الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وستون - ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وستون - ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الثورة الثانية التي سُجلت في صفحات التاريخ المباركة؛

الإستيلاء على وكر التجسس، بداية هزيمة الاستكبار العالمي

"بعد الشاه يحين دور أمريكا"، عبارة ظهرت مراراً في الأيام الأخيرة القريبة من انتصار الثورة الإسلامية، على لسان الكثير من الناس، إذ أنهم كانوا على معرفة بتاريخ أمريكا المليء بالجرائم والخيانات في إيران، وكانوا يعرفون بأن الشاه يعقد آمالاً على دعم أمريكا في قمع الشعب الإيراني.
إن حدة الشعارات التي أطلقها الشعب الإيراني ضد الولايات المتحدة طرح عدة تساؤلات أهمها لماذا وبأي سبب نفر الشعب الإيراني من أمريكا بهذا الشكل وهل سيقُل نفور الشعب وكرهه لها بعد انتصار الثورة، أم يزداد قوة وحدة؟
نظراً إلى خطاب سماحة قائد الثورة الإمام الخامنئي (حفظه الله) حول ضرورة قراءة الشباب وثائق وكر التجسس الحاملة للعبر، والذي يمكننا من خلالها فهم جزء مهم من أسباب تحقيق الثورة الإسلامية وقيامها. كانت هذه المقالة لأهمية الاستيلاء على وكر التجسس الأمريكي عبر الوثائق التي وجدها فيه مقتحميه من الطلاب المسلمين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم أتباع الإمام الخميني (قدس)، في ذلك اليوم  الموافق  الرابع من تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1979م والذي اصطلح على تسميته بالثورة الثانية ويوم مقارعة الاستكبار، والذي سُجل كيوم لا يُنسى في تاريخ البلاد، كان صادمًا لدرجة أنه في غضون ساعات قليلة، تصدر خبر الاقتحام عناوين وسائل الإعلام العالمية وأصبح مثالاً يُحتذى به.
حرب أصبحت بداية لبناء العلاقات مع أمريكا
بدأت العلاقات الإيرانية الأمريكية في طابعها الرسمي قبل عام من وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، جاءت العلاقة منذ بدايتها طمعاً أمريكياً في النفط وللحيلولة دون نفوذ الاتحاد السوفيتي في إيران، بدأت العلاقات الإيرانية الأمريكية عام 1944م على مستوى تبادل السفراء بين البلدين، بعد هجوم الحلفاء على إيران، طلب الشاه "رضا خان" من أمريكا العون والمساعدة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقيت قوات الاتحاد السوفيتي في إيران، ولم تعر اهتماماً للطلب الإيراني بالخروج من أراضيها، في هذه الفترة هدد الرئيس الأمريكي آنذاك "ترومن"، بإعادة قواته إلى إيران، ولهذا اضطر الاتحاد السوفيتي بسحب جنوده من إيران خوفاً من المواجهة العسكرية مع أمريكا، منذ ذلك الحين أصبح  الشاه "محمد رضا" يرى نفسه مديناً لأمريكا لمساعدتها، فنشأت علاقات بين الطرفين، بشكلٍ نظامي، بدورها قامت أمريكا في تلك الفترة ولبقاء مصالحها الحيوية في إيران، بتقوية الشاه كي تهمين على المعارضة في الداخل، هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى لمواجهة الإتحاد السوفياتي في ايران. في هذه الفترة زادت وتيرة العلاقات التجارية بين أمريكا وإيران، وخصوصاً تجارة الأسلحة، فقد كان الشاه بحاجة إلى الأسلحة الحديثة المنتجة في أمريكا، لذلك في 21 حزيران عام 1947م  تم التوقيع على معاهدة بيع الأسلحة إلى إيران، بمبلغ عشرة ملايين دولار، وكان السعر الحقيقي ما يقارب 70 مليون دولار، وكذلك صادق مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية على قانون المساعدة للدفاع المشترك بين البلدين، كان من الطبيعي بأن لهذه المساعدات ثمن، وهي إبداء الطاعة من الشاه والانصياع والامتثال كما يراد منه، مقابل بقائه في الحكم، في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالفوضى والاضطرابات.
أمريكا والهيمنة على المصادر النفطية الإيرانية
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تعرض النظام الدولي إلى تغييرٍ حاد، وأصبحت أمريكا في مواجهة بريطانيا ، فكانت أمريكا تظهر كقوة في طور التقدم على الصعيد العالمي أمّا بريطانيا بصفتها إمبراطورية قوية فكانت تتجه نحو الانحطاط والأفول، وكانوا سوياً يواجهان الاتحاد السوفيتي السابق والشيوعية، وتربطهما مصالح مشتركة، من هنا نشب صراع عنيف فيما بينهما في بعض المناطق المهمة على الصعيد العالمي، كانت منطقة الخليج الفارسي وإيران تعتبر من أهم مجالات تنافس القوتين، فالولايات المتحدة كانت تنوي توسيع نطاق نفوذها في إيران شيئاً فشيئاً.
ولا يجب أن يغيب عن بالنا بأن تعاون الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتنافسهما، في هذا المجال، كانا يشكلان وجهان لعملة واحدة، انتهى بتقسيم المصادر النفطية الإيرانية في نهاية المطاف. أمّا الوجه الثاني لقضية النفط الإيرانية هي الصفقات الكبيرة التي قام بها الشاه مع أمريكا، مثلما أشارت وثائق وكر التجسس إلى هذه القضية وتطرقت إليها.
وفقاً لهذه التقارير:" إن لجنة إيران والولايات المتحدة الأمريكية المشتركة عُقدت لثالث مرة في طهران في فترة تقع بين 6-7 أغسطس عام 1976، والتقى هوشنك أنصاري وزير الشؤون الاقتصادية والمالية آنذاك بهنري كيسنجر الأمريكي. هذا وفي العام 1975 حُدد مبلغ قدره  15مليار دولار (خارج التعاملات النفطية والرسمية) لفترة تصل 5 أعوام ، كما وافقت اللجنة على مبلغ 26 مليار دولار للفترة الواقعة بين 1975 حتى عام "1980. مع العلم أن تصدير النفط كان يتم دون النظر إلى المعاملات العسكرية والصفقات في هذا المجال.
يُبين هذا التقرير بوضوح عن سنوات من النهب والسلب التي حكمت علاقات استيراد الأسلحة من أمريكا، عندها يُعد بالإمكان ان نعرف الكثير عن تلك الجوانب المظلمة التي جمعت بين أمريكا ونظام الشاه.
تُفيد الوثائق أيضاً بأن ثلاثين شركة أمريكية كانت تعقد اجتماعات فيما بينها وتتفاوض بغية عدم فقد هذا المجال الكبير والثري وكانت تُعبر عن دعمها ومساندتها للشاه ونظامه بهدف الاستقرار الاقتصادي وتمهيد الأرضية لنهب ثروات الشعب الإيراني على يد تلك الشركات الدولية التي لا تعمل سوى في مجال النهب والسلب.
انقلاب 19 اب / اغسطس 1953م
هناك الكثير من الكتابات والأقوال ظهرت فيما يتعلق بدراسة انقلاب التاسع عشر من شهر أب/ اغسطس لعام 1953م ودور أمريكا في هذا الانقلاب العسكري. أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية حكومة "مصدق" الوطنية التي كانت تعتمد على بريطانيا بدلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، من جهةٍ أخرى كان يحمل الحفاظ على نظام الشاه لأمريكا مصالح حيوية ومصيرية، وكانت تُرسل عبر دعمها له إلى الأنظمة الموالية لها في المنظقة والعالم بعدم القلق والخوف لانها لن تسمح بإسقاطها.  
بعد هذا الانقلاب العسكري الذي أطاح ب"مصدق"  قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم العون لتقوية الشاه والمساعدة على بقاء حكومة الشاه المعارضة للشعب وغير الشعبية، فساعدت على قمع الشعب الإيراني عبر مساعدة النظام على تأسيس منظمة الأمن الإيراني الشهيرة بالسافاك الرهيبة والمُخيفة.
فوفق وثائق "وكر التجسس"  فإن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت تعمل بحرية في إيران ولا تجد قيوداً وعراقيل بوجهها حتى نهاية عهد  النظام البهلوي، وكانت تنتهك قوانين البلاد في بعض الأحيان، إن أهم الأسباب الكامنة وراء نشاطها وتواجدها في إيران هو التنافس الاستخباري والأمني في مجال المعلومات مع الاتحاد السوفيتي وجهازه الأمني. فكانت الحدود الشمالية لإيران توفر المكانة المناسبة والملائمة للعمل التجسسي لمواجهة الاتحاد السوفيتي، لهذا السبب قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بوضع وتدشين أجهزة كبيرة وحديثة في مجال التجسس والمعلومات وأجهزة التنصت في مناطق شمال إيران.
وبسسب انشاء جهاز "السافاك" على أيدي الامريكيين، وما تعرض له الشعب الإيراني من قمع شديد على يديه، ازدادت الفجوة بين الشعب الإيراني والولايات المتحدة الأمريكية في مجال بناء الثقة، كان الناس والشعب يتساءلون لماذا توافق أمريكا على تأسيس نظام معارض للشعب وتساعد على بقاء نظام غير شعبي، نظام كان يُعيد إلى الأذهان منظمات تأسست في القرون الوسطى والتعذيب الذي كان يتم في تلك الآونة ويحصد أرواح الناس.
الولايات المتحدة الأمريكية وبذل المساعي لتغيير البُنية الاقتصادية والتنمية
بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تغييرات كبيرة وواسعة النطاق في الجانب السياسي والاقتصادي والفكري، فاختلت موازين القوى. وكان انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب وانتشار الأفكار الشيوعية، الداعية لتحرير الطبقات الفقيرة والمحرومة وتقديم الدعم لها في كل دول العالم شرقه وغربه، قد هدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المجتمعات والدول التي كان لها نفوذاً فيها، وأصبح فكرة مواجهة تلك الأفكار الشيوعية والقضاء عليها من أهم خطط الحكام في الولايات المتحدة الأمريكية.
من أهم المشاريع التي رأت النور في هذا المجال وتم تنفيذها وتطبيقها كانت خطة "ترومان" القائمة على توفير المصادر المالية الكبيرة لتقديم العون للدول التي تخضع لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بُغية حلحلة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تلك الدول.
في تلك القضية الشاملة والقاعدة العامة أصبحت الدول الواقعة في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد إيران في بؤرة الاهتمام ومركزها. إن الإصلاحات التي أنجزت على يد الشاه والحكومات التي تولت الأمور في تلك الفترة جاءت في هذا الإطار كتلبية لتلك القاعدة الأمريكية.
من أهم نتائج إصلاحات المساحات الاقتصادية توجيه ضربة قاسية للإنتاج في المجال الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في البلاد في مجال إنتاج المنتجات الغذائية، فبسبب تنفيذ الإصلاحات تلك، تنفيذاً خاطئاً، لم تتحسن عملية إنتاج المحاصيل والمنتجات الزراعي ومعيشة أهل القرى، بل تم تدمير أراضي الكثير من المزارعين بسبب تقسيم الأراضي الزراعية أو بسبب كون العمل فصلياً وعدم تخصيص الأراضي لهم، أصبحوا عاطلين عن العمل، فغادروا القرى واتجهوا للمدن ليقطنوا فيها، هذا الأمر أدى إلى هجرة الكثير والكثير من القوى العاملة من القرى إلى المدن.
إن تنفيذ الإصلاحات كان السبب وراء تقليل الكثير من المحاصيل الزراعية في البلاد بشدة وذلك بعد فترة من تنفيذها، وهي لم تترك تأثيراً ولا بصمة على حياة الطبقة القروية، بل إن أكبر المنافع والمصالح جراء تنفيذ هذا المشروع قد ربحته الشركات الأمريكية والإسرائيلية، إذ تحولت إيران إلى سوق لسلعهم.
مؤتمر "غوادلوب" ومؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء الثورة الإسلامية
إنّ الهزيمة التي منيت بها حكومة "ازهاري" التي لعبت المظاهرات التي اندلعت في يوم تاسوعاء وعاشوراء دوراً كبيراً في الإطاحة بها، فقد عقد الشاه آماله على الحكومة العسكرية لاحتواء الثورة، ولكن أخفقت سياسة القمع التي انتهجها في مواجهة غضب الناس المتزايد ما أدى إلى إخافة الشاه والنخبة الحاكمة الأخرى تجاه مصيرها، ودفعها إلى اتخاذ سياسة حديثة ساعيةً إلى  تبديل النظام الملكي إلى الجمهوري على يد "بختيار" والعناصر القومية وإجراء تغييرات جوهرية في بُنية إدارة البلاد محاولةً ركب قطار الثورة.
وقد أشارت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في أحد تقاريرها إلى محاولة النظام لإحداث فجوة بين قائد الثورة وعلماء الدين الآخرين: "على النقيض من آية الله الخميني (قدس) الذي يهدف ويريد إطاحة نظام الشاه ولا يخفي هذا بل يُعلن عنه صراحة، فإن جماعة من علماء الدين يحملون أهدافاً محدودة، فإن جلهم يريدون الاهتمام بنظرياتهم ومادامت الحكومة لا تولي بهم اهتماماً كما ينبغي، فلا يجدون سبباً في دعم آية الله الخميني(قدس)، هناك علامات تدل على أن الحكومة بدأت تستمع إلى نظرياتهم وأفكارهم.
وهكذا نرى أن الولايات المتحدة لم تستطع التنبؤ بانتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه، فيشرح الأدميرال "استانسفيلد ترنر" رئيس وكالة الأمن الأمريكية جيداً في كتابه "احرقوا قبل القراءة":" إن جهلنا عما كان يدور حول مكانة الشاه بلغ درجة اعتبار "كارتر"  في زيارته إلى إيران في ديسمبر عام 1979 م إيران جزيرة الثبات في منطقة غير آمنة وتعاني من الفوضى، كانت هذه فكرتنا الوحيدة عن إيران، بعد 8 أشهر من المظاهرات العارمة في طهران أرسل مكتب التقييم القومي مسودة حول تقييمهم للأوضاع في إيران ولما يجري هناك، وادعى بأن الشاه يستمر في الحكم حتى عشرة سنوات لاحقة".
كما أشار"ترنر" في كتابه الآخر "السرية والديمقراطية" إلى معلومات الولايات المتحدة الأمريكية الخاطئة وكذلك وكالة المخابرات المركزية حول قوة قيادة الإمام الخميني(قدس) ومدى نفوذه بين مختلف طبقات الناس وفي اعتراف تاريخي له قائلاً:" لم أكن أتصور بأن كل المجموعات المستاءة والمعارضة للشاه تثور على يد عالم دين يبلغ من العمر 79  عاماً باسم آية الله الخميني الذي كان يعيش في المنفى في فرنسا وترتبط ببعضها البعض وتتحد معاً، بالرغم من أنها بعد سقوط الشاه انهار الاتحاد الذي ربط بينها وكل سار على دربه لكن الثورة لم تتوقف واستمرت في طريقها وواصلت منهجها."
ختاماً دون شك وريبة أن الكتابة حول ما ارتكبته الولايات المتحدة الأمريكية من جرائم بحق الشعب الإيراني في الفترة التي تلت انتصار الثورة الإسلامية يتطلب المزيد والمزيد من الكتابة، إن جرائم الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بمحاولة إنقاذ النظام البهلوي في أيامه الاخيرة، وكذلك محاولاتها فصل جزء مهم من إيران في محافظة كردستان، وفيما بعد دعمها للانقلابات في بعض المناطق الإيرانية والحرب المفروضة من قبل نظام صدام على الجمهورية ودعم المعارضين للثورة طوال ما يزيد على أربعة عقود منصرمة، ووضع العراقيل والقيود بوجه تحقيق إيران التطور في صناعات مهمة مثل المجال النووي وفرض العقوبات واسعة النطاق، والكثير من تلك القضايا المماثلة، كما إن حياكة المؤامرات على يد الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة يواجهها صمود الشعب الإيراني واتحاده.

 

البحث
الأرشيف التاريخي