الخيارات الإسرائيلية بعد الأسبوع الأول لـ«طوفان الأقصى»
بعد مرور الأسبوع الأول على عملية طوفان الأقصى، ما زلت حكومة نتنياهو والجيش الإسرائيلي يتجرعان مرارة الهزيمة، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، في وقت لا تزال خياراتهما مكبَّلة ويسعيان بكل جهد، وعبر القوة والقوة المفرطتين لمحاولة تغيير صورة الهزيمة وترميم الصورة التي هشمها أبطال المقاومة.
وعند الحديث عن خيارات الحكومة الإسرائيلية، خلال الفترة الحالية، من أجل التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة في قطاع غزة في عملية "طوفان الأقصى"، يمكن تصنيفها في عدة مستويات. الأول استراتيجي، والثاني تكتيكي وعاجل، ويمكن قراءة الخيارات وفقاً للمعطيات وسلوك الحكومة الإسرائيلية بعد إفاقتها من الصدمة الأولى، التي استمرت بين 24 و48 ساعة.
على مستوى الخيارات الاستراتيجية، تجد "دولة" الاحتلال نفسها أمام ضرورة تغيير البيئة الاستراتيجية المتعلقة بقطاع غزة. فالسياسة السابقة، التي كان يُطلَق عليها "إبقاء الرأس فوق الماء"، لم تعد مجدية ويجب إنهاء وجود حركة حماس مهما كلف الثمن، لكن هذا الأمر كان ضمن التفكير تحت تأثير الصدمة.
مؤخراً، بدأت "دولة" الاحتلال تستفيق جزئياً بعد تساؤلات من جانب الإدارة الأميركية بشأن: إلى أين ستصلون، وهل سيكون في مقدوركم إحداث هذا التغيير، وكم من الوقت تحتاج من أجل إنجازه، وهل سيكون من السهل بدء عملية برية ضد القطاع، في ظل ارتفاع فرص تدخل حزب الله والدخول في حرب إقليمية؟ وهل إسرائيل تضمن ألّا يكون هناك ثورة عارمة في الضفة الغربية خلال الفترة الحالية المقبلة. من ناحية ثالثة، هناك فرص كبيرة في حدوث حرب أهلية داخل المناطق المحتلة عام 1948، بين اليهود وفلسطينيي الداخل المحتل، وهل في مقدور "إسرائيل" التعامل مع هذه المخاطر؟
بعد أسبوع على "طوفان الأقصى" أيضاً، تُطرح في الملف الاستراتيجي قضية إنهاء مشكلة قطاع غزة فترةً طويلة عبر تفكيك القنبلة السكانية – أكبر كثافة سكانية على مستوى العالم – من خلال خطة لتهجير أكثر من نصف السكان، وهو الأمر الذي يمكن أن يسهل السيطرة على القطاع مستقبلاً والقضاء على أي مقاومة ناشئة فيه، بالإضافة إلى أن هذا التهجير سيسمح بتقليل الكتلة الخراسانية التي تُعَدّ الخط الدفاعي الأبرز في قطاع غزة.
الطرح الإسرائيلي، الذي يُعَدّ استراتيجياً، يلقى اعتراضاً واسعاً من الدول الإقليمية، وخصوصاً مصر التي ترى أن هذا المخطط سيكون على حسابها. وبصورة شخصية يرى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنه سيضر به وبنظامه لأنه قد يفعل سيناريو الثورة في مصر، إذ إن الموقف المصري السلبي تجاه قطاع غزة في حرب 2008ـ2009 كان أحد العوامل التي أدت إلى زيادة دافعية الجماهير لثورة يناير، ناهيك بأن أي موقف سلبي سيؤثر في الانتخابات المصرية، التي ستجرى في الفترة القريبة.
من ناحية ثانية، ليست التخوفات الإقليمية مرتبطة بمصر، بل بمختلف الدول العربية، التي ترى أن التجهيز سيؤدي إلى تفجر "الثورات" من ناحية، بالإضافة إلى تفعيل العمل العسكري للفصائل الفلسطينية من الخارج، الأمر الذي يفرض تحدياً خطيراً في الدول الإقليمية، وقد يؤدي إلى إعادة سيناريوهات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وسيكون عاملاً على تحريك الجماهير العربية على غير العادة.
ونتيجة صعوبة الخيارات والتكلفة العالية لإحداث تغيير استراتيجي في قطاع غزة، هناك مؤشرات على أن السقف الإسرائيلي سينزل مضطراً ليصبح فقط كيف يمكن رد الاعتبار إلى "الجيش" الإسرائيلي، وردع حماس لأعوام طويلة، ومنعها من إعادة بناء قوتها. وبعد أسبوع من المعركة، بدأت تتغير اللهجة الإسرائيلية تجاه غزة جزئياً، من القضاء على حماس نهائياً إلى هزيمتها. في الإطار ذاته، بدأ موقف التأييد الكامل لـ"إسرائيل" في التراجع، اقليمياً ودولياً، إذ إن الضوء الأخضر لـ"إسرائيل" ليس مفتوحاً، أميركياً واقليمياً، فواشنطن لا تريد تطور المعركة والوصول إلى الحرب الإقليمية، ناهيك بعدم ثقة الرئيس الأميركي برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورغبتها في أن يكون أحد مخرجات الحرب بجواز إعادة الهيبة إلى "إسرائيل"، التخلص من نتنياهو، الذي أزّم الأوضاع السياسية فيها. على المستوى التكتيكي، "إسرائيل" حالياً أمام خيار الذهاب إلى الهجوم البري، وصرّحت، منذ اليوم الأول، بأنها ستدخل قطاع غزة براً خلال 48 ساعة. وبعد أسبوع، لم تقدم إسرائيل في اتجاه هذا الخيار بسبب وجود عدد من الموانع والمعوّقات من الناحية التكتيكية، أوّلها الثمن الذي يمكن أن تدفعه "إسرائيل"، وهل يتقبل "المجتمع الإسرائيلي" مزيداً من آلاف القتلى والجرحى، ومئات آخرين من الأسرى، وهل الجبهة الداخلية الإسرائيلية ستتحمل مدة طويلة من الحرب، بينما بدأت أصوات داخل "إسرائيل" تطرح تخوفات بشأن ما تعدّه المقاومة للجيش الإسرائيلي، إذ يرجّح كثيرون أن هناك مفاجآت أعدّتها حماس ضمن خطتها الدفاعية، على نحو يؤدي إلى كسر كثير من قدرات الجيش البرية. يوماً بعد يوم، تَضيق الخيارات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وتزداد الأصوات التي تطلب وقف الحرب بسرعة، وتؤكد أن ما يجري يمثل جريمة بحق الإنسانية، وحرب إبادة وجرائم عقاب جماعية، وسط زيادة فرص الحرب الإقليمية، والرفض الإقليمي لإنهاء القضية الفلسطينية، ناهيك بورقة القوة التي تمتلكها المقاومة، ممثّلةً بالأسرى الذين بين يديها، وهي الورقة التي يمكن أن تؤثر في سير العمليات، بينما بدأت الأصوات المتعقلة في "إسرائيل" تصدر بصورة واضحة، إذ يقول المحلل في صحيفة "هآرتس" إن "الحملة الإسرائيلية محكوم عليها بالفشل، وحماس تحظى بدعم عربي إسلامي، ويُنظر إليها كجزء من حركات التحرر والنضال الفلسطينيَّين، ولا يمكن أبداً مقارنتها بداعش".