تاريخنا هويتنا ومستقبل أجيالنا
ضرورة كتابته بأقلام وطنية لحفظ الذاكرة الجماعية
الوفاق/ وكالات - عندما نريد سرد الماضي لأولئك الذين يعيشون في الوقت الحاضر، نحتاج إلى طريقة دراسة البيانات والأحداث المتبقية من الماضي وتقديم سرد شامل وصحيح بحيث يمكن قبولها وفهمها من قبل الناس . يتطلب هذا العمل خبرة لا تتوفر سوى لدى الباحثين والمؤرخين ويدخل عملهم في مجال علم التاريخ.
للتاريخ استخدامات عديدة في المجتمع. في الواقع، يوفر التاريخ المصادر الرئيسية للدراسات في جميع مجالات العلوم الإنسانية. بناءً على ذلك، فإن الأحداث الواقعة في الماضي يمكن أن تصل لنا عبر عالم الاجتماع، وعالم النفس، وعالم الاقتصاد ، وما إلى ذلك ، ونتوصل عبرهم للتعرف وتشكيل نظريات حول المجتمع، وبناء على هذه المعرفة التي يخرجون بها، يخططون للمستقبل ، وهو في الواقع الوظيفة العلمية للتاريخ.
من ناحية أخرىٍ ، للتاريخ وظيفة ثقافية، وله دور في تشكيل الهوية ويؤثر على ثقافة المجتمع. في الأساس، عندما نريد معرفة شخص ما، فإن أداء الشخص والأنشطة والأعمال التي خلفها وراءه تصبح هوية ذلك الشخص. إذا ما سلبت هذا الماضي الوظيفي من الإنسان ، فلن يتبقى له شيء آخر وليس له هوية. هذا ينطبق على المجتمع بالضبط. بالتأكيد فإن المجتمعات المختلفة ، قامت بالعديد من التجارب في طريق تطورها مقدمة ً الكثير من التضحيات في سبيل ذلك، ولقد نجحت في بعض الأماكن وفشلت في أماكنٍ أخرى. وهكذا تتجمع هذه التجارب معاً وتصبح المعرفة الاجتماعية والخبرة العامة، والتي تشكل هوية وثقافة المجتمع. ويقوم سلوك المجتمع تجاه الأحداث الحالية والمستقبلية على الهوية التي تشكلت في الماضي وفي التاريخ الفكري للمجتمع.
إذا أردنا أن يكون للمجتمع هويته الخاصة ويتحرك وفق هذه الهوية، وأن لا يتعلق بهويات أخرى غريبة عنه أو حتى معادية له، فيجب أن يكون مرتبطاً بالماضي، ماضيه الخاص. في الماضي ، وبسبب الافتقار إلى العديد من الوسائل الإعلامية مثل اليوم ، كانت هذه الثقافة تنتقل شفوياً، ووجهاً لوجه، يتعلم الطفل من الأب، والأب يتعلم من والده (الجد)، وكان هناك تواصل مستمر، وهذه الثقافة تنتقل تلقائياً عبر الأسرة ، والمجتمع الصغير.
اليوم اختلفت الأمور وتبدلت الأحوال، وأصبح الإعلام ووسائله أقرب من الأسرة والمراكز التربوية و ... وهو عبر تأثيره في الناس يمكنه تحديد هوية جديدة لهم. في هذه المرحلة ، تعتبر قضية التأريخ مهمة بشكلٍ خاص من أجل إقامة صلة فكرية عضوية بين الجيل الحالي والجيل الماضي، ويمكنها نقل أهداف وجهود وسياسات الأجيال الماضية إلى جيل اليوم والغد.
قيادة الإعلام لمجتمعات اليوم
يقود عالم الإعلام اليوم، استناداً إلى سياسات إمبراطورية الإعلام العالمية، الناس إلى قضايا لا تمثل بالضرورة الاهتمام الحقيقي لذلك المجتمع، على سبيل المثال ، كرة القدم. يتم إنتاج الكثير من الأخبار حول كرة القدم والعديد من البرامج والألعاب التي يتم إنتاجها بحيث تصبح في الأساس واحدة من أفراح وهواجس وعشق وكره جيل الشباب في المجتمع العالمي هي المكاسب والخسائر والشخصيات التي يتم تقديمها في هذه العملية. أو، على سبيل المثال ، في مجال السينما ، فإن النفقات المدفوعة في مجال إنتاج الأفلام تزيد بعدة مرات عن النفقات التي يتم دفعها في مجال إنتاج العلم والمعرفة.
لماذا تتحرك المجتمعات في هذا الاتجاه؟ هل بسبب مطالب الناس وملذاتهم يتحرك المجتمع تلقائياً في هذا الاتجاه أم أن سياسة الإمبراطوريات الإعلامية هي التي تقود الناس نحو هذه الاهتمامات حتى لا يلتفتوا إلى حقائق العالم. وتتمكن القوى من تنفيذ سياساتها عبر هذه الأدوات؟
من ناحيةٍ أخرى، هناك قضية الشبكات الاجتماعية ، التي تمكنت من ترسيخ نفسها في المجتمع، وأصبحت بطريقتها الخاصة جزءاً مهماً من حياة الناس. يستخدم الأشخاص هذه الشبكات للتداول بالوثائق والمعلومات والتواصل مع بعضهم البعض متأثرين بشكل طبيعي بما يصلهم عبرها، بالتأكيد، أولئك الذين يحكمون هذا الفضاء الافتراضي لديهم خطة لذلك ، فهم ينتجون معلومات وبيانات وتاريخ، ويقدمونها على أنها الأصدق والأصح وبصور مختلفة وجذابة ومؤثرة.
هذا يعني ان الرياضة والسينما والفضاء الافتراضي هي الأدوات التي يمكنهم من خلالها تكوين الهوية. لقد صنع العالم الرأسمالي هذه الأدوات ولديه خطط لها. هل يمكننا تجاهلها؟ هل هناك طريقة للهروب من هذه الساحة؟ للأسف لا يمكننا ذلك. ولكن علينا العمل على استحداث تجاربنا وأعمالنا الخاصة في هذا المجال؟ وذلك عبر استخدام الادوات نفسها؛ وما مسلسل السيدة مريم(ع) أو مسلسل النبي يوسف (ع) الذي تم عرضه وبثه في جميع أنحاء العالم. إلا أبرز أمثلة على ذلك. كان التأثير الذي أحدثته الأفلام أكثر من عشرات الكتب التي تم تأليفها.
التوثيق والتاريخ للثورة
عندما نعود إلى تأريخ الثورة ، نرى أن العديد من الجهود قد بُذلت لتسجيل معلومات تاريخ الثورة. تم إجراء آلاف الساعات من المحادثات الشفوية وأرشفتها، ولا يزال يتم أرشفة وتنظيم ملايين الأوراق والوثائق، إذا أردنا أن نفهم الثورة الإسلامية، فنحن بحاجة إلى فحص مسار المائة عام الماضية، ويجب أن نذهب إلى العصر الدستوري ونبدأ من تلك الحقبة.
ان مسار الثورة هو تدفق مستمر يظهر أن الشعب الإيراني بذل الكثير من الجهود لتحقيق النصر في محاربة الاستبداد الذي اعتمد على الاستعمار. ولا تنتهي القصة بانتصار الثورة، أي أن العالم الاستعماري اليوم لا يمكن أن يتسامح مع الثورة الإسلامية الإيرانية لأنها تعرض مصالحها في المنطقة للخطر.
وهكذا يتطلب التسجيل التاريخي للثورة الإسلامية الإيرانية ولحركات المقاومة جهوداً متعددة، فلا قيمة لأية هوية يحملها شعب أو أمة ما لم يشكل تاريخها مكوناً أساسياً لها، يعيد ماضيع ويصنع مستقبلها، لذا يجب وانطلاقاً من مبدأ الحفاظ على تاريخ الأمة ونقله إلى الأجيال القادمة عبر كافة الوسائل لكي تتعرف هذه الأجيال على أبطال الثورة الإسلامية والمقاومة من نساء ورجال والذين إن لم نوثق تاريخهم المقاوم فسوف يحولهم الكتبة المزورون مع الوقت إلى قطاع طرق أو إننا سنشهد بالتأكيد المزيد من الأزمات في المستقبل التي لا يمكن السيطرة عليها، فيجب بالتأكيد استقطاب أفكار الناس وإخبارها بالتاريخ الصحيح وترك حرية الاختبار لها. وإذا تم تجميع جهود الماضي، وطرق الماضي، وأفكار الماضي لجيل اليوم ، فإن جيل اليوم سيفهم ويعي الحقائق.
فمن المهم الانتباه أننا عندما كنا نعاني من النقص في كتابة تاريخنا، عمل العدو مستغلاً غيابنا وقدم نظرته للتاريخ، فأصبح الشاه الذي نهض الشعب بثورة ضده وهرب فاراً من البلاد، أصبح بطلا ًللبعض . كما أن جيل اليوم لا يعلم عن الأعمال الضخمة التي نفذت في ظل حصار ضاغط، بسبب عدم الإعلان عنها في حينها استغل العدو هذا الأمر وأثار شكوك كثيرة حولها. ورسم بعضهم علامات الاستفهام على الأقل حول سير للثورة الإسلامية في أذهان بعض الشباب. لذا يجب العمل وتبيان كل شيء للمواطنين، وإلا سنرى بالتأكيد أزمات أخرى في المستقبل ، وتكلفة قمع هذه الأزمات تتصاعد ولا يمكن الرد عليها بأي شكل من الأشكال، ومن الأفضل الاستثمار في مجال الثقافة. في النهاية يجب علينا العمل بجدية وعلى نطاق واسع على تأريخ الثورة الإسلامية وحركات المقاومة واستخدام أدوات إعلامية جديدة ومقبولة لنقل تاريخ الثورة وهذا يتطلب تخطيطاً شاملاً ومستمراً وهذا نشهد بعضه في أيامنا هذه
ضرورة تأريخ الثورة الإسلامية وآثارها الإقليمية
من ناحية أخرى ، للثورة الإسلامية الإيرانية، بحكم طبيعتها الإسلامية، جانباً عالمياً، ورؤيتها العالمية، فقد وضعت أدواراً ومهاماً للعالم، وقد اختارت المبادئ كسياسة خارجية لها ومنسجمة. بتحقيقها، اتخذت خطوات جعلت الثورة الإسلامية مصدراً للعديد من التأثيرات والتغييرات والتحولات على النظام الدولي.
لقد أثر اندلاع الثورة الإسلامية في إيران على الساحة السياسية من جهة توزيع القوة والجهات الفاعلة في العلاقات الدولية وتحدى النظام الثنائي القطب وتسببت في تعزيز وظهور جهات فاعلة جديدة في العالم الثالث وفاعلين غير حكوميين مثل الحركات والشعوب على المسرح الدولي.
كما لعبت الثورة الإسلامية دورا فاعلا في خلق الثقة وإيقاظها عبر تقديم نموذج سلوكي جديد للدول المظلومة وتحاول التأثير على الرأي العام لإحداث التغيير والتحول في النظام الدولي. إضافة إلى أن دعم إيران للدول المحرومة والمضطهدة أدى إلى تنشيط وتقوية الحركات الإسلامية والتحريرية في العالم والمنطقة.
كما أن الثورة الإسلامية كانت فعالة في الموضوعات الرئيسية مثل العدل والسلام والأمن. ومع الأسف، لم تكن هناك دراسات كثيرة حول آثار الثورة الإسلامية الإيرانية على بنية النظام الدولي وردود فعل الدول الأخرى على أفعال الثورة الإسلامية الإيرانية.
ان مراجعة المصممين الثقافيين في كيفية شرح تأريخ الثورة الإسلامية في المنطقة والعالم ، وعدم استخدام الأنماط السابقة والمتكررة ، واختيار أشخاص يؤمنون بجذور الثورة الإسلامية هي من بين الإجراءات التي يجب على الأمناء الثقافيين أن ينتبهوا لها بجدية.
تحول وتطور بأدوات التوثيق التاريخي
في الماضي رغب المقاتل في توثيق العمليات التي يشارك فيها، فإن أدوات التوثيق الفوري لديه كانت محدودة أو معدومة. القلم والورقة والمسجل الصوتي والكاميرا، كانت تتطلب مهارة محددة وإعداداً معيناً لاستخدامها. هذا الضعف التوثيقي الذي كنا عليه كمقاتلين ــ أفراد، عوّضته الأحزاب والقوى الوطنية بشكل ضئيل جداً. سننتظر ربع قرن قبل أن تصبح كاميرا الهواتف النقالة أداة توثيق، يمكن أن تدمج ضمن ترسانة السلاح الفردي للمقاتل.
يوثق اليوم التاريخ، أولاً بأول، ويصنع منه مواداً تاريخيةً خاماً، يمكن أن تفيد قطاع الإنتاج الثقافي والفني والتعليم المدرسي والجامعي. ختاماً يعتبر علم التاريخ وفن كتابة التاريخ على نطاق واسع لبث الوعي بين الناس، ولكن بسبب الإهمال ، يمكن أن يصبح أداة لإهمال وإقناع وتسليم جماهير الناس. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الفشل في تسجيل الأحداث التاريخية بشكل صحيح، وكذلك المبالغة أو الإهمال غير المبرر، إلى الإضرار بالجانب الثقافي والهوية للبلد ويؤدي إلى الارتباك. ان التاريخ يشبه السلسلة القوية التي تربطنا بأسس وهوية الماضي، وإذا كسرت أمة هذه السلسلة بإهمالها، فمن المؤكد أنها ستكون مرتبطة بالثقافات والمجتمعات الأخرى في فضاء انعدام الهوية ولن يبقى
اسم منها.