الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وأربعون - ١١ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة وأربعون - ١١ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

القدوة ضروراتها وتحولاتها

الشهداء القدوة الصالحة والنموذج الأمثل

يكتسب الحديث عن القدوة في التربية أهمية كبرى، انطلاقاً من الدور الكبير والمصيري الذي تؤديه في بلورة شخصية الإنسان وثقل ملكاته النفسية، وقد كان وما يزال الشبان والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثراً وتفاعلاً مع مفهوم التأسي والاقتداء بالنماذج الإنسانية السامية في الحياة. ولقد كان للنماذج الأخلاقية في الأمة الإسلامية، دور الأسوة والقدوة المحركة للبشرية، والباعثة على السمو والارتقاء الإنساني والأخلاقي في الحياة على مر العصور والأزمان.
أهمية القدوة الحسنة
أعطت الأديان السماوية أهمية كبيرة وواضحة للقدوة وبالأخص القدوة الحسنة لمّا تمثله القدوة على مستوى تقريب الأفراد من الغاية أو الهدف (القرب من الله تعالى)، فإن للقدوة أهمية واضحة على مستوى الحركة الاجتماعية والتربوية. لأن الوصول إلى مرحلة من مراحل التكامل البشري حيث ينتفي الشر ويسود العدل والوئام وبالتالي بناء مجتمع سليم يقوم على أساس المبادئ والقيم والأفكار التي من شأنها السمو إلى أعلى المستويات، كل ذلك يقتضي وجود قدوة يتبعها الأفراد وتُشكل نموذجاً فريداً وهاماً على مستوى المجتمع، وذلك بغض النظر عما إذا كانت القدوة تتمثل في إنسان بسلوكياته وأفكاره وممارساته وحركة حياته والقيم التي يتبعها، قدوة للآخرين؛ أو أن تتجلى القدوة في عقيدة أو فكر أو نموذج أو مثال معين.
تماهي ومحاكاة تام مع القدوة  
 تلفتنا ظاهرة حاضرة لدى الشباب المعاصر، هي التماهي مع القدوة سلوكاً وخُلُقاً، وتقليدها في طريقة الكلام واللّباس وحركات الجسد، وهذه الرغبة هي من الميول الفطريّة التي تنتقل إلى الشباب من مرحلة الطفولة. ولذا كان من الضروري الإعتناء بتقديم القدوة الحسنة والعمل بجديّة على دراسة ذهنيّة هذا الجيل، لنتعرف على العناصر التي تجذبه في القدوة وتشدّه إليه، ونتبيّن ما هو المَثَل الأعلى المفضّل عنده؟ وهذا الأمر سوف يساعد على توجيه إبراز نماذج وقدوات من البيئة الإسلامية، لأنّنا مع الأسف بتنا أمام ظاهرة غير صحيّة وهي ظاهرة تقليد الشباب المسلم لرموز من خارج الفضاء الإسلامي ومحاكاته لهم، سواء كانوا من الممثّلين أو المطربين أو لاعبي كرة القدم أو غيرهم، ولا يقف الأمر أحياناً عند حدود الإعجاب، بل يتجاوزه إلى حدّ التماهي بما يعكس خواءً فكرياً وفراغاً روحيّاً لدى هذا الجيل الشبابي.
ومن الأسباب التي تفسِّر هذه الظاهرة وتقف خلفها:حالة التقهقر الحضاري التي أصابت الأمة وأفرزت نتائج سلبية خطيرة، من أبرزها فقدان الثقة بالذات والتشكيك بقدرة الإسلام على مواكبة العصر ومتابعة المستجدات، أو قدرته على النهوض مجدّداً في سياق المنافسة الحضارية، لذا يجب أن يكون الارتباط بالقدوة مبنيّاً على ما يحمله من عناصر رسالية مضيئة، وليس الارتباط به بطريقة شخصيّة شكليّة بحتة، ولكن الواقع يؤشّر إلى أنّ التعلّق بهذه الرموز على الصعيد الشخصي هو أكثر من التعلّق بالمبادىء التي يحملها هؤلاء القادة والرموز، وهذا ما يفسّر لنا ظاهرة محاكاة الرمز والمَثَل الأعلى شكلاً، ورفع صوره والتغنّي باسمه، مع عدم الالتزام بالقيم أو المبادئ التي يحملها، وعدم تمثّل شيء من أخلاقه وتجسيدها.
القدوة الفكرة
من المهم أن نلاحظ أن القدوة ليست دائماً شخصاً نقتدي به، قد يتغير بحسب الظروف والمراحل. فهي قد تكون فكرة دينية أو سياسية يحملها الإنسان ويتأثر بها ويحاول تقليدها والعيش وفقاً لمقتضياتها. وقد يتبناها الإنسان ثم يتخلى عنها إلى فكرة أخرى، فيغير طريقته في التفكير، وفي التصرف. على سبيل المثال هناك من يقتدي باتجاهات سياسية وأخرى دينية أو غير دينية تدعو إلى العنف أو إلى التكفير وتفرض على أتباعها العزلة عن المجتمع وزياً خاصاً يتمايز به أتباع هذه القدوة عن غيرهم، وقد تكون القدوة بيئة ثقافية غير محددة المعالم، مثل ما تفعل وسائل الإعلام التي تبث طوال اليوم ومن دون توقف، في سعي لتشكيل عناصر هذه البيئة الثقافية بمضامينها الفنية والاخلاقية والترفيهية والاجتماعية وسواها، إذن القدوة ليست دائماً شخصاً أو نموذجاً محدداً يمكن أن نتعرف عليه، ونشير إلى مواصفاته المحددة، على الرغم من أهمية الشخص/القدوة ودوره التاريخي في كل المجتمعات دون استثناء بل هي أكثر من ذلك. فهي فكرة وهي بيئة وهي إطار يحيط
بالإنسان.
وما يزيد من اهمية ومن خطورة هذه الفكرة أو هذه البيئة أنها باتت بفضل وسائل الإعلام الحديثة تتوجه الى أكثر من جيل، وإلى أكثر من فئة اجتماعية في وقتٍ واحد،  تستطيع وسائل الإعلام اليوم  التوجه لكل أفراد الأسرة في وقتٍ واحد، وفي كل ساعات اليوم. وبات بمقدور الأغنياء والفقراء مشاهدة الأفلام والمسلسلات نفسها والنماذج القيمية والثقافية التي تبثها الفضائيات ومواقع الانترنت المختلفة من دون تمييز بين  القادر على تقليد ها وبين من لا يجد قوت يومه لإشباع عياله... ما يجعل القدوة التي تبثها تلك الوسائل قدوة عالمية على مستوى الزي والأفكار والثقافة والسلوك والعلاقات، وهي تتجاوز الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لهذا البلد أو ذاك بحيث نشهد الاعلانات نفسها حول مواضيع ثقافية مختلفة تجول العالم كله من الولايات المتحدة إلى الصين وصولاً إلى أفريقيا  والدول الإسلامية.
المفاهيم القدوة
ليس كل مفهوم يتحول ليشكل قدوة للسلوك الإنساني والاجتماعي، ولكن ثمة من المفاهيم ما يصبح شعاراً يتم التداول به في المحيط الاجتماعي ويراد له أن يكون قدوة يستحضره الإنسان في كل سلوك يقوم به أو موقف يسعى لاتّخاذه. مثال على ذلك مفهوم الحرية الذي يُعتبرمن أكثر المفاهيم الغربية التي غزت العالم الإسلامي ، فبعد قيام ما يسمى بعصر النهضة على أساس مفهوم الحرية، تم تصدير هذا المفهوم إلى العالم الإسلامي. ومفهوم الحرية في الغرب انطلق من نقطة رئيسة هي رفض الدين، وقد أريد لهذا المفهوم أن يكون باباً لجعل المسلمين يبتعدون عن دينهم كما ابتعد الغربيون عن دينهم.
توسع استخدام مفهوم الحرية في العالم الإسلامي، وتمسك به دعاة التحرر واستخدموه أداة لأجل رفض بعض التعاليم الدينية، فأصبحت الحرية تعني ترك الحجاب، وتعني الاختلاط ودخول المرأة في المجتمع دون مراعاة لخصوصيتها التي جعلها الإسلام لها، وصانها من خلال بعض الأحكام التي فرض التعامل بها، والنظم التي جعلها في داخل المجتمع الإسلامي.
ومن الأفكار التي تم الترويج لها للتأثير على السلوك الاجتماعي في الداخل الإسلامي مفهوم ثقافة الحياة، وأريد لهذا المفهوم أن يواجه ثقافة المواجهة والتحدي والإباء والرفض الذي سارت عليه حركات المقاومة في مجتمعنا المسلم أمام المشروع الصهيوني العالمي. لذا تم السعي عبر هذا المفهوم واستخدام مختلف الأساليب لبثه في نفوس الناس إلى تصوير حركات المقاومة على أنها حركة تروج للموت، وإن الحياة لا قيمة لها لديهم، وأن الصحيح هو الموقف المقابل الذي يرغب في هذه الحياة ويرغب في العيش لا الموت.
القدوة والحرب الناعمة
أدرك أصحاب استراتيجيّة القوّة الناعمة، وبشكلٍ مبكر، أنّ التغيير والسيطرة كما قد يحصلان بالأساليب التقليديّة، فإنّهما يتحقّقان أيضاً، وتؤتى ثمارهما المرجوّة عن طريق الاستهداف الناعم، الذي تعدّدت أساليبه، إلّا أنّ التغيير بواسطة القدوة كان من أبرزها وأكثرها تأثيراً
في المستهدَف.
وعى منظّرو الحرب الناعمة إلى أهميّة التأثير الذي تتركه القدوة، فتحدّث "جوزيف ناي" صاحب النظريّة عن القوّة الناعمة والدور المطلوب منها، فاعتبر أنّها "القيادة بالقدوة". وللعبارة دلالة في غاية الأهميّة، تنطلق من إمكانيّة السيطرة على الآخر والتحكّم فيه وبقراراته، ليس عبر القوّة الصلبة أو الإرغام، بل عن طريق آخر أكثر جاذبيّة وقدرة على الإقناع، وهو عندما تتمكّن من تجسيد قيمك ومثلك التي تريدها على صورة قدوة تحمل كلّ معاني الرفعة والنموّ والتقدّم الذي يَنْشُده الإنسان.
وفي سياق محاولاتهم لإستهداف الإسلام والمسلمين وتغيير معتقداتهم وقيمهم الدينيّة إلى أخرى تتماهى مع أهداف الغرب، تركزت أغلب هذه المحاولات على بُعدين: الأوّل، ضرب نماذج القدوة عند الآخر، والثاني، إيجاد قدوات أخرى.  فهم سعوا في البعد الأول على  تدمير القدوة الموجودة عبر بثّ الشائعات، وإطلاق العنان للأكاذيب والاتّهامات الباطلة، التي تُسقط القدوة في
نظر مؤيديها.
أمّا في البعد الثاني فقد حاولوا صناعة قدوة تحمل في الظاهر قيم المستهدَف ومعتقداته، بهدف تشويهها وتقديم صورة سيّئة عنها. لذلك، لا يتورّع المعتدي عن صناعة  شخصية متدينة مثلاً  ويجعلها تمارس سلوكات تتعارض مع قيم الدين، أو ليؤسّس لأفكار وأفعال جديدة ينسبها إلى الدين وهي ليست منه. وهكذا يلجأ  العدو إلى صناعة نوع من القدوة ويروّج لها بأساليبه الجاذبة ليكون مؤثّراً عند الآخر، ثمّ يوكل إليه مهمّة استهداف القيم.
شهداؤنا عظماؤنا تاريخنا .. وقدوتنا
يقول آية الله السيد علي الخامنئي (حفظه الله) عرفوا الشهداء للشباب لكي يتخذوهم قدوة لهم ويتابعوا مسيرتهم، وإذا كان تعريف القدوة على أنها اتباع شخصية تُحدث انبهاراً وتترك آثاراً لتجذبك نحوها بفعل أفعالها وجمال أقوالها وحُسن سيرها وسلوكها، فمن يكون غير شهداء المقاومة ومجاهديها المثال الأقرب إلى الواقع، والذي ينطبق عليهم قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع): "الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين".
وهؤلاء الشهداء مثالٌ حي من الواقع الحالي، الذي يمثل التجربة الحيّة الميدانية، بما تحمل من التزام بالقضيّة وتمسك بالقيم والمبادئ وتحقيق الأهداف النبيلة الساميّة، تجربة تحكي قصة قلة قليلة من الذين صدقوا العهد لأنهم آمنوا بربهم ونذروا النفس للفعل المغيّر المقاوم وما بدلوا تبديلاً، منذ بدء العدوان على أمتنا وإلى اليوم تقدّم جيل من الشباب، في ذلك الوقت كانوا شباباً، من علماء، ومجاهدين، ورجال ونساء، حَملوا المسؤوليّة وتقدّموا، منهم من استشهد ومنهم مَنْ كان له باعٌ طويل في ميادين الجهاد، وتحمّل المصاعب والجراح، ومنهم من أُسر وعانى من قيود الاعتقال، ومنهم مَن جُرح وما زال يكابِد جراحه، ومنهم ما زال يواصل الطريق ويحمل دمه
على كفّه.
لذا ألا يستحق الشهيد أن يكون قدوة وبلا منازع هذه القدوة التي اتخذت لدورها قدوة وأية قدوة،  هذا الشهيد الذي قدّم حياته رخيصة على مذبح الشهادة، وهو لم يفعل هذا الأمر لأنه مستهتر بالحياة، أو لأن الحياة لا تعنى له شيئاً بدليل أن بين صفوف الشهداء نجد من هم في الطليعة، فمنهم من يحمل الإجازات الجامعية، ومنهم من كان يعمل في أماكن مهمة ويحملون ألقاباً كبيرة ومنهم من ترك بيته وعائلته وهم أحوج ما يكونون إليه. ألا يستحق هؤلاء الشهداء، منارة الدنيا وهم الأحياء أن نقتدي بنورهم ونسير بهديهم فلا نضل الطريق؟
ختاماً بالإضافة إلى التمسّك بالقدوات وعدم التخلّي عنها؛ يجب على الفرد أن لا يرتضي لنفسه أيّ قدوة من أيّ مكان أتت، دون التأكد من خلفيّاتها المعرفيّة والجهة التي تقدّم خدماتها لها. والحقيقة أنّ تدمير القدوات الأخرى لم يكن إلّا لأهداف لا تخدم الإنسان ولا الإنسانيّة، إنّما تتّجه لتخدم المخطّطات السلطويّة لمن يفكّر بالعولمة والقطبيّة الواحدة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي