الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وخمسون - ١٥ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وخمسون - ١٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

في الذكرى الثانية والأربعين لاستشهاده

آية الله «أشرفي أصفهاني» غروب الشمس في محراب الجمعة

الوفاق/ كان الشهيد آية الله عطاء الله أشرفي أصفهاني من الشخصيات اللامعة في مجال العلم والتقوى والجهاد، الذي حارب الطاغوت لأكثر من عدة عقود وسارع أخيراً للقاء الله عند مذبح الشهادة في كرمانشاه. كان هذا  الشهيد العظيم دائماً إلى جانب الإمام  الخميني (قدس) في حياته المباركة، ورغم ما سببه له النظام البهلوي من صعوبات ومرارة، إلا أنه لم يستسلم ولم يتخل للحظة عن  تأييد الإمام (قدس) وأرائه. وفيما يلي لمحة مختصرة عن حياته ونضالاته، جُمعت في هذه المقالة بمناسبة ذكرى استشهاده الثانية والأربعين.
الخلفية العائلية والطفولة
في عام 1902م وفي مدينة خمين شهر (سده) من توابع مدينة أصفهان، وفي بيت العلم والدين، ولد طفل سمّي عطاء الله، وكان الابن البكر للمرحوم حجة الإسلام ميرزا أسد الله، حفيد المرحوم ميرزا محمد جعفر من علماء (سده) المعروفين، الذي كان جده من علماء جبل عامل بلبنان.
درس الشهيد الدروس الابتدائية في مسقط رأسه، وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره هاجر إلى أصفهان، ووفق روايته أنه كان يعيش في تلك الفترة في فقرٍ مدقع، فيقول في هذا الصدد:" ذات مرة، كنا نعيش في غرفة مع ثلاثة أشخاص آخرين في المدرسة النورية في أصفهان، لم يكن لدينا شاي وزيت وسكر لعدة أيام،  كنت أذهب يوم الجمعة إلى أحد مساجد أصفهان البعيدة، ومن الصباح إلى المساء كنت أدرس في ذلك المسجد لمدة أسبوع، خلال الإثنتي عشرة ساعة التي قضيتها في الدراسة هناك، لم يكن طعامي سوى بعض حبات الذرة المحمصة، فلم يكن لدي أي شيء آخر".
ومن ثم هاجر إلى مدينة قم المقدسة لإكمال دروسه الدينية وبعد ثلاث سنوات من السكن في مدارس مختلفة، استقر في حجرة  في المدرسة الفيضية، وعاش لمدة عشرين سنة بعيداً عن زوجته وأطفاله نتيجة العسر والعوز وعدم استطاعته تأجير منزل. يقول إبنه حجة الإسلام "حسين أشرفي الأصفهاني" عن هذه السنوات:" كان عمري 7 سنوات عندما جاء والدي إلى مدينة قم المقدسة من أصفهان لمواصلة دراسته وأقام في غرفة صغيرة في المدرسة الفيضية. وكنت أنا وأخي الأصغر، الذين أتينا إلى مدينة قم المقدسة لاحقًا، في تلك الغرفة الصغيرة معه. كانت ظروفنا المعيشية تسمح لنا بتناول الطعام الساخن مرةً واحدةً فقط في الأسبوع".
 حضر الشهيد في مدينة قم المقدسة دروس الخارج لدى الآيات العظام الشيخ عبد الكريم الحائري، وحجت كوه كمريي، والسيد محمد تقي خوانساري، والسيد صدر الدين الصدر. ونتيجة جدّه وجهده الوافر في دروسه أصبح موضع اهتمام وعنايتهم وبالخصوص السيد محمد نقي خوانساري، وأعطي أول إجازة في الاجتهاد منه.
إمامة الجماعة في المدرسة الفيضية
  كان المرحوم آية الله العظمى "محمد تقي خوانساري" يُقيم الجماعة في المدرسة الفيضية، وفي غيابه كان الإمام الخميني (قدس) يؤمّ الجماعة، وفي غياب هاتين الشخصيتين يقيم الجماعة، بإصرار من الطلبة، آية الله أشرفي أصفهاني، حتى إن الإمام (قدس) قد اقتدى به ذات مرة، مما يدل على زهده وتقواه. وبعد مجيء آية الله العظمى البروجردي إلى مدينة قم المقدسة، حضر الشهيد عنده دروس الفقه والأصول، واهتم كثيراً بدروسه بصورة جعل الأستاذ يعتني به عنايةً خاصة حتى إن الأستاذ قد زاره مرات، وعندما رأى تقارير درسه، عظّمه وكرمه. وبعد فترة أمره آية الله العظمى "البروجردي" بالذهاب إلى مدينة كرمانشاه وجعله وكيلاً له هناك.
من 6 حزيران (15 خرداد) 1963م إلى انتصار الثورة الإسلامية
بعد وقوع واقعة 15 خرداد (6 حزيران/يناير) 1963م والمجزرة الدموية التي ارتكبها نظام الشاه، بدأ الشهيد تبعاً لتوجيهات وإرشادات الإمام الخميني (قدس) جهاده في غرب البلاد وفي كرمانشاه ضد النظام، وعكف على تنمية وتوسيع رقعة الثورة عن طريق إصدار البيانات وإلقاء المحاضرات.
هذا وتعود معرفة الشهيد أشرفي أصفهاني بالإمام (قدس) إلى ما قبل الأربعينيات، وقد حافظ على علاقته به أثناء إقامته في كرمانشاه، ومع بداية الحركة الإسلامية في الأربعينيات دخلت هذه العلاقة مرحلة جديدة وبعد اعتقال الإمام (قدس)، بدأ جهوده لإقناع علماء مدينة قم المقدسة وخصوصاً مراجع التقليد بالاستمرار في القيام والثورة، فالتقى آية الله العظمى "الگلبايگاني" ثم آية الله العظمى المرعشي النجفي، وطلب منهما الدعم للإمام(قدس)، واستطاع أن يكسب تأييدهما وتنسيق برامجهما. وفي هذا السياق قال الشهيد في مجموعة من العلماء الآخرين الذين جاؤوا إلى مدينة طهران للمطالبة في إطلاق سراح الإمام (قدس):"اليوم ليس هو اليوم الذي نريد أن نبقى فيه صامتين أمام هذا النظام المجرم، لا ينبغي أن نجلس هادئين فيما يتعلق باعتقال الإمام الخميني (قدس)".
وبعد إطلاق سراح الإمام(قدس) سافر الشهيد مع جمع من العلماء إلى مدينة قم المقدسة للقائه، وكسب منه إجازة مكتوبة ووكالة مطلقة في الأمور الحسبية، وأصبح وكيل الإمام التام في محافظة كرمانشاه.
ملاحقة السافاك للشهيد وأنشطته الموجهة ضدهم
في زمن حياة آية الله السيد "محسن الحكيم"، أعدّ الشهيد مقدمات المرجعية المطلقة للإمام (قدس)، فدعا في أشهر رمضان ومحرم وصفر وأيام شهادة الصديقة الزهراء(ع) العلماء الثوريين لتركيز المحاضرات حول موضوع مرجعية الإمام (قدس)، وأدى خدمات مهمة في هذا المجال إذ إن بعض المحاضرين قد اعتقلوا لهذا السبب. وعندما شعر النظام وبعض المتلبّسين بزي العلم بالخطر على وجودهم وموقعهم من نشاطات هذا العالم الواعي، بدأوا بخلق المشكلات والمضايقات له، وهدّدوه مرات بالسجن والنفي. وكانت علاقة الشهيد بالإمام الخميني (قدس) واضحة في أحاديث الشهيد، إذ كان يذكر الإمام (قدس) بأنه الذي لم يترك (الأولى)، ومن لا توجد فيه ذرة من هوى النفس، وبأنه قائد الثورة، والمرجع الجامع للشرائط، والأعلم، والأورع، والولي الفقيه. وعندما بدأت مرحلة جديدة من الثورة إثر قيام وتحرك علماء وأهالي مدينة قم المقدسة في التاسع من يناير / كانون الثاني من العام 1978م وانتشرت حركتهم  إلى أقصى مناطق ايران، تزعم الشهيد جهاد الجماهير في كرمانشاه، ودعا العلماء إلى توجيه هذه الحركة، وبعث برسائل عديدة إلى الإمام الخميني (قدس) يطلب بيان تكليفه فيها، ويتلقى الأوامر منه وينفذها بحذافيرها. وفي إحدى المحاضرات ضد النظام في كرمانشاه، تعرض الشهيد لهجوم من قبل مرتزقة النظام وأصيب فيها. وبعد أيام داهم رجال السافاك منزله عند الفجر، ودون أن يسمحوا له بأداء فريضة الصبح، اعتقلوه واقتادوه مباشرة إلى العاصمة طهران وسُجن في الزنزانة الانفرادية بسجن الشرطة، إلاّ أنه إثر تصاعد الاحتجاجات الشعبية، أُطلق سراحه، فعاد إلى كرمانشاه، وقاد مرة أخرى ثورة الجماهير المؤمنة هناك. وكان الشهيد في مقدمة المتظاهرين في جميع التظاهرات والمسيرات ويبقى نشطاً فيها حتى انتهائها؛ وما تظاهرات يوم عيد الفطر ويوم التاسع من محرم و... إلاّ من عداد نشاطات الشهيد.  
بعد انتصار الثورة الإسلامية، استمر الشهيد في أداء وظائفه ومسؤولياته الدينية والشرعية في الدفاع عن هذه الدولة الإسلامية الفتية، وقدّم خدمات قيّمة في مجالات مختلفة. وقد عيّنه الإمام الخميني (قدس) في حكمٍ له إماماً للجمعة في كرمانشاه، حيث بقي في هذا المتراس يخدم الثورة حتى آخر جمعة من حياته.
  دور الشهيد في فترة الدفاع المقدس
 مع بدء الحرب المفروضة من قبل الاستكبار العالمي على الدولة الإسلامية الفتية، وتدافع قوات التعبئة الشعبية على جبهات الحرب للدفاع عن ثغور الإسلام، كان الشهيد يؤكد أهمية الدفاع المقدس، ويدعو في جميع خطب صلاة الجمعة والمقابلات الصحفية والبيانات إلى ضرورة تواجد الشعب في الجبهات. ولم يكتفِ بهذا، بل كان دائم الحضور في الجبهات، يلتقي قوات الإسلام، ويُلزم نفسه بأن يلقي كلمة، ويصافحهم فرداً فرداً، ويجالسهم ويحدثهم، وكان يقول: "عندما اذهب إلى الجبهة، ترتفع معنوياتي لفترة". ورغم كبر سنّه كان يطوي مسافات طويلة وطرقاً وعرة عشقاً للقاء المجاهدين، وحضر مرات ومرات في المناطق الحربية من إيلام، وقصر شيرين، ومعسكر أبي ذر، وجيلان غرب، ونوسود، وبستان، وآبادان، وخرمشهر، وسومار، وكان يتواجد بين قوات الإسلام. وبعد تحرير مدينة قصر شيرين، سافر إلى هذه المدينة، وصلّى ركعتين صلاة شكر لله (عزوجل) في مسجدها. وكان لحضوره في جبهات الحرب تأثيرٌ بالغ على معنويات قوات الإسلام؛ فذات مرة وحين ذهابه إلى المناطق الجنوبية، توجّه إلى مدينة "بستان" المحررة، ودخلها تحت القصف الشديد لمدفعية العدو، ومنها توجّه صوب مدينة آبادان. وحين بدء عمليات الفتح المبين، حضر في مقر العمليات، واقترح تسمية العمليات باسم السيدة الزهراء(ع). وفي ثاني زيارة له لمحافظة خوزستان بعد تحرير مدينة خرمشهر، توجّه إلى مدينة الأهواز، وصلّى مع الأهالي صلاة الشكر. وبعد ظهر اليوم نفسه، توجّه بمعية إمام جمعة الأهواز إلى منطقة خرمشهر رغم حرص القادة العسكريين على سلامتهما، وفور ورودهما المدينة توجّه آية الله الأصفهاني إلى المسجد الجامع وتواجد بين قوات الإسلام، وخاطبهم قائلاً: " إنه يوم من الأيام الإسلامية ويوم الله، إنّ فتح خرمشهر كان إحدى أمنياتي، والحمد لله على بقائي حيّاً وإدراكي هذا اليوم". وفي عمليات مسلم بن عقيل في غرب الجبهات، كان الشهيد لحظة بدء العمليات في مقر العمليات إلى جانب جمع من المسؤولين، وكان يعيش أجواءً معنوية خاصة، ولم يستقر له قرار، وكان مشغولاً بالدعاء والمناجاة حتى الصباح. وفي الصباح انفجرت قذيفة قرب خيمته، فأصرّ عليه القادة العسكريون بترك المنطقة، إلاّ أنه رفض قائلاً: "إنني لا أترك المكان وأنا مستعد لأية مسألة، ودمي ليس أكثر احمراراً، وروحي ليست أغلى من أرواح هؤلاء المقاتلين الأعزاء. وعليّ أن أبقى هنا حتى انتهاء العمليات". كما كانت له نشاطات قيّمة خلف الجبهات، ومنها افتتاح حسابات مصرفية متعددة أحدها لدعم الجبهات مالياً، وآخر لدعم مهجّري الحرب، وحساب آخر لإعادة إعمار إحدى المناطق المتضررة من الحرب المفروضة، كما كان الشهيد يولي موضوع الوحدة بين الشيعة والسنة أهمية بالغة، وكان لإقداماته في هذا المجال تأثيرٌ بالغ.   
  الاغتيالات الفاشلة
 لكل الأعمال الجهادية التي قام بها ضد المنافقين ودعماً للثورة وتثبيت أركانها ومحاربة العدو، كان إغتياله على رأس أولويات منظمة المنافقين؛ فقد تعرض منزل الشهيد عام 1980م  لهجوم بقنبلة صوتية، إلاّ أنه لم يكن متواجداً في المنزل وفشل الهجوم. وفي المرة الثانية وبعد مرور سنة في العام 1981م  أثناء توجهه نحو مسجد البروجردي لإقامة صلاة الظهر،  هاجمه عند مدخل المسجد ثلاثة مسلحين بأسلحتهم النارية من داخل سيارة، إلاّ أنه لم يصب بأذى، وحين فرارهم ألقوا قنبلة يدوية نحوه، وأيضاً لم يصبه أذى رغم استشهاد عدد من الأبرياء في هذا الهجوم. أمّا الاغتيال الثالث، فكان في يوم الجمعة في الخامس عشر من شهر أكتوبر / تشرين ثاني في العام 1981 م عندما بدأ الخطبة الأولى من صلاة الجمعة، وفجأة هاجمه شخص، واحتضنه بقوة، ولحظات وإذا بانفجار قنبلة يدوية، فيسقط الشهيد أرضاً، ويستشهد ساجداً، فأصبح محرابه معراجاً لروحه الطاهرة. وفور انتشار النبأ، نزلت الجماهير إلى الشوارع، وعطّلت المحال، وأعلن الحداد العام في ايران الإسلام. وقد شُيّع الشهيد تشييعاً مهيباً في كرمانشاه، ثم نقل جثمانه الطاهر وفق وصيته إلى أصفهان، ودُفن
في مقبرة (تخت فولاد).

 

البحث
الأرشيف التاريخي