الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • طوفان الأقصى
  • الریاضه و السیاحه
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستون - ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستون - ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۱۱

مراسل صحيفة« إيران» خلال مشاهداته الميدانية في جنوب لبنان:

ثقة الناس بالمقاومة الإسلامية وبقوة الردع لديها عالية جداً

السؤال الأهم بالنسبة للعديد من أهالي لبنان في هذه الأيام هو (ماالذي سيحدث؟)، حيث يمكننا من خلال هذا السؤال أن نلحظ علامات من القلق لديهم، ولكن الملفت في الموضوع هو أن العديد منهم يكملون حياتهم بشكل طبيعي غير آبهين لتهديدات الكيان الاسرائيلي واحتمالية وقوع حرب شاملة. يتفق الجميع هناك -من سائق التكسي والحلاق وبائع الملابس إلى عامل محطة الوقود وصولاُ إلى الكاتب المثقف والمنتقد- على أمر واحد هو الثقة بالمقاومة والقرارات التي سيتخذها حزب الله في الأيام القادمة حتى ولو كانت ستنتهي بحرب من العيار الثقيل شبيهة بحرب الـ33 يوماً عام 2006.
الحضور واسع النطاق وغير الملموس لحزب الله في قلب المجتمع اللبناني
أثناء الجولات اليومية في جنوب لبنان، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنه لفت انتباهك هو مرور سيارات اليونيفيل وفي بعض الأحيان عربات الجيش اللبناني، وكذلك حياة الناس الطبيعية. ولن تشاهد أي أثر لحزب الله أو قوات المقاومة على الأرض. لكن إذا كان المراقب الخارجي يتمتع بقليل من الذكاء، فإنه سيلاحظ الوجود القوي وغير المسلح لقوات المقاومة في مختلف أرجاء المدن والقرى. فالعيون تراقب الغرباء في كل نقطة. فمثلاً، الحاج "فلان" هو في الظاهر بائع ملابس لكنه في الحقيقة أحد القادة السريين في جزء مهم من ساحة المعركة، بدون علم جيرانه؛ فـ"شبح" حزب الله نابع من شعبيته. حيث يمكن لأي شخص أن يكون شبحاً إذا نشأ من قلوب شعبه. فإن شعبية حزب الله هي التكتيك الأساسي له خلال عقود من حرب المعلومات وكانت عاملاً مهماً في نجاحه في إخفاء تحركاته من بيروت إلى الجنوب.
ثقة الشعب في قوة ردع المقاومة
هنا في نقطة الصفر الحدودية في (بوابة فاطمة)، (كفركلا) و(العديسة)، فإن الحياة تختلف اختلافاً جوهرياً من هذا الجانب من الحدود إلى الجانب الآخر. ففي هذا الجانب تسير حياة الناس بشكل طبيعي وحتى الآن يتواجد الناس في بيوتهم ويتحركون في أزقة وشوارع بلدهم بأريحية، المحلات والدكاكين مفتوحة وتقدم خدماتها للناس. وهذا أكبر دليل على ثقة الناس بالمقاومة وبقوة الردع لديها؛ حيث يقول (الحاج فؤاد)، الرجل المسنّ الستيني الكفركلائي وهو يُخرج دخان نرجيلته: لقد ولّى الزمان الذي كنا نخاف فيه، والآن جاء دورهم ليخافوا. ويقول: انظر إلى تلك الذبابة على طرف الحائط هناك لاتطير!، نظرت.. فكأنما لو رُش تراب الموت على المستوطنات الإسرائيلية. فلايمكن مشاهدة أية حيوانات ناطقة أو غير ناطقة على مد النظر، لقد تركوا كل شئ خلفهم ورحلوا. فإن لم يكن التراب لك، فاترك كل مابنيته عليه وارحل. وهذا مايشير إليه سلوك مزارعي الزيتون على طرفي الحدود. ففي هذه الجهة من الحدود يقوم المزارعون بجني محصولاتهم الزراعية، وفي الجانب الآخر تُرك كل شيء على حاله.
کالزّارِعِ بِغَیرِ اَرْضِهِ.
انتصار الإيمان في مواجهة التكنولوجيا
منذ بداية المواجهة، حاول حزب الله تدمير كاميرات المراقبة ومواقع جيش الكيان الصهيوني. وهكذا قلع عيون العدو على الأرض، وقد حاول العدو سد هذا النقص الذي سببه له حزب الله عن طريق تسيير الطائرات المسيّرة الاسرائيلية بشكل مستمر في سماء جنوب لبنان فلم تكن أصوات مسيّرات العدو الأشبه بالجراد تنقطع ولو للحظة لا في الليل ولا حتى طوال النهار. ولكن ومع كل تلك المراقبة المكثفة بالطائرات والمعركة غير المتكافئة تمكن جنود المقاومة من رصد أكثر من خمسين جندي وضابط للعدو. فالحرب هنا حرب الايمان مع التكنولوجيا، فقد ورث الصهاينة عن أجدادهم ألا يحاربوا أهل الايمان إلا من وراء الحصون والأسوار المرتفعة؛ «لا یقاتلونکم جمیعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر».
والدليل على ذلك، تلك الأسوار المرتفعة التي يبلغ ارتفاعها عدة أمتار، ودبابات "الميركافا" المتطورة وتلك المقاتلات التي تحمل قنابل JDAM الفتاكة، والتي تحل اليوم محل الأبراج والأسوار القوية والمرتفعة، وقد ثبت منذ 7 أكتوبر أنه إذا أُخذ هذين الاثنين من الصهاينة، لم تعد لديهم الروح والإرادة للقتال؛ لأنه عندما فتح أسد الله قلعة خيبر، تبخرت كل مقاومتهم وتطايرت إلى السماء.
وفي المقابل، فإن المقاومة الإسلامية، إذا لم تكن تمتلك تكنولوجيا متوازنة ومساوية للتي يملكها العدو، فإنها مسلحة بروح التعاون والتضحية. وإن الروح القتالية والمعنويات العالية لشبان حزب الله قبل الذهاب لخطوط المواجهة كانت واضحة من خلال قرائتهم للقرآن ومزاحهم وحتى تدخينهم للنرجيلة الذي ينم عن عدم اكتراثهم للعدو. ففي المبارزات الكبيرة والطويلة، فإن النصر سيكون حليف أكيد لمن يتمتع بالروح القتالية العالية، ذلك الذي لايخشى الموت أو يهابه، وخاصة إذا كان هو صاحب الأرض؛ فالأرض هي عرض الإنسان وشرفه. ومهما حارب العدو الغاصب واللص من أجل البقاء من خلف حصن التكنولوجيا، ففي النهاية مصيره الرحيل. وكانت صورة لبعض الشباب الغزاويين نُشرت وهم يجلسون بكل برودة أعصاب على الأرائك ويتحدثون من بين أنقاض منازلهم، وفي المقابل نشرت صورة لمئات المهاجرين اليهود وهم ينتظرون مغادرة فلسطين في مطار بن غوريون. فمن يملك الروح، هو من كان له جذور في التراب وقلب في السماء، أما المحتل الغاصب فقلبه في الأرض وجذوره في السماء؛ لذلك فإن نسمة خفيفة كفيلة بدحره.
سجن الخيام؛ ذكرى أليمة لأيام الاحتلال
سأقوم بجولة ساعية للسجن الشهير بسمعته السيئة، "سجن الخيام".  السجن الذي تأسس في الثلاثينيات وكان ثكنة لجيش الاحتلال الفرنسي في جنوب لبنان، ومنذ عام 1982، ومع احتلال الجيش الإسرائيلي لجنوب لبنان، أصبح أهم مركز اعتقال ومركز تعذيب لهذا النظام في داخل الأراضي اللبنانية. ومنذ حوالي 18 عاماً، جرب أكثر من 3 آلاف شخص قضاء عمرهم أو جزء منه داخل هذا السجن، وكان المئات منهم من النساء والأطفال والمسنين فقط وقد فقد عدد منهم حياته تحت التعذيب. ويروي أبو محمد، رئيس المقر الذي قضيت فيه بعض الوقت، قصصاً مؤلمة عن 18 شهراً من التعذيب المتواصل في هذا السجن في منتصف التسعينات.
يجب أن تكون لبنانياً وجنوبياً، وقد سجنت أنت أو أحد أصدقائك أو أحد معارفك، لتدرك لماذا أنه على الرغم من التكاليف الباهظة التي دفعها هؤلاء في طريق المقاومة، ورغم المشاكل الاقتصادية الحادة في السنوات القليلة الماضية، إلا أنهم ما زالوا مصرين على خيار المقاومة.
يقول أبو علي، أحد سكان الخيام، الذي قضى شبابه في هذا السجن: إن الإنسان في هذه الدنيا عليه أن يدفع الثمن؛ إما بالاهانة والمذلة أو بالكرامة ورفعة الرأس؛ فتكلفة الصمت هي الذل والهوان. فإن لم تكن أعلى من تكلفة المقاومة، لانعلم أنها ستكون أقل منها. وقد لايكون هذا ملموساً بالنسبة لنا نحن الإيرانيين لأننا كنا في ظل حكومة مركزية قوية لعقود من الزمن.
طوفان الأقصى.. دم جديد في شرايين المقاومة
وفي تشييع الشهيد "وسام حيدر" في قرية دبين، زغرد الجميع وذرفوا دموعهم، من شباب حزب الله إلى الرجال اليساريين، إلى النساء المحجبات والفتيات غير المحجبات. لكن والدي الشهيد فلم يذرفا قطرة دمع واحدة ولم تبدو عليهما علامات الحزن، وإنما هؤلاء المحزونون فهم في الغالب أصدقاء الشهيد ورفاق سلاحه الذين يبكون ويذوبون حزناً عليه.
في هذه الأيام يتحدث الجميع عن التضحية بالدم والروح، منذ سنوات سمعت من قيادات الحزب أنه بعد تحرير جنوب لبنان، كما كان الحال في إيران بعد الحرب، ابتعد شبابنا ومقاتلونا تدريجياً عن أجواء الجهاد وتزايدت الرغبة في التكاثر الدنيوي لديهم، وهو ما جعل قادة المقاومة قلقين للغاية، حتى فتح الله باب حرب الـ 33 يوماً ومن ثم الأزمة السورية، لتضخ دماء جديدة في عروق المقاومة.
وقد كانوا على حق في قلقهم؛ فما فائدة الممثل الذي لايجيد التكنولوجيا واستخدام المعدات إذا خسر على صعيد الروحية والايمان؟ فالجهاد يضخ دماً جديداً في شرايين المقاومة والمجتمع؛ لأن المجتمع الذي يخلو من العصبية محكوم عليه بالفشل، ومن المفارقات أن هذه الأخطار المتتالية هي مصدر للعصبية.
في هذه الأيام في الجنوب، قدم كل شخص مالديه، وتكثفت روح التضحية ونكران الذات والإيثار في المجتمع. والدليل على ذلك يدي "أم سلمى" المتجعدتان التي تأتي كل صباح ومعها وعاء من اللبنة والزيتون أو طبق من البيض لتقدمه للشبان المتحمسين والمشتاقين لساحات القتال.
تخوّف" إسرائيل" من فتح جبهة مع حزب الله
في النهاية، يجب أن نتحدث عن التوترات في جنوب لبنان هذه الأيام، فما نراه على الأرض هو حرب وليس حرب؛ إنها لعبة الحرب، والتهيؤ لها؛ بل هو شيء بين المناورة والحرب الحقيقية.
إنها حرب موجهة من أجل الرسائل والتعليقات، ولهذا السبب هناك، كل بضع ساعات، صوت انفجار في مكان ما -بعيد أو قريب جداً منا- يهز الأرض والزمان.  اللعبة هي كالتالي،" إسرائيل" لا تزال تحت تأثير صدمة طوفان الأقصى وتحاول تعويض تراخيها في المجالين الاستخباراتي والعسكري بقتل الأطفال، ولا تريد أن تفتح جبهة جديدة أصعب بعدة أضعاف من الجبهة الجنوبية وغزة. فالإسرائيليون يريدون إكمال العمل في غزة أولاً، ولهذا يحتاجون أكثر من أي شيء آخر إلى تركيز وتوحيد جبهات القتال. ولهذا السبب، ولأول مرة في تاريخ حكومتهم البائدة، يتلاعب بهم خصمهم -حزب الله-، كما يحلو له. فـ" إسرائيل" التي دمرت الأراضي اللبنانية عام 2006 بذريعة قتل أربعة وأسر اثنين من جنودها، لاتتجرأ اليوم على تجاوز شبر واحد من حدودها حتى رداً على مقتل وجرح نحو خمسين من ضباطها وجنودها. لقد استغل حزب الله بحكمة ضعف" إسرائيل" هذا ويحاول تغيير معادلات هذا الكيان الإرهابي وداعميه الغربيين من خلال شن حرب استنزاف على طول أكثر من مائة كيلومتر من الحدود في الجنوب دون الدخول في حرب تدميرية شاملة مع" إسرائيل" وبدون تكبد خسائر بشرية أو اختلال بالبنية التحتية.
حزب الله في قمة الجاهزية
أما السؤال الأساسي هنا يبقى إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ طالما أن مصير الكيان الصهيوني بات واضحا، ولا يسعى لتوسيع الحرب على باقي الجبهات. ونتيجة لذلك، فإن أي تغيير في إحداثيات المعركة يعتمد على تصور حزب الله لطبيعة المشهد ومستقبل المعركة. في بعض النواحي، يعاني حزب الله من بعض المشاكل الداخلية، بما في ذلك إحجام بعض حلفائه القدماء عن إدخال لبنان في حرب واسعة النطاق، والمشاكل الاقتصادية في السنوات الأخيرة، والأضرار الجسيمة التي لحقت بسوريا -باعتبارها الداعم الرئيسي للمقاومة- في أزمة الاثني عشرعام الماضية، ومسألة استكشاف حقول الغاز، إلخ...
وعلى النقيض من هذا التصور، فقد ظهر لحزب الله أيضاً أنه إذا أدى مسار التطورات إلى نهاية حماس وغزة، فإن الوجهة التالية لآلة الحرب التابعة للكيان الإسرائيلي ستكون لبنان والمقاومة الإسلامية. ونتيجة لذلك، إذا سارت المعادلات نحو احتلال الأراضي في غزة، فلن يكون أمام حزب الله خيار آخر سوى الدخول (ولو تدريجياً) في حرب شاملة (بأي ثمن). وهو ما ينبغي أن نسميه في الواقع مهمة حزب الله وليس خياره. ولهذا السبب نشهد هذه الأيام أعلى درجات الجاهزية لدى حزب الله منذ حرب الثلاثة والثلاثين يوماً وحتى الآن. وقد اتخذت كافة وحدات المشاة والوحدات المتخصصة التابعة للحزب من سوريا إلى حدود فلسطين المحتلة وضعاً قتالياً. وبهذه السياسة يوجه حزب الله بوضوح رسالة إلى قادة الكيان الإسرائيلي مفادها أن الكرة في ملعبكم. فإذا كنتم تخشون فتح الجبهة الشمالية، فعليكم التخلص من فكرة احتلال غزة وفي الأيام المقبلة سنشهد تطورات أكبر.

البحث
الأرشيف التاريخي