في إطار ردود الفعل العالمية
كيف يرى المجتمع السياسي والإعلامي التركي الحرب في غزة؟
الوفاق/ مرّ أكثر من 10 أيام على حرب الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية في غزة، واتخذت بلدان المنطقة مواقف مختلفة تجاه هذه الأزمة. فقد صمت بعض البلدان، ودعم بعضها المقاومة الفلسطينية بحذر ودعا الطرفين إلى الهدوء، بينما دعم البعض الآخر المقاومة بوضوح وأدان الكيان الصهيوني. تركيا واحدة من البلدان التي كانت مواقفها دائمًا ذات أهمية بسبب موقعها السياسي في المنطقة والعالم الإسلامي، و للإطلاع أكثر عن الموقف التركي كتب الباحث المختص في الشأن التركي علي حيدري مقالا لجريدة ايران، ناقش فيه الموقف التركي من الأحداث الأخيرة في فلسطين من عدة جوانب.
سعى مسؤولو هذا البلد إلى المحافظة على التوازن بين "الطرفين" بينما يلعبون دور الوسيط، وفي هذا السياق، سعى رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، خلال فترات واشتباكات مختلفة بين "الطرفين"، إلى دعم الجانب الفلسطيني من خلال إرسال المساعدات الإنسانية، ودعوة قادة المقاومة إلى تركيا، وكذلك التشاور مع بلدان إسلامية أخرى، ومن ناحية أخرى التفاوض مع مسؤولي تل أبيب والولايات المتحدة التي تدعم الكيان الصهيوني بشكل أساسي، لإقناع هذا الكيان بقبول المفاوضات غير المباشرة وقبول وقف إطلاق النار. وكان هذا هو النهج الثابت الذي اتبعته أنقرة على مدار العقدين الماضيين.
ومع ذلك، فإن الحرب الجديدة تختلف عن الماضي، من حيث عمق الأزمة وحدة الاشتباك ونطاقه، وكذلك مقدار الخسائر والإصابات التي لحقت بالكيان الصهيوني من قبل المقاومة الفلسطينية، وكذلك الرد الذي يقدمه هذا الكيان. إنها بلا سابقة في تاريخ الطرفين. وعلى هذا الأساس، حاولت أنقرة التي سعت إلى حل القضية بنفس صيغة الماضي - أي دعوة الطرفين إلى الهدوء والحوار مع دول المنطقة والوساطة - أن تدرك في الأيام التالية أنها بحاجة إلى اعتماد نهج آخر. وعلى هذا الأساس، حذر أردوغان الكيان الصهيوني من استخدام القوة المفرطة في غزة، وأرسل وزير خارجيته إلى بلدان مختلفة بما في ذلك مصر، وأجرى في الوقت نفسه محادثات مع مسؤولين من بلدان أخرى وتفاوض مع مسؤولي حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.وفي هذا الإطار، اتخذ المجتمع السياسي والإعلامي التركي أيضًا مواقف مختلفة تجاه هذه الأزمة.
مواقف الأحزاب
أكدت الأحزاب الإسلامية في تركيا مثل حزب سعادة تمل كاراملا أوغلو، وحزب الرفاه بقيادة فاتح أربكان، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داوود أوغلو، في بياناتها وخطابات قادتها على دعمها للمقاومة الفلسطينية في هذه الحرب، وطالبت بتوضيح موقف أنقرة تجاه إسرائيل. ومن بين الأحزاب الاشتراكية، أعرب كمال كلجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، في الأيام الأولى للصراع عن دعمه الكامل لفلسطين في حرب غزة قائلاً: "دعم حق الشعب الفلسطيني في الحرب واجب كل حكومة ديمقراطية. يجب على الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أن تستخدم جهودها لإنهاء هذه الحرب في أسرع وقت". كما أعربت الأحزاب القومية عن ردود فعل مماثلة. فقال دولت باغجلى زعيم حزب الحركة القومية في تصريحات: "إن الحل لهذه الأزمة هو إقامة دولة فلسطينية وإنشاء دولتين. ويجب على الأمم المتحدة التدخل فورًا وإنهاء هذه الجريمة ضد الإنسانية. نحن ندعم نهج أردوغان في هذا الصدد لأنه يجب التحرك بحذر وعقلانية".
ردود فعل وسائل الإعلام
شهدت الساحة الإعلامية التركية أيضًا مثل هذا الطيف من المواقف تجاه حرب غزة، حيث يقف بعض المحللين إلى جانب أهل غزة ويدعون إلى مزيد من دعم أنقرة لفلسطين، بينما يدعو بعض المحللين من خلال أسباب معينة إلى مساندة أنقرة لتل أبيب.
كتب أحمد هاكان، كاتب عمود في صحيفة حريت: "لدى إسرائيل هذه الحجج لقتل المدنيين في غزة: إنهم إرهابيون، إنهم داعش، إنهم ليسوا بشرًا. إسرائيل التي تشعر بالارتياح من دعم أمريكا لا ترى حاجة لحجج أكثر تعقيدًا للمجزرة في غزة، ولكن بشكل عام، وطالما أن هذه الحجج موجودة، فلن نكون قادرين على رؤية السلام في المنطقة، ويجب وضع حد لهذه العقليات حتى يعود السلام إلى المنطقة".
وكتب عبد القادر سلوي، أحد أبرز المحللين الأتراك والمقربين من الحزب الحاكم، في مقال رأى أن الأحداث تدبر بمؤامرة: "حذرت جهاز المخابرات المصري السلطات الإسرائيلية قبل 3 أيام من العملية ولكنهم تجاهلوا الإنذار. قال نتنياهو فور اندلاع الحرب إننا سنغير الشرق الأوسط. أعلنت أمريكا دعمها اللامشروط لإسرائيل. يقال إن هذا الحدث هو 11 سبتمبر الإسرائيلي. ويقول البعض إنه يشبه حادثة ميناء بيرل هاربور عندما هاجم اليابانيون الأمريكيين. كان لكلا الحدثين سمتان: قيل إن أجهزة الاستخبارات كانت نائمة وفوجئت، والثانية أن ردود الفعل على كليهما غيرت العالم. وبعد ذلك تبين أنه تم تصميم مؤامرات وراء كلا الحدثين". وأكد في الختام: "أعتبر نهج إسرائيل في قصف المناطق السكنية في غزة عديم الجدوى، وأعتقد أن سلاح الإيمان سينتصر
في النهاية".
ومع ذلك، كان هناك بعض وسائل الإعلام المعارضة للحكومة التي تجاهلت الشعب الفلسطيني وادعت، دون النظر إلى الوضع الحقوقي في غزة، أن أردوغان لا ينبغي أن يتدخل في قضية فلسطين. ومن بين من سلك هذا المسار أوغور دوندار؛ كاتب عمود في صحيفة سوزجو وهي أكبر وأهم صحيفة معارضة للحزب الحاكم. وفي مقال له، أشار إلى حروب مصطفى كمال أتاتورك في بلاد الشام (لبنان وسوريا وفلسطين) وأن تركيا يجب أن تبتعد عن منطقة الشرق الأوسط.
إن النظرة إلى المواقف المذكورة أعلاه من قبل الأحزاب السياسية والمحللين توضح وجود مجموعة من المواقف تتراوح بين الدعم الكامل للمقاومة وقطع العلاقات مع إسرائيل، وبين التسوية مع فلسطين بسبب دعمها للأرمن وقبرص، على الرغم من أن نقطة التقاء معظمها هي التأكيد على إنشاء دولة فلسطينية لإنهاء هذه القضية بشكل جذري، وعدم إلحاق الضرر بالمدنيين.