الباحثة الاجتماعية اللبنانية الدكتورة ليندا طبوش للوفاق :
فلسطين وغزة.. تطورات اجتماعية حفظت الهدف والهوية
كسرى امام جمعة
تشهد القضية الفلسطينية تطورات هامة بعد عملية طوفان الأقصى التي كانت مرحلة جديدة من الانتصارات في الصراع مع العدو الصهيوني، وما نشهده من عمليات اجرامية صهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التي أدت إلى إستشهاد الآلاف من الاطفال والنساء والمدنيين في القطاع، الأمر الذي كشف مرة أخرى عن السلوك الاجرامي للاحتلال الصهيوني وداعميه من الأمريكان والغربيين.
لتسليط الضوء على مواضيع كالرأي العام ودور المرأة الفلسطينية وتعزيز روح الثقة والاعتماد على الكفاءات الفلسطينية والجانب الاجتماعي لهذه التطورات، التقت صحيفة الوفاق الباحثة الاجتماعية اللبنانية الدكتورة ليندا طبوش، وفيما يلي نص الحوار:
ما هو دور الرأي العام الفلسطيني في تطورات المجاهدين في مفاجئة الصهاينة، نظرا الى أن الهجوم الذي قامت بها المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى لم يكن مسبوقا من حيث الحجم والقوة وأبعاد مختلفة أخرى؟
مفاجأة كبرى قدمها المجاهدون في غزة لم يسبق للرأي العام العالمي بشكل عام والغربي الصهيوني /والصهيو عربي /وهنا اقصد العرب المتصهينين. بشكل خاص أن يشاهدوا هكذا عملية بطولية صادرة عن المقاومة الفلسطينية وبالتحديد حماس ما زال الاعلام الصهيوني يعيش حالة صدمة حقيقية. وخاصة العدو الصهيوني. أنه يعيش تحت تأثير هذه الصدمة النفسية لانه كان يعتبر نفسه أنه القوة العظمى التي لا تقهر.
أما الرأي العام الفلسطيني فإنه يعرف قدرات مقاومته ويثق بها . نعم كانت مفاجأة كبرى غير مسبوقة من حيث التكتيك العسكري والتوقيت الأمني والدقة والإتقان المبدع للعملية. كل هذا شكل صدمة إيجابية للشعب الفلسطيني حثه على التمسك بمقاومته أكثر فأكثر، وإعادة التموضع والإلتفاف حول حماس، الجناح العسكري خصوصا، لأنه ما أُخِذَ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة. فاللعبة الدبلوماسية من وجهة نظري لا تغني ولا تسمن من جوع .
ما هو اثر مقاومة الشعب الفلسطيني الثقافية ضد التهويد، وثباته على المواقف والمعتقدات والهوية على هذا الانتصار؟ كيف؟
إن الشعب الفلسطيني عامة والمثقفون خاصة يعرفون حقيقة العدو الصهيوني ويعرفون الأبواق العربية المتخاذلة لا سيما لدى الطبقة المثقفة منهم التي تسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية وتحريف مسار القضية الفلسطينية نحو شعارات وايديولوجيات واهية من شأنها كي الوعي الفلسطيني، خصوصا بين الناشئة والشباب والجيل الثالث. إلا أن الشعب يفهم هذه الحالات الشاذة والابواق الخبيثة، ويعمل على اسكاتها عبر الالتزام بقضيته والدفاع عنها رغم الحصار والتجويع والموت المحكوم عليهم من كل حدب وصوب، وكذلك من خلال صون الهوية الفلسطينية والتمسك بمفتاح العودة، ويأتي ذلك في كل مناسبة دينية أو وطنية. وحتى داخل البيوت فالأم الفلسطينية تعمل على تذكير اولادها دائما بالقدس المحتلة والاقصى الشريف من خلال الأهازيج التي تغنيها لأولادها. أو المحافظة على التراث الشعبي والالبسة والأطعمة، وحتى ترتيب اثاث المنزل، وان كانت هي الغائبات خارج فلسطين في بلاد الشتات مثلا. والان بفضل الله تعالى نرى منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية الشبابية تضج بالقضية الأساس وتفضح زيف العدو الاسرائيلي وحركته المتغطرسة.
الى أي مستوى لعبت مقاومة النساء ودعمهن للرجال دورا في هذا الانتصار؟
المرأة كالقران كلاهما أوكل إليه مهمة صنع الرجال ، المرأة حاضرة في ميدان وفي كل ساح بصور وأشكال متعددة، تارة تجدها في الميدان الصحي وأخرى في الاجتماعي ومرة تراها بين المجاهدين على منصات التواصل الاجتماعي تدافع بالكلمة والقلم ومرة تجدها حاضرة في الميدان العسكري بزيها العسكري، وخير مثال ما نقلته إحدى الاسيرات الاسرائيليات المفرج عنها في الآونة الأخيرة. انها رأت سيدات بالزي العسكري يقمن بحماية الاسرى من النساء ويقمن على خدمتهن وتقديم الطعام والشراب لهن ورعايتهن، يعني باختصار الجناح العسكري لحماس جزء منه جناح عسكري نسائي.
هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن المرأة حاضرة تعمل بتكليفها وتقوم بواجبها. ليس لتدعم الرجل إنما لتدعم المشروع الذي يقاتل ويدافع الرجال عنه، والقضية الفلسطينية قضية أمة والأمة فيها الرجل والمرأة على حد سواء. كل يدعمها ويدافع عنها بما استطاع إليها سبيلا.
فحركة المرأة المجاهدة حركة عظيمة، وخير مثال على دورها وحركتها ونشاطها الأنموذج الاستثنائي في مجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت السيدة خديجة عليها السلام سيدة قريش الأولى، ومع الامام علي عليه السلام نجد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومع الامام الحسين عليه السلام نجد السيدة زينب العقيلة عليهما السلام. وفي عصرنا نرى امهات وبنات وزوجات واخوات المجاهدين والشهداء المثال الذي يحتذى به للمرأة العالمة الواعية الدؤوبة على صيانة مجتمعها ومقاومة عدوها.
في دراسة الشعارات التي تُردّد في فلسطين نمر بتحوّل الشعارات لدعوة جمال عبدالناصر " كشخصية غير فلسطينية الى شعارات تحتوي اسم "محمد الضيف" الذي كبر في حضن المقاومة الفلسطينية. كم هذا التحوّل يحكي عن التطور الاجتماعي والاعتماد على النفس في الشعب الفلسطيني؟
لكل زمان أمام أو قائد يعتبر قدوة للأمة. جمال عبد الناصر قائد عربي استثنائي بكل ما للكلمة من معنى حظي بشعبية عالية. وهذا بفضل مواقفه وأفعاله وأقواله. مما لا شك فيه أن الشخصية القيادية الواضحة في أهدافها الوطنية الاستراتيجية المنشودة تبقى مدى الدهر، فالأسماء تبقى ما بقي المشروع.
والتطور الحاصل في ذكر اسم محمد الضيف جيد وسيحظى بمقبولية الجميع ويخلد في التاريخ لانه يحمل مشروع القضية الفلسطينية. ويجاهد لأجلها، قدم نفسه وأسرته وأولاده لأجل فلسطين. فمن الطبيعي جدا أن يتأثر الرأي العام الشعبي بأسماء كاسم محمد الضيف الفلسطيني المقاوم المجاهد. هذا يعني أن فلسطين تُخرّج القادة من رحم أرضها وتعتمد على عقول شبابها، وتثق بقدراتهم الفكرية والسياسية وحتى العسكرية والاستراتيجيات المبدعة التي ستبني فلسطين وخاصة
غزة من جديد.
ما هي العناصر الاجتماعية التي ترونها في هذا التغيير الثقافي-الاجتماعي في الشعب الفلسطيني؟
اذا اردت ان تبني حضارة أو تهدم حضارة ما عليك بثلاثة أشياء:
1-الأسرة وعلى رأسها الام.
2- المناهج التربوية يعني المدارس. ٣- القدوة يعني القادة والعلماء.
من هنا انطلق لأقول أن أبرز التطورات الاجتماعية التي حققتها فلسطين وغزة بالتحديد أنها حافظت على هدفها وهويتها وقضيتها فالتغيير الثقافي والاجتماعي الذي أراده العدو من وراء هذه الغطرسة والحرب الغوغائية، وهو إلغاء فلسطين من خارطة العالم لم يتحقق. بل تحول إلى إصرار الشعب على بناء غزة من جديد وعدم طمس معالمها والغاء ذكرها من أذهان وعقول اولادها اولا والعالم ثانيا. وهذا الأمر انعكس سلبا على العدو الصهيوني حيث شهدنا المسيرات والمظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني في كافة ارجاء العالم حتى في امريكا وبريطانيا وحتى في مدن فلسطينية اعتبرها العدو بلاده.
التغيير الإيجابي اذا ما أردنا أن نقول عنه تغيرا هو في التمسك أكثر فاكثر بالقضية الأساس وهي فلسطين والقدس عاصمتها . هي الوحدة الفلسطينية والالتفاف حول المقاومة بعيدا عن تخاذل السلطة. هو التلاحم الشعبي حول فلسطين. والاعتماد على النفس والثقة الكبرى بحركة حماس الجناح العسكري والعسكري حصرا من
وجهة نظري.
جاء في بعض التحاليل المتعلقة بالشعب الفلسطيني أن الشعب متعب وأن الروح المعنوية المقاومة انخفضت بسبب استمرار الجرائم الصهيونية. هل الرأي العام في فلسطين وردود فعل الناس الفلسطينيين بعد عملية "طوفان "الأقصى" يرينا علامة من صحة هذه التحاليل أم عكسها؟
من أراد الحياة العزيزة وتحقيق أهدافه لا يتعب ولا يمل. فكيف إذا كان العدو الاسرائيلي الغاشم قد أخذ الحياة الكريمة من الإنسان فهل يمل ويتعب ؟! حتما لا .. لأنه من أراد صعود الجبال لا يهمه كثرة الحفر . فالشعب الفلسطيني شعب عصي على الجراح قوي بما يكفي . صلب لاتأخذه في الله لومة لائم. هو شعب عاش القهر جيلا بعد جيل وما زال متمسكا بمفتاح العودة.
نعم ممكن أن نقول: تأثر وتعب من الدمار والموت وفقد الأحبة . لكنه لم يمل قضيته وعودته لأرضه . فلأجل فلسطين كل شيء يهون.
وما يحاول بعض الإعلام المأجور تصويره في لحظات إنسانية ليتلاعب بمشاعر الناس لا محل له في الواقع الفلسطيني من الإعراب شيئا. اللحظات الإنسانية والمشاعر الصادقة مقدسة. نعم نبكي ونحزن، نصرخ نشتاق للأحبة. نحن بشر ولكننا حين نرى حجم القضية ونرى اهداف القضية والمشروع نمسح دموعنا ونلملم جراحنا ونجمع شتاتنا ونعود إلى مجابهة العدو منتظرين النصر أو الشهادة .
كيف ترون إتجاه تغيير الرأي العام في فلسطين في التعاطي مع مستقبل المقاومة؟
الرأي العام الفلسطيني بفضل الله تعالى ما زال مصرا على مقاومة الاحتلال الصهيوني. جيلا بعد جيل، حب الوطن وعشق الأرض ما زال حاضرا في برامج وفكر وخطط التنمية لدى الشعب. ودعم القضية الفلسطينية ما زال من أولويات الصغير قبل الكبير. لا مساومة ولا مهادنة مع العدو مهما طالت الحرب رغم الاسى والوجع والدمار. المقاومة هي الخيار، الصمود هو المشهد السائد حتى بزوغ فجر الحرية. المرحلة المقبلة تحتاج للوعي والتضامن وإدراك خطورة الغطرسة الأمريكية وحين نتحدث عن مستقبل الرأي العام الفلسطيني فإننا نتحدث عن مسار طويل نحو التحرير والتحرر نتحدث عن مسيرة تحتاج للصبر رغم الالم والوجع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. ايضا لا بد من النظر إلى الصبر الذي من وجهة نظري ارتفع حتى لامس التصبر . هكذا هو مستقبل المقاومة النصر حتى الصلاة في الاقصى مع الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.