الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وسبعون - ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وسبعون - ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

في ذكرى وفاته..

العلامة الطباطبائي.. مسيرة علمية فكرية فلسفية حافلة

يصادف اليوم في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر  من العام 1981 م ذكرى وفاة العلامة والمفسر والفقيه والعارف الايراني آية الله العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي وهو من كبار علماء الشيعة الذي ترك بصمات واضحة على الساحة العلمية والفكرية في إيران وفي العالم الإسلامي. خطّ قلمه الكثير من المصنفات القيمة، ويقع في مقدمتها موسوعته التفسيرية المعروفة بالميزان في تفسير القرآن، فضلا عن الكتب الفسلفية كبداية الحكمة ونهاية الحكمة وكتابه المعروف أصول الفلسفة والمذهب الواقعي الذي تصدى الشهيد المطهري لشرحه والتعليق عليه. تخرج من حلقة دروس العلامة الطباطبائي الكثير من الأعلام كالشهيد المطهري والشيخ جوادي آملي والشيخ مصباح يزدي والشهيد السيد بهشتي وغيرهم من التلاميذ الذين كان لهم الأثر الكبير في الساحة الفكرية والعلمية في العصر الراهن. وقد لعبت مناظراته مع الفيلسوف والمتخصص بالشأن الشيعي "الفرنسي هنري كاربن" دوراً هاماً في إيصال الفكر الشيعي وصورة التشيع إلى المجتمع الأوروبي.

دراسته وخوض غمار العلم
درس السيد الطباطبائي ولمدة ست سنين (ما بين 1911 إلى 1917م)- بعد تتلمذه القرآن الكريم بطريقة الكتاتيب- الأدبَ الفارسي وبعض الدواوين الشعرية منها «كلستان»، و«بوستان» وغير ذلك، وتتلمذ فنون الخط على يد الميرزا علي نقي الخطاط؛ ثم دخل بعد ذلك المدرسة الطالبية في تبريز حيث درس فيها قواعد الأدب العربي وبعض الحديث والفقه والأصول. فيما شرع بدراسات العلوم الإسلامية الأخرى ما بين سنة 1918- 1925. وبعد أن فرغ من الدراسة في المدرسة الطالبية شدّ العلامة الطباطبائي الرحال مع أخيه السيد محمد حسن متوجهاً صوب مدينة النجف الأشرف حيث بقي هناك ما بين سنة 1925- 1935م  متتلمذاً على يد كبار العلماء في تحصيل العلوم الدينية ومنشغلاً بالدراسات الفقهية والأصولية والفلسفية والعرفانية والرياضية. وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وضيق العيش وعدم وصول المبالغ التي كان من المقرر أن تصل إليه من أملاكه الزراعية في تبريز، قفل راجعا إلى مسقط رأسه تبريز حيث اشتغل بالزراعة لمدة عشر سنوات في قرية «شادباد» التبريزية وقام خلال تلك الفترة بتأليف رسائل عرفانية وفلسفية. وبسبب الإضطرابات التي حدثت في محافظة أذربايجان، توجّه العلامة الطباطبائي إلى مدينة قم المقدسة، حيث بقي فيها ما يقرب من 35سنة قضاها بالبحث والتحقيق وتربية جيل من الأعلام والمفكرين حتى وافاه الأجل هناك.
حلقات البحث العلمي في طهران
في الفترة التي عاش فيها العلامة الطباطبائي في قم المقدسة كان يعقد حلقات بحث علمية وفلسفية في طهران، يحضرها كبار الشخصيات العلمية كـ«هانري كوربن» والسيد حسن نصر: و«داريوش شايجان» و… وكان قطب المناظرات والحوارات تلك هو السيد الطباطبائي نفسه وقد تمحورت الأبحاث حول القضايا الفلسفية والعرفان والأديان والإسلام. تعرف العلامة خلال تلك السفرات على الكثير من عشاق الحكمة والمعارف الإسلامية والتقى أحيانا أخرى بعدد من المخالفين للدين والفلسفة وخاض معهم غمار البحث والحوار. وقد تمحور البحث في بعض تلك الحلقات على تفسير العرفان الشرقي بمحورية الأوبنشاد والغاتا (Gathas). وقد تصدى السيد داريوش شايجان لترجمة تلك المحاضر إلى اللغة الفارسية مع إضافات توضيحية جديدة سجلها العلامة الطباطبائي نفسه. ومن الجدير بالذكر أنّ لقاءاته مع الأستاذ «هانري كوربن» استمرت لمدة عشرين عاماً في كل خريف، يحضرها جمع من الفضلاء والعلماء، تطرح فيها المسائل الدينية والفلسفية، فكانت لها نتائجها المثمرة. وقد وصفها السيد حسين نصر بقوله: «أنّ تلك اللقاءات والمباحثات لم يكن لها نظير في العالم الإسلامي من ناحيتي الشمولية والأفق الواسع، منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين المسلمين والمسيحيين قائماً آنذاك».
المنهج التفسيري
لقد برع العلامة الطباطبائي في التفسير، وسلك فيه منهجاً خاصّاً، وعلى الرغم من أنّ أستاذيه السيد القاضي والسيد البادكوبي كان كلاهما من المفسّرين، غير أنّ المستفاد من كلام العلامة نفسه، هو اتباعه منهج السيد القاضي في تفسيره، حيث يقول: «علمنا أستاذنا السيد القاضي هذا المنهج، وهو تفسير الآية بالآية، ونحن نتبع منهجه في التفسير».
أهم ميّزة لتفسير الميزان، اعتماده منهج تفسير القرآن بالقرآن، يضاف إلى ذلك الترجيح بين الآراء؛ فإنّ كثيراً من المفسرين عندما يتعرضون لآية ذات وجوه كثيرة، يكتفون بطرح تلك الوجوه والاحتمالات التفسيرية من دون الترجيح بينها، فيما تجد العلامة الطباطبائي يشير إلى الرأي الراجح عنده، مع ذكر العوامل التي دعته للتّرجيح، كالآيات الأخرى والقرائن الحافّة بالآية المباركة.
هذا ويعتبر كتابه “الميزان في تفسير القرآن” من التفاسير القيّمة لهذا العصر، فقد خدم هذا التفسير المجتمع الإسلامي، كما خدمت التفاسير القيّمة القديمة للمسلمين، بتناسبها وتلازمها مع العلوم والفلسفة حينئذ، لفهم معاني القرآن في العصور السالفة. شرع العلامة بكتابة تفسير الميزان سنة 1954م. وأتم دورته الكاملة التي بلغت 20 مجلدا سنة 1972 م.  باللغة العربية.
منهجه في التجديد
عندما نزل العلامة الطباطبائي مدينة قم المقدسة كانت الحوزة العلمية تشهد بدايات نهضة تطورية بقيادة المقدس السيد "البروجردي"، ومن الطبيعي أن هذه النهضة بحاجة إلى كوادر عظيمة ترفدها بعطائها ونتاجها الفكري والروحي، لذلك فقد كان يشكل ركنًا هامًّا في البناء التطوري العظيم الذي تجلّت معطياته على الأرض في حركة الثورة الإسلامية وقيادتها. وكان صاحب منهج خاص في الطرح العلمي كما هو صاحب منهج خاص في التأليف والتصنيف واختيار المواد الدراسية، فهو عندما استقرّ في قم المقدسة كانت الحوزة تنقصها البرامج القرآنية كدروس التفسير وكذلك الدروس العقلية، ولهذا باشر في تدريس هذه العلوم، وتصدى لدرس الفلسفة وطرحه بأسلوب جديد حيث اعتمد كتاب الأسفار كمنهج لحلقة درسه التي كان يحضرها مائة طالب، وكان دائم التأكيد على حقيقة أن الدين والعقل لا يفترقان وأن الرجوع إلى الوحي والقرآن الكريم كفيل بإخراج العقول من حيرتها وتوفير الإجابات على الكثير من الإشكالات التي تقف العقول عندها حائرة، ولذلك انصبت اهتماماته على البحوث القرآنية وقد تمثلت هذه الاهتمامات في الاهتمام بالقرآن الكريم فطرح تفسيرًا يحرص على الأصالة ويتصف بالعصرية والعمق واستيعاب الجوانب الفكرية، وهو يعد أرقى تفسير لحد الآن وقد أطلق عليه (الميزان في تفسير القرآن)، وإيصال الفكر الأصيل إلى أبعد مدى ممكن وقد تمثلت جهوده في المحاورات والمناظرات، ومن نماذجها محاوراته مع المستشرق الفرنسي (كوربن) والتي بدأها في سنة  (1958م) واستمرت قرابة العشرين سنة وانتهت بأن وصل الحال أن كوربان يبكي حينما يقرأ الصحيفة السجادية...
إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية
النشاطات الاجتماعية التي كان يقوم بها العلامة الطباطبائي لها أبعاد مختلفة وكل منها يحكي عن شخصيته البارزة ، أهمها:
إحياء الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة
كانت الحوزات العلمية في زمن دخول العلامة إلى مدينة  قم المقدسة  تمر بظروف متأزمة ناجمة عن ضغوط الحكم القمعي والمشاكل المنبثقة من داخلها وهجوم الأفكار المتغربة، وكان الكثير من الطلبة آنذاك يعيشون في ظل أجواء عصيبة، يبحثون عمن يواجه هذه الأفكار ويروي نفوسهم المتعطشة إلى التعلم من معين المعارف . وقد أدت هذه الأجواء إلى أن يعزم البعض على الخروج من الحوزة وترك الدراسة. إلا أن حضور العلامة في مدينة قم المقدسة أعاد إلى الحوزة العلمية نشاطها وازدهارها العلمي واستطاع بمحوريته أن يجمع هؤلاء الطلاب ويحول تشتتهم إلى طاقة فعالة تنفع المجتمع، وها نحن نجد نتائج عمله داخل المجتمع من مختلف الجهات العلمية
والسياسية وغيرها.
الوقوف بوجه الحكومة الجائرة في سبيل إقامة الحكومة الإسلامية
لو بحثنا فی مسيرة العلامة طيلة تواجده في مدينة قم المقدسة، لوجدنا وبكل وضوح دوره الكبير في الإطاحة بالنظام الجائر، وإقامة الحكومة الإسلامية. فإن الكثير ممن تخرج من مدرسته العلمية أصبح فيما بعد من أركان الثورة الإسلامية في ايران، وهذا الأمر لم يحدث عفوياً بل وكما صرح بذلك الكثير من تلامذته ،إن الفكر الذي زرعه العلامة في نفوسهم كان لا يتلاءم مبدئياً وأسس الحكم المستبد الجائر. وإن تربية هؤلاء القادة يعد بمثابة تربية جنود مضحين للوقوف بوجه النظام الملكي البهلوي واستهداف أسسه المتهالكة بسلاح العلم والعقيدة الناجمين من الاستضاءة بأفكار العلامة .
هذا، إضافة إلى ما قام به العلامة عبر تأليفاته وتصنيفاته بتعزيز الأسس الفكرية والعقائدية للثورة الإسلامية. ففي تفسيره الكبير الميزان، في تفسير آية «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا» (آل عمران / 200)، تصدى إلى بيان العناصر المقومة للحكومة الإسلامية مع منهجيتها في العمل في عشرة حقول والذي لم يسبقه أحد لمثل ذلك وبهذا الإتقان. إضافة إلى تأليفه رسالة مستقلة بالفارسية في الحكومة الإسلامية وأبعادها وجوانبها.
لم يقتصر العلامة في كفاحه ضد النظام البهلوي على تكريس دعائم الثورة فحسب، بل نجده حاضراً مرابطاً في مختلف المشاهد والمواقف. ففي عام 1962و 1963م، حيث تطاولت يد الطاغوت الأثيمة على الدستور من أجل تحقيق أهدافها، ما استدعى الإمام الخميني (قدس) ومن أجل تفجير النهضة، الى عقد اجتماع بالعلماء والمراجع لبحث الموضوع . وكان ممن كان حاضراً في الاجتماع وتوقيعه موجود أسفل البيان الذي كتبه الإمام (قدس) هو العلامة الطباطبائي ، هذا البيان الذي كتب ببالغ الدقة والإتقان والتدبير، أثار الرأي العام للمسلم على النظام البهلوي ووجّه ضربة قاضية له.
وفي الوقت الذي أُخبر العلامة أن الشاه قرّر أن يمنحه شهادة دكتوراه في الفلسفة، غضب كثيراً عند سماعه هذا الخبر وقال بأنه سوف لن يقبل مثل ذلك من قبل جهاز الظلم بتاتاً. وفي لقاء له مع عميد كلية الإلهيات بشأن هذا الموضوع، قال له العميد: "إن رفضك لهذه الشهادة يجر غضب الشاه ويسبب لك بعض المشاكل، فأجابه في هذه المرة أيضاَ بكل صراحة: لا أخاف من الشاه إطلاقاً ولست مستعداً لقبول شهادة الدكتوراه".
إلى جانب نفوره وسخطه من حكومة الظلم والجور وإعلان استنكاره تكراراً من الظلم بكل أصنافه ومظاهره، كان مسروراً ومبتهجاً للغاية لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية. فكان دوماً ما يعرب عن فخره واعتزازه لتسلم الإمام الخميني (قدس) زمام الأمور وقيادة هذه النهضة ومعتبراً ذلك سبباً لعظمة الإسلام والمسلمين وسعادته وسيادته.
الاهتمام بأمور المسلمين
في عام 1967 م، تزامناً مع حرب الأيام الستة بين العرب والصهاينة، أخرج العلامة الطباطبائي مع آية الله أبي الفضل الموسوي الزنجاني والأستاذ الشهيد مرتضى مطهري بياناً عبروا فيه عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم وطلبوا من الأمة الإسلامية أن يمدوا يد العون والمساعدة لإخوانهم المسلمين، وافتتحوا لذلك ثلاثة حسابات في بنوك طهران.
 العمل على توحيد الصفوف بين المسلمين
يعتبر العلامة الطباطبائي أنّ سبب تدهور أوضاع المسلمين وضعفهم هو التشتت والتحزب وقد وضع خطى كبيرة في سبيل رص الصفوف بين الشيعة والسنة وتوحيدهم. وكان أحد أهم الطرق للتوحيد بين المذاهب هو تفسير القرآن لأنه موضع قبول جميع المذاهب، ولذا فقد حاول عبر تفسيره أن يعرف الأمم الإسلامية، بأنها أمة واحدة، وأن يزيل الاختلافات التي تضرب أساس الدين. كما كان يحاول عبر تبيانه لمعارف القرآن والسنة ، أن يرص صفوف الأمة الإسلامية، لمقاومة الكتل الشرقية والغربية، والوقوف بوجه جميع المستوردات، الشرقية والغربية، وعدم الركون إليها.
 متابعة الشؤون الاجتماعية
يقول ابن العلامة في هذا الشأن: "أتذكر جيداً بأن المرحوم والدي، كان لا يترك نشاطه طيلة السنة والعمل عنده في طيلة أيام السنة. فقد كان في أيام العطل يعبئ الناس لترميم الفروع والمعابر وتنظيف الطرق . وخلال العشرة سنوات التي عاد فيها العلامة (قدس سره) من النجف الأشرف، إلى قرية شادآباد، وجراء فعالياته المتواصلة، تم في هذه المدة تطهير القنوات والمزارع الخربة وتبديل ترابها وإصلاح أشجارها وإحداث مزارع جديدة و...".
وفاته
رحل هذا العالم الرباني الزاهد التقي الورع عن هذه الدنيا الفانية عن عمر ناهز 81 عاما قضاها في التهذيب والتعليم والعمل المضني في المزارع منذ نعومه اظفاره. وتم تشييعه تشييعاً مهيباً من مسجد الإمام الحسن العسكري(ع) باتجاه حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع) وكان في مقدمة المشيعين المرجع الكبير السيد محمد رضا الكلبايكاني (ره) الذي أقام صلاة الميت على الجثمان الطاهر متقدماً الحشود الكبيرة من المشيعين، ثم حمل إلى مثواه الأخير في مسجد "بالا سر" الواقع في حرم السيدة المعصومة (ع) حيث ووري الثرى هناك.

 

البحث
الأرشيف التاريخي