الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وثمانون - ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وثمانون - ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٦

الصهاينة يمارسون عملية تطهير عرقي في غزة

الحرب تفرز اضطرابات صحيّة ونفسيّة لدى النساء والاطفال

د. رُلى فرحات
إنّ مصطلح الحرب بشكل عام يُشير إلى صراعات مختلفة تنشأ بين جماعات سياسية متنافسة أحياناً وكيانات عرقيّة مختلفة، من أجل تحقيق مكاسب متعدّدة بقصد التّوسع الأفقي من خلال قضم أراضي الغير والسيطرة عليها ببسط النفوذ ومصادرة الخيرات وصبغ مجتمعها بألوان الغازي المستعمر.
يُمارس المعتدي من خلالها أعمالاً عنفيّة عدائيّة غير مشروعة قد تصل أحياناً إلى الحد الذي لا يستوعبه عقل ولا يرضخ له فكر، ويرفضه منطق الشرائع والإنسانيّة. وبالطبع ليس كل نزاع هو حرب، فيُطلق على النزاعات المُسلحة التي تنشأ بين الدول القويّة والشعوب الضعيفة غير القادرة على الدفاع عن نفسها مثلاً اسم الحملات العسكريّة أو الاحتلال أو الإستعمار، فيما يُطلق على نفس النوع من النزاع اسم (حرب) إذا استمرت المقاومة خلالها لفترة طويلة من الزمن.
هذه الحروب استثارت اهتمام الخبراء وصنّاع القرار في العالم، وقد دفعهم لوضع البرامج وسن القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق الإنسان أثناء نشوبها. وصناع القرار هم ذاتهم من يضعون قوانين تحفظ هذه الحقوق، وتحظر أعمال العنف والتمييز والتعذيب مثل قانون اللاجئين، وشرعة حقوق الإنسان، وحماية الأسرى والأطفال.. هذه القوانين تعمل على التأكيد على كيفيّة التعامل مع الأسرى وحماية المؤسسات الدوليّة مثل الصليب الأحمر والدفاع المدني وغيرها من المرافق التي تحضر في كل ساحة حروب، «وإن اختلفت المسميات» وهذا كله لم يمنعها من افتعال الحروب وانتهاك حرمة الأراضي والبطش بالناس وإبتكار طرق التعذيب للأسرى وللأطفال وتتسبب بالعديد من الآثار السلبية قريبة وبعيدة الأمد.
الحرب هي الحقيقة المرة التي تدفعها الأوطان
يبدع الإنسان في إعداد الحرب وتطويرها وتحسين أدائها ونفخ شرارتها بما يضمن هلاك أكبر قدر من البشر فيها، وقتل كل ذكرياتهم الجميلة واستبدالها بمشاهد عنف وقتل ودمار. وعليه، الحرب هي الحقيقة المرة التي تدفعها الأوطان بكل ما فيها ثمنا باهظا... أولئك اللئام أظهروا بطولاتهم المخزية في حياة البسطاء وآلامهم وأحلامهم واستنفدوا كل طاقاتهم في تعكير صفو الحياة وإذلال الشعوب وتحويل واقعهم إلى جحيم، يتضرعون فيه إلى ربهم ويناشدونه الخلاص...
هذا ما يحصل اليوم في غزة الفلسطينيّة ، الكل يتسارع ويتسابق ليخنق الشعب هناك والسيّطرة على كل ما يُمكن استثماره في البر وفي البحر.. هذا الكيان الغاصب قتل الطفل وأثكل المرأة ونكّل بالرجل وهدم الحجر وغيّر ملامح المنطقة... لا أحد ينظر ويشاهد هذه الإبادة بل وصلت الوقاحة بالبعض أن يُروجوا لصورة عكسيّة ويطبعوها في أذهان المشاهدين والمتابعين حتّى يُحولوا نظرهم ويكسبون الرأي العام في بلادهم وفي مناطق بسط نفوذهم...
ما يأتي بعد إنتهاء الحرب هو أخطر بكثير من الحرب وما يجري فيها، لأن الحرب تترك آثار إجتماعية ونفسيّة ومآس إنسانيّة لا تُعد ولا تُحصى. والأبشع من هذا كله هو شرعنة الحرب ومنحها الصك الشرعي الدولي ويسّرت أسبابها وفرضتها واقعاً وهذا أشد وطأة من الحرب وحيثياتها اللاأخلاقيّة  وبشاعة جرائم الصراع والإقتتال الّتي تتم تحت شعارات وذرائع تُصورها على أنّها احتدام بين الحق والباطل أو بين الله والشيطان إن صح التعبير طمعا في حشد أكبر قدر من الحمقى الرعاع الذين يتبعون الزّعيم بدون فهم أو تفكّر بما يجري ويتأثرون عادة بهذه اللافتات والشعارات المزيفة.
إن ما بعد الحرب ليس أحلاما وردية وسلاما وهميا، بل حياة مشلولة تملؤها رائحة الموت ومشاهد الدمار والخراب. يتوغل بها اليأس والمعاناة والإحباط وخيبة الأمل من أي قادم، فتتعزز رغبة لا تنتهي بالإنتقام، كيف لا، والإنسان غالبا ما يكون راغبا بالإنتقام والعدوان...
إنّ الحرب لا تقتل البشر فحسب، بل تجرد البشر من مثلهم وقيمهم وأخلاقهم وتنسيهم طبيعتهم الإنسانية بما يملؤها من إخاء ورحمة وحب وفضيلة، فتقتل فيهم المشاعر والأحاسيس والإنسانية والرغبة في السلام لأن جانب الحرب الأسود أنه، يُظهر تحولاً في حجم التغيير في حياتهم فيعيش فيها المرء لمجرد أنّه حي لأنّ الحرب جعلته ميتاً على قيد الحياة. كيف لا وهو لربما خسر أولاده أو أهله وإخوته أو زوجته... كيف لا وهو قد خسر بيته وعمله وأملاكه... كيف لا وهو خسر طفله الذي انتظره لأكثر من عشر سنوات..كيف لا وهو اختبر ما اختبر من آلام الفقدان للأحباب على الهواء مباشرة... كيف لا وهو يسمع اليوم الخبر وغدا سيكون هو نفسه الخبر!!
ناهيك عن أنّ المتضررين من الحرب والذين تعرضوا إلى جروح في مختلف أنحاء جسدهم ومنهم أيضا من خسر أطرافه وتشوه وجهه... هذه الجروح وبرغم آلامها وأوجاعها وإن طالت ستُشفى وإن كان ذلك ليس 100%.
الحروب تولد أمراضا عقلية ونفسية خطيرة
إنّ الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من اضطرابات صحيّة ونفسيّة تتراوح بين الإكتئاب والتوتر والخوف والقلق و«اضطراب ما بعد الصدمة» و«إضطراب ثنائي القطب» و«انفصام الشخصية»... وهذا مؤشر خطير؟
إذ أن الإكتئاب والقلق يزيدان مع تقدم العمر في البلدان التي تشهد صراعات كثيرة، وأن هذه الأرقام أعلى بكثير منها في وقت السلم، إذ يعاني واحد من كل 14 شخصا تقريبا من أحد أشكال المرض العقلي أي ما يصل الى نسبة 7.14 في المئة.
يظهر على الشخص أعراض اضطرابات نفسية تنعكس على صحته الجسديّة بصورة سيئة مثل والصداع وألم العضلات وعدم إنتظام النبض واضطرابات في الشهيّة و...
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تظهر أعراض إضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد الحروب ببضعة أسابيع أو في غضون 3 أشهر، وتتزامن الأعراض الفيسيولوجية مع أخرى نفسيّة فتسيطر على المصاب بالإضطراب نوبات الفزع والقلق والخوف والشعور بالذنب والاكتئاب، وقد تصل إلى الأفكار والميول الانتحارية في كثير من الأحيان. وهنا يأتي دور العلاج النفسي القائم على عدة مدارس تحليليّة ومعرفيّة وسلوكية... ويكون من أهم التقنيات المستخدمة، في نوبات الهلع، «تقنية التأريض» حيث يستشعر المريض بالمكان ويعمل على وصفه ويعد ذلك يجب عليه ان يستغل وقت فراغه بشيء ما يحبه فيعمل على استغلاله وفهمه ليُحسن إدارته.
تطال الحروب الإنسان فتتسبب له بالعديد من الآثار الصحيّة كما ذكرنا أعلاه فيحتاج إلى أكثر من تدخل، بدء بالأنظمة الغذائية، والنظافة، والرعاية الطبية الصحية والنفسية..
تُسبب هذه الحروب إصابات جسديّة بين الأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين، وفي ثير من الأحيان تكون نتيجتها وفاة وإعاقة. تؤثر الحروب على الصحة النفسية للإنسان، بما ينتج عنها من اضطرابات نفسية وعقلية قد تمتد لفترات زمنية طويلة، والتي قد ينتقل أثرها من جيل إلى آخر.  بشكل عام يواجه الجنود الأزمات النفسية التي قد تظهر على شكل: قلق واضطرابات اكتئاب، لأنّهم يشعرون بالوحدة الشديدة بعيدة عن أوطانهم وتُخالجهم الرغبة المُلحّة في العُزلة نتيجة لعوامل عديدة.
أمّا في غزة فالمقاومون يسطرون ملاحما بطوليّة سيُخلّدها التّاريخ بأحرف من ذهب، حيث أنّهم بعيدون عن عائلاتهم وأسرهم وبيوتهم منذ ما يقرب الشهرين وهم ثابتون برباطة جأشهم وازدياد إيمانهم بنفسهم وبقضيتهم.
الآثار النفسية  للحرب على الأطفال
الحروب تؤثر على تطور شخصيّة الطفل وبنائها ونموها، وعلى المعايير الداخليّة للخطأ وللصواب لديه، كما أنّها تؤثر على ردود أفعاله العدوانية وضبطه الإنفعالي بشكل عام، بالإضافة إلى الإنسحاب العاطفي وما تُخلّفه من مشاكل صحيّة تؤثر على الأعصاب كذلك قد تنعدم قدرة الطفل على التعبير عن أحزانه وأطفاله التي مرّ بها أثناء الحرب، فتتحول مشاعره وأحاسيسه وصراعاته الداخليّة وإلى سلوكيات عدوانية عنفيّة سواء كانت لفظية أو جسديّة... فهم يُظهِرون أعراضا نفسيّة سلبية عديدة، منها فقدان القدرة على التركيز، وحِدّة الطبع والمزاج والرعب الليلي ومشكلات وصعوبات
في النوم.
من ناحية ثانية لا ننسى ما يخنبره الطفل من مشاهد دمار وفقدان المنازل من جرّاء القصف، فإن أصوات الإنفجارات والطيران والقنابل والرصاص وأصوات سيارات الإسعاف المفاجئ الذي لا يعرف موعدا يضع الأطفال في حالة مستمرة من القلق والخوف الدائم والرهبة. ذلك أن تلك الأصوات ترتبط بشكل مباشرما اختبروه من قسوة في فقدانهم لمنازلهم، أو فقدان أفراد من العائلة والأصدقاء. هذا فيُصبحون بحالة خوف وترقب في كل وقت (بشكل دائم)، ويرفع من مستويات القلق والتوتر لديهم، وهو ما يصحبه آثار نفسية سلبيّة على المدى البعيد.
تأثير الحروب على النساء والاطفال
كذلك فإنّ تأثير للحروب واضح على النساء والاطفال، ففي الحروب والنزاعات يُصبح هناك تغيير إجتماعي في معظم حالات الحروب تعاني النساء والأطفال، رغم أنهم لا يشتركون مباشرة في القتال، فهم عرضة للموت وللاعتداءات وللإصابة وللاغتصاب وللخطف ولفقدان الملكية ولتداعياته من تفكك أسري ونزوح. فهم يعانون من فقدان الأمل ويعيشون كنازحين بعد أن هُجروا قصراً من بيوتهم وأرزاقهم وفي أوضاع تغيب عنها الحاجات والخدمات الأساسيّة، كذلك هم يختبرون الخوف والقلق والرعب من القصف والموت والفقدان، وهم عرضة للاضطرابات النفسيّة نتيجة المعاناة الصعبة والقاسيّة بسبب الحرب فيشهدون موت أطفالهن وأزواجهن وأقاربهن... فأصبح السكان مستهدفين وبصفة خاصة الأطفال. تترك الصّدمات النفسيّة النّاجمة عن تعرضهم للعنف والأعمال الوحشيّة والغوغائيّة وغيرالأخلاقية آثارها السيئة في نفوس النساء والاطفال طيلة حياتهم... كيف سينسون من قُتل ولفظ الرمق الأخير بين أيديهم، وكيف سنُلغي من ذاكرة الطفل صورة أمّه وهي ميتة أمامه وهو يناديها بأعلى صوته فلا تُجيب... وكيف سنُرجع لأم إبنها الذي قُتل ببشاعة وهي تُحضر له ما تيسر ليسّد جوعه... هذه جروح من سيُداويها ومن سيوقف نزفها.. هذه جروح نازفة لا تُشفى إلّا بعد الثأر العظيم، وعلّه يكون قريبا جدا...

 

البحث
الأرشيف التاريخي