الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون - ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثمانية وثمانون - ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٥

شعر المقاومة وتعزيز القضية الفلسطينية

صرخة الحبر.. كلمات تساندُ رصاص المجاهدين في ساحات القتال

محمد باقر جابر العاملي  شاعر لبناني
كانت فلسطين آمنة مطمئنة في بلاد الشام، حتى تآمر الغرب مع اليهود وعملوا على تأسيس كيان لهم في فلسطين سمّوه "إسرائيل". تقوم فكرة تأسيس هذا الكيان على فكرة أن فلسطين هي وطن بلا شعب، وأنه من الضروري أن يستوطنها شعب بلا وطن، وهذا هو الأساس العنصري الذي تم تبنيه بواسطة الحركة الصهيونية بدعم من الاستعمار البريطاني. وكان الهدف من إنشاء إسرائيل هو أن تصبح أداة في قلب العالم العربي، وقاعدة للتوسع الاستعماري الغربي في المنطقة.

بدأت خطة إفراغ فلسطين من سكانها وتهجيرهم، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم. ولتحقيق هذه الأهداف، استخدمت "إسرائيل" وسائل الإرهاب وارتكبت مجازر في الحروب الفلسطينية، وبعد حرب عام 1967، ضمّت الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأت في بناء المستوطنات على أراضي الفلسطينيين المتبقية. لم تسلم لبنان من تداعيات هذه الخطة التوسعية، خاصة في جنوبه الحدودي مع فلسطين، بسبب الثروة المائية التي يحتاجها المستوطنون في الشمال.
تعرض الجنوب اللبناني وسكانه للمجازر بهدف تحقيق طموحات "إسرائيل" في الأرض والماء وتم تهجير القرى السبع وشن حروب عديدة، بما في ذلك الإجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، الذي أدى إلى سقوط أول عاصمة عربية بعد القدس الشريف بأيدي الصهاينة. ومع ذلك، استفاق اللبنانيون سريع من صدمة الإجتياح وبدأت مقاومة الإحتلال الصهيوني بشكل لا يقتصر على العمليات العسكرية فحسب، بل توسّعت لتشمل المجالات السياسية والثقافية والأدبية.
المقاومة الأدبية بالشعر
يهمنا في هذا المقال أن نسلط الضوء على المقاومة الأدبية وخاصة الشعر. يُعرف شعر المقاومة بأنه الحالة التي يعبر فيها الشاعر بعمق وأصالة عن وعيه بالهوية الثقافية ويسعى لحريته الحقيقية في مواجهة المعتدي بكل أشكاله، مستمد من تراثه الثقافي وقيم مجتمعه التي يتطلع للعيش والحياة من أجلها.
يقول الروائي والكاتب المصري سيد نجم: "إنّ أدب المقاومة، يتمثل في تجربتَي الحرب والثورة، مع إذكاء مفاهيم وقيم الانتماء والهوية والحرية، وكل تجارب الدفاع عن الحياة الفضلى التي تعلي من شأن الإنسان. إلا أن هذا التاريخ لم يُسَجَّلْ بعد بشكل كامل، فقد حرص الحكّام قديما وفي العصر الحديث على تسجيل تاريخهم الشخصي، فأرّخ لهم المؤرخون، وبدماء العامة من الناس، خطّوا سطور تلك الصراعات والبطولات بأسماء الملوك والحكام. لذا تعدّ سمة المقاومة المرتكزة على الوعي الجمعي، السمة المركز التي يمكن رصدها في تاريخ الجماعات والدول والأمم، بهدف بيان وكشف جوهر العقل والوجدان الفردي والعام خلال فترة زمنية محددة، طوال تاريخ الإنسان على الأرض.
 والأدب والفنون جميعها تعدُّ وسيلة ناجعة وقادرة على توطيد الذات الجمعية في مواجهة العدوان، كما تؤدي دورها في كشف الآخر المعتدي، وإبراز ما يرسله من أفكار ويمارسه من أفعال، حتى يتسنى مواجهته".
لقد أصبح الشاعر المقاوم يكتب بقلم له أثر كأثر السكين فهو في كل كلمة يصدح بها، يطعن المحتل الغاصب في أمّ رأسه.
يقول الشاعر السوري نزار قباني:
"يا وطني الحزين
حولتني من شاعر يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين".
المقاومة هي مشروع حضاري أصيل لا يمكن لأي سلطة أو قوة أن تعيق إرادة الشعوب من تحقيق أهدافها المشروعة، التي تضمنها القوانين الإلهية والاتفاقيات الدولية بجميع أشكالها. هذا ما منح الشرعية الكونية للمقاومة الفلسطينية ونالت تعاطف شعوب العالم معها.
يقول الشاعر الفلسطيني سميح القاسم:
"بعد حين
ساعة ربما أو قرون
نمضغ العشب عامين مما تربي السطوح
ونسوي لنا بيرقا من ضماد الجروح
كل صعب يهون
ولذا ينبغي أن يكون".
جزء هام من رسالة الشاعر الفلسطيني هو تعزيز "الإنتماء المقاوم" في الفرد الفلسطيني والعربي، محاولة إيصالهم لحالة دائمة من الشعور بوجود المقاومة سواء على الأرض أو تحتها. وتأتي هنا الكلمات الشهيرة لموشيه ديان بعد حرب 1967 حين وصف قصيدة شاعر مقاوم بأنها تعادل عشرين فدائياً.
يقول درويش:
"عزة الشعر لا يدنسها الليل
فنبع الضياء في إبريقي
واعتزازي بثائر عربي
كاعتِزازي بثائر إغريقي".
ويقول أيضاً: "أنا لا أكره الناس، ولا أسطو على أحد، ولكني إذا ما جعت، آكل لحم مغتصبي، حذار حذار من جوعي، ومن غضبي، أنا عربي".
وهذا الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لا يأبه بالحصار ولا بإرهاب العدو فيقول:
"الفاتحون على سطوح منازلي
لم يفتحوا إلا وعود مشاعلي
ما كنت أحسب أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة وعرس جداول".
أهداف شعر المقاومة
وقف شعراء المقاومة إلى جانب فرسانها في ميادين التّحرير، وكانت كلماتهم المدويّة في المحافل، تساندُ رصاص المجاهدين في ساحات القتال. أمّا أبرز الأهداف التي وظفوا شعرهم لتّحقيقها فكانت الآتية:
1- بث روحية العزيمة والأمل إذ لا مكان لليأس في قاموس المقاومة.
يقول الشاعر اللبناني حسن المقداد: "قلّ للتي بالبابّ تمْسح دمعها/ كوفيّة وتشابك الخيطانا/ لا تبكي يا أمَّ المسيح لصلبه/ شقَّ المسيح بعزمه الأكفانا/ هذا الرّسول أتاك منه مبشر/ يا قدس قومي استقبليّ لبنانا".
2- نصرة المقاومة في وجه الإعلام المغرض الذي يجهد لتشويه صورتها.
يقول الشاعر اللبناني خليل شقير في إحدى قصائده: "عجب للغرب لكلّ الغرب/ وليس بمقضيّ عجبي/ شرّدني، يتّم أطفالي/ فاستعصى النّوم على عصبي/ فإذا المدمى إرهابيّ/ والّلص الفاجر ذو رُتب/ ما للإرهاب وللحسون/ وما للأفعى والأدبِ/ دلفت لفراخي تلهمها/ وفراخيِّ غصت بالسّغبِ".
 3- إبراز الروح العصيّة على الإنكسار التي يتمتع بها شعب المقاومة.
يقول الشاعر محمد باقر العاملي (كاتب المقال): "أنا الجنوبي، إِسرائيلُ تَعْرِفُني/ مُرّ، وما كُنْتُ أُعْطِيها سِوَى مُرِّي/ كانَتْ شَظَايايَ في الوِديانِ مُوْلَعَةً/ بالسِّنْدِيانِ، وكُنْتُ النَّهْرَ إِذْ يَجْري/ لمَّا مررت على القِندَول، حَمَّلَني/ شَوْكَ الإباءِ، وأشْلاءً مِنَ الزَّهْرِ/ مَضَيْتُ أَحْمِلُ في اليُمْنى مُقاوَمَةً/ وَضِيئَةَ الفِكْرِ، إِرْثاً مِنْ أَبي ذَرِّ/ وريشَةُ الحُبِّ في يُسْرايَ راعِفَةٌ/ لِتَرْسُمَ المَجْدَ مِنْ جُرْحي على الصَّخْرِ".
4- إبراز قيمة الشهادة والتغني ببطولات الشهداء وإبراز مناقبهم.
يقول الشاعر غسّان مطر: "كتب الوصيّة وامتطى أحلامه الكبرى/ وقبّل طفله الغافيّ وراح/ وصدى الآذان يرن في الوديان/ "حيّ على الفلاح"/ ومشى، تسلّق تلّة فوق الطّريق/ فلوّحت بالنّار "بنت جبيل" مثل أميرة/ عقد الدّخان على مفاتنها الوشاح/ والوحش ينهش لحمها/ مسح الجبين بكفّه واستلّ قاذفة القنابل/ شمّ رائحة التّراب، ومال صوب الوحش وصوّب قبل أن يرمي تشهد ثمّ صاح/ "الله أكبر"/ واستدار، وحين أبصر جثة الوحش استراح/ كتب الوصيّة، لن يعود/ مشى، حاصرته القذائف، وهو يهتف "زينة الرجل السّلاح/ هذي البلاد لنا/ نموت ولا نذل وأرضنا لن تُستباح".
5- كتابة التاريخ عبر الإضاءة على المأساة الفلسطينية وهمجية المحتل.
لقد تخطى الشعر المقاوم والمناصر للقدس حدود فلسطين، فهذا الشاعر الإيراني مرتضى حيدري
آل كثير يتغنى بالقضية الفلسطينية ويتألم لمصائب أهلها: "نَفِدَ المُصابُ وشاخَتِ المأساةُ/ وتَنَکَّرَت لوجوهِنا  المرآةُ/ تُمحی عَنِ المرآةِ... إنَّ وجوهَنا/ تهفو لما رسَمت لها المُمحاةُ/ لا نعرفُ الأطفال، نعرِفُ دمعَهُم/ کالمیّتینَ وما همُ أمواتُ/ الفارشینَ علی البلاءِ ضلوعَهُم/ ودمائُهُم للقادمین حیاةُ".
ثم يستنهض القدس قائلاً: "یا قدسُ! قومي... فالقلوبُ کسیرةٌ/ من نزفِ غزّةَ والهمومُ رُماةُ/ أوَکُلّماَ ضِعنا کإخوةِ یوسفٍ/ نأتي لتَغسِلَ ذنبَنا العتباتُ/ قتلوا بریقَ الحَرفِ في کلماتِنا/ في بحرِ صمتٍ تَغرُقُ الکلماتُ/ والموتُ کفکَفَ دمعَهُ في خطوِنا/ وتوضّأت بدمائِنا الصلواتُ/ تترادفُ الأحقادُ ضدَّ وجودنا/ ظلماً، کما تترادَفُ السّنواتُ/ الحربُ تدري أننا في جیبهِا/ هلکی وتخنِقُ نبضنا الآهاتُ/ والقصفُ أدرکَ أنّ أیدِیَنا اعتَلَت/ والرّیحُ تعلَمُ أنّنا رایاتُ/ لکنَّهُ الأمَلُ المُشِعُّ علی المدی / إنَّ الوُقوفَ شجاعَةٌ و ثباتُ".
ولا ينسى أن ينادي أمة الإسلام ويذكرها بواجبها في الدفاع : "یا أمّةَ الإسلامِ دوري حَولَنا/ کي لا یُصیبَکِ في الطریقِ شتاتُ/ قسماً سیُمحی من جبینِ بلادِنا/ عُنفُ الغُزاةِ وتُکنَسُ الظُّلُماتُ".
الشعر سلاح قوي لدعم المقاومة
في الختام، يظهر لنا الشعر بوصفه سلاحا قويا يمكن استخدامه في دعم المقاومة وتعزيز الصمود والتحدي. فقد أثبت الشعر تأثيره العميق في نشر الوعي وتجسيد الأحاسيس وإيصال رسائل الحرية والعدالة. وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن الشعر يلعب دورا حيويا في إحياء الهوية الوطنية وتعزيز روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني.
يعبر الشعراء عن ألم الأمة وأملها وصمودها من خلال قصائدهم المؤثرة. يصوغون كلماتهم ببراعة ليعبروا عن تجربتهم الحية وينقلوا رسالة العزم والصمود إلى العالم. يتناولون الحقائق القاسية والظلم الذي يعاني منه شعبهم، وفي نفس الوقت يروجون للأمل والحرية والعدالة.
الدور القيادي لشعراء المقاومة
يأخذ شعراء المقاومة دورا قياديا في نضالهم، فهم يواجهون التحديات ويواجهون الاحتلال بالكلمة والإبداع. يعبرون عن الوحدة والتضامن مع القضية الفلسطينية، ويروجون لقيم الحرية والكرامة والعدالة التي تستحقها الشعوب.
إن قوة الشعر تكمن في قدرته على تحريك المشاعر وإلهام الأفكار وصنع التغيير. فهو يخترق الحواجز ويتغلب على الصعاب ويبني جسورا بين الناس. وعندما يتحد الشعر مع المقاومة، يصبح قوة لا يستهان بها، تتسلح بها الشعوب للتصدي للاضطهاد والظلم.
لذا، فإن الشعر يظل صوتا متجددا للحقيقة والعدالة، ووسيلة فعالة للتعبير عن الصمود والمقاومة. إنه رمز للأمل والثبات، ويعزز الوعي ويدعم النضال من أجل التحرر والحرية. فلنستمع إلى صوت الشعراء ولننشر قصائدهم، ولندعم القضية الفلسطينية وجميع القضايا العادلة بقلمنا وكلماتنا، فالشعر قادر على تغيير العالم إن أعطيناه
الفرصة.

البحث
الأرشيف التاريخي