الباحثة في الشؤون التربوية زهرة فخر الدين للوفاق:
الاستعمار الثقافي هو الأخطر لانه يحجب الإسلام عن الشباب
سهامه مجلسي
الشباب هم الفئة التي يقوم عليها المجتمع، وهم إن صح القول أهم فئة، لأن الشباب هم طاقة المجتمع، وهم الفئة التي يقع على عاتقها العمل والإعالة، وهم الفئة التي تعمل بجد لبناء الأسرة التي هي لبنة المجتمع الأساسية. وتواجه الشباب مشاكل كثيرة في حياتهم، خاصة في مجتمعاتنا الإسلامية في هذا العصر.
تعتبر مشكلة الشباب في المجتمع الاسلامي من القضايا المهمة والاساسية، باعتبار أن الشباب هم الحاضر وأمل المستقبل، وهم الفئة التي تقوم ببناء الوطن، هم ثروة الأمة التي تفوق ثرواتها كلها ومواردها الأخرى، هم الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بعمليات النهضة والتنمية بدءا من التعليم والتربية والثقافة والإعلام والقيم الدينية والاجتماعية ، ولذلك تعمل الدول جاهدة لتوفير أفضل السبل لنموهم وتقدمهم، يتعرض الشباب المعاصرة للعديد من المشاكل، قد يميل الشباب نتيجة للتربية الخاطئة إلى السلوكية أو الانخراط مع الجماعات السيئة مما يمهد لظهور مشكلة الانحرافات السلوكية.
مشكلة الشباب ليست خاصة بدولة أو بثقافة معينة، لأن هذه الفترة العمرية مرتبطة بالعديد من التغيرات والاتجاهات الفكرية والثقافية وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الباحثة في الشؤون التربوية زهرة علي فخر الدين وفيما يلي نص الحوار:
أن أهم شرائح المجتمع هي شريحة الشباب..فمن أين جاءت هذه الأهمية؟
قبل الحديث عن أهمية مرحلة الشباب، لابد أن نتناول الموضوع من خلال النظرية الاسلامية عن التربية لمراحل الطفولة المتصلة بمرحلة الشباب، مع إطلالة بسيطة على النظريات التربوية الحديثة.
فالنظرية الإسلامية تقسم مراحل التربية لكل إنسان من الطفولة حتى الرشد وفق الحديث الشريف: (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبع سنين، والزمه نفسك سبع سنين فان أفلح، وإلا فلا خير ، وفي مورد آخر يقول: لاعبه سبعاً، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعاً، من خلال هذين الحديثين نرى ان مراحل التربية الثلاث هي تأسيسية لبناء شخصية الانسان بمعنى انه اذا لم تتعمق بداخله في هذه المراحل منظومة القيم الضرورية في تهيئة واعداده للحياة فمن الصعب ان يفلح بعد ذلك.
لذا أعتقد ان الإنحراف ينشأ عن إهمال هذه المراحل التأسيسية علماً ان 40% من شخصية الانسان تتشكل في السنوات السبع الاولى حيث يتم فيها تكوين وتخزين المفاهيم والقيم والتجارب الاولى. و20% من شخصيته في المرحلة الثانية (اي السبع الثانية) حتى عمر 14 سنة حيث يأتي تثبيت هذه المفاهيم والقيم ومن ثم تأتي المرحلة الأخيرة (السبع سنوات) لتترجم المفاهيم الى واقع عملي أي في عمر التكليف وما يسمى بعمر المراهقة الشباب، فيكون القدوة والنموذج من أهم المؤثرات التربوية التي تطبع شخصية الشاب من هنا فأن فعالية العوامل الخارجية تقوى أو تضعف بحسب قوة وتثبيت المفاهيم التي تتحدى عناصر التربية الثلاث «أهل – مدرسة -مجتمع».
وكأن هذا الحديث الشريف يقول إن إعطاء هذه المراحل الثلاث حقها في الرعاية كفيل بتثبيت شخصية الأنسان وبنائها بناء سليماً بما فيها مرحلة الشباب، بعيداً عن الإنحراف.
من هنا كانت مرحلة هي مرحلة بناء الطاقات.. الطموح.. الاندفاع.. الثورة- القوة – تجاوز التوقعات التحديات، ولأن المجتمعات تقوم على طاقات الشباب. كانت أهمية احتضان الاسلام لمرحلة الشباب وكونها مرحلة التكليف (المراهقة) المتصلة فيما بعد بالحياة الزوجية وبناء الأسرة، طبعا الأسرة هي نواة المجتمع.
ما هي حقوق الشباب التي تعتبر ممارستها امتدادا للشخصية الفردية للشباب المسلم وتعطي مجالا واقعيا لتحقيق شخصيتهم؟
لقد ورد في الحديث الشريف: إنَّ أحَبَّ الخَلائِقِ إلَى اللّه ِ تَعالى شابٌّ حَدَثُ السِّنِّ في صورَةٍ حَسَنَةٍ، جَعَلَ شَبابَهُ وجَمالَهُ في طاعَةِ اللّه ِ تَعالى، ذاكَ الَّذي يُباهِي اللّه ُ تَعالى بِهِ مَلائِكَتَهُ، فَيَقولُ: هذا
عَبدي حَقاً.
فمن خلال هذا الحديث نلاحظ مدى الحب والرحمة الالهية بمرحلة الشباب الذين يباهي بهم ملائكته اذا ما كانوا عباداً صالحين خصوصاً اذا ما استطاعوا ان يمارسوا حقوقهم التي تؤهلهم لان يكونوا فعّالين في المجتمع ويساهمون في بنائه من خلال الأسرة التي سيشكلونها وبالتأكيد من أهم هذه الحقوق: حق التزويج حيث أمر الأهل وباقي افراد المجتمع بتسهيل امر الزواج حتى يتمكن الشباب من تحصين أنفسهم بعيداً عن الانحراف اذا نرى انه ورد النبي(ص) في الحديث الشريف من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ.
ولا ننسى بقية الحقوق الاخرى لحق التعلم والعمل والتقدير وما اليها.. من خلال النصوص التالية.
علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل، اطلبوا العلم من المهد الى اللحد، اعطو الأجير اجره قبل ان يجف.
من خلال هذه الحقوق الشخصية والاقتصادية والاجتماعية يستطيع الشاب العربي والمسلم ان يحقق شخصيته اذا ما كانت منظومة الاسلام الأصيل هي الحاكمة.
ماهي المشكلات الحقيقية التي يعيشها الشاب المسلم في هذا العصر،خاصة إزاء التحديات الأجنبية للثقافة الاسلامية ؟
الحقيقة أن المشكلات التي يعانيها شبابنا المسلم عديدة:
تشويه نظره الى حقيقة الاسلام مما يؤدي الى ابتعاده أو انجراره وراء افكار اخرى معادية أو متشددة أو متهاونة.
البطالة، بحيث يعاني الشباب رغم تعلمهم من قلة الأعمال اللائقة بمستوياتهم التعليمية التي تؤهلهم لان يكونوا مستقلين في حياتهم.
الاستغراق في العالم الافتراضي او ما يسمى عالم منصات التواصل الأجتماعي التي تأخذ وقت الناس بشكل عام والشباب بشكل خاص حيث تعرض حياتهم وأفكارهم لأخطار عديدة، اذا لم يكونوا محصنين بكيفية التعامل مع هذا العالم المليئ بمغريات الحياة وخدعها.
الانهيار امام ثقافة الغرب والتكنولوجيا التي شوهت روح الشباب بماديتها الخاوية.
هجرة الشباب نتيجة واقع البلدان الاسلامية التي تعاني مشكلات سياسية واقتصادية وإجتماعية مما يضطرهم الى الهجرة الى بلدان اخرى تؤمن لهم دخلا ماديا أفضل من بلدانهم.
اما الحيرة التي يعاني منها الشباب ازاء التحديات الاجنبية للثقافة الاسلامية سببها ضعف الثقة بالنفس والأنهيار بالغيرة بالاضافة الى عدم معرفتهم بحقيقة الاسلام كمنظومة حالمة انما الاقتصار يتم على بعض العبادات أو الشكليات التي لا تمكنهم من مواجهة أو على الأقل ملاقاة العقائد الاخرى، بالرغم ان التراث الاسلامي ملئ بما يساهم بحل مشكلات الشباب كفكر.
واما اخطر مشكلة هي الفراغ الفكري والروحي وحجبه عن الثقافة الاسلامية وبالتالي عن حقائق الإسلام من ناحية ثانية. في الواقع البلاد العربية الاسلامية عانت من الحروب الصليبية في الماضي ومن الاستعمار في العصر الاخير، والاستعمار العسكري كان اضعف ضررا وأهون شرا واقل خطراً من الاستعمار الفكري والاستعمار الثقافي حيث انه عمل على حجب هذا الجيل عن الثقافة الإسلامية وعن الحقائق الإسلامية. فنشأ نتيجة ذلك جيل ضائع نسي تاريخه، تراثه، ذاتيته وحقيقته وربما أيضا ما يعادي هذا التراث وهذا التاريخ وهذه القيم جهلا او تجاهلا. لذلك فان المشكلة الأولى هي البعد أو الجهل أو حجب الشباب عن إسلامه وفراغه فكريا وعقائديا. وان الاستعمار الثقافي هو الأخطر لانه يحجب الإسلام عن الشباب .
هل لدى الإسلام من حلول جدية تزيل المعوقات أمام الشباب في كفاحهم لبناء مستقبلهم بما يحفظ حقوقهم كاملة ويوفق في الوقت نفسه بين الحقوق الفردية وحقوق الشباب ؟
من اولى الحلول الجدية لإزالة المعقوقات من امام الشباب في كفاحهم لبقاء مستقبلهم وتحصيل حقوقهم بما يؤدي الى خلق مجتمع متوازن ما يلي:
اثارة الوعي عند الشباب لمواجهة كل التحديات لأن سياسة التمهيل هي آخر شيء مورس على المجتمعات «كذلك من المهم ان يعي الشباب ذواتهم حاجاتهم – واقعهم -نقاط القوة التي منحتهم اياها الاسلام موارد المجتمع، البيئة».. من هنا أهمية تعويد الشباب طريقة التفكير الصحيح واتخاذ القرارات والتشجيع على التفاعل الايجابي.
تعزيز الغذاء الروحي لدى الشباب من خلال الايمان والتعلق بالله والقيم الدينية التي تهذب ثورة الغريزة وتعمل على اشباعها بطريقة سليمة وهذا الغذاء الروحي يساعده على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية
والاقتصادية.
العناية بالجانب الاقتصادي الذي يؤمن عملاً شريفا لهذه الشريحة فنحصل على فائدتين هما الاكتفاء الذاتي المادي والانشغال بما هو مفيد لان العمل روح الحياة والبطالة والفراغ يؤدي بالانسان الى الفساد وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله.