رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع في لبنان للوفاق:
ضرورة تحويل مقاطعة العدو من ظاهرة عابرة إلى فلسفة اجتماعية متجذرة
الوفاق/ خاص
عبیر شمص
رغم أهمية استخدام المقاطعة كسلاح مُشهر بيد الشعوب، إلا أنها لم تتحول في الواقع إلى خط نضالي مقاوم ولم ترسخ كقيمة مضافة إلى ثقافة المجتمع وعاداته الأصيلة. فبقيت موسمية ومُتقطعة، تسير على وقع الأحداث، يرتفع صوتها مع تصاعدها، وينخفض على وقع تراجعها، وكأنها انتفاضة أو هبة مؤقتة وعارضة ترتبط بحماسة عارضة مرتبطة بالحالة العامة، وليس ضد احتلال يتواصل منذ عشرات السنين.
التعامل مع المُقاطعة على نمط مزامنة الأحداث ومواسم الحروب مَنَعَ ثباتها واستقرارها في المجتمع العربي والمسلم، وحال دون تحولها إلى وعيٍ مُكثف يؤدي إلى اعتمادها كسلوك مقاوم وأسلوب حياة تحت الاحتلال، في إطار هذا الواقع التقت صحيفة الوفاق الدكتور عبد الملك سكرية رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع وعضو حملة مقاطعة داعمي العدو الصهيوني في لبنان للحديث حول أساليب وطرق تحول حركة المقاطعة من الحالة الموسمية والفردية إلى حالة دائمة ومجتمعية، ولأجل التعرف على ما المطلوب لترسيخ ركائزها في الوعي الجمعي العربي لتتأصل في السلوك والوعي والثقافة.
من عملٍ فردي إلى نمط حياة مجتمعي
نطمح أن تكون مروحة حركة المقاطعة واسعة جداً ودائمة وأن تتحول إلى نمط حياة للشعوب بكل ما للكلمة من معنى، يقول الدكتور سكرية الذي يُتابع قائلاً:"يجب أن تكون ثقافة المقاطعة متجذرة لدى المواطن والشعب العربي في منطقتنا وعن قناعةٍ تامة يعتنقها المواطن كي تكون فاعلة وتُحقق الاستمرارية وتُصبح طبيعية، حينها يعلم المواطن العربي ما له وما عليه وهذا واجب وطني وديني وأخلاقي، هو واجب الدفاع عن النفس لأنّ الأمة الإسلامية والشعوب العربية تتعرض لأشرس عدوان استعماري صهيوني يساعده في ذلك أنظمة رجعية متخلفة تافهة سخرت كل ثرواتها لخدمة المشروع الاستعماري الصهيوني سعياً للحفاظ على عروشها وحكمها، إذن حركة المقاطعة تحتاج إلى جُهدٍ ضخم وعملٍ دؤوب وفق الدكتور سكرية والذي تتحمل حركات المقاطعة مسؤولية تنفيذه، ولكن حتى لا نظلمها علينا أن نعلم أنها مجموعات شبابية في الدرجة الأولى وهؤلاء الشباب يمارسون العمل بشكلٍ تطوعي، تدفعهم وطنيتهم إلى ممارسة هذا النشاط، وتحمُل مسؤولية هذا العمل بما توفر لهم من إمكانيات محدودة ومتوفرة، وهم يواجهون هذه المهمة الضخمة والصعبة والتي تحتاج إلى طاقات وإمكانات بكل ما للكلمة من معنى.
فعملية تغيير الذهنية المجتمعية لجعل المقاطعة تنبع من الفرد بشكلٍ تلقائي ومستمر ولا تنتظر وقوع أحداث لتفعيلها وفق الدكتور سكرية تتطلب جهوداً جبارة وإمكانات هائلة للقيام بها، لذا نحن نطمح ونعمل بشكلٍ دؤوب ومنذ سنينٍ طويلة على زرع هذه الثقافة لدى شعوب المنطقة ولكي تتحول إلى نمط حياة للمجتمعات، ولتحقيق ذلك نركز في عملنا على العنصر الشبابي لتحقيق ذلك، من تنظيم ندوات وعقد لقاءات التوعية في الجامعات المختلفة للطلاب من أجل إقناع الطلاب بجدوى المقاطعة وجعلها ثقافةً دائمة لأن الأعداء وما أكثرهم من داخل بلادنا وخارجها، وهؤلاء الذين يشاركونا في المواطنة أشد عداوةً من أعداء الخارج للأسف، فوفق الدكتور سكرية تسلم أعداء الداخل وظيفة تسخيف حركة المقاطعة وتبخيس قيمتها و والتشهير بها عبر إبراز عدم أهميتها والقيمة المنخفضة لها، فيقولون ما هي جدوى مقاطعة سلعة ما يبلغ سعرها عشرات السنتات، فماذا ستؤثر هذه الأموال القليلة في الحركة الاقتصادية الكبرى للشركات، تُعد عملية التسخيف هذه جزءاً من الحرب المضادة التي يخوضها ضدنا العدو، وهي جزءٌ من الحرب الناعمة التي تهدف إلى صناعة وعي كما يريد العدو وليس كما يجب أن يكون.
حركة المقاطعة موسمية ومتقطعة تسير على وقع الأحداث
حركة المقاطعة موسمية تسير وفق الأحداث الجارية، يوضح الدكتور سكرية بأنها ما زالت ردة فعل أكثر منها كفعل، طموحنا أن تتحول إلى فعلٍ دائم، ولكن شعوبنا تتعرض لعدوانٍ كبيرٍ جداً يستهدف وعيها وقدرتها على الحركة، من الإفقار والتجويع الهادف للتركيع الذي هو جزء من الحرب التي يخوضها العدو ضد شعوبنا ومجتمعاتنا، فلقد أصبح رب الأسرة مُضطراً للعمل من الصباح الباكر إلى وقتٍ متأخر من المساء لتأمين معيشة عائلته، فلا يتسنى له الوقت الضروري للاهتمام بأمورٍ أخرى، وما هذه الحالة الاقتصادية والواقع المعيشي الصعب الذي تعيشه معظم الشعوب العربية إلاّ لجعل هذه المجتمعات أن تنغمس في قضاياها الخاصة والضرورية، فتصبح أولوياته خاصة، ولا تصبح قضية فلسطين ومواجهة العدوان الاستعماري الصهيوني رقم واحد لديهم بل تصبح الرقم اثنين وربما ثلاثة في سُلم أولوياتهم.
عدم دعمها حزبياً ونقابياً يعوق تحولها أسلوباً للحياة
أهم العوامل التي تمنع فعالية وجودها وتحولها إلى أسلوب حياة وفق الدكتور سكرية هي عدم تبني الثقافة من قبل الأحزاب والنقابات والقيادات المدنية والدينية لتبقى مقتصرة على نشطاء ومجموعات شبابية تعمل بإمكانات محدودة جداً، ولكي تتحول إلى حركة شعبية واسعة وفاعلة في كل البيئات على اختلاف تنوعها، تحتاج لتتبنى من قبل الأحزاب بالدرجة الأولى والنقابات بالدرجة الثانية والمرجعيات والقيادات لها المحترمة والمؤثرة في المجتمع أي تكون كلمتها مسموعة من الناس، فعندما تدعوها لمقاطعة العدو وداعميه تستجيب لطلبها، وهذا لم يحصل إلى الآن ، وما زالت مقتصرة على عمل نشطاء شباب لا يتجاوب المجتمع لهم ويسمعهم بالشكل الكافي إلا في أوقات الحروب وسفك الدماء وارتكاب المجازر الوحشية من قبل العدو الصهيوني، حينها تُصبح الكلمة فاعلة ومؤثرة ولكن بصورة مؤقتة ، فمع انتهاء الحرب يعود رب الأسرة للعمل طيلة النهار لتأمين معيشة أولاده لتُشكل مجدداً أولى أولياته.
وعلينا هنا يلفت الدكتور سكرية أن لا ننسى أن أنظمة الإستبداد والقمع والتآمر والتطبيع تُحارب بكل ما أوتيت من قوة أي حركة مقاطعة أو مقاومة للتطبيع مع العدو الصهيوني، وهي تملك إمكانيات ضخمة وأجهزة أمنية ووسائل إعلام خاصة بها تُروج لها ولأفعالها ولأفكارها، وكذلك الكثير من نقاط القوة والنفوذ والمقدرة لمحاصرة هذه الحركات وتحجيمها والحد من فعاليتها وقدرتها على الحركة والتواصل مع الناس، نحن في لبنان وضعنا أفضل من بعض الدول العربية الذين يعانون من ضغوطات وصعوبات جمة من سلطات بلادهم وأجهزتها الأمنية المتحكمة بكل مفاصل الحياة.
ترسيخها وتأصيلها في الوعي الجمعي العربي
تحتاج حركة المقاطعة لترسيخ ركائزها في الوعي الجمعي العربي والمسلم لتتأصل في السلوك والوعي والثقافة إلى برامج عمل وأنشطة توعوية دائمة، يقول الدكتور سكرية فمعركة الوعي هي المعركة الأساس ويجب التركيز كثيراً عليها فنشر الوعي يوفر علينا العمل الكثير ويؤهل الأمة للنصر، لذا علينا بالوعي ثم الوعي ثم الوعي، نحن نحلم بجعل ثقافة المقاطعة في المناهج التربوية في المدارس، ما يؤدي إلى تنشئة جيل من أعمارٍ صغيرة على ثقافة المقاطعة وأسبابها وتترسخ في ذهنهم وحينها فقط تُصبح نمط حياة ووعي كامل وثابت في المجتمع وتدوم حينها وتُصبح شاملة لكل المجتمع، ويُصبح لها فعالية كبيرة ، فهي عندما تتحول إلى حركة واسعة النطاق ودائمة الفعالية يكون لها مردود عظيم وواسع، وهناك تجارب تاريخية لدى الشعوب عن مدى فعالية المقاطعة، منها حركة "المهاتما غاندي" في الهند فهو بواسطتها حرر الهند من الاستعمار البريطاني، وعندما كانت الدول العربية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تعتمد تطبيق المقاطعة للعدو الصهيوني، كبدت العدو الصهيوني خسائراً فادحة اقتصادياً وسياسياً ومعنوياً، لذا تُعد المقاطعة سلاحاً فعالاً بشرط جعله واسع ودائم الاستمرارية والفعالية.
تعدت الشق الاقتصادي لتشمل مجالاتٍ أخرى
حركة المقاطعة تتعدى الشق الاقتصادي إلى مجالات أخرى، وإن كان يتبوأ الشق الاقتصادي المرتبة الأولى في سلم أولوياتها وعملها، كما يوضح الدكتور سكرية الذي يُكمل حديثه بالقول:" يجب أن تشمل حركة المقاطعة مجالات أُخرى مثل الرياضة والمؤتمرات العلمية والثقافية والسياسية وغيرها، فلا يجب أن تجمعنا منصة واحدة مع صهيوني لا في عالم الرياضة أوفي عالم الفن والثقافة أو اي مجالٍ أخر وخاصةً في المؤسسات والمؤتمرات الدولية التي يحضر فيها بطبيعة الحال العدو الصهيوني، هنا علينا تنظيم سلوكنا وحضورنا فيها بحيث لا نلتقي بهم ونحاول بشتى الطرق والوسائل أن لا يجمعنا بهم أي نشاط أو صورة أو حضور في المنصة نفسها في المؤتمرات العلمية والأكاديمية، نحن لا نريد منع الأطباء والمتخصصين من حضور المؤتمرات العلمية بسبب وجود العدو الصهيوني، برأينا يجب عليهم الحضور ولكن عليهم الالتفات والانتباه بعدم الالتقاء مع أي طبيب من الكيان الغاصب وبالأسلوب المناسب لكلٍ منهم، ومن هنا تتضح أهمية عملية التوعية عبر معرفة كيفية التصرف في هذه اللقاءات والمؤتمرات العالمية خاصة في اللقاءات الرياضية ذات التأثير الواسع، فالرياضيين هم نجوم المجتمع والمحببون والمعروفون من كل طبقات المجتمع وخاصةً لدى فئة الشباب وعندما يمتنع نجم رياضي ويُقاطع بعد حضوره عن أي نشاط رياضي عالمي لكي لا يجتمع مع لاعب ورياضي من العدو الصهيوني، يكون التأثير والفعالية لعمله هذا واسع وفعال جداً. لذا أقمنا منذ سنتين احتفالاً تكريمياً لعدد من الرياضيين العرب ومن الجمهورية الإسلامية الايرانية المنسحبين من مباريات رياضية دولية مُضحين بلقب أولمبي ودولي كانوا يحلمون الوصول لتحقيقه، ولكنهم فضلوا الانسحاب لكي لا يواجهوا اللاعب الرياضي من الكيان الصهيوني، فكان هذا الاحتفاال التكريمي لعملهم المشرف ولدعمهم ولتشجيع الآخرين لكي يحذو حذوهم.
المرتهنون والخاضعون لشهواتهم المادية لا يُعول عليهم
في كل المجتمعات يوجد أفراد ضعيفوا الإرادة والوعي ويفضلون الاستمرار في استهلاك المنتجات ولو كانت صهيونية، يوضح الدكتور سكرية قائلاً: "هم تيُسوقون لأفعالهم على أنهم لا يستطيعون التخلي عن رغبتهم بتناول سلعة ما وشرائها، وهؤلاء الأفراد يمتلكون شخصيات ضعيفة ويحتاجون للمساعدة النفسية والتوعوية فهم فاقدون للثقة بالنفس والوطنية ولديهم نقص ديني ولا يُعول عليهم في التحرر من الاستعمار والاحتلال وهم الخاضعون والمُرتهنون لشهواتهم الخاصة.
يشرح الدكتور سكرية بأن المقاطعة لها دورٌ أساس وفعال في صقل شخصية الناشط في هذا المجال وفي بلورة أفكاره وتنمية حسه التوعوي ودوره في المجتمع، فهو بعمله يتحول إلى مثال وقدوة مجتمعية، ونحن نعرف أشخاصاً كثيرون عملوا في حركة المقاطعة واتبعهم الناس لصدقهم وتواضعهم، فاكتسبوا احترام الناس الذين أصبحوا يسألونهم عن السلع والبضائع المنوي مقاطعتها، وخاصةً في أوقات الحرب كالحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة، فالناس تستنفر وطنيتها ومشاعرها وحسها الإنساني وتهتم وتُتابع مصدر السلع إن كانت صهيونية أو أجنبية الداعمة للمحتل في سبيل مُقاطعتها .
المقاطعة مقاومة شعبية مساندة للمقاومة العسكرية
المقاطعة مقاومة وهي جزء لا يتجزأ من ثقافة المقاومة الواسعة الشاملة ، يؤكد الدكتور سكرية على أن المقاومة الثقافية والإعلامية والفنية هي أسلوب حياة وعلى كافة الصعد ، وكل شخص يستطيع في الميدان الذي يعمل به أن يكون مُقاوماً بل يجب عليه ذلك، فالمقاطعة سلاحٌ فعالٌ جداً وهو رديف وعمق للمقاومة العسكرية وداعم لها، لأننا عندما ننشر ثقافة المقاطعة فنحن ننشر في الوقت نفسه ثقافة المقاومة وبها نحمي المقاومة العسكرية من بعض المنتقدين والجهلة والأعداء الذين يُصوبون على المقاومة العسكرية وفق زعمهم بأن ثمنها كبير جداً وأنها تؤدي إلى الدمار وأنهار من الدماء وعلى أننا لا نستطيع مواجهة هذا العدو الغاشم بإمكانياتنا المحدودة، لذا نحن نواجههم بنشر ثقافة المقاطعة الداعمة لثقافة المقاومة العسكرية المُسلحة بالوعي والمؤيدين أيضاً.
تنسيق وتوحيد العمل في الساحات العربية المختلفة
نعمل منذ فترة مع حركات المقاطعة في البلاد العربية على التنسيق والتشبيك وتوحيد الجهود فيما بيننا ، يقول الدكتور سكرية ولقد قطعنا شوطاً كبيراً جداً في هذا المضمار، وستكون هناك نتائج إيجابية في المدى المنظور إن شاء الله وهناك تنسيق دائم ومع الجميع منذ سنواتٍ طوال، ويلفت الدكتور سكرية إلى ان حركة المقاطعة والتطبيع في لبنان نجحت في منع عرض أفلام أمريكية هوليودية في دور السينما المختلفة في لبنان ، بسبب أن بطل أو بطلة الفيلم أو المنتج المخرج له ينتمي للكيان الغاصب، ولأجل منع عرض هكذا نوعية من الأفلام تواصلنا مع الأصدقاء في بعض الدول العربية لكي يتم منعها من العرض هناك، وهذا حصل مرات عدة في لبنان وتونس والأردن الذي يرتبط مع الكيان الصهيوني بمعاهدة سلام أو استسلام، وكانت حركة المقاطعة فيه قوية لدرجة منع عرض الفيلم ولعدة مرات، ونحن حالياً في أجواء هذه الحرب الهمجية والمجازر المرتكبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني من أطفال ونساء عُزل في قطاع غزة ، نسعى للمُضي قدماً في جعل الجهود أكثر فعاليةً ومنتشرة بشكلٍ أكبر وتطال مروحة واسعة من المجتمعات العربية والإسلامية، ونسعى جاهدين لتشكيل رأي عام داعم لتنتشر وتتوسع بشكلٍ أكبر وتُصبح فعاليتها أكثر وهكذا نكون أدينا دورنا المطلوب منا في هذه الحرب، حرب الوجود مع العدو الصهيوني.
ختاماً يجب علينا وضع خطة وطنية شعبية للمقاطعة، تنطلق من برنامج مقاومة الاحتلال وتعزيز الصمود وتغيير أنماط السلوك الاستهلاكي للمجتمع، وتحويل المقاطعة إلى وعي وقيمة ونمط حياة بغض النظر عن الأحداث، فلا يعقل أن نموِّل فاتورة استهداف وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني بل والشعوب العربية، بل يجب تفعيل حركة مقاطعتنا له لتتقاطع مع حركة المقاطعة الدولية وكل ذلك لا يتحقق دون فعل منظَّم وبرنامج شامل وأدوات تعمل بهمةٍ ونشاط تصل بفكر المقاطعة لأن يصبح ثقافة مجتمعية نعتز ونفتخر بها.