اللواء السوري المتقاعد حسن أحمد حسن للوفاق:
«طوفان الأقصى» تسونامي حقيقي قوَّض روافع الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية
محمد أبو الجدايل
أطلقت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عملية عسكرية واسعة ضد الإحتلال الصهيوني حملت اسم "طوفان الأقصى"، وذلك ردّاً على الإعتداءات المستمرة التي تشنّها قوات الاحتلال على الفلسطينيين.
وبينما تتواصل عملية "طوفان الأقصى" وبعد مرور أكثر من 11 أيام على إنطلاقها، وفيما تُحقّق إنجازات ميدانية غير مسبوقة على مستوى دفاع الشعب الفلسطيني الشرعي عن أرضه ومقدساته في مواجهة كيان الإحتلال، أجرت صحيفة الوفاق حوارا خاصاً مع اللواء السوري المتقاعد الدكتور حسن أحمد حسن، تحدّث خلاله عن أسباب إطلاق هذه العملية والتحولات التي ستطرأ على المعادلة في فلسطين المحتلة، كما أشار الى أسباب إندلاع هذه المعركة، وتداعياتها على العدو الصهيوني في كافة الصعد.
فيما يلي نصّ الحوار:
لماذا وصلت حماس إلى هذه المرحلة من ناحية إتخاذ قرار بشنّ هجوم ضد العدو الصهيوني؟
من المُسلّم به أن زيادة الضغط تولد الانفجار، وتصاعد التحديات وتنوعها واستفحال مخاطرها تفرز عند الشعوب المؤمنة بحقوقها، والحريصة على كرامتها الإرتقاء إلى مستوى المسؤولية لمواجهة التداعيات المحتملة والتقليل ما أمكن من أخطارها وتوابعها الكارثية، وكل ما قامت به حماس لا يعدو أن يكون استشعاراً حقيقياً للخطر الأكبر القادم لو تأخرت في اتخاذ قرار البدء بعملية "طوفان الأقصى"، والمتابع للعدوانية الصهيونية المتصاعدة يتيقّن أنها في ازدياد مُضطرد، وقد بلغت الذروة مع الحكومة الحالية بزعامة نتنياهو، وهذا لا يقلل من حجم العدوانية والتطرف في الحكومات السابقة، لكنها الأكثر تطرفاً ووقاحة وعربدة لمجموعة من الأسباب الذاتية والخارجية التي لا مجال للبحث فيها الآن، ويمكن باختصار الإشارة إلى عدد من العناوين والأفكار الفعلية المتعلقة بمضمون السؤال، ومنها:
ـ تنصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تنفيذ ما تم التعهد به ضمن اتفاق أوسلو، على الرغم من سوء ذاك الاتفاق وإجحافه الكبير بحق الفلسطينيين.
صمت المجتمع الدولي وتواطؤ الأنظمة العربية
ـ صمت المجتمع الدولي المريب على الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وإلقاء المسؤولية في أي حدث على الجانب الفلسطيني، وبخاصة الحركات المقاومة، وفي مقدمتها الجهاد الإسلامي وحماس.
ـ تواطؤ الأنظمة العربية بغالبيتها مع العدوانية الصهيونية، ومشاركتها بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة حدة الحصار المفروض على قطاع غزة بشكل خاص، وما تعانيه غزة من تداعيات الحصار جراء الإجراءات المصرية على المعبر الوحيد لتنفس الفلسطينيين، لا يقل مأساوية عما هي الحال عليه من قرارات يتّخذها حكام تل أبيب.
ـ فقدان الأمل بالسلطة الفلسطينية القائمة في رام الله، بعد أن غدا أهم منجزاتها وأكثر اهتماماتها الحفاظ على التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال البغيض.
زيادة حمى التطبيع
ـ زيادة حمى التطبيع مع الكيان الغاصب، وهرولة العديد من الأنظمة العربية لقطع المسار المطلوب بأسرع ما يمكن، من دون النظر إلى تداعيات ذلك على القضية الفلسطينية، وما يتضمّنه من تنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس.
ـ الواقع الداخلي المتشرذم والمأزوم في الكيان الإسرائيلي، بالتزامن مع العدوانية المفرطة من قبل رموز التطرف في حكومة نتنياهو، وتكرار الاستفزازات والاعتداءات على المسجد الأقصى والمرابطين في داخله وحوله، وزيادة التضييق على الفلسطينيين في الضفة والقطاع وأراضي 48 إلى درجة لم يعد السكوت ممكناً، وكان لزاماً على أصحاب الإرادة التعبير عن إرادتهم بعد تحصينها بدعم محور المقاومة بجميع أطرافه.
ساحة المواجهة مع الوحشية الإسرائيلية
ما كان للمقاومين الفلسطينيين أن يقدموا على تنفيذ عملية طوفان الأقصى لولا يقينهم بأنهم لن يتركوا وحيدين في ساحة المواجهة مع الوحشية الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال بمباركة غربية أمريكية وإقليمية، وفي بعض جوانبها عربية أيضاً.
كل ما ذكر وكثير غيره دفع حركات المقاومة الفلسطينية لسلوك الطريق الآخر بالاعتماد على القدرات الذاتية رغم تواضعها، والعمل على التواصل والتكامل مع محور المقاومة الذي يعتبر القضية الفلسطينية مركزية وتتصدر سلم الأولويات والاهتمامات، وقد بدأت ثمار هذا التوجه تؤتي أكلها مع الإنجازات النوعية التي أثبتت قدرة المقاومة الفلسطينية على إيلام العدو، وإرغامه على أخذ هذه المتغيرات بالحسبان في أي تصعيد قد يفكر به أصحاب الرؤوس الحامية.
شهدنا تحوّلا كبيرا في قواعد الاشتباك، خصوصا إن موقف حماس بات هجوميا بجدارة في استعادة الأراضي المغتصبة، ما تأثير ذلك على تغير المعادلة في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى؟
ما بعد ملحمة "طوفان الأقصى" لن يكون كما قبلها قط، فقد فرضت قواعد اشتباك جديدة، وما السعار الصهيوني الوحشي، والإعلان الغربي الوقح بتبني تلك الوحشية الإسرائيلية ودعمها إلا محاولة للعودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت قائمة قبيل عملية "طوفان الأقصى" وهيهات لهم أن يبلغوا أمنياتهم الخالية من مقومات إمكانية التبلور على أرض الواقع.
يمكن باختصار وصف ما أثمرته عملية "طوفان الأقصى" بأنه "تسونامي" حقيقي قوَّض روافع الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وهدم الهيكل على رؤوس من فيه من دون مقدمات، ويكفي هنا أن أشير إلى عدة نقاط لا يستطيع العدو إنكارها، ومنها:
ـ تحقيق المفاجأة المركبة: مفاجأة بتوقيت بدء العمليات "ساعة الصفر"ـ مفاجأة بنوعية الأسلحة المستخدمة ـ مفاجأة بتكتيكات القتال المعتمدة ـ مفاجأة بعرض جبهة الأعمال القتالية وعمقها، وكل صنف مما ذكر يستحق أن يخصص بدراسات بحثية مستقلة. ـ فرض الفشل والإخفاق المُركّب على العدو: فشل استخباراتي يقترب من درجات العمى التام عن حقيقة ما كان يتم التحضير له ـ فشل مجتمعي ـ فشل إعلامي ـ
فشل استطلاعي تام
فشل عسكري ميداني واقتحام مقرات عسكرية كبرى وقتل وأسر من فيها ـ فشل استطلاعي تام على الرغم من الأقمار الصناعية ووسائل الرصد والمتابعة والتجسس التي كان يفتخر بها جيش الكيان ـ فشل معلوماتي وإلكتروني جعل من التحصين الهندسي و السياج الإلكتروني كتلة خراسانية صماء، ومن الكاميرات وأجهزة الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد دمى معلقة في الهواء بلا عمل ذي جدوى، ولا فائدة يمكن أن يبنى عليها.
ـ استطاعت المقاومة الفلسطينية بعملية "طوفان الأقصى" تحقيق الأهداف الإستراتيجية المرسومة كاملة، بل وتجاوزت تلك الأهداف في غضون ساعات قليلة حيث تم:
•عبور وتجاوز التحصينات الهندسية والسياج الإلكتروني من قبل جميع العناصر المكلفة بالإقتحام من دون أية خسائر.
•التقدم في عمق الأراضي المحتلة والسيطرة على مقرات ومستوطنات كاملة ـ قتل أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين.
•أسر أعداد كبيرة من الجنود الصهاينة والمستوطنين.
•الاستيلاء على أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة.
•العثور على وثائق مهمة واصطحاب كل ما ذكر بسلام وأمان إلى داخل قطاع غزة.
سقوط قواعد الإشتباك السابقة
أمام ما تمت الإشارة إليه أعلاه يمكن القول: نعم أسقطت ملحمة "طوفان الأقصى" قواعد الاشتباك السابقة، وفرضت قواعد اشتباك جديدة، وبرهنت أن جيش الكيان هش وضعيف، ويفتقد الخبرة المطلوبة للتعامل مع المستجدات، وقوته الأساسية في تسليحه وليس في ضباطه وجنوده، وهذا الأمر بمفرده يصلح ليكون مادة بحثية وتدريبية لتدرس في الكليات، والأكاديميات العسكرية، ومراكز الدراسات الإستراتيجية.
فيما تتواصل المعارك وبينما يواصل العدو الصهيوني استهداف المدنيين بوحشية، سارع الغرب لاتخاذ موقف متحيز لصالح الاحتلال الإسرائيلي، ما مرد ذلك؟ ولماذا لم نشهد تحركا عربيا عاجلا للضغط على العدو بشان استهداف المدنيين؟
هذا هو الغرب المنافق بزعامة اليانكي الأمريكي، ومن يتوقع موقفاً أقل افتضاحاً وعنصرية مما تم الإعلان عنه عليه أن يعيد حساباته ويدقق مسلمات منطلق تفكيره، وقد يكون من المفيد هنا التذكير بالموقف الأمريكي في حرب تشرين التحريرية 1973، وبعيداً عن الروايات والدراسات التحليلية سأكتفي بالاستشهاد ببعض الفقرات التي تضمنها لقاء ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر في نهاية الشهر الماضي مع صحيفة "جوريزاليم بوست" الإسرائيلية، وما قاله عن الدور الأمريكي قبل خمسين عاماً، إذ اعترف بأنه عمل مع الرئيس الأميركي حينها ريتشارد نيكسون بشكلٍ جدي على توفير الدعم المباشر والخدمات الحاسمة لـ"إسرائيل"، وقال: (في نهاية يوم من القتال، عندما اقترب وقت الظهر من يوم الأحد، كان من الواضح أن الجيشين المصري والسوري قد أحرزا تقدماً كبيراً، لكننا صممنا منذ البداية على منع النصر العربي الذي كنا ننظر إليه على أنه انتصار سوفيتي.. لقد كنا على قناعة تامة منذ اللحظة الأولى بأننا سنعيد الوضع إلى ما كان عليه، ولكن بحلول نهاية اليوم الأول كان من الواضح أن الجيوش المهاجمة قد حققت تقدما واسع النطاق.
الأمر الآخر الذي ركز عليه كيسنجر في المقابلة خاص بالمفاجأة التي تلقاها الأمريكيون الذين كانوا يعتقدون (أنّ الجيش الإسرائيلي، سيدمّر الجيشين السوري والمصري، خلال ساعاتٍ، لكن عندما اتضحت الصورة، وانقشع غبار المعركة، فوجئ وفريقه بحجم الإنجازات العربية).
سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث
إذا أعدنا قراءة الفقرتين السابقتين يتضح لنا أن واشنطن اليوم ستبذل كل ما بوسعها لمنع تظهير أي انتصار فلسطيني أو عربي أو مقاوم على الكيان الإسرائيلي، وإذا كانوا في عام 1973 ينظرون إلى أي انتصار عربي على أنه انتصار سوفييتي على الغرب الأطلسي، فإنهم ينظرون اليوم إلى أي انتصار فلسطيني أو عربي أو مقاوم على أنه انتصار إيراني على أمريكا وحلفائها، وهذا ما قد يدفعهم لإشعال المنطقة إن تطلب الأمر، حتى لو لم يكن ذلك يخدم مصالحهم الإستراتيجية التي تعج اليوم بالمتناقضات، وهذا ما يجب أن يبقى حاضراً على طاولة التشريح عند مناقشة أية سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث وتداعياتها.
غالبية الدول العربية تسير في الركب الأمريكي
أما ما يتعلق بالسؤال عن غياب أي تحرك عربي فاعل عاجلاً كان أم آجلاً فالسبب يعود لافتقاد القدرة على ذلك، فغالبية الدول العربية الفاعلة تسير في الركب الأمريكي، وبما يمليه عليها الأمريكي، ومن المهم عدم التوهم باستقلالية القرار الوطني السيادي لغالبية الدول، وما يتم تسويقه إعلامياً على أنه خروج على الإرادة الأمريكية وشق عصا الطاعة لا يعدو أن يكون مراوحة في المكان ضمن هامش المناورة الذي تمنحه واشنطن للأتباع لإظهار قدرة زائفة تستخدم لاحقاً في تعزيز السطوة الأمريكية، وزيادة انبطاح كل من يدور في الفلك الأمريكي الآسن أكثر فأكثر.
عن دور المقاومة في حال توسع نطاق المعركة، وانخراط كل من سورية وإيران في الحرب، ما هو رأيكم حول هذا الأمر؟
لعل الإنجاز الأهم لمحور المقاومة يظهر في تبلور مفهوم "وحدة الساحات" و"تواصل الجبهات" ومن تابع جولة وزير الخارجية الإيرانية الأخيرة وزيارته بغداد وبيروت ودمشق واللقاءات التي أجراها والتصريحات التي صدرت في المؤتمرات الصحفية عن المسؤولين والمعنيين في محور المقاومة خير شاهد على أن المحور لا يجلس مكتوف الأيدي، ويكتفي بمتابعة ما يحدث، بل هناك خطة عمل معدة ومتفق عليها مسبقاً، ولكل طرف من أطراف المقاومة دور ومهمة تتكامل وتتقاطع مع بقية الأطراف، وقد لا يكون مفيداً استباق الأحداث، فلكل حادث حديث.
سقوط الردع الإسرائيلي
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها هنا تتعلق بسقوط الردع الإسرائيلي وانحسار وتآكل الهيمنة والسيطرة الأمريكية ليس في منطقتنا فحسب بل وعلى المستويين الإقليمي والدولي، والفضل الأول في ذلك يعود لمحور المقاومة الذي كان أول من قال "لا" للعربدة الأمريكية، وتصدى بشجاعة وحزم وتبصر وعقلانية للسياسة العدوانية الأمريكية، ونجح في توجيه ضربات مؤلمة لها، وهذا ما ساعد على تهيئة البيئة الإستراتيجية المناسبة لارتفاع الأصوات وتعدد الجهات المطالبة بضرورة وضع حد للأحادية القطبية، واستبدالها بنظام عالمي متعدد الأقطاب، ومن المتوقع أن تقف الأقطاب المرشحة وبخاصة روسيا والصين مع من يتحمل العبء الأكبر لكسر الأحادية القطبية الأمريكية التي تسببت بكل ما شهده العالم من كوارث وويلات، وآن لها أن تُكْبَحَ و تُلْجَمَ، والآمال معقودة على محور المقاومة بجميع أطرافه وعوامل قوته الشاملة.