للحفاظ على الهوية الفلسطينية
يوم التراث الفلسطيني...الذاكرة التي لا تموت
يحتفل الشعب الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، بيوم التراث الفلسطيني، بناءً على توصية وزارة الثقافة الفلسطينية، وقرار مجلس الوزراء الصادر عام 1999، بهدف الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وعلى التراث الفلسطيني من محاولات طمسه ونسيانه وتهويده.
من المعلوم أنه لكل شعب من شعوب الأرض حضارة وتراث يفتخر به ويعتز به وللشعب الفلسطيني حضارة عريقة وتراث فني كبير يدل على هويته الثقافية والسياسية في آن معاً. التراث الفلسطيني يُعدّ من المرتكزات الأساسية للهوية الفلسطينية، إذ تتجلى في جل مكوناته خصوصية كشعب عريق في تراثنا المادي وغير المادي، الضارب جذوره في أعماق التاريخ، وقد أدى دوراً هاماً في تعميق الشعور بالانتماء للوطن والتاريخ.
ويمثل التراث الشعبي الفلسطيني ثروة ضخمة من الأدب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافية والفنون التشكيلية والطقوس الدينية، والحكايات، والأمثال، والأحاجي والألغاز، والألعاب الشعبية، والأكلات، والملابس، والدبكة، والأغاني، والموسيقى الشعبية؛ إضافةً إلى الفن المعماري الفلسطيني.
وشكل هذا التراث هدفاً رئيساً لمحاولات الطمس والإيذاء والتعتيم والمسح وتتخذ هذه الممارسات عبر التهويد أو اضفاء الصبغة الصهيونية على هذا التراث وكذلك إلغاء فلسطينية هذا التراث وعروبته وإضعافه ومحوه. وكل ذلك كان يهدف إلى خلق صلة ما بين اليهود والأرض وكسب الاعتراف العالمي بهذه الصلة، من جهة، ومن جهةٍ أخرى إضعاف الصلة بين الشعب الفلسطيني وبين أرضه، بل بترها كلياً وقطعياً، وتقوم بهذه الممارسات هيئات كثيرة ومتعددة من وزارات ومكاتب حكومية رسمية أو شبه رسمية إلى مؤسسات وجهات علمية واجتماعية من كل صنفٍ ولون. وبالتالي هدفت هذه المقالة إلى التعرف على تأثير الممارسات الاسرائيلية على التراث الفلسطيني التي عملت على طمسه وتشويهه وتزويره، وكيف أسهم هذا التراث بتنوعه بإيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم عبر تحديه أشكال الطمس والتهويد والتزوير كافة. كما هدفت إلى إبراز دور التراث في الحفاظ على الهوية الوطنية وكيف شكل التراث أحد أدوات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي ومخططاته.
سرقة ممنهجة من أيام النكبة
كشف المؤرخون الصهاينة عن عمليات سرقة ممنهجة للممتلكات الثقافية والتراثية الفلسطينية في إطار "سياسة إسرائيل لإفراغ فلسطين من سكانها الأصليين"، و"دعم مقولتها الاستعمارية إن فلسطين هي أرض بلا شعب"، وأيضاً لأهدافها الخاصة التي تضمن عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين مرةً أخرى إلى أرضهم.
ففي النكبة أصبحت كنوز هائلة من الممتلكات المنهوبة من بينها كتب، وصور فوتوغرافية، ومقتنيات مثقفين، ضمن "الميراث الصهيوني" وهكذا لم تكن السرقة حدثاً عابراً يمكن تخطيه أو نسيانه، إنما تواصلت هذه السرقة وصولاً إلى "الأرشيفات الفلسطينية" بذريعة مواد التجريم والأدلة على مخططات الفلسطينيين ونياتهم ودوافعهم وطموحاتهم.
كذلك، استولت إسرائيل على الأرشيفات من مختلف المؤسسات الفلسطينية ومن المنازل، وسرقت الصور الفوتوغرافية من استوديوهات السكان الأصليين، علاوةً على مصادرة مكتبات العائلات الغنية في القدس الغربية كعائلة خليل السكاكيني، وعائلة يعقوب فرّاج.
وصُودرت الكتب من مناطق أخرى في يافا وحيفا وطبريا والناصرة، عدا عن نهب المواد التاريخية والتراثية من متاجر التحف والمنازل الخاصّة، وتسريب هذه المواد إلى المتاحف الإسرائيلية تحت مسمّى "التراث الشعبي الإسرائيلي".
تجدر الإشارة إلى أن هذه الوثائق تقبع في أرشيف إسرائيل والجيش الإسرائيلي إلى يومنا هذا، وعمليات النهب هذه توصف بأنها "شكل من أشكال تغيير الملكية، وحرمان السكان الأصليين من حقهم في استعادة تراثهم".
أسرلة التراث الفلسطيني لباساً وطعاماً
"الكبار يموتون، والصغار ينسون"، عبارةٌ أطلقها "ديفيد بن غوريون" أول رئيس وزراء إسرائيلي، معتقدًا أن القضية الفلسطينية ستُمحى من ذاكرة الفلسطيني الذي لم ولن ينسى جيلاً بعد جيل. فالاحتلال الإسرائيلي يُحاول منذ بدايات احتلاله سرقة التراث الفلسطيني وتسويقه حول العالم على أنه تراث إسرائيلي، فلم يكتف بسرقة الأرض؛ لكنه يسعى حثيثاً دون توقف لسرقة الهوية الفلسطينية. لا تتوقف الحملات الدعائية الإسرائيلية عن السعي إلى "أسرلة الأطباق الفلسطينية"، مع الاحتفاظ بأسمائها كما هي مشهورة فلسطينياً وعربياً. على سبيل المثال، نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في عام 2018 مقالاً بعنوان "المطبخ الإسرائيلي... يحقق نجاحاً باهراً في باريس"، تحدثت فيه عن الأطباق التي تعرضها المطاعم الإسرائيلية في البلد الأوروبي ووصفتها بأنها "أطباق إسرائيلية عصرية، دافئة وذوّاقة". من بين "الأطباق الإسرائيلية" المزعومة التي استعرضتها الصحيفة الفرنسية الفلافل والشاورما وغيرها من الأطباق الفلسطينية والعربية الأصل. وبرغم وجود مصادر مختلفة عن أصل هذه الأطباق، إلا أنه لا مصادر تاريخية تشير إلى أنها إسرائيلية، بل هي أطباق وُجدت قبل تأسيس الكيان الصهيوني.
العدو الصهيوني يصادر الأزياء الفلسطينية
صادر العدو الصهيوني الأزياء الفلسطينية، وأُلبس الثوب الفلسطيني المطرّز لمضيفات شركة الطيران الإسرائيلية "إل عال"، واعتبرته "زيّاً رسمياً"ونسبته للإسرائيليين، مدعيةُ إن "الإسرائيليين الأوائل" ارتدوا الملابس الفلسطينية المطرّزة.وكانت آخر الصرعات التهويدية للتراث الشعبي، هو ارتداء وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف، فستانًا مُزيّنًا بتراث البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى؛ بهدف تزوير صفحات التاريخ الفلسطيني وهويته".
وكذلك الكوفية الفلسطينية والتي تعرف بالحطة ذات اللونين الأبيض والأسود الكل يعرفها، فتاريخها ورمزيتها راسخة في الأذهان ، تلك التي اعتاد الفلاح الفلسطيني أن يضعها على رأسه وهو يعمل بأرضه لتقيه حر الشمس وبرد الشتاء.. ارتبط أسمها ورسمها بجهاد أهل فلسطين ضد الاحتلال البريطاني وتألقت في أحداث عام 1936م حين تلثم الفلاحون المجاهدون بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء جهادهم ضد الاحتلال البريطاني ، والعصابات اليهودية، وتوسع استخدامها في العمل الفدائي خلال فترة الستينات وما بعدها من السنين، حتى اقترنت الكوفية عند شعوب العالم أجمع باسم فلسطين وجهاد شعبها ضد الاحتلال اليهودي ، وتجاوزت بذلك كل الحدود الجغرافية لتصبح رمزاً لقضية فلسطين العادلة، بكل محطاتها من مقاومة الاحتلال ، ودحض أساطيره ، والوقوف مع أصحاب الأرض والمقدسات ، لذا كانت وما زالت حاضرة دائماً في الأنشطة على جميع مستوياتها وأقاليمها ، لتكون بلا منازع أبرز إشارة مرتبطة بقضية فلسطين وحقوق أهلها.
سرقة حكايا الجدات
ولم يتوانَ صُناع القرار في إسرائيل عن دعم أسرلة التراث الفلسطيني وتهويده بحثًا عن هوية إسرائيلية يهودية على حساب الهوية الفلسطينية متخذة أشكالًا عديدة على طريق الاستحواذ التام على الرؤية والرواية الفلسطينية. فقد استولي الصهاينة على الموروث الفلسطيني من الحكايات، إذ أن حوالي 215 حكاية فلسطينية كانت من ضمن أرشيف الحكايات الشعبية الإسرائيلية حتى عام 1986.
وفي مواجهة هذه السرقة يعمل ناشطون فلسطينيون على جمع القصص الشعبية القديمة، وكذلك الأغاني التراثية والشعبية التي ترتبط بالقصص في محاولة للمحافظة على هذا الإرث الثقافي الفلسطيني وعدم تركه في جعب وأذهان المعمّرات والمعمّرين الفلسطينيين، عبر مثل هذه الطرق والأساليب الثقافية الشعبية، يستطيع الفلسطينيون أن يوصلوا من خلالها جزءاً من تفاصيل حياتهم وثقافتهم ومعاناتهم أيضاً إلى كلّ دول العالم.
تزوير صفحات التاريخ..أسرلة الآثار الفلسطينية
ابتكر الاحتلال الصهيوني عدة طرق ووسائل في عمليات سرقة وتزييف التاريخ وطمس الهوية العربية الفلسطينية، فقد عمل على جعل معظم المناطق الأثرية والمقامات الدينية ضمن المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو عام 1993، وهذا يعني ضمنياً أن الاحتلال اخضع الغالبية العظمى من المناطق الأثرية التي تشتهر بها فلسطين تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفي الوقت نفسه لا تمتلك أي جهة فلسطينية مختصة أي سيادة على تلك المناطق، وهذا بدوره منح الاحتلال حق التصرف في تلك المناطق، وتغيير معالمها وأسمائها بما يتماشى مع معتقداتهم ورغباتهم الذاتية.
بل تعدى الأمر إلى حد إطلاق القصص والروايات المزيفة حول تاريخ تلك الآثار القديمة، كما يحدث الآن حول قبر النبي يوسف(ع) في مدينة نابلس، وكذلك الحال في المقامات الدينية مثل ذو الكفل ويشوع وذو النون في بلدة كفل حارس في محافظة سلفيت، بالإضافة إلى آثار بلدة سبسطية، المدينة السامرية القديمة والتي تعتبر جميعها في نظر الاحتلال من المقدسات اليهودية.
تهويد الأسماء الجغرافية والمواقع الأثرية في القدس
تمر البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة بظروف خاصة، استباح فيها الكيان الصهيوني كل مكوناتها، وأحدثت تغييرات كبيرة مست الحجر والبشر، وعلى الرغم من إعلان المدينة تراثاً حضارياً عالمياً تجب حمايته فإن سلطات الاحتلال أمعنت في تغيير المشهد الحضاري والتاريخي للمدينة.
ففي عام 1967 أزالت سلطات الاحتلال حي المغاربة، وأصبح أثراً بعد عين، محدثةً خراباً أثرياً وتاريخياً في هذه المنطقة، وبعدها مباشرة بدأت إزالة أجزاء من حارات الشرف، والميدان، والعلم، لإقامة أبنية جديدة ذات نمط معماري جديد دمج بين القديم والحديث، كما أحدثت تغييراً كبيراً في البناء التاريخي الذي تمت المحافظة عليه خلال قرون ماضية من الحكم العربي والإسلامي.ومسحت معالم تاريخية، ومساجد، وزوايا، ومقامات لها ارتباط بالعقيدة الإسلامية، ووضعت بدلاً منها كنُسا ومعابد يهودية، لتبدأ مرحلة جديدة من الرواية اليهودية التوراتية لخلق تاريخ جديد مرتبط ارتباطاً قوياً بالهدف السياسي باعتبار القدس كاملة تحت السيادة وعاصمةللكيان الصهيوني ، مستعملةً أسماء جغرافية عبرية لأسماء عربية لتأكيد هذه الرواية.
إن مراحل تهويد الأسماء الجغرافية، والمواقع الأثرية داخل مدينة القدس، تعدّ المرحلة ما قبل الأخيرة لحسم الصراع على القدس سياسياً وتاريخياً ودينياً للصالح الإسرائيلي، بوصفها عاصمة أبدية، مستخدمةً كل الأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
متاحف التراث الفلسطيني ... مقاومة بالتاريخ
مقتنيات أثرية، وحُلي، وأزياء فلسطينية قديمة، أصحابها قتلوا في مذبحة دير ياسين عام 1948م، وقطع أثاث قديمة، وغيرها، ضمتها جدران متحف التراث الفلسطيني في مدينة القدس. ثلاثة آلاف قطعة أثرية، هي ما تحتويه غرف المتحف المكوّن من ثلاثة طوابق، كل غرفة منها سميّت نسبة لما تحويه من مقتنيات، كان يستخدمها الفلسطينيون قديماً، كأدوات الطعام، والحصيد وغيرها.
ويهدف المتحف، وفق القائمين عليه، للحفاظ على الموروث الفلسطيني، من مقتنيات حياتية متنوعة، "في ظل التضييقات التي تُفرض على أهالي القدس ومحاولات الاحتلال الإسرائيلي، سرقة التراث الفلسطيني".
وتتوزع متاحف آثار فلسطينية متواضعة في مدن الضفة الغربية أهمها متحف قصر هشام في أريحا ومتحف القائممقام في طولكرم ومتحف جبل جرزيم في نابلس ومتحف إبراهيم (ع) في الخليل ومتحف الأرمن في بيت لحم، وتركز وزارة السياحة والآثار الفلسطينية على إقامة متاحف أثرية في مختلف المدن الفلسطينية للحفاظ على الآثار.