أطفالنا، سامحونا إن قصرنا، فنحن لا نملك سلاحاً سوى الدّعاء والصّلاة والقلم
قلمي ينزف حبراً أحمر...
د. رُلى فرحات
قلمي ينزف حبراً أحمر... حملت قلمي الأزرق لأكتب مقالاً عن كيف نتعامل مع الأطفال في ظل الحروب ليكون بمثابة دليلاً مُصّغراً يُساعد الأمهات والآباء وكل راشد مسؤول في التّعامل الطفل سواء كان طفله أو أطفال آخرين. وإّْذْ بقلمي عند السّاعة الثّامنة مساء بتوقيت القدس الأبي يخطُّ الكلمات باللون الأحمر ووتتبعثر الأحرف أمام هول الفاجعة – الحدث الجلل – "مستشفى المعمداني" !!! يا للجرأة وسر المعمودية يُعدّ أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية وأحد السرّين المقدّسين في الكنائس البروتستانتية.
سيدي المسيح إبن مريم رفضك اليهود لأنّك جئت في صورة "قديس" وحاولت تخليصهم من شرورهم، ولم تظهر في صورة ملك يُعيد إليهم سلطانهم الدُّنيوي، فأنكروك واضطهدوك، وحتى الآن وهم يَنتظِرون مسيحهم المُخلِّص في صورة ملك مِن نَسلِ داود، يُخلِّصهم مِن الإستعباد والتشتُّت على حدّ قولهم.
ولأنّك منعت عنهم الملك الظالم، ولأنّك واجهت طغيانهم وإستبدادهم، ولأنّك سرت في درب الآلام من أجل المحبة، صلبوا سلامك وحبّك، قتلوا عطاءك وطهرك. لا سيّدي لن يستطيعوا ذلك أبداً مهما حاولوا وناضلوا في سبيل تحقيق نرجسيتهم المتطرّفة. في هذه اللّيلة تعمّد أطفال غزة مرتين، مرّة ببركة المسيح ومرة بدمائهم. كانوا يلعبون في حديقة هذا المستشفى العريق الّذي يعبق بأنفاس الإيمان، وكانوا يلتقطون النفايات مبتسمين بتنظيف المكان ليبقى جميلاً كجمال طفولتهم. رغم التوتر والخوف، وجدوا في ظل المستشفى حضناً آمناً! وليتهم لم يجدوه فكان مقبرتهم الأبديّة! فلتسقط كل القوانين الدوليّة وتشريعات السّلام الباليّة ولتُحرق كل المعاهدات الكاذبة.
إنّ يدي ترتجف وأطرافي تصلّبت وأُصيبت بالشلل، شلل خيبات الأمل المتلاحقة الّتي يُتقنها حقيقة عاشقوا الذّل وحاصدوا الأرواح، فتغسّلت أجساد النساء والأطفال وكبار السن بدمائها وتكفّنت بالردم وبالحجارة، وبكتها أعين كل أحرار العالم من كل الديانات السّماويّة والأرضيّة، ونعتها كل لغات العالم، ووقفت مشدوهة بالحادث الجلل كل هامة ضمير حي. إنّها يا سادة من أكبر المجازر في أقل من دقيقة. فعزاء للإنسانيّة الّتي ذُبحت وهي مسيحيّة الرّداء في قلب مسلم الهوى على يد صهيونيّة غادرة بربريّة.
أطفال قانا الجليل 1996 و 2006 وأطفال إسعاف المنصوري 1996 يعانقون أطفال غزة لتُشكّل أرواحهم توأمة في الظلم والنّضال والصّمود والتّشبث بالأرض والتّجذر بالحق. حلقوا معا إلى جنّات خُلد تليق بهم وتتسع لهم بعد أن ضاق بوجودهم مصاصو الدّماء فلم يسمحوا لهم بالبقاء ليكتبوا رسائل الحب وليرسموا الأهداف وما أكثرها في عيون الأطفال وفي ألوانهم البريئة...
يا قاتلي الطّفولة في أحضان أمهاتها ويا أصحاب مجازر المستفشيات وسيّارات الإسعاف والأماكن المُحايدة بحسب مصنّفات القانون الدولي الذي إن قبل مُجدّداً بهذه المجازر والإبادات فيكون أشبه بقانون الغاب الّذي يُشرع النّصوص والمراسيم بما تخدم مُشغّليه.
دقت أجراس الكنائس وصاحت المآذن في كل بقاع الأرض، تُخبر بما جرى في القرن الواحد والعشرين، من إجرام وحقارة ونذالة. حتى ملائكة السّماء قد ذرفت من الدّمع الكثير لما قُدّم من قرابين كرمى لعينك يا غزة ولروحك يا قدس نُصلي، وعلى أرضك قريباً جداً نُمرّغ خدّنا بطهر ترابك ونتنفس عزة وإباء.
مهلاً لحظة!!!
لا لن نضعف ولن نستسلم، علينا مسؤولية كبيرة، يجب أن نحمي ما تبقى لنا من أطفال، وأن نُعيد لهم ما سُلبوا من طفولة وأن نُعوّضهم ما خسروه. إنّها درب شاقة ومهمة جعلهم يتخطوا هذا الحدث الصادم يكاد يكون مستحيلاً ولن يكون بفضل إيماننا بالقضيّة وبصبرنا على الأوجاع وبتحملنا الظلم مع العمل قدماً بدون كلل وملل وبإصرار وبثقة بأنّ جرحى اليوم من الأطفال هم أبطال الغد وأصحاب المستقبل المشرقز فجروحهم النّفسيّة سوف تُشفى بالتسامي لتحقيق التحرير وجروجهم الجسديّة ستُرمم بالطموحات وبتحقيق النتائج المرجوة منهم.
أطفالنا، سامحونا إن قصرنا، فنحن لا نملك سلاحاً نقاوم به الذّل والعار ونرفض من خلاله الموت ونرفع به صوت الحق سوى الدّعاء والصّلاة والقلم. هناك من يكتب تاريخه بالرّصاص وآخرون يكتبون أسماءهم بالحبر. أمّا الجلاد ومساعديه فحتماً إلى مزابل التّاريخ .. وإنّ غداً لناظره قريب!!!
كيف نتعامل مع الأطفال في ظروف الحرب
أولًا وكي نفهم ما يشعر به الطفل وكيف يفكر في ظل الحرب والخوف والأزمات علينا أن نعد بذاكرتنا إلى زمن كُنّأ نحن في ذات عمره أي حين كانت الأشياء تبدو لنا كبيرة وبأحجام ضخمة وبمعظمها غير مفهومة، حين كان الكبار بالنسبة لنا هم أبطال خارقون "نعم كانوا بالنسبة لنا أبطال خارقون يقومون بأمور أكبر بكثير من إمكانياتنا في مرحلة الطفولة فهم السند والحمى والملجأ وصانع المستحيلات".
حين نعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة نستطيع أن نتخيل الظروف التي اختبرها هذا الطفل الصغير خلال حرب ما بما فيها من خوف، وتوتر، وحصار، وقصف، وموت، وخراب، وقتل، وقصف، وتدمير، وحرمان من أبسط الاحتياجات الرئيسية في هرم ماسلو «مأكل، مشرب، مسكن آمن» وهذا ليس كل شيء بل الأهم من كل هذا هو مشاهدته لبطليه الخارقين «الأم والأب» وهما عاجزين عن حمايته ودفع الأذى عنه وعن أفراد أسرته وحتى عنهما – إنهيارها يعني الكثير – وكأنه يرى سوبرمان يتدحج إلى الهاوية... وهنا تنكسر صورة البطل فيحل محلها الخوف الشديد والضياع وتبدأ بذرة الصدمة بالتشكل، كيف لا وفي عيونه الصغير يرقب ضياع الأمل... أظن أنني الآن قد وفقت في رسم هذه الصوررة الشاحبة التي يشاهدها هذا الطفل الصغير كيفما برم رأسح وشاح بنظره عن واقعه
الجديد المرير.
كيف يعبّر الأطفال عن معاناتهم في ظل الظروف الصعبة
تختلف ردود الفعل من طفل لآخر، فلكل طفل ردة فعله الخاصة على الحدث، فيعبّر عن معاناته بطرق مختلفة منها المباشرة والغير مباشرة، وتعتمد على ثلاثة عوامل هي:
عمر الطفل وطبعه (هادىء، عصبي،...)، نوع الحدث الذي يختبره، قوة علاقة الطفل بأسرته والجو الأسري الذي يعيشه.
ومن هنا يأتي تعبير الطفل بطرق مباشرة عن طريق وصف مشاعرهم (ضيق، حزن، إنزعاج، خوف، غضب، توتر) أو عبر الحركة الزائدة وطرحه للأسئلة بشكل مفرط.
أمّا التعبير بطرق غير مباشرة فيأتي من خلال ظهور مشكلة ما تعبّر عما يمر به وعمّا يختبر، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
- إضطرابات في النوم (الأرق، الكوابيس، أو الإفراط في النوم
- عدم التحكم في التبول أو التبرز (إمساك أو إسهال أو حتى تبول لاإرادي).
- شدة تعلق الطفل بأفراد أسرته، وخاصة والديه ومحاولة الإلتصاق بهم طوال الوقت خوفا من فقدهم.
- النكوص: أي عودة الطفل إلى استرجاع سلوكيات طفولية غير مناسبة لعمره.
نصيحة هامة جدًا:
يجب علينا مُصارحة الطفل بما يجري وعدم الكذب عليه، فلا تستخفوا بذكاء الأطفال إذ أنّهم يُصورون كل شيء ويرقبون عن كثب أموراً نحن الراشدون لا ننتبه لها أحيانا، فهم يُشاهدون سلوكياتنا ويأخذون منها أكثر بكثير مما نحن نتصور حتى وإن لم يكن لديهم الفهم الكافي والمعلومات الكاملة عمّا يجري، لكنهم يستشعرون بما يدور حولهم من أحداث وسلوكيات وألفاظ.. صدقونني كل شيء!!
إنتبهوا! الكذب على الطفل أو تضليله أو إعطاؤه الأمان المزيّف، يجعله يفقد ثقته بالراشدين من حوله وهذا أشد عليه من صدمة الحدث الذي يختبره، فإنهيار بطله الخارق شيء وفقدانه الثقة به شيء آخر تمام.
وهنا بعض النصائح الأساسيّة في التعامل مع مخاوف الأطفال بغرض التخفيف عنها، لكي لا يشعر بالوحدة، ويقدر على التأقلم مع معاناته بشكل أفضل، ويستطيع أن يواجه الأوضاع الصعبة رغم صغر سنه:
- اضبط إنفعالاتك وكن متفهما ومتعاطفا معه
- ساعد طفلك في التعبير عن مشاعره وانفعالاته بحرية تامة عبر القصة واللعب والحوار ولعب الأدوار فهذ من الأمور المهمة في مساحة التعبير.
- إعترف بمشاعره واحترمها كما هي وسمّها بمسمياتها الحقيقية، فلا يوجد في مسألة المشاعر صح أو خطأ.
- أكد لطفلك أنك مدرك لمشاعره التي عبّر عنها، وأنك تفهم مشاعره جيدا، وتأخذها على محمل الجد وتقدّر ثقته بك وبمصارحته لك.
- عندما يعبر طفلك عن خوفه فعليك أن تُثني على ما قام به وأن تؤكد له تفهمك مخاوفه وبأنّ وجودك بجانبه لحمايته ولمساعدته وبالطبع عزّز عنده مشاعر الإيمان والقوة واغدق عليه بالحب وبالوقت.
- عندما يعبر لك عن المشاعر السّلبيّة التي تختلج في صدره من كره وحقد وأسى وخوف جرّاء الأحداث الّتي تجري من حوله، فمن المهم جداً أن تقبل مشاعره السلبيّة.
- ابتعد عن النّصائح المستمرة والمحاضرات الطويلة.
- ساعد طفلك في التعامل مع الظروف الصعبة عبر إعطائه بعض المسؤوليات الصغيرة وإشعاره بأنّ له دور في المساعدة
- ساعد طفلك في استعادة السيطرة وقم بتفعيل بديل عبر تمارين التنفس وابتسامتك التي ستكون مجبرا أن ترسمها بين الفينة والفينة على وجهك كي يشعر بالأمان.. ايضا المس بيدك رأسه وارتب على كتفه، إجعله يشعر بقربك الدائم منه.
أحد العوامل الأساسيّة التي تسهم في زيادة الخوف هو إنعدام المعرفة أو قلتها، فكثير من مخاوفنا تنبثق من أمور غير معروفة لنا أو غير محددة. وبما أن الأطفال بصورة عامة معرفتهم محدودة، وهم ينظرون إلينا كموسوعة معرفيّة نُجيبهم عادة على أي سؤال، فعدم إجابتنا الواضحة على تساؤلاتهم تزيد مخاوفهم، وتجعلهم حائرين، ولديهم العديد من التساؤلات.
«وهذا هو الواجب في جميع الأحوال – حتى إن كُنّا لا نعرف الجواب، فنستطيع مشاركة الطفل بالتساؤل والبحث سويا عن الإجابات الصحيحة، أو أن نقدّم له الوعد بالبحث عن الإجابة وإجابته بوقت قريب وهذا من شأنه تعزيز ثقة الطفل بأهله وشعوره بمدى مصداقيتهم، وحتّى لا نفسح له المجال للبحث عن المعلومات بنفسه وهذا ما يُعرضه في كثير من الأحيان لمعلومات مغلوطة وخاطئة – بالطبع أتحدث عن أي موضوع كان إذ يجب أن يكونوا الأهل هم المرجعيّة الأولى - فوظيفتنا نحن الراشدون هي الإجابة على أسئلة الأطفال بصدق وتزويدهم بالحقائق. فالمعرفة والفهم من المتطلبات الأساسيّة لإعادة التوازن النفسي والذهني للطفل».