الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وسبعون - ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وسبعون - ٠٨ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٦

غزة في قائمة التطهير العرقي

أثر الحروب على العلاقات الإجتماعيّة

 

د. رُلى فرحات
ليست شظايا القصف وحدها من تترك ندبة على جسد صاحبها لتذكره بالحرب طيلة سنوات عمره، بل للحرب ندبات وجروح نفسية، تظهر أعراضها أشد قساوة وأطول أمداً، وهذا ما يعانيه وسيعانيه أهل غزة، لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو خير الناصرين.
الإنسان، وكما يقول الفيلسوف وعالم الإجتماع إبن خلدون: «الإنسان كائن إجتماعي، وإذا كان الإنسان اجتماعياً بطبعه، ومتميزاً بالعقل، ولديهَ من حاجات الحياة المعروفة والضرورية لبقائه، ما لا يستطيع أن يلبيها بمفرده ولهذا كان التعاون داخل الجماعة، والتي أنتجت الحضارة كثمرة من ثمار تعاونها». لنبني أنفسنا ولنبني حضارة، نحتاج إلى البشر من حولنا..
كذلك وضع العالم أبراهام ماسلو نظريّته «تدرج الحاجات» أو كما يُطلق عليها هرم ماسلو للحاجات (Maslow's Hierarchy of Needs): وفحوى هذه النظرية أن الإنسان يسعى لتحقيق مختلف حاجاته الأساسية التي تمثل قاعدة الهرم العريضة أولاً، ثم يسعى لتحقيق حاجات ذات مستوى أو طموح أعلى بالتدرج بحسب أهمية هذه الحاجة عنده لبقائه على قيد الحياة. فتأتي الحاجات الإجتماعية «الأسريّة، والعلاقات والصداقة» في المرتبة الثالثة بعدَ الحاجات الفسيلوجية والحاجة للشعور بالأمان. وهذا لأنّ الإنسان جزء من مجتمع أكبر منه، وهو يحتاج إلى الإنتماء وإلى الشعور بأنّ الآخرين يحبونه ويقبلونه، وهذا ما يساعده على التخلص من التوتر والقلق والإكتئاب، ويقيه من العديد من الأمراض النفسيّة.
فبناء علاقات قويّة مع محيطنا، يمنحنا الصّحة الجسديّة والنّفسيّة والعقليّة الجيّدة، والّتي بالتالي تمنّ علينا بحياة خاليّة من الأمراض والمشاكل إلى حّدًّ ما. وهذا بالتالي ما يجعلنا نرى الآخر على أنه إنسان مثلنا، يضع أهدافاً ويرسم خططاً ويمتلك طموحاتٍ وأحلاماً. وهذا من المفترض أن يحدّ من العنف وجرائم الكراهية والتفرقة بين اللون والعرق والدّين...
والحرب هي إدارة للسّياسة بطرق غير الطرق الدبلوماسيّة أو المدنيّة غير العنيفة، فتعتمد العنف والحرب والتّصعيد وهذا ما ينتج عنه الكثير من الخراب والدمار والضحايا، وذلك باستعمال الأسلحة المدمّرة والآلات الفتّاكة لقتل الإنسان وحرق الأرض وتدمير ما بناه من حضارة استمرت لسنوات طويلة من الزمن. وعمر الحرب يكاد يكون منافساً حقيقيّاً لعمر الانسان على الأرض، فمنذ أيام هابيل وقابيل كانت الحروب والصراعات بين الشعوب، وما زالت، تندلع وتتوالى وتنتشر كالنّار بالهشيم في شرق الأرض وفي غربها وفي شمالها وفي جنوبها فلم تسلم منها الغالبيّة العظمى في الكرة الأرضية لأسباب وإدعاءات تتمثّل بالتوسّع وبالمطامع في خيرات الآخرين أو من أجل استرجاع الحقوق والتحرر والإستقلال… إلخ وهذا ما دفع الإنسان الى الإبتكار والإبداع من أجل تحقيق الإنتصار من خلال بث روح المقاومة بين أفراد شعبه، وخلق التوازنات في الصراع الطويل والمرير ضد القوى الإستعماريّة الدكتاتوريّة ذات النّزعة النرجسيّة المتطرّفة العدوانية الّتي تعتاش على سفك دماء الآخرين وتهدد كيانه وتعرضه للخطر وللزوال.
أثر الحروب والصراعات على الإنسان والمجتمع
للحروب آثار كثيرة ومتنوعة بسبب ما تُخلفه من دمار وخراب اقتصادي وعمراني، ثقافي وإجتماعي، فالأذى الذي يصيب الإنسان يتنوّع بين فقدانه لأحبابه وأعزائه، ليصل إلى فكر وأخلاقيات الفرد والمجتمع ومن ثم فنه وأدبه و …إلخ. ويترتب على الحروب التي يشنها البشر مهما كانت دوافعها ومبرراتها من ظلم وعنف ودمار في البنية التحتيّة والإقتصاديّة، وما ينجم عن الحروب والنزاعات المسلحة من كوارث وويلات وفساد أخلاقي وانتهاكات لكل معاني الإنسانية.
واللاجئون والمهجرون والمشردون يتأثرون بانعكاسات الحرب الدائرة، إقتصادياًّ، وبشريّاً، وإجتماعياًّ، حالهم حال الملايين، وهنا لابد من التطرق لموضوع غاية في الأهمية وهو «الأثار الإجتماعيّة للحرب وما يترتب عليها من أثار سلبيّة على الفرد والمجتمع».
سنتناول الحرب الغوغاء في غزة اليوم كمثال على هذه الآثار الأليمة والمؤلمة للحروب على البشر والحجر والشجر والطبيعة بكل ما فيها من معادلات وقوانين... لقد أصدرت وزارة الصحة الفلسطينيّةّ اليوم أنّه فاق عدد الضحايا منذ بدء العدوان العشرة آلاف إنسان، هل من أذن تسمع وعين ترى؟!! إنسان، يا أهل الأرض، هل تعرفون ماذا يعني إنسان؟ إنّه روح الله عز وجل وضعها في جسده لينمو ويكبر ويكوّن أسرة ويُحقق أهدافاً وطموحاتٍ ليكون له أثر في هذه الحياة، وإذا به اليوم هذا الإنسان يُحوّل إلى رقم للأسف نحن فقط أرقام، مجرّد أعداد تزيد وتزيد في سجل الإجرام ضد الإنسانيّة والعالم لا يسمع ولا يرى ويعيش حالة من الجمود في المشاعر والفكر والضمير!!
نصف هؤلاء الضحايا «الإنسان» هو أطفال، يعني النصف الآخر راشدون ومسنون، لن أدخل بحسابات عدديّة للإفتراضات الأرامل الأيتام لأنّ آلة القتل الصهيونية الغادرة المتغطرسة المتكبرة لا تُميّز بين طفل وراشد وعجوز... وهذا يعني أنّ هذه الحرب لم تقتل الآلاف من الأطفال فحسب، بل تركت الآلاف أيضاً أيتام والآلاف من الأرامل والآلاف من الجرحى الذين أُصيبوا ببتر الأعضاء وأصبحوا من أصحاب الإعاقة وإن اختلفت حدتها وتنوعت...
يترتب على ما أقوله الآلاف والآلاف وليس فقط ما يُعلنونه على منابرهم من أرقام غير دقيقة أبداً. لماذا؟!
لأنّ الآثار الإجتماعيّة ضخمة جداً، فهذه الأسر فقدت الأب أي المعيل، وكلنا نعرف أو يجب أن نعرف انعكاسات موت الأب نفسياً على الزوجة وعلى الأطفال وعلى والديه أيضاً... هذا الأب السّند المعيل، أتعرفون ما معنى كلمة سند؟!!، هذه الأسر الّتي فقد الأم، مصدر الحنان والأمان والطمأنينة، أتعرفون ما معنى كلمة أمان؟! هذه الأسر التّي شُطبت بالكامل من السّجلات المدنيّة ولم يبق منها أي شيء إلّا الكفن. ربّاه رحمتك، إنّك على الأخذ بالثّأر لقدير... ولن أتكلم عن النّزوح وأثاره النّفسيّة والإجتماعيّة والصّحيّة، ببساطة لأنّ غزة محاصرة من الحدود الشماليّة مع لبنان إلى الحدود الشرقية مع الأردن مرورّا بالحدود الجنوبية مع مصر والبحر من الغرب، كم كان البحر لطيفاً وحنوناً مع أطفالها!!.. غزة اليوم تكتب فصول مسرحية الحياة بالموت بعزة ونصر، فمن لم يمت بالأمس فهو مشروع وفاة لليوم أو للغد، لأنّه هدف في قائمة التّطهير العرقي الّذي صادق عليها الجميع ما خلا الندرة النّادرة فقط، غزة تُناضل وحيدة على وقع أبواق الخذلان العربي وبدعوات الأمهات الثكالى وبدموع الآباء المفجوعين وبصراخ الأطفال المفزوعين غزّة أملها بالله عظيم وإيمانها بنصره كبير وثقتها بخلاصه جعلهم وإيّانا نحن الشرفاء المشتركون معها بوحدة المسار والمصير لا نزداد إلّا صبراً جميلا، والتّاريخ سيكون بالمرصاد وللأسف نحن أمّة لا تقرأ ولا تنظر في خبايا الأمور، تتمسك بالقشور ولا تقرأ ما بين السطور... وإنّ غداً لناظره قريب!!.
من ناحيّة ثانية، عادة ما تكون البطالة والهجرة والنزوح من المشكلات الإجتماعية الرئيسية للحرب، لأنّ الحرب عادة ما تُفقد الكثير من النّاس ممتلكاتهم الخاصة، وتُخسرهم أشغالهم وأماكن أعمالهم، كما أنّها تتسبب بأضرار جسيمة بالمدارس وبالصروح التعليميّة فينعكس ذلك سلباً على نمو الأطفال والمراهقين الفكري والنّفسي والإجتماعي بشكل خاص.  كذلك فإنّ النّزوح الداخلي أو الهجرة الخارجيّىة كثيراً ما تتسبب بمشاكل أسريّة وخلافات بين أفرادها بسبب اكتظاظ المساكن عادة بأصحابها وبضيوف الحرب لمن خسروا مساكنهم أو لمن هربوا من شدة المعارك وخوفاً من روع الحرب، وهذا ما يؤدّي في كثير من الأحيان  إلى التفكك الأسري والإجتماعي ليس هذا فحسب بل أيضاً من الممكن أن ينجم عنه بعض حالات التحرّش وغيرها للأسف خاصّة في الأسر الّتي لجأت إلى المدارس والمخيمات في ظل الظّروف الإقتصاديّة الصّعبة والضّائقة الماديّة بسبب الحرب فيتشرّد العديد من الأفراد ويجدون أنفسهم في حاجة إلى اللجوء والمساعدة الإنسانية الضرورية... ومن أخطر الآثار السلبية للحرب والّتي تنجم كنتيجة لنزوح المواطن وهجرته خارج حدود الوطن إلى الدول المجاورة سواء عربيّة أو أجنبيّة، وبالطبع نحن نتكلم بشكل عام عن آثار الحروب على أي مواطن كان، فيكون معظمهم من فئة الشباب الّتي تبحث عن الأمن والأمان خارج حدود وطنٍ اختبرت في ربوعه الويلات والقهر والجوع والخوف، فيُهاجرون طمعاً في وطن بديل آمن ولإيجاد مستقبل. وهذه الفئة عندها تحدّياتها الخاصة ومشاكلها فهي تطمح للعيش بسلام وفي ذات الوقت تركت جزء كبيرا من عائلاتها في دائرة الخطر وهذا يترك آثارا إجتماعية لا يمكن أن تزول بسرعة، فتبقى أثارها النّفسية أيضاً عالقة في نفوس الجّميع كباراً وصغاراً، أمّا الآثار الإقتصادية فيمكن تداركها وإعادة الإعمار بفترات وجيزة القنوات المحلية والمنظمات الدولية المعنيّة بشأن إعادة الإعمار...!!
أين غزّة من كل هذا؟!
أُنتُهكت أحياؤك، وسُبيت أعراضك، واستُبيحت ممتلكاتك، وقُتلت نساؤك، ودُمرّت براءة أطفالك... فلا هجرة مقرونة بالعودة، ولا أسواق تنتظر الحركة والبركة، ولا مدناً تتطلع لإعادة الإعمار وإعادة تحريك العجلة الإقتصاديّة والتربويّة والثقافيّة...
للأسف غزة لم يتركوا لك إلّا الأكفان...!!! وحتماً سيكون لي مقالاً أتحدّثُ به عن نصرك وإنتصارك ولو بعد حين، وأنا أثق بذلك كثقتي بأنّ الشّمس مُشرقة دائمة!!!
 الآثار الكارثيّة للحروب على الإنسان
التوتر الإجتماعي: تدمير الثقة بين الأفراد والمجتمعات فتظهر التوترات الدينيّة والثّقافيّة والتّمييزات العرقيّة مما يؤدي إلى صراعات مستمرة وانقسامات عديدة ومختلفة لا تُحمد عُقباها.
الأضرار الإقتصاديّة الجسيمة: من جرّاء دمار المنشآت الإقتصاديّة والبنيّة التحتيّة وهذا ما يؤدي إلى تدهور الإقتصاد وإرتفاع معدلات البطالة والفقر ومن بعدها العنف والفساد والكثير من عمليات السرقة والجرائم المختلفة..
خسائر في الأرواح: حيث أن الحروب لا تُميّز بين صغير وكبير أو شاب وكهل أو مريض وسوي، وهي بذلك تتسبّب في فقدان حياة الكثير من الأفراد، من المدنيين والعسكريين، وهذا يوصل إلى  مأساة بشريّة كبيرة من فوضى وقهر وحزن عميق.
الإصابات المختلفة: الّتي يتعرض لها الأشخاص والّتي تتنوّع حدّتها وتتسبب في كثير من الأحيان في عجز جسدي نتيجة التعرّض للعنف عبر أدوات دمار مختلفة من قذائف منها الحارقة والخانقة والإنشطاريّة والفوسفوريّة والمسماريّة... نعم إنّهم يتفنون بصناعة آلة الموت ولا يتوانون عن تجربتها في أجسادٍ طريّة بريئة. قد يتعيّن على الناجين من الحروب مواجهة تأثيرات طويلة الأمد على صحتهم الجسديّة والنّفسيّة والعقليّة وأحياناً العجز الدائم والشلل بكل مقاييسه...
الآثار النفسيّة الخطيرة للحرب: بما في ذلك الصّدمة والقلق والإكتئاب وإضطرابات الإجهاد ما بعد الصدمة. هذه الآثار يمكن أن تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب وقد لا تُحمد عُقباها..!!

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي