ممر زنجيزور جنوب القوقاز..
بين تعقيد المصالح التركية الإيرانية والروسية وحلّها
هدى رزق
كاتبة ومحللة سياسية
اصطلحت كل من تركيا وأذربيجان على اعتبار المسلحين "إرهابيين" كونهم لم ينفذوا اتفاقات عقدتها حكومتهم مع الرئيس الأذري، في الوقت الذي وافق فيه المسلحون الأرمن بعد "وساطة" روسية على إلقاء السلاح. ساق رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان اتهامات بمسؤولية موسكو عما جرى، في خطاب متلفز موجّه إلى الأمة الأرمنية قال إن الهياكل الأمنية التي تدخل أرمينيا في عدادها غير فاعلة، وحمّل روسيا وقوات حفظ السلام الروسية المسؤولية ما يحدث للأرمن. وبدت تصريحاته تلميحاً جدياً للانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وربما ستكون هناك دعوة لسحب القواعد العسكرية الروسية.
كان باشينيان قد تخطى في السنوات الأخيرة أهم المحرمات الأرمينية، من خلال الاعتراف بسلامة أراضي أذربيجان. وهو في محادثاته مع الأوروبيين كان يركز على الانتقال المتعلق بـ"حقوق وأمن" أرمن كاراباخ والضمانات الدولية التي ستعطى لهم ما يظهر أن الرجل كان يقدم تنازلات لأذربيجان.
في شهر آب/أغسطس، صرّح رئيس أذربيجان إلهام علييف أنه تم الاتفاق مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان على فتح "ممر زنجيزور"، عقب لقائهما رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في بروكسل. الموافقة الأرمينية على فتح ممر زنجيزور أتت في ظل انشغال موسكو بملف الحرب في أوكرانيا، فيما كانت يريفان تطمح في المكاسب الاقتصادية، وكان باشينيان يسعى إلى التطبيع مع تركيا، لكن بعد مرور أكثر من سنة على محادثات التطبيع، بقيت الحدود البرية بين تركيا وأرمينيا مغلقة، ولم تقم علاقات دبلوماسية بين البلدين، بل سعت أنقرة إلى مزيد من التنازلات من جانب أرمينيا لصالح أذربيجان.
إنهاء الصراع الأرميني-الأذري عبر ترسيم حدود كل منهما، وفتح خطوط النقل والمواصلات في المنطقة برعاية الاتحاد الأوروبي، كان هدف باشينيان وهو ما يضعف الموقف الروسي في جنوب القوقاز إذا تم استثناء موسكو، ويمثل خسارة استراتيجية لها في منطقة نفوذ تاريخي. ربما نجح السيناتور الأميركي ميننديز العضو المناصر وزوجته الأرمنية في دعم سياسة باشينيان ضد موسكو، الذي انقلب على موسكو واقترب من واشنطن بعد أن رفض تأييد الغزو الروسي لأوكرانيا.
تركيا تستعجل فتح ممر زنجيزور
استعجل إردوغان زيارة ناخيتشيفان، للقاء حليفه علييف؛ احتفالاً بوضع حجر الأساس لمركز لوجستي عسكري وخط أنابيب للغاز الطبيعي. عُدّ التوقيت استفزازاً من جانب تركيا لأرمينيا. وجّه إردوغان رسالة إلى المعنيين أي إيران وأرمينيا، أن باكو وأنقرة عازمتان على المضي قدماً لاستكمال مشروع الممر الذي سيربط أذربيجان جغرافياً بمنطقة نخجوان التابعة لها، كما سيربط تركيا بالجمهوريات التركية في آسيا الوسطى. أما أذربيجان فشددت على أنها أطلقت العملية لدعم اتفاق السلام الثلاثي لعام 2020 مع روسيا وأرمينيا.
تنتهج أذربيجان، في الوقت الراهن، سياسة المناورة والحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا. إلا أنه، ومع اشتداد المواجهة بين روسيا والغرب، تتناقص فرصة أذربيجان في الحفاظ على الحياد، كما أن عودة كاراباخ تقلل من أهمية روسيا بالنسبة إلى باكو، ومطالبتها بأن تسمح أرمينيا بإنشاء ممر نقل زنجيزور الذي يربط ناخيتشيفان بالبر الرئيسي الأذربيجاني من دون ضوابط حدودية من الطرفين جوبهت بالرفض من جانب أرمينيا مع أن باكو هددت بأنها ستفتح الممر بالقوة، أرمينيا اعتبرت أن ما تطلبه أذربيجان سيكون بمنزلة احتلال فعلي للأراضي الأرمينية من شأنه أن يفصل البلاد عن حدودها مع إيران.
في حال فتحه، سيعزز ممر زنجيزور اتصال تركيا برياً بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي (العالم التركي)، ويرفع من أسهم "منظمة الدول التركية" التي تتكوّن من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، فضلاً عن تركمنستان بصفة مراقب ويمكن اعتبار ممر زنجيزور، ضرورياً لمشروع الممر الأوسط الذي تتبناه تركيا ويقال إن الصين مهتمة به، ويعد أقصر طريق بين شرق آسيا وأوروبا.
إيران، من جهتها، تعارض أي تغيير حدودي فتضارب المصالح الأجنبية في منطقة أوراسيا يشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني. كذلك إنشاء ممر تركي سيضر بمجال الترانزيت (إعادة التصدير) الإيراني عبر قطعه ممر شمال-جنوب أو تقويضه، فضلاً عن قطعه الطريق في وجه إيران للوصول إلى أوروبا عبر أرمينيا. ممر زنجيزور سيضع حداً نهائياً للحاجة الأوروبية إلى الطاقة الإيرانية، لأنه سينقل الطاقة من أوراسيا وآسيا الوسطى إلى أوروبا، وسيقطع اتصال إيران بروسيا عبر الأراضي الأرمينية. بيد أنها صرحت باستعدادها لتقديم خطة بديلة لربط نخجوان بجنوب أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية، مع إمكان إنشاء عدة جسور على نهر آراس الواقع على الحدود مع أذربيجان وأرمينيا.
الغرب وروسيا وجنوب القوقاز
وصلت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باورز، المدافعة عن الإبادة الأرمنية إلى يريفان مع النائب الرئيسي لمساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا والشؤون الأوراسية يوري كيم، فيما أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن مجدداً "دعم الولايات المتحدة لسيادة أرمينيا واستقلالها وسلامة أراضيها" وأعرب عن "قلق الولايات المتحدة العميق بشأن السكان العرقيين في ناغورنو كاراباخ"، لكنه لم يدن العدوان الأذربيجاني. أما الاتحاد الأوروبي فكان حذراً بسبب حاجته المتزايدة إلى النفط الأذربيجاني بسبب العقوبات المفروضة على الطاقة الروسية، فهو دان باكو بسبب العملية العسكرية لكنه لم يتخذ أي إجراء مباشر ضدها.
تكمن أهمية أرمينيا، في وجود ممر زنجيزور على أراضيها، وهو الممر الذي يمكن أن يغرق المنطقة بأكملها في حرب مواصلات. ونتيجة لذلك، فإن أرمينيا مهمة بالنسبة إلى الغرب، باعتبارها فتيل الانفجار الذي يمكن أن يدمر المثلث الروسي-التركي-الإيراني. لروسيا مصلحة كبيرة في فتح ممرات عبر القوقاز بعد أن قطعت خطوط إمدادها غرباً إلى أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا. ولذلك، فإن موسكو قد تسعى للحصول على خطوط نقل إضافية مع تركيا، وقد تضغط على يريفان فهي تحتاج إلى طوق على حدودها الجنوبية، وليس إلى صراع. من هنا، ترى ضرورة التوافق على المصالح والسلام في جنوب القوقاز بين تركيا وإيران وأذربيجان، وهذا ما تحاول السعي إليه.