الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وواحد وتسعون - ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وواحد وتسعون - ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

الثقافة ترصد وتؤرخ المنعطفات في تاريخ الأمة

الكلمة رأس مال المثقف في مواجهة الإستكبار العالمي

الوفاق/ خاص
ثابت القوطاري
باحث وأديب يمني
إنَّ جوهر الإمبريالية قائمٌ على الرغبة في السيطرة وبسط النفوذ، بمنطق يقضي بوجوب رفض السماح لضعفاء هذا العالم بامتلاك أسباب القوة، وعند الحديث عن أيديولوجيا الإستعمار الجديد لا يجوز تحاشي الكلام حول الصهيونية التي تشكِّل الأيديولوجيا الرسمية للأوساط الحاكمة في "إسرائيل".
العنصرية والثقافة الصهيونية
الكلُّ يعرف العنصرية المتجذرة في العقل السياسي، والثقافة الصهيونية تجاه الآخر، بل إنَّ التمييز موجود داخل أوساط اليهود أنفسهم، فالصهيونية ليست أيديولوجيا فحسب. وهي أيضاً سياسة عنصرية، سياسة تَزعُّم، كان من نتيجتها أن حُرم الشعب الفلسطيني من وطنه، مع أنَّه ليس للكيان الصهيوني أيُّ حقٍ تاريخي في أرض فلسطين، واليوم ترفض الأوساط الحاكمة الإسرائيلية - بتغاضٍ من الولايات المتحدة الأميركية- الإعتراف له بالحق في تقرير المصير وإنشاء دولة خاصة به، وقد أدّتْ اعتداءات "إسرائيل" المتكررة على الدول العربية المجاورة إلى إبقاء الشرق الأوسط على امتداد السنوات الأخيرة إحدى أكثر المناطق حروباً ومعاناة، وبتأييد تام من جانب الأوساط الإمبريالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبموافقتها تشن "إسرائيل" منذ سنوات حرباً معلنة ضد لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، عاملة بشتى الوسائل على تسعير التوتر في المنطقة إنَّ وظيفة "إسرائيل" الأساسية هي العمل على تعزيز الهيمنة والنفوذ الغربيين في منطقة الشرق الأوسط ذات الموقع الإستراتيجي والثروات الهائلة، وكلُّ الوسائل مشروعة لتحقيق هذا الهدف، ولو كانت على حساب شعوب المنطقة، ولتأكيد التفوق الصهيوني في المنطقة في مختلف المجالات.
الحداثة العربية الإسلامية
 بدأت الصهيونية مشروع الإستيطان كفكرة بتحالف مع أعداء العرب والمسلمين من عنصريين واستعماريين مستفيدة من ثمار حربين عالميتين حققت الأولى مشاريع المستقبل، ونفّذت في الثانية جزءاً من هذه المشاريع، ثم راحت بعد الحرب العالمية الثانية تتحرك بشتى الوسائل لإعاقة حركة التنوير العربي الجديد، أو ما يسمى بالحداثة العربية الإسلامية.
وقد تصاعدت النزعة الإستعمارية العنصرية في سلوك الإدارة الأمريكية على الرغم من مبادئ الحرية والإستقلال ممثلة بالحلم الأمريكي الذي عقَّد الوضع في الوطن العربي بسبب تحالفه مع الحلم الصهيوني منذ مطلع الأربعينات مدفوعاً بفكرة (السوبرمان الأمريكي) الذي لا يغلب والمعبّر عن الجندي الكوني المنتصر، هذا الحلم هو تعزيز هيبة الولايات المتحدة في أنحاء العالم كافة، لذلك أوصى بإلقاء قنبلة ذرية على الاتحاد السوفياتي السابق أيام الحرب الباردة من أجل تحقيق هذا الحلم، مما يجعل أمريكا أكبر دولة إرهابية في العصر الحديث، فالتدقيق في حجم الكوارث التي تسببت بها السياسات الأمريكية أكبر من هذا التوصيف.
الفلسفة الذرائعية
مهما قيل عن النزعة الإستعمارية والإستغلالية المتناقضة مع حق الأمم في تقرير مصيرها وحقوق الإنسان يبقى الأذى الذي لحق بوطننا وبإنساننا أكبر من أن تخفيه جميع مساحيق الرأسمالية عن الذرائعية وتطبيقاتها العملية في الوطن العربي وكان آخرها ما لحق بالشعب الفلسطيني في شهر أكتوبر في هذا العام 2023م، وإذا ما حاولنا أن نُأصّل لهذه الأحداث سنجد في حديث (ليونارد ليوبن) عن العلاقة الطردية بين الفلسفة الذرائعية والنظام الأمريكي السياسي والعسكري ما يثبت ذلك، وبخاصة أن أعمال أمريكا في  تأجيج الحروب ورفض السلام، والإنتشار السريع لإحتلال منابع النفط في الخليج الفارسي الذي يغذي معظم الآلة العالمية دلائل واضحة، حيث عملت أمريكا على توفير أجواء هذا الاحتلال عملياً منذ السبعينات ثم عززته أثناء الحرب الصدامية-الإيرانية ليصل إلى ذروته في عام 2003م بتجمع عسكري مثل أخطر عملية تحشد أمريكية نفعية ضد حقوق الشعوب في المنطقة، أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش مطلع العام 1991م حين قال: "قاتلنا في الخليج الفارسي من أجل مصلحة دافع الضرائب الأمريكي، ولتخفيض سعر البنزين، بل ذهبنا إلى الخليج الفارسي لتصحيح خطأ الرَّب الذي أعطى النفط للعرب"، وما المجازر التي تحدث بحق الشعب الفلسطيني اليوم إلا استكمالاً للمخطط الإستعماري المعاصر،  هذه النزعة الاستعمارية التي يبرر لها الفيلسوف (فوكوياما) تحت ذريعة الحضارة الغربية المشحونة بثورة التقنية وتقدم العلوم، وجميع ما من شأنه تحقيق سيادة الليبرالية ونمط حياة الغرب وأمريكا بخاصة في هدى رؤية (ميكافيلية) تتيح استخدام القوة والحرب والدمار، فبروتوكولات حكماء صهيون تعلن صراحة: "بغير الإستبداد المطلق لا يمكن أن تقوم حضارة"، وجني ثمارها على حساب دول وشعوب العالم الثالث، فالتاريخ المثمر عنده هو تاريخ العبد النشط كدول أو أفراد، وسيادة الدولة الكونية (الولايات المتحدة الأمريكية) و(إسرائيل) سيكون في محصلته النهائية إعلان عبودية العالم أجمع لها وهي التي سوف تسوق العبيد لتحقيق أحلامها.
النظرة الصهيونية للعقل العربي
إنَّ تطبيق نظرية العبد النشط على إنساننا العربي يتجلى بتسخير قدراته العقلية والبدنية وسرقة ثرواته، وإستثمار مكامن القوة فيه مع الإبقاء على عبوديته وضعفه وتخلفه وفقره، وفي ضوء هذه القسمة يجري تنفيذ المخططات ضد عالمنا العربي والإسلامي المتخلف، الموبوء بالغباء والعاطفة والانفعالات المتطرفة والهمجية واللاعلمية والطيش واللاعقلانية - من وجهة نظر الغرب- فهي صفات كافية لتبرير قتل ملايين البشر كالشعب الفلسطيني، والموت الجماعي في الحصارات والمجاعات، وفساد المساعدات الإنسانية والإغاثة المقدمة للأمم المفجوعة بالمخطط الرهيب الذي يبرر استخدام جميع الأسلحة والإجراءات التأديبية للعودة بها إلى بيت الطاعة، هذه هي حقيقة مستقرأة من المصادر الصهيونية نفسها في نظرتها للعقل العربي لاسيما بعد استكمال صفحة العدوان العسكري المدمر والحصار الإقتصادي القاتل ضد أكثر من بلد عربي وإسلامي آخرها الشعب الفلسطيني المقاوم.
تهديد الفكر العربي
 أخطر ما يهدد الفكر العربي والوطن العربي، هو مخطط تمزيقه وفق مخطط مدروس أعد سلفاً، تعاونت فيه الصهيونية العالمية مع الدول الإمبريالية الطامعة بثروات هذه الأمة، والساعية إلى منعها من النهضة والتوحّد والتقدّم، وأوضح دليل على ذلك خطة (عوددينون) المسماة ("إسرائيل" في الثمانينات) لإضعاف العرب فكرياً واقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً، ويبقى النظام الأقوى في الشرق الأوسط هو الكيان الصهيوني وحده، حاضراً ومستقبلاً، ومع مطلع القرن العشرين تصاعدت نزعة الإستعلاء والشرور العنصرية بعد التحالف الصهيوني الإستعماري، لنجد فكرة السيطرة والقوة وأدواتها التنفيذية في المنطقة، التي توّجت برنامجها التجزيئي الإستيطاني ضد إنساننا العربي في فلسطين، والعراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.
وإطالة أمد الصراع في المنطقة وعدم حل المشكلات المعلقة وعرقلة المساعي السلمية يخدم المخطط الأجنبي الذي بدت أهدافه واضحة، واستكمل مدياته الخطيرة بعد التحالف الأجنبي لصالح "إسرائيل" الصهيونية.
شهادات الفلاسفة والباحثين
لنا أن نقرأ بعضاً من شهادات فلاسفة وباحثين محايدين عن الذرائعية الصهيونية، وفكرها العنصري الإستعماري، وتناقضاتها الواضحة في العقيدة والتاريخ، واستخدام أسلوب الخداع، والهدنة، والمصالحة.
وقد أماط الباحث الإسرائيلي "إسرائيل شاحاك" عن خطة "عوددينون" التي تهدف إلى تمزيق الأقطار العربية إلى "كانتونات" عرقية ومذهبية وطائفية وإقليمية، كما كشف "شاحاك" المشروع الصهيوني التسليحي داخل أفريقيا ومخاطره على السلام العالمي، بما يثبت عنصرية ذلك الكيان ومحاربته حركة النهضة العربية، وإسناده الأنظمة الديكتاتورية في العالم.
كما أن أمريكا لن تتخلى هي الأخرى عن ابتداع المشاريع في منطقة الشرق الأوسط، فهي تبث الخلاف بين المسلمين بكلِّ ما لديها من قوة. وقد ربط "شاحاك" أيضاً بين "الصهيونية واليهودية" والممارسات القمعية ضد الفلسطينيين من الديانتين المسيحية، والإسلامية، وأسقط الأسس الأخلاقية لجميع قوانين السلطات المحتلة تجاه الشعب الفلسطيني.
كما لم يتردد الفيلسوف "جاك دريدا" ذو الأصول اليهودية في فضح السياسات العنصرية لإسرائيل، وانتقادها والحديث عن إرهاب الدولة الذي تستخدمه ضد الشعب الفلسطيني، وطالب بدولة فلسطينية ذات سيادة غير منقوصة على أرض فلسطين. كذلك الباحث "توماس.ل.طومسون" الذي هدّم في دراسته "تاريخية "إسرائيل" القديمة" البناء التاريخي لإسرائيل.
وقام الفيلسوف اليهودي "سبينوزا" في رسالته "في اللاهوت والسياسة" بفضح الكثير من المتناقضات التوراتية ليكون مصيره الموت على أيدي اليهود. لقد أصبح العصر الحالي عصر تهديد مستمر بإخماد كلِّ معنى من معاني الإنسانية، في دوامة مفزعة من حروب الإبادة الجماعية، وأنَّ صورة المستقبل تبدو أشد إلتباساً وتشويشاً على حد تعبير الفيلسوف "كارل يسبرز"، ولا يخفى علينا الأطماع الإستعمارية الكبيرة لقوى الإستكبار العالمي في المنطقة.
في ظل تلك المعطيات السابقة، واللمحة التاريخية الموجزة، يبقى سؤالنا اليوم: ما هو دور المثقف تجاه ما يحدث من جرائم الإبادة بحق شعب بأكمله؟
دور المثقف في صناعة الوعي
لا تخفى أهمية دور المثقف في صناعة الوعي، وتوجيه المجتمع لتبني قضايا إنسانية عادلة، سواء على المستوى المحلي (اليمني) أو العربي والإسلامي، وبخاصة أنَّ الكلمة والموقف هي رأس ماله، فالثقافة سلوك وموقف، قبل أن تكون تراكماً معرفياً في أي مجال من المجالات، وكثيراً ما كنّا نسمع عن مواقف سجّلها المثقف تجاه قضايا مختلفة، لا سيما القضايا الإنسانية العادلة، إلى درجة أنَّ بعضهم رفض استلام جوائز عالمية، وقاطع مؤتمرات أدبية، تعبيراً منه عن موقفه في نصرة قضية ما، فضلاً عن تسخير كلَّ مواهبه الأدبية والفنية، وحضوره الإعلامي في المشهد الثقافي لنصرة تلك القضية، منطلقاً من مبدأ أنَّ الثقافة موقف يمكن أن تغير ما هو سائد، بل وتصنع قراراً سياسياً مغايراً إذا ما قام المثقف بدوره الأخلاقي تجاه كلَّ ما يدور حوله من أحداث وقضايا مختلفة، إلاَّ أنَّ بعض المثقفين في المقابل متقوقعون حول ذواتهم، متحصنون في بروجهم العاجية، إلى درجة أنَّ بعضهم يموت وحيداً غريباً، بسبب تلك القطيعة التي أحدثها مع مجتمعه وقضايا أمته، ويمكن أنَّ يتحول الصمت المطبق، وتلك القطيعة إلى حالة من الوعي الثوري المقاوم، وقوة توحّد العمل العربي والإسلامي، حين يقوم المثقف بدوره الكامل، والمناط به، والذي يقع على عاتقه من واقع مسؤوليته، مبتعداً عن حالة الإنهزامية والسلبية والتشاؤمية التي غرستها الثقافة الغربية في وجدانه، والتي خلاصتها أنَّ الغرب نموذجاً للحضارة المعاصرة والمتقدمة، في حين أن الشرق الإسلامي نموذج لكلَّ ما هو عاطفي مبتذل، وقديم متخلف.
المثقف اليمني وطوفان الأقصى
إن المثقف اليمني ومنذ انطلاق طوفان الأقصى في 7 أكتوبر انبرى للقيام بدوره المناط به، فتفاعل مع هذه القضية بشكل خاص، كما يتفاعل مع قضايا الأمة بشكل عام، فنجد الإنتاج الأدبي اليمني في هذه الأيام يركّز ما وسّعه الجهد على إبراز مظلومية الشعب الفلسطيني، ويناصر قضيته، ويطلق مواقفه الصريحة والمناهضة للصهيونية، وقوى الإستكبار العالمي، ويعلن براءته من الأنظمة العربية المطبّعة، داعياً إلى ثورة وعي اجتماعي تكشف زيّف الأنظمة العميلة، وتدعو إلى مواجهة الثقافة الغربية، ولا يزال الرهان كبيراً على دور المثقف في تبنيه صناعة الوعي، ومناصرته لقضايا الأمة، ودفاعه عن مقدساتها، وبخاصة القضية الفلسطينية، التي تعتبر اليوم نقطة ارتكاز وتحول، فمن خلالها نعرف من يقف خلف أمته، ومن يتمترس خلف المحتل والمستعمر، وقوى الهيمنة الحديثة، كما أنَّ الأدب والثقافة ترصد وتؤرخ هذه المنعطفات في تاريخ الأمة، وتؤصل موقف ثوري للأجيال القادمة، وتساهم في صناعة ثقافة عربية وإسلامية منفتحة على العالم، ومحافظة على خصائصها وعناصر تكوينها وخصوصيتها، بما لا يتعارض مع تقدم المجتمعات وتطورها وفق حركة التاريخ الإسلامي منذ نشأته وحتى العصر
الحديث والمعاصر.

البحث
الأرشيف التاريخي