القنابل الصهيونية تدك أحياء غزة وتنذر بالفناء والعدم
الإنسانيّة بين سندان الحريّة ومطرقة الحرب
الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
الهدنة بغزة وأكذوبة الإنسانية... هل سيأتي يوم تنتصر به الحريّة أو ستبقى الإنسانيّة أسيرة سندان ميسترو الحروب؟، وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم ويعرف ويتبصّر... لنبدأ مقالتنا اليوم بتعريف أو بشرح لمفهوم الإنسانيّة: هي المبدأ الإنساني المركزي الذي تقوم عليه كل المبادئ الأخرى، حيث يجب مُناصرة الإنسانيّة وصد مُعاناتها في أي مكان في العالم، فالغرض من العمل في الميدان الإنساني هو ضمان واحترام الإنسان وحماية حياته وصحته وشؤونه المختلفة. وهي الصفات التي تُميّز الجنس البشري عن غيره من المخلوقات الحيّة. وقد عرّفها عالم الإجتماع والفيلسوف أوجست كونت بأنّها تُشكّل كائناً جماعياًّ يتطوّر مع الزمن، أمّا الفيلسوف إيمانويل كانط قال: «أنّ الإنسانيّة هدفُ الأخلاق وأساسُ فكرة الواجب». ويرتبط مفهوم الإنسانية بقيم معينة تُعتبر مجموعة من الإلتزامات الأخلاقيّة التي تُرشد الإنسان إلى كيفيّة التفاعل مع بني جنسه!! مثل: الإحترام، التّعاطف، الأخوة، التّفاهم، الإحسان، قبول الآخر والإيثار وغيرها...
تُساعد الإنسانيّة وقيمها البشر على أن يعيشوا بسلام، وبإنسجام، وبمحبة، كذلك وبالإضافة إلى القيم الإجتماعيّة فهي تُعزّز القيم الأخلاقيّة «مثل النّزاهة والعدالة» لدى الفرد والّتي ترفض وتُحارب الظلم والعنف والجرائم بحق الإنسان. من هذا المنطلق ظهرت العديد من المفاهيم المعاصرة التي أصبحت مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بمصطلح الإنسانية، مثل: حقوق الإنسان، والأمن البشري، والتنميّة، وقد ذُكرت في العديد من القوانين في المعاهدات الدولية، حيث إنّها تُعدّ من المصادر المهمة للقانون الدولي.
الخصائص الإنسانية للجنس البشري على مرّ العصور
اكتسب الإنسان خلال ملايين السّنين العديد من الصّفات والخصائص التي تطوّرت على مدار العقود:
العقل: إذ تطور نتيجة التحديات التي واجهته على مرّ العصور، والّتي بحث خلالها عن حلول للتأقلم وهذا ما ساهم في تطور الدماغ بطريقة مبهرة.
المشي منتصباً: مكّنته هذه الميزة من التأقلم مع البيئة، والقدرة على السفر والترحال بمرونة.
التأقلم: بقي الإنسان على قيد الحياة وصولاً إلى يومنا هذا نتيجة تّطوّره وتغير النظام الغذائي الخاص به على مرّ العصور...
بناء الحياة الاجتماعيّة: تمكّن الإنسان من بناء شبكات إجتماعية، تتسلسل من الجد نحو الابن ثم الأحفاد، كما تمكّن من رعاية الأطفال، الذين يجب أن يكون هناك من يرعاهم ويُقدم لهم ما يلزم لنشلهم من مآسي معيّة يعيشونها في ظل الحروب.
صنع أدوات للصيد: تمكّن الإنسان البشري من صيد الحيوانات المختلفة وتأمين قوت يومه من خلال صناعته للرماح الخشبية، منذ 2.6 مليون سنة، وقد سهّلت الأمور كثيراً عليه...
اللغة والرموز: استطاع الإنسان البشري على مرّ العصور تطوير طرق التواصل وتحويلها من رموز إلى لغات سهلة الفهم تُتيح له التواصل بطريقة أفضل.
مبادئ حقوق الإنسان
تتميز حقوق الإنسان ببعض المبادئ المهمّة المرتبطة بالإنسان، ومن أبرزها ما يأتي:
الشمولية: تشمل حقوق الإنسان جميع البشر دون استثناء، وذلك حسب المادة 1 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
حقوق الإنسان متكاملة: يجب عدم فصل أو تجزئة حقوق الإنسان عن بعضها البعض، سواء المدنية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، فجميعهم في نفس سلم الأولوية، ولا يجب انتهاك أيّ حق من هذه الحقوق، لأنّها مترابطة وانتهاك أحدها سوف يتسبّب في إعاقة الحصول.
المساواة وعدم التميز: يجب أن يكون جميع البشر متساوين في الحقوق بغض النظر عن العرق، أو اللون، أو الجنس، أو العمر، أو اللغة، أو الدين، أو الأصل، أو أيّ معيار آخر يُمكن أن يُعيق حق تملك هذه الحقوق.
الحق في صنع القرار: يحق لجميع البشر المشاركة في صنع القرارات التي لها تأثير مهم في حياتهم، ومستوى رفاهيتهم، ولهم الحق في المشاركة في صنع القرارات المحليّة في المجتمع المدني، أو النسوي، أو غيرها من الجماعات.
المساءلة وسيادة القانون: يجب على الدول والمسؤولين احترام حقوق الإنسان، واتباع القواعد والنصوص القانونية فيما يتعلّق بهذا الأمر، حيث إنّه يحق لكلّ فرد رفع دعوى قضائية في حال انتهاك أحد الأطراف لأحد حقوقه، ليُعاقب أمام القانون ويحصل الفرد المتضرر على التعويض المناسب لمقدار الضرر الحاصل.
الحديث عن الإنسانيّة جميل ونتمتع بقراءة بنود شرعة حقوق الإنسان، نعم بضع ثوان أو قد تكون دقيقة. وهل هي كافيّة لننسى هذا الأمل؟ لنتقبل هذا الواقع الذي لا يمت للإنسانيّة بصلة لا من قريب أو بعد.
الحرب دائرة تملؤها الصور والمشاهد فتجد نفسك تتألم بالشظايا التي تخترق الجماجم وتشوّه أجساد التعاسة الأبديّة، أصوات القنابل التي تدقّ أحياء غزة وتنذر بالفناء والعدم. صوتُ صفارات الإنذار يدوّي، زلزلة الغارات الجوية والدمار اللاحق بها الحربُ تكاد أن تكون سيمفونيّةٌ تعيسة، لأوركسترا مكتملةٌ عناصرها ويقودها ميسترو الحرب المتعطش للدماء!
كوكب الارض يختزل الإنسانية بكل ما أوتي من قوة!!
اضمحلت الإنسانية بكل ما فيها من قيم بسبب التطورات، وأنت تبحث أن تكون إنسان في كوكب يختزل الإنسانية بكل ما أوتي من قوة!!
الإنسانيّة تغلبت على الضعف مرارا من دون أن تستحوذ عليها هواجس القوة والسيطرة. هل قوة إنسان تعني تدمير إنسان آخر!!؟ هل يكون الإنسان سعيدا إن أصبح قويّا؟ لم كل هذا الدمار الذي يساهم فيه الإنسان في سبيل قوة واهمة؟ هل كل هذا الدمار الذي يقترفه من هو محسوب على الإنسانيّة ضروري بحق شعب آخر؟ أليس غريبا أن نُسمى إنسانا ولا إنسانية فينا؟ أليس غريبا أننا ما زلنا نبحث عن الإنسانية ونحن الإنسان؟
عالمنا اليوم عالم عنصريّة نكراء، نُحاضر بالحريّة وحق العيش بسلام وبحماية الأطفال والنّساء والحفاظ على المدارس وتعزز الروابط المجتمعية، و.. و ... نتحدث بإسم الحرية حين يُسجن الإنسان ولا نحتج على تقييد الإنسانيّة بأغلال الحقد والكراهية والقوة المدمرة ثم نقول أين الحرية؟
يا سادة، إن الحريّة عنوان الإنسانيّة فكيف لنا ان نكون إنساناً حراً من دون إنسانيّة؟ ما هذا الفصام في التّعاطي بفهوم الإنسانيّة الّتي أصبحت ذات طابع هويّة إغترابيّة بين مُحاضر عنها يحبسها وبين مُطالب بها لا يدري في كثير من الأحيان قيمتها الحقيقيّةّ!! لربما أصبحنا اليوم نعيش في عالم أصبحنا فيه أقوياء لكننا لسنا أحراراً! نتبجح بالتقدم والتطور والاختراعات ونتحدث عن الحضارة (لا أدري عن أي حضارة نتكلم ونفتخر!) والرقي، ونحن لا نشاهد إلّا الدّمار والخراب والتّشويه من إنسان للإنسان نفسه، بذريعة نشر السّلام والقضاء على الظلم تدخل الأسلحة وتتوقد الكراهيّة وتصرخ الحرب وتعزف لحن الموت من جديد، بدلا من أن نتخذ السّلام مبدأً ونقضي على الأسلحة المدمرة له.
فئة العبيد تكتفي بالعيش تحت ظل الاستبداد والذل
الكل يجري وراء القوة لكي يشعر بالسّعادة الوهميّة المفقودة لكي يعيش بين جدران العالم الأربع، واجهة تسمى السلام، جدار الأسلحة، جدار الدمار، ثم الموت. وهكذا نجد أنه ليس شرطا أن تكون قويّا لكي تكون سعيداً بل أن تتمتع بإنانيتك الفطريّة أيّها الإنسان المغرور النّرجسي العدواني...
حيث جعلت هذا العالم مكاناً يحكمه قانون الغاب، القوي يحكم والضعيف يسعى للعيش أكثر، ويتناسل من أجل التكاثر فقط وضمان عدم إنقراض الجنس البشري، ولا ننسى فئة العبيد التي تكتفي بالعيش تحت ظل الاستبداد والذل وتخدم من يرمي لها عظمة تلتهي بها.. فقد سيطر الإجرام على إنسانيتنا حتى تخطى جميع السلوكيّات البربريّة والهمجيّة القديمة بكل وحشيتها وتخلفها، ففي سبيل الصعود على سلالم العيش برفاهية أصبح الإنسان عدوا لأخيه، عُمي بصره وتشوّهت بصيرته، وانتشرت الحروب، فسُفكت الدّماء وازدادت العنصريّة المزعومة. ففي سبيل الإستمرارية بهذا العالم المُخادع الكئيب، تغيرت سلوكياتنا تجاه أنفسها وتجاه الآخرين، فقدنا البوصلة، نسينا إنسانيتنا، نسينا أننا إنسان يحكمنا الحب قبل القوة، تجمعنا المودة، ويضمن استمرار التعايش والتسامح. لم نعد نرى سوى كائنات بشريّة جعلت من الحب مجرد غريزة جنسية حيوانيّة يتكاثر بها الإنسان وتموت بها الإنسانيّة الّتي استحوذ عليها حب التملك والقوة. وهنا السؤال هل من الممكن أن نستعيد الإنسانيّة إلى قلوبنا بعد أن تورطت بجرمها ضمائرنا ودمرتها أيادينا!
إن بقاء الإنسان قائم على بقاء الإنسانيّة ومرتبط بمكان الإنسان الإنساني والوجداني، فازدهار الإنسانية يتجلى في كيفيّة الحفاظ على أرواح البشريّة من الموت والدمار، وضمان العيش لجميع أفرادها بتسامح وبأمان بسلام وعلى ضمان حريّتها وصون كرامتها. وهنا لا بد للإشارة إلى أهميّة الجيل الناشئ دائماً وعلى طريقة تربيته وغرس القيم الإخلاقيّة التعاليم الدينيّة الصّحيحة وتعليمه أصول فن الحياة. علينا أن نزرع في قلوبهم السّلام وحب الأرض وفي أررواحهم بذور
لعلنا نُنعش الإنسانية من جديد
الكرامة والعزّة والنّخوة والإنسانيّة، يكبرون فتنمو تلك البذور لتكون قيمة الإنسان في مدى احترامه للغير، لعلنا نُنعش الإنسانية من جديد ونحقق السّلام الحقيقي القائم على إرجاع الحقوق لا على سياسة الخنوع والخضوع.
من ناحية ثانيّة علينا بالإضاءة وبالتّذكير بأنّ الحرب هي ظاهرة العنف الجماعي المنظم التي تؤثر على العلاقات بين المجتمعات وعلى أفراد المجتمع الواحد ولها تداعياتها الخطيرة والتي لا تُحمد عقباها. تخضع الحرب لقانون النزاع المسلح، الذي يدعى أيضاً «القانون الدولي الإنساني».
يرتبط مفهوم القانون الدّولي الإنساني «ارتباطاً وثيقاً بأقدم تاريخ عرفته البشرية، وجذوره في عمق جميع الحضارات والديانات والعادات على مر العصور. وللحفاظ على نظام وانضباط وفاعلية القوات المسلحة وكذلك الحدّ من آثار العنف والدمار على سلامة المقاتلين الجسديّة والعقلية ولربما النّفسيّة، قيّد القادة العمليات العسكرية بقواعد ومحاذير وموانع تُحدِّد ما هو محظور وما هو مسموح به في الأنشطة العسكرية، والهدف من هذه القواعد. وعليه، توضح اتفاقيات جنيف المسؤوليات المحدّدة المترتبة على الدول، وعلى عاتق قادة القوات المسلحة والأفراد في ما يتصل بتنفيذ واحترام قواعد القانون الإنساني. إذْ تحدّد أيضاً مختلف العقوبات الجزائيّة التي يمكن تطبيقها لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من الجرائم ضدّ الإنسانية. حقيقية إنّه لأمر مُضحك وكأنّ الشّعوب العربيّة من خارج كوكب الأرض حيث لا ينصرها أي قانون بمواجهة الظلمة والمغتصبين.
ننظر دائما إلى القوانين الدوليّة ومواثيق الأخلاق ومعاهدات حقوق الإنسان والأمم المتحدة و.. و.. واللآئحة تطول، فننظر في ظل هذه الهمجيّة النّرجسيّة الأحاديّة الظالمة المُعاديّة للجمال وللأطفال وللحياة، وسيطرة ميسترو يتفنن بالقتل وبإجراء الكوارث وبتنفيذ الإعدامات بحق الطفولة بدون رحمة أو شفقة فيُمزّق أجسادهم الطّريّة ويحتزّ رؤسهم ويتملص من القضيّة...ونسأل، ألا يكفي أكثر من عشرون ألفا بين شهيد وجريح ومفقود وأسير لإيقاف المجازر وهتك الأعراض؟! ألا تكفي تلك الدموع والصرخات والآلآم... وماذا بعد الهدنة؟! حرب جديدة ثم هدنة ثم حرب (الدائرة المفرغة الدّائمة)...
هكذا هي الإنسانيّة في عالمنا تتأرجح بين سندان الحريّة ومطرقة الحرب!!