إيران و«طوفان الأقصى»
هدى رزق
كاتبة ومحللة سياسية
أثار الموقف الإيراني تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عدة تساؤلات بشأن ملامح هذا الموقف وتطوره ميدانياً، وأبرز محدّداته في التعامل مع التصعيد، وبشأن خيارات طهران في حال استمراره.
اتهمت بعض الدوائر الإسرائيلية طهران بالوقوف وراء عملية "طوفان الأقصى". ومن الواضح أن المقصود من الاتهامات الموجَّهة إلى إيران ممارسة الضغوط على سياساتها ومصالحها الإقليمية والدولية، وعلاقتها المستجدة بالسعودية، وعملها الدبلوماسي مع الوساطة القطرية.
حمل اهتمام "إيران الثورة" بالقضية الفلسطينية اعتبارات، أهمها أن القضية الفلسطينية هي المحور التاريخي لـ "المقاومة" في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بحيث التزمت إيران القضية كونها كانت تدعم مقاومتها من أجل التحرير، وكانت تعزز في الوقت عينه مقاومتها الداخلية في وجه كل من يدعم الكيان الصهيوني. كما أن بعض مؤسسي حرس الثورة قاتلوا، إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية وحركات المقاومة اللبنانية ضد "إسرائيل"، في فترة السبعينيات، عند تأسيس الجمهورية الإسلامية.
وشكلت القضية الفلسطينية أحد اسباب تطوير قدرات إيران من اجل مجابهة "إسرائيل" وداعمها الأميركي، وهي ترى أن من واجب جميع المسلمين، بصرف النظر عن مذهبهم، أن يهبّوا للدفاع عن فلسطين.
إيران والعلاقة بحماس
من المهم القول إن المعركة الوحيدة، التي يُنتظر من حماس أن تخوضها بالنسبة إلى إيران، هي الحرب ضد "إسرائيل" في الساحة الفلسطينية، وتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس في أي ساحة أخرى.
الدعم الايراني لحركة حماس كان دعماً غير مشروط، ولم يكن مطلوباً منها يوماً أن تقاتل نيابة عن إيران إذا تعرضت لهجوم، بالرغم أن هناك عدوا واحدا هو "إسرائيل"، وحركة حماس كانت واضحة، منذ بداية العلاقة، وكذلك كان الإيرانيون. فهذا الدعم مرتبط بالقضية الفلسطينية وبخيار المقاومة، وهو غير مشروط، وغير مرتبط بملفات أخرى.
تتباين علاقة إيران بحركة حماس عن العلاقة بمحور المقاومة اللصيق بإيران أيديولوجياً. عندما اتخذت حركة حماس موقفاً مما حدث في سوريا، بقي مكتب حماس في طهران، وفق تعليمات واضحة من القائد الأعلى، السيد خامنئي، الذي أوصى بـ "عدم ممارسة أي ضغوط على الإخوة، سواء في حماس، أو في حزب الله".
وتَعُدّ القيادة في حركة حماس أن إيران عرَّفت مصالحها الاستراتيجية من خلال دعم القضية الفلسطينية. كما أن درجة الثبات في الموقف الإيراني، الداعم للقضية الفلسطينية، وصدق قيادة حماس في مواقفها وعلاقاتها الرسمية بالحلفاء، ووضوح من هو العدو بالنسبة إليهم وإلى الدول العربية التي تقف ضد "إسرائيل"، ثبّتت العلاقة وعمّقتها.
"طوفان الأقصى" والموقف الإيراني
أعلنت إيران أنها على اتصال وتنسيق مع حلفائها في محور المقاومة، وهي ترى أن الفلسطينيين أهلٌ لتحقيق النصر، وتؤمن بقدرتهم على تحرير أراضيهم. دعم إيران لتحرير القدس، والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية، نابعان من استراتيجية الجمهورية الإسلامية حيال القضية الفلسطينية، وليس تكتيكاً.
راقبت إيران الموقف الأميركي وانخراطه إلى جانب "إسرائيل". ورأت انه يمكنها ان تفعل سياستها الإقليمية لفرض نفسها مركزاً لحل الأزمة الفلسطينية، من خلال عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، أو اجتماع لدول عدم الانحياز، أو لمشاركة بالقمة العربية والوقوف مع تركيا والتنسيق مع قطر، مستبعدة أي تدخل عسكري، موضحة أن سياسة إيران العسكرية معتمدة على الدفاع وليس الهجوم، كما أن من المستبعد أن تسير التطورات في اتجاه يجر التدخل العسكري للدول الرئيسة التي تسعى لإيجاد التوازنات في المنطقة.
موقف قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي جاء واضحاً بشأن دعم الجمهورية الإسلامية حركات المقاومة الإسلامية في مواجهة الاحتلال، كما أنه قطع الطريق على الأطراف التي تحاول اتهام إيران بالمشاركة الرسمية في عملية "طوفان الأقصى". وعدّ أن الاتهامات بمشاركة إيران في المعركة تأتي لمنع طهران من مساعدة حلفائها الفلسطينيين، وأكدت طهران أن استمرار القصف الصهيوني للقطاع واستهداف المدنيين سيكون سبباً في توسّع نطاق الحرب وانخراط قوى إقليمية في المعركة، وأنها تستهدف وقف الحرب وليس توسعها.
إدارة طهران الناجحة للمعركة مع العدو الصهيوني فوتت الفرصة على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي لطالما سعى لاستدراج الولايات المتحدة إلى جبهة مع إيران، وحرصت على أن تحافظ نتائج معركة "طوفان الأقصى" على وضعية المقاومة الفلسطينية الحالية وتقدّمها، لأن أفضل دفاع عن الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن هو عدم توفير الذرائع لـ"إسرائيل" لاتهام الفلسطينيين بأنهم قوة تتحرك نيابةً عن الآخرين.
حاولت إدارة بايدن خفض التصعيد في المنطقة وعدم تمدد الحرب، لكن الدعم الأميركي غير المحدود للقصف الصهيوني أدى إلى سلسلة من الاستهدافات التي طالت القواعد العسكرية في العراق وسوريا.
مع تصاعد عمليات استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، اتهمت أميركا و"إسرائيل" إيران بالوقوف خلفها، وأيضاً بضلوعها في عملية احتجاز سفينة شحن في البحر الأحمر، يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي، بعد أن هدد "أنصار الله" باستهداف السفن الصهيونية في البحر الأحمر وباب المندب.
رفضت إيران الاتهام، مؤكدةً أن "إسرائيل" تحاول رمي فشلها على إيران، التي ترى أن حركات المقاومة تتصرف بصورة مستقلة، انطلاقاً من مصالحها ومصالح بلادها.
الجدل في الأوساط الإيرانية
أدت عملية "طوفان الأقصى" إلى خلق نقاش في الأوساط الإيرانية، وخصوصاً بعد العمليات التدميرية التي قام بها الاحتلال، وتم التساؤل بشأن كيفية تقديم بلادهم الدعم إلى حلفائها في مواجهة العدو المشترك. وانقسم الرأي بين من يريد الاكتفاء بتقديم الدعم الدبلوماسي والتفاهم مع الحلفاء، ومن لا يرضى أقل من التحرك العملي لوضع حد للمجازر الصهونية، بحيث رمت الولايات المتحدة بكل ثقلها في المعركة.
لكنّ إيران عملت على التنسيق بين الدبلوماسية والميدان، من أجل وقف إطلاق النار في غزة أولاً، ثم إرباك المعتدي في الميدان، من دون ترك أثر قد يحمّلها ثمناً غالياً.