الباحثة والأكاديمية السورية ميادة ابراهيم رزوق للوفاق:
رضوخ الاحتلال لاتفاق الهدنة يكشف عن هزيمة الكيان
عقب مرور قرابة الخمسين يوماً على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس ضد العدو الصهيوني ردّا على إنتهاكات المتطرفين الصهاينة المتواصلة للمسجد الأقصى ولحقوق الفلسطينيين وتسريع وتيرة تمدّد المستوطنات، وفيما يعيش أهالي غزة منذ قرابة 50 يوماً حالة مربكة من العدوان الإجرامي والحصار والخنق، حيث إرتكب كيان الإحتلال مجازراً لا نظير لها في العصر الحديث، وجّهت إليه على إثرها أصابع الإتهام بإرتكاب جريمة إبادة جماعية راح ضحّيتها حوالي 15 ألف شهيد من أهالي القطاع جلّهم من الأطفال، ما أثار سُخطاً عالمياً ودعوات دولية لمحاسبة الصهاينة على جريمتهم التي لا تغتفر.
اليوم وفيما نقترب من إنتهاء مهلة "اتفاق الهدنة" المُتنفّس الكبير للمدنيين في غزة وحبل النجاة لسمعة الصهاينة المندثرة دولياً، والذي سرى الجمعة بعد وساطة قطرية ودعوات دولية مُكثّفة وسمح حتى الآن بالافراج عن 50 رهينة محتجزين في قطاع غزة و150 فلسطينيا من السجون الصهيونية. وأفرج كذلك عن 19 رهينة آخرين غالبيتهم من العمال الأجانب لكن خارج إطار الاتفاق، في ضوء هذه التطورات المتسارعة والمصيرية أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحثة والأكاديمية السورية د. ميادة ابراهيم رزوق، تحدّثت خلاله عن أبعاد ومآلات إتفاق الهدنة، وتبعات العدوان على غزة إقليمياً ودولياً.
واستهلّت رزوق كلامها للوفاق مُشيرة الى أهمية إتفاق الهدنة في الجوانب السياسية والعسكرية، وقالت: إن رضوخ كيان الاحتلال الصهيوني لاتفاق الهدنة مع المقاومة الفلسطينية يكشف النقاب عن حجم هزيمة الكيان والغرب الامبريالي، سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي رحّبت بالهدنة وصفقة تبادل الأسرى، بعد أن كان سقف أهدافهم مع نتيناهو نحو عملية اجتياح بري تحقق إنجاز عسكري، وتؤدي إلى اجتثاث حماس، وتحرير الأسرى، مع إيجاد بديل لحماس لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، وأهداف أخرى تتعلق بصفقة القرن التي عفا عليها الزمن، بتفريغ غزة والضفة الغربية نحو صحراء سيناء المصرية والأردن بنكبة قرن تشبه نكبة الـ48، لتنقلب الأهداف والتصريحات نحو إشادة أكثر من مسؤول أمريكي بالتوصل إلى اتفاق الهدنة، ومناقشة احتمالات التمديد.
حجم الإذلال الذي يستشعره مجرمو الحرب
وتابعت الباحثة والأكاديمية السورية: بالإضافة إلى ما ذكره موقع "والاه العبري" بأن الموافقة على الهدنة وصفقة تبادل الأسرى أقرت بغالبية كبيرة في حكومة كيان الاحتلال الصهيوني، ما يكشف عن حجم الإذلال الذي يستشعره مجرمو الحرب في كيان الاحتلال الصهيوني بعد أن راوغوا وماطلوا كثيرا بشأن المفاوضات خلال أيام الحرب الـ45 لكسب الوقت بتشجيع وإدارة أمريكية مباشرة، بارتكاب مزيدا من حرب الإبادة الممنهجة التي شملت قتل الأطفال والنساء، وتدمير أكثر من نصف منازل غزة وهدم المستشفيات وقتل المرضى، ظنا منهم بأن بإمكانهم بذلك الوصول لتحرير أسراهم.
"إسرائيل" هُزمت أمام حماس
وأكملت توضيحها لأبعاد إتفاق الهدنة الذي رضخ له الصهاينة، بالقول: بالتالي يمكننا القول بأن نتيناهو رضخ وهو صاغر لشروط المقاومة المنتصرة في غزة، وفي مقدمتها أن لا أسيرا إسرائيليا يرى النور تحت ضغط الحرب، بعد أن وافق هو وأعضاء حكومته، وفي مقدمتهم جنرالات جيشه ورؤساء أجهزته الأمنية على الهدنة بشروط المقاومة لإفساح المجال لتبادل الأسرى بين الجانبين، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية الى غزة، وهذا ما أكده صقر اليمين الأمريكي السابق جون بولتون، الذي اعترف مع الديلي تيليغراف، بأنّ "إسرائيل" هُزمت أمام حماس.
ترسيخ معادلة وحدة الساحات
وأردفت الدكتورة رزوق مُستعرضة رسائل محور المقاومة في خضمّ العدوان على غزة، وقالت: لقد أكد محور حلف المقاومة خلال الأيام الـ 48 من معركة طوفان الأقصى على ترسيخ معادلة وحدة الساحات والجبهات، بتوزيع أدوار متناغم بين أطرافه وقواه، يمنع هزيمة المقاومة في غزة ويدعمها بجبهات إسناد مختلفة داخل وخارج فلسطين المحتلة، بالتدريبات والأسلحة، وتحرك المقاومة في الضفة الغربية، وتفعيل جبهة شمال فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى استهداف قواعد ووجود الاحتلال الأمريكي في العراق وسورية، وليس انتهاء بوصول المسيرات والصواريخ الباليستية والمجنحة اليمنية إلى أم الرشراش (ايلات)، وتهديد الملاحة البحرية باستهداف واختطاف ثلاث سفن تجارية "إسرائيلية" حتى الآن، في البحر الأحمر، وفي بحر العرب، مما رفع من مستوى التهديدات للتجارة العالمية، في مضيق باب المندب، حيث يمرّ منه 40% من التجارة العالمية، وخاصةً حوامل الطاقة، فكانت نتائج رسائل هذه العمليات، هي الأخطر على الاقتصاد العالمي، وخاصةً دول الاتحاد الأوروبي، والوجود الأمريكي في منطقة غرب آسيا، بالإضافة إلى استمرار دعم كيان الاحتلال الصهيوني، وتداعياته الكارثية من تصدعات وانقسامات على البيت الأبيض، مركز صنع القرار الأمريكي.
دعوات تصطدم بموقف واشنطن الداعم لتل ابيب
وأضافت: تزداد الدعوات العالمية لمحاكمة "إسرائيل" ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة. لكنَّ هذه الدعوات تصطدم في كل مرة بموقف واشنطن والدول الأوروبية الداعم لتل أبيب. وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب "التحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة"، وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها (إسرائيل) خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد انضمام دولة فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة، لكن المفارقة أنه رغم كل المعلومات والملفات والدعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم (إسرائيل) التي ارتكبتها خلال حروبها الأخيرة على قطاع غزة، فإن المحكمة لم تُدِنْ (إسرائيل)، بل لم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي (مسؤول إسرائيلي) بمن فيهم نتنياهو.
أكبر ما يعرقل محاسبة كيان الإحتلال
أكملت: أهم ما يعرقل فتح تحقيق في الجرائم المرتكَبة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، عدم انضمام "إسرائيل" إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم اعترافها بسلطتها، وعدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ورفضها التعاون مع محققيها الجنائيين أو منحهم تأشيرات الدخول والسماح لهم بحرية التنقل والوصول إلى أماكن الجرائم المفترضة، والحديث مع الضحايا والشهود.
وأوضحت: لكن من شأن الضغوط الدولية والشعبية التسريع بمحاكمة قادة الكيان وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنّ ذلك ما زال يصطدم بموقف متشدد من الولايات المتحدة، خصوصاً حلفاءها الأوروبيين الأعضاء في المحكمة لا سيما ألمانيا، رغم موقف أيرلندا وبلجيكا الداعم لفكرة محاسبة تل أبيب.
مظاهر تحوّلات في الأنظمة الغربية
وعرّجت د. رزوق على ابرز ما تمخّض عن عملية "طوفان الأقصى" حتى اليوم، وقالت: من أهم نتائج معركة طوفان الأقصى هو انهيار السرديات الإعلامية والتاريخية التي روج لها الإعلام الغربي والصهيوني وفق الروايات التلمودية عن حق (إسرائيل) بوطن قومي في فلسطين، وأنها أرض بلا شعب، بل هناك تغير وانقلاب في الرأي العالمي العربي و الغربي في دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بوادره منذ معركة سيف القدس عام 2021، بمظلومية الشعب الفلسطيني، ورفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، مما أحدث افتراقاً واضحاً بين بعض الشعوب العربية والغربية وأنظمتها، بل تجاوز ذلك مع مظاهر تحوّلات في الأنظمة الغربية، بعد الموقفين الإسباني والبلجيكي، بالتهديد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، بمعزل عن بقية دول الاتحاد الأوروبي، ولم يكن ذلك إلا امتدادا لطوفان الشعوب في غير ساحة، نصرة لغزة، مع مطالبة محور المقاومة بفتح كامل الجبهات دعما لغزة ومنع هزيمتها، بل تحرير فلسطين ، لتعود القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى بعيدا عن كل الخلافات والانقسامات السابقة بشأن الحرب في سورية أو اليمن أو غير ذلك.
هجرة المستوطنين الصهاينة العكسية
وأردفت: لذلك يعد الرأي العام العربي داعما ومؤيدا لأي حرب شاملة تؤدي إلى تحرير فلسطين مهما كانت آثارها التدميرية على دول محور المقاومة، في الوقت الذي تتزايد وتتسارع هجرة المستوطنين الصهاينة العكسية خارج فلسطين المحتلة تحسبا لأي حرب شاملة، أو بعد يقين بأن فلسطين المحتلة لم تعد مكانا آمنا للعيش، حتى لو استمرت الهدن، تحسبا من الوصول إلى لحظة الانفجار الكبير التي تضع وجود كيان الاحتلال الصهيوني على طاولة البحث والنقاش، وبالتالي فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفشل ما يسمى الربيع العربي، وفشل التطبيع بنسخه القديمة أو الجديدة (اتفاقيات إبراهام) بتحييد القضية الفلسطينية نحو تصفيتها، بل عادت لتكون قضية كل الجماهير العربية وفق كي وعي نجح طوفان الأقصى في تكريسه.
حماس نجحت في التلاعب بـالكيان الصهيوني
في سياق آخر أكد معهد دراسات "الأمن القومي" الصهيوني أنّ حركة حماس "انتصرت، في نهاية المطاف، في معركة أخرى من معارك الحملة المعرفية المستمرة"، ونجحت في التلاعب بـ"إسرائيل" كلها.
وشدّد المعهد على أنّ حماس نجحت، مرةً أخرى، في السخرية بـ"إسرائيل"، وإرهاق أعصابها، وجني المكاسب في المجال المعرفي، أي التأثير في الجمهور.
ووفقاً له، فإنّ هذا الأمر "إشارة مهمة" إلى داعمي الحركة على صمودها وتمسّكها بمواصلة النضال.
في المقابل، تواصل "إسرائيل" إظهار ضعفها على الصعيد المعرفي والحرب ضدّ المقاومة، وترك الصفقة في يدي حماس، بحسب ما أضاف "الأمن القومي الإسرائيلي".
وأشار المعهد إلى الابتهاج الذي قوبل به تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الصهيوني، في كل من الضفة الغربية والقدس المحتلة، بحيث تعالت رموز حركة حماس.
كما لفت إلى أنّ تحرير الأسرى فُسِّر على أنّه انتصار وإنجاز جديدان لحماس، مؤكداً أنّ هذه العملية تؤدي إلى "تعميق قبضة الحركة على الضفة الغربية، والدعم الشعبي لها، على حساب السلطة الفلسطينية وإضعافها".
وفي وقت سابق، أكدت صحيفة "إسرائيل هيوم" أنّ الحركة "بعيدة عن الانهيار"، مشددةً على أنّ عملية تحرير الأسرى من قطاع غزّة "تجري تماماً كما تريد حماس".
وأشارت مراسلة الشؤون العسكرية في الصحيفة، إلى أنّ رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، "تمكّن من خلال الصفقة من وقف الهجوم الإسرائيلي، الذي كان في ذروة زخمه".
وفي السياق، أكد المسؤول في غلاف غزة، حاييم يلين، أنّ السنوار "يتلاعب بنا ويسخر منا، فلنخفض قليلاً من الاستعلاء، ونفهم أنّ هذا الشخص يلعب بنا، كل ساعة".
من جهتها، أكدت صحيفة "هآرتس" العبرية أن لا أحد يطرح إمكان أن "تتوقف حماس عن الوجود"، كحركة فكرية وسياسية، "حتى لو تدمّرت مؤسساتها في غزة"، على حدّ قولها.
وفي مقال كتبه محلل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، شدّد على أنّ "الحرب تستولد الآن الروح الفلسطينية الجديدة، وهي بتوقيع حماس"، مشيراً إلى أنّ العدوان على قطاع غزة "لن يغيّر هذه الحقيقة".
ورأت "هآرتس" أنّ حماس نجحت في التوليف بين كونها حركةً دينية وحركةً وطنيةً، تطمح إلى تحرير كامل فلسطين من الاحتلال الصهيوني، بما يشمل كل الأراضي المحتلة في فلسطين التاريخية، وليس فقط الأراضي التي احتُلت عام 1967.
ولن تلغي الحرب على غزة وجود حماس السياسي، بين أوساط الجمهور في الضفة الغربية أو في القدس، بحسب الصحيفة، "حتى لو لم تكن مؤسساتها قادرةً على النشاط، ولم يستطع ممثلوها العيش في الضفة".