الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وأربعون - ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وأربعون - ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

الدراسات العليا في العالم العربي.. فوضى ووجاهة وتكرار

الوفاق / وكالات -  تُعد مرحلة الدراسـات العليا من المراحل المهمة والحيوية في منـظومة التعليم الجامعي؛ إذ تكتسب الجامعات أهميتها وفعاليتها الحقيقية من برامج الدراسات العليا التي تتوافر فيها؛ فهي التي تقود حركة البحث العلمي، وتسهم في إثراء المعرفة، وتنمية القوى البشرية المؤهلة لتلبية متطلبات التنمية. وهي وسيلة لإعداد فئات العلماء والخبراء والباحثين المبتكرين القادرين على توليد المعرفة واستحداثها، وعلى استشراف آفاق المستقبل، وإيجاد الحلول الناجحة للمشكلات والقضايا الراهنة.
لذا نجد أن معظم جامعات العالم تركز في توجهاتها اليوم وخططها المستقبلية على بناء قدرتها البحثية عبر ترسيخها لآليات ومنهجيات التجديد والتطوير في النظم الإداريـة والأكاديمية لبرامج الدراسات العليا؛ وإذ أن مخرجات المنظومة التعليمية الجامعية المتمثلة في الخريجين والبحوث المعدة من رسائل ماجسيتير وأطروحات دكتوراه هي المحصلة النهائية لهذا النظام؛ فإن وجود خلل ومشكلات بهذه العملية سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على جودة هذه المخرجات، لذا تبين هذه المقالة أهمية تحديد المواضيع المختارة لهذه الأبحاث إما وفق متطلبات الدولة (القطاع العام) أو تلبيةً لاحتياجات القطاع الخاص.
فوضى في تحديد مواضيع أبحاث الدراسات العليا
 يتبين لنا أن التعليم في الدراسات العليا في الجامعات العربية لا يعدو أن يكون تلقيناً وشهادات، وأن البحث العلمي ليس إلا للترقية والبروز العلمي، وليس حلاً لمشكلة قائمة أو لتزويد الاقتصاد الوطني ببحوث منتجة تغرق الأسواق العالمية كما أغرقنا الآخرون بها.
وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بأهمية البحث العلمي في وقتنا الحاضر إلا أنه مازال يفتقد الى وضوح السياسات والاستراتيجيات في معظم دولنا التي تتبنى خططاً ومشروعات حكومية يفترض أن تنبثق منها مشرعات بحثية . ومن ثم هناك انفصال بين ما تريده الدول أو تنهض به مؤسساتها العاملة وبين ما تقوم به الجامعات من بحوث لها أغراض خاصة بها قد لا تلتقي بالضرورة مع أهداف التنمية وحاجات المجتمع . وباتت تمثل أبحاث طلبة الدراسات العليا تلبية متطلبات الحصول على الشهادة ( الماجستير والدكتوراه )، وأصبحت معظم هذه النتاجات البحثية ليست ذات صلة بالجوانب التطبيقية وبعيدة عن رؤية المجتمع وحاجاته ومشكلاته، ويغلب عليها الطابع الفردي والشخصي .
كذلك يلمس المطلع على الأبحاث الجامعية لطلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية وخاصةً في العلوم الإنسانية والاجتماعية وجود تكرار لموضوعات بعينها ويغلب عليها الموضوعات المعروفة، وبالتالي يقل الاختيار المبتكر، فمن الملاحظ أن اختيار الموضوع يكون عادةً من اختيار المشرف وطبقاً لتجاربه واهتماماته وآرائه، والطالب مجرد متلقٍّ.كما أن الموضوعات قد اختيرت رغم ذلك ورغم كل الإشراف بشكلٍ عشوائي، مما جعلها تتكرر أكثر من مرة، في غياب خطة للدراسات العليا على مستوى الجامعة، ومما يلاحظ غلبة الموضوعات القديمة على الموضوعات الحديثة.
كما أن متابعة الدراسات العليا عند بعض الطلاب لا يعدو كونه وجاهة، فبعد المرحلة الجامعية ينقسم التخصص التكميلي (الماجستير والدكتوراه) إلى قسمين، الأول هدفه تكميلي للعلم والمعرفة والإنجاز والبحث والتنقيب للوصول إلى شيء يفيد المجتمع، فيما يهدف القسم الثاني إلى الترفيه والوجاهة الاجتماعية لتحصيل المسمى الأكاديمي، وأن يسبق لقب دكتور اسم الشخص، وسد الفراغ واستكمال بعض النواقص من دون أي جدوى فعلية من هذه الدراسة.
وثمة من يرى إقبالاً لافتاً على حقل الدراسات العليا، عربياً ، كما لو كان الأمر تساوقاً مع "موضة" أو تقليعة رائجة، إن جاز التعبير، فيما يتحدّث آخرون عن رداءة المُخرَج الحاصل من هذه الدراسات، لا سيما ما يتعلق بالجانب البحثي، فيما قلة لا تكاد تظهر، ترى أنّ الدراسات العليا تؤتي أُكلها على صعدٍ عدة، على رأسها حاجة سوق العمل.
وضع خطة ممنهجة للنهوض في واقع البحث العلمي الجامعي
يجب على الجامعات العربية إرساء قواعد وفق استراتجية واضحة لتحديد المواضيع المُراد دراستها وبحثها في رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، فيجب السعي على تنظيم اختيار وتحديد هذه الأبحاث الجامعية وفق أسس وتعليمات ناظمة وعدم ترك عملية إجراء البحوث انطلاقاً من رغبات شخصية بشكلٍ مطلق و بعيداً عن رؤية وأهداف الجامعة، بل والمجتمع وإحتياجاته، فينبغي وضع خطة سنوية بالعناوين المقترحة والضرورية للأبحاث العلمية في مرحلة الدراسات العليا، والتي تنبعث من إحتياجات الدولة والمجتمع للتطوير والتنمية، فتقوم الجامعات عبر الكليات و بالتعاون والتنسيق مع عمادات البحث العلمي على تعزيز التفاعل والتشاركية مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لتحديد المواضيع المقترحة من قبلهم وذلك لضرورات مجتمعية وتنموية، على أن يساهموا عبر تقديم الدعم  بأشكاله المختلفة من دعم مادي وتأمين مصادر بحثية ومساعدة ميدانية لطلبة الدراسات العليا من أجل إنجاح تنفيذ هذه الأبحاث العلمية، إن هذا التفاعل الحيوي بين الجامعة والقطاعات الأخرى سيوفر فرص لطلبة الدراسات العليا لتناول مشكلات حقيقية تعاني منها تلك المؤسسات وتوظيف المنهجيات العلمية لمعالجتها وبالتالي تصبح نتاجات هذه البحوث ليست ذات قيمة علمية فحسب وإنما ذات أهمية تطبيقية ومجتمعية . إضافةً الى ذلك أن تفعيل هذه التشاركية سوف يسهم في إدماج المؤسسة
الجامعية وطلاب الدراسات العليا فيها بقضايا ومشكلات تعاني منها المؤسسات الرسمية والمجتمعية لإيجاد الحلول الناجعة لها وتحقيق مردودات مادية للجامعة .
وأن تسعى الجامعات على زيادة دعم وتحفيز الباحثين من أساتذة وطلبة الدراسات العليا على إجراء مشاريع بحثية قيمة تستقصي مشكلاتها من واقع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص و بما تتناسب مع الأولويات البحثية الوطنية. وأن تقدم كافة الخدمات المساندة للباحثين بأعلى مستوى من التميز والجودة لغرض زيادة كم ونوعية الإنتاج العلمي.
وإن تنفيذ هذا الأسلوب في تحديد الأبحاث المرجوة  بشكلٍ متقن وفعال ينعكس ايجابياً على انتاج بحوث علمية تتمثل فيها معايير الجودة والنوعية وذات أهمية علمية نظرية وتطبيقية تصب في خدمة المجتمع وتطويره .
 المحطة الأخيرة للأطروحات الجامعية
باتت الرسائل الجامعية بلا قيمة بحسب ما يشعر الأساتذة والطلاب معاً، بل يمكن أن يكتبها بأية طريقة، أو يكتبها له أحد الباحثين عن الربح المادي، ومن هنا انتشرت المكتبات والمراكز التي تتولى كتابة الأطروحات للطلاب، ولأنّ الأستاذ لا يتابع طلابه بسبب انشغالاته والعدد الكبير من الطلاب فهو لا يهتم بالمصدر الذي جاءت منه الرسالة، وكيفية كتابتها، ومن أين جاءت.
يعرف الأستاذ والطالب أنّ الرسائل الجامعية توضع على الرفوف، وليست لها أية قيمة، لذلك تحوّل الأستاذ إلى مدرّس، وما يعنيه هو أن يستمر في استقطاب الطلاب وتأمين عيشه، في حين أن الطالب، في المقابل، تحوّل إلى مستهلك يبحث عن السلعة الأرخص والأقل جهداً، فيتسلم رسالته جاهزة من المراكز المتخصصة دون أن يبذل أيّ جهد؛ لأنّ المهم هو الحصول على الشهادة، وليس اكتساب مهارات البحث العلمي، لأنّه في النهاية لا يوجد بحث علمي وليس هناك فرق بين الجيد والرديء.
هذا على الرغم من وجود بعض طلاب الدراسات العليا الذين يبذلون جهدهم في إعداد الرسائل العلمية والبحوث للخروج بنتائج جديدة في مجالاتهم، وفي النهاية يكون مصيرها أرفف مكتبات الجامعات، وذلك نتيجة غياب التنسيق والتعاون بين الجامعات والجهات ذات الاختصاص، التي يمكنها الاستفادة من نتائج وتوصيات هذه البحوث.إن نتائج هذه الأبحاث تظل حبيسة الأدراج، بسبب غياب التنسيق بين الجامعات والجهات والمؤسسات التي يمكن أن تستفيد من هذه الأبحاث، لذا يجب التأكيد على ضرورة إنشاء أقسام في الوزارات والدوائر الحكومية مهمتها التعرف إلى البحوث والدراسات التي تتناسب مع أنشطتها وأهدافها، وتحويلها إلى أوراق عمل وحقائب تدريبية بالتنسيق مع الباحثين، مع إطلاع أفراد المؤسسة المعنية على نتائج وتوصيات هذه البحوث. لذا يؤكد أكاديميون ضرورة التنسيق بين الجامعات والوزارات والدوائر الحكومية، لعرض الرسائل العلمية على الجهة المختصة، كما يجب على الجامعات نشر أسماء وملخصات الرسائل التي وافقت عليها، لتتعرف إليها الجهات المستهدفة، إضافةً إلى منع التكرار والتشابه في الموضوعات.
ختاماً من الضروري أن يكون لمؤسسات التعليم العالي دور في وضع حد للدراسات العليا غير الجدية، وأن تترفع هذه المؤسسات عن النفعية على حساب الكيفية، من المؤسف حقّاً أن تغدو الغاية من الدّراسات العليا هي مجرّد وسيلة لتحقيق الذات بطريقة مُخِلّة بأخلاقيات البحث والأمانة العلمية من أجل الحصول على شهادات وترقيات ما تلبث إلّا أنْ تبقى مجموعة أوراق مُغْبَرَّة على الرفوف أو لوحات زينة للجدران، في حين نلتمسُ الرسالة السامية والصادقة في دَوْر بعض الكفاءات العِلمية الذين يقدرون في سعيهم المستمرّ إلى توظيف البحث العلميّ في تنمية المجتمعات واستحداث التغييرات الإيجابية على أرض الواقع فيما يعود بالنفع وشرف الإنجاز العِلمي على منظومة التعليم العالي والوطن ككُلّ.
على أمل أن تتحول هذه الأبحاث والدراسات المعمقة من الركائز الأساسية والمهمة التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم، انطلاقاً من قناعتهم بأن دراسة القضايا والمعضلات الأساسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات، لمّا تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات من أهمية.

 

البحث
الأرشيف التاريخي