بمناسبة إنعقاد الاجتماع الثاني عشر لوزراء الثقافة للدول الإسلامية؛
جعل الثقافة الإسلامية أمرا أساسیا في مواجهة كافة أشكال الغزو الثقافي
الوفاق/ خاص
السید مجید امامی
1. وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، بعد عقد من تأسيس هذه المنظمة، توصلوا إلى نتيجة مفادها أن أفضل أرضیة لمقاربة مواقف الدول الإسلامية هو النشاط في المجالات الثقافية والعلمية. ولهذا الغرض، تم إنشاء منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» في يناير 1981. وتضمنت الأهداف الرئیسیة للإيسيسكو، تعزيز وترسيخ التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وتوطيد التفاهم بين الدول الإسلامية والمساعدة على تحقيق السلام والأمن العالميين بشتى السبل المتاحة ، خاصة من خلال التعليم، العلوم والثقافة والعلاقات فیما بینها. و كان توطيد التضامن والإتحاد الإسلامي وتحقيق الأخوة الموضوعية من الأسباب الرئیسية لتأسيس الإيسيسكو.
2. وصل اجتماع الإيسيسكو الوزاري للثقافة إلى محطته الثانية عشرة، وتم عقده الأسبوع الماضي وتم التأکید فیه على المكونات والسياسات، وإطلاق القائمة وهيئة الاعتماد للتراث الثقافي للعالم الإسلامي القادرة على تعويض تقصير اليونسكو تجاه العالم الإسلامي، تعزيز الأخلاق والروحانية الإسلامية الأصيلة والعریقة من أجل عزل التكفير والتطرف بشكل أكبر، وإضافة عنصر ثقافي إلى أهداف التنمية المستدامة (ما يسمى 2030) يمكن أن يعوض بطريقة أو بأخرى عن فجواته والنقص الموجود فیه، وأکدت الأمانة على التحديث والابتكار في السياسة الثقافية للبلاد الإسلامية، وخاصة المتأثرة بتطورات العالم الافتراضي والذكاء الاصطناعي، وأكد وفد الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تعزيز التضامن العالمي لحماية المقدسات وثقافة القرآن ومركزية احتلال فلسطين كجريمة هوية ثقافية. الإيسيسكو منظمة حکومیة دولية مهمة لها نهج منفتح تجاه المنظمات غير الحكومية في العالم الإسلامي، ولهذا السبب، فهي تشکر التعاون الجاد بين المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والمجمع العالمي لأهل البيت وعضويتهما غير الرسمية في المنظمة. ومن المؤسف أن العديد من البلدان لم تستخدم ولا تستخدم قدرات هذه المنظمة بالقدر الكافي. ولعل تعزيز وتوطید العلاقة بين النظام والسياسة الثقافية للدول الإسلامية مع الإيسيسكو، وتعزيز عمل لجنتها الوطنية، خاصة في إيران، كان النتیجة الأكبر للإجتماع الثاني عشر، ولن تتحول سياسات وتطبيقات الدول وتجاربها إلى سياسة ثقافية دولية إلا في حالة التفاعل الشامل والنشط للمجالس الموضوعیة والتنفيذية وبالطبع حضور المفكرين والسیاسیین.
3. العنوان الرئیسیي للسياسة الثقافية لعالمنا الإسلامي مستمد من الآية 103 من سورة آل عمران، ولا يمكننا أن نغفل عن نعمة الأخوة العظيمة، فالأمة الإسلامية هي أبناء أبيها العطوف و الرحیم، النبي محمد المصطفى «ص» ، أفضل المخلوقات وخاتم الأنبياء. والأخوة أعظم قاسم مشترك بین شخصین. إن الإستفادة من هذه النعمة وشكرها سيكون مصدرا لزیادتها والكفر سيكون مصدرا للكراهية وزوالها.
إن النظرة الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية والحكومة المستمدة من الشعب هي التأکید علی أهمیة الثقافة في العلاقات الدولية، وقد أدت هذه السیاسة أکلها في التعاون الرسمي، وبالطبع التواصل الشعبي والنخبوي بين البلدان الإسلامية. لم یتحقق سوق مشترک في العالم الإسلامي رغم وجود مقومات کثیرة له نحو ملياري مسلم ووجود منتجات وصناعة وخدمة ثقافية ذات قواسم مشتركة قوية وحيوية، وهذا يعني أن العالم الإسلامي محروم بشکل رسمي من قدرته الاقتصادية الثقافية. رغم أنه في مجال السياحة فإن الحج والزیارة خلقا نوعا من التماسك والإنسجام والقدرات، لكن في مجال السياحة الثقافية وحتى المناسبات الدينية (مثل المهرجانات والأسابيع الثقافية والقرآنية وغيرها) کان الوضع مختلفا. لکن في مجال التآزر والتحالف الإعلامي، تفتقر الإيسيسكو إلى سجل مناسب في مجال الإعلام، وبالطبع، يمكن تحقيق العدالة الإعلامية ومواجهة الفصل العنصري في مجال الاتصالات ومواجهة تعزيز الإسلاموفوبيا بإتخاذ خطوات أکثر تأثیرا وفعالیة. ولا تزال القضیة الفلسطينیة نقطة تفاهم بین الدول الإسلامية على اختلاف رؤاها. وقدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبادرة قیمة في هذا الإجتماع، وهي الاهتمام الجدي بجائزة الأدب الفلسطیني العالمیة، التي استضافها لبنان في نسختها الأولى العام الماضي.
4. في أكتوبر 2022، وخلال اجتماع وزراء الثقافة لليونسكو الذي استضافته المكسيك، اقترحت الجمهورية الإسلامية الإیرانیة خطة استراتيجية بعنوان "تآخي المدن الحدودية للبلدان مع المدن الحدودية للبلدان المجاورة" باعتبارها نموذج للتنمية والسلام، و ينبغي إدراجه في أجندة الإيسيسكو أیضا حتى تظهر ثماره ونتائجه علی أرض الواقع وخاصة المناطق الحدودیة. ومن الضروري للدول والحكومات أن تجري حواراً صادقاً وفعالا مع جيرانها باستخدام هذا النموذج العملي السهل وأن تساعد بعضها البعض في وضع منهج لحل هذه المشكلات التي نشأت في العالم الجديد بالحفاظ علی احترام بعضها البعض. وفي هذا الصدد، نقترح تشكيل أمانة للحوار الثقافي وحوار الأديان في إطار الإيسيسكو، وتشكيل حوارات النخب الثقافية في هذا الإطار أیضا، لأنه من خلال هذه الحوارات ستزداد المعرفة بین هذه البلدان ويتم تبادل الخبرات، و المعلومات العلمية والثقافية. والجمهورية الإسلامية الإیرانیة مستعدة لاستضافة الأمانة وبدء الجولة الأولى من هذه المحادثات إذا تمت الموافقة عليها.
5. على الرغم من الإجماع العالمي، فإن التحدي والانتقادات الأكثر أهمية لدول مثل الجمهورية الإسلامية الإیرانیة لوثيقة 2030 (أهداف التنمية المستدامة المعتمدة في عام 2015) تتعلق بمجال التعليم، فنحن نؤمن بشدة بأن القيم و التنوع الثقافي والهوية والأنظمة يخلق استقلالية التعليم والتدريب في البلدان. إن مواءمة وفرض قيم بعض الدول، ولو باسم توافق 2030، في مجال التربیة والتعلیم يؤدي إلى تدمير الاستقلال الثقافي، بما في ذلك الاستقلال والهوية الثقافية للعالم الإسلامي. والمثير للإهتمام هنا أن جعل الثقافة الإسلامية أمرا أساسیا في المناهج الدراسية بجميع مراحلها ومستوياتها التعليمية؛ وترسيخ الثقافة الإسلامية الأصيلة والحفاظ على استقلال الفكر الإسلامي في مواجهة كافة أشكال الغزو الثقافي وجميع عوامل التشويه والحفاظ على المبادیء الأساسية للحضارة الإسلامية، وبالطبع حماية الهوية الإسلامية للمسلمين في الدول غیر الإسلامیة ، هو من الإهداف الرئیسیة المعلنة للإیسیسکو. لذا، ينبغي علینا في هذا الصدد أن نفكر في البرامج والسياسات التربوية والتعليمية المبنية على الهوية الإسلامية والقرآنية، وإذا تم التنسيق بين الدول الإسلامية بشکل أکبر ، يمكننا إقناع الأمم المتحدة بتسجيل الوثيقة الإسلامية الخاصة بالتربية والتنمیة البشریة (من منظور التنمية العالمية). ولا ينبغي لنا أن نفكر بشكل سلبي، بل ینبغی أن نکون أکثر إیجابیة، وطبعا بتوافق أكبر، ونقوم بنقد وثیقة 2030 نقدا بناءا ونعمل علی إصلاحها وتغییر النقاط السلبیة فیها 2030، وهذا القصور موجه لمنظمة الإيسيسكو، التي لم تتخذ أي إجراء للحفاظ علی استقلالیتها وقدرتها علی العمل بشکل أفضل. كما يجب أن تكون نظریة الجمهورية الإسلامية الإيرانية متاحة لجمیع الدول الإسلامیة.