
وقال سماحته خلال استقباله هؤلاء التعبويين: ان عملیة طوفان الأقصى أدّت الى تغيير ستراتيجية السياسات الأمريكية في المنطقة وإن شاء الله لو استمرّت ستمحو هذه الإستراتيجية. واضاف سماحته: ان طوفان الأقصى كانت حدثا تاريخيا تم تنفيذها ضد الکیان الصهيوني، لكنها في الحقيقة تعتبر "نزع الأمركة". وقال سماحته إن الجرائم الوحشية التي يرتكبها الکیان الصهيوني ضد أهل غزة فضحت الکیان وأمريكا والدول الأوروبية والحضارة والثقافة الغربیة، وأضاف: إن ثقافة الغرب وحضارته هي نفس الحضارة التي عندما يستشهد خمسة آلاف طفل بقنبلة فسفورية، يقول نظام دولة غربية ما، إن إسرائيل تدافع عن نفسها؛ هل هذا الدفاع عن النفس؟ هذه هي الثقافة الغربية؛ وفي هذه الحالة، فضحت الثقافة الغربية وشوهت سمعتها. وصرح قائد الثورة أن مآسي غزة هي خلاصة جرائم الکیان الصهيوني في فلسطين منذ 75 عاما.
طوفان الأقصى لا يمكن أن ينضب
وقال متسائلا: أين بنوا المستوطنات الصهيونية؟ لقد دمروا منازل ومزارع الفلسطينيين وأقاموا بدلاً منها المستوطنات الصهيونية وقتل من وقف ضد الاستيطان من امرأة أو طفل، فهم يفعلون ذلك منذ 75 عامًا. وأکد آية الله العظمى أن طوفان الأقصى لا يمكن أن ينضب، وهذا الوضع لن يستمر في ظل القدرة الإلهية.
وأشار إلى سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية، وقال: إن بعض الناس في العالم يتحدثون عن آراء الجمهورية الإسلامية بشأن المنطقة ويقولون زورا، أن إيران تعتقد أنه يجب رمي اليهود والصهاينة في البحر. كان بعض العرب يقول يتعين رمي اليهود في البحر، لكننا لم نقل هذا أبدا، نحن لا نرمي أحدا في البحر. وصرح سماحته: إننا نقول: إن الرأي هو رأي الشعب الفلسطيني والحكومة التي تشكل بأصوات الشعب الفلسطيني، هي ستتخذ قراراتها بشأن الذين يتواجدون هناك؛ ویمکن أن تقول هذه الحكومة: إن كل من جاء من بلدان أخرى يمكنهم البقاء في فلسطين. وأضاف الإمام الخامنئي: بعض الدول الأفريقية التي زرتها خلال فترة رئاستي كافحت وانتصرت، تمكن السكان الأصليون من هزيمة البريطانيين، لكنهم سمحوا للبريطانيين بالبقاء بناءً على مصالحهم. وأوضح قائد الثورة الإسلامیة أن الفلسطينيين يمكن أن يفعلوا الشيء نفسه؛ وقد يسمحون للبعض بالبقاء في ارضهم وقد يقولون للبعض الآخر يتعين عليهم المغادرة، الفلسطينيون هم صاحب القرار، ونحن لا نعلق على هذا.
فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد
وتابع قائلا: فيما یتعلق بقضیة لبنان، قال الأميركيون إنهم يتطلعون إلى تشكيل "شرق أوسط جديد" والشرق الأوسط يعني غرب آسيا. وقالوا إنهم يريدون إعطاء هذه المنطقة التي أطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط، خريطة جغرافية سياسية جديدة تقوم على تلبية احتياجات أمريكا ومصالحها غير المشروعة. وأضاف سماحته: بالطبع لم يحدث ما أرادوا. ولقد أرادوا السيطرة على سوريا من خلال وكلائهم ومرتزقتهم، داعش وجبهة النصرة. وقد دعموهم بشكل متواصل لمدة سبع أو ثمان أو عشر سنوات وقدموا لهم المال والتسهيلات، لكنهم فشلوا. وأکد الإمام الخامنئي أن الشرق الأوسط الجديد الذي أرادوا خلقه قد فشل فشلاً ذريعاً؛ وقال: من مكونات هذا الشرق الأوسط کان إنهاء القضية الفلسطينية لصالح الکیان الغاصب، وکانوا یریدون أن لا یبقی شيء اسمه فلسطين على الإطلاق.
فشل الأمريكان في السيطرة على سوريا
واعتبر سماحته فشل الأمريكان في السيطرة على سوريا عبر وكلائهم مثل داعش والنصرة مثالاً آخر على فشلهم، وقال: من خططهم الأخرى في خطة الشرق الأوسط الجديد إنهاء القضية الفلسطينية في سوريا، لصالح الكيان الصهيوني الغاصب بحيث لم يبق شيء مثل اسم فلسطين، بل لم تتحقق خطة حلّ الدولتين الغادرة التي تمت الموافقة عليها من قبل، ووضع اليوم وتقدم فلسطين وحماس والجهاد الإسلامي و لا يمكن مقارنة فصائل المقاومة الأخرى بما كانت عليه قبل 20 عاما. وأكد: بالطبع أن الجغرافيا السياسية للمنطقة تتغير، ولكن ليس لمصلحة أمريكا، بل لمصلحة جبهة المقاومة.
نزع الأمركة
وعدد سماحة آية الله الخامنئي خصائص خريطة غرب آسيا الجديدة والناشئة، وقال: السمة الأولى لغرب آسيا الجديدة هي "نزع الأمركة، وهو ما يعني إلغاء الهيمنة الأمريكية على المنطقة"، الأمر الذي لا يعني قطع العلاقات السياسية للدول مع الولايات المتحدة، بل فقدان التسلط والهيمنة السياسية للولايات المتحدة، وكما نرى، فإن بعض الدول التابعة بنسبة 100 بالمائة تتبنى أيضا مواقف أخرى.
ومن بين الإجراءات التي اتّخذتها امريكا في السنوات الأخيرة للسيطرة على المنطقة، كانت الدعوة لتعزيز العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأضاف: إن العلامة الواضحة على "نزع الأمركة" في المنطقة هي النزعة التاريخية العميقة وعملية طوفان الأقصى، التي وإن كانت ضد الكيان الصهيوني، إلاّ أنها في اتجاه نزع الأمركة؛ ولأن طاولة السياسات الأميركية في المنطقة قد اختلطت، ومع استمرارها ستختفي طاولة السياسات الأميركية من المنطقة بالمطلق.
وأكد سماحته أن حادثة طوفان الأقصى المهمة والفريدة من نوعها قد قربت الأهداف وعبّدت الطريق، وقال: إن الكيان الصهيوني الذي إنهارت أعصابه إثر هذا الطوفان، بدأ بقصف المستشفيات والمدارس، والشعب، وقتل الأطفال، وهو بالطبع لم ولن يتمكن من القضاء على عملية طوفان الأقصى بهذه الجرائم.
ولفت الى فشل الكيان الصهيوني في كافة أهدافه في هذه الحرب، وقال: أن هذا الفشل لا يمكن تعويضه بالغضب والوحشية، لكن مثل هذه التصرفات جلبت المزيد من العار للكيان الصهيوني وامريكا، وحتى العار للغرب المُتشدّق بالثقافة والحضارة. واستنكر موقف أحد القادة الغربيين في تبرير جرائم الكيان الصهيوني تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، وقال: "الثقافة والحضارة الغربية تُطلق على استشهاد أكثر من 5000 طفل فلسطيني واستخدام قنابل الفوسفور دفاعاً عن النفس. لقد فقدت الثقافة الغربية مصداقيتها في هذه الحالة.