تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
زريف الطول.. أحد أبطال المقاومة الفلسطينية (1)
ما يُبهج القلب ويُفرحه أنّ الذاكرة الفلسطينية تتوقّد وتتوهّج أكثر، كلما مرّت عليها، وبها، الأيام، فهي الخزين الوطني الذي لا ينضب، والكتاب الثقيل الوافي القارّ في كلّ بيت، والمعنى الذي يجول مثل سؤال لَغُوب كيما يصل إلى الطمأنينة المشتهاة، ولا طمأنينة ضافِيَةٍ صافية محلومة إلا بعودة البلاد الفلسطينية إلى أهلها، والحواكير إلى بيوتها، والمفاتيح إلى أبوابها، والحقول إلى مواسمها، والينابيع إلى صباياها، والدروب إلى أُنسها، والقرى إلى صباحاتها البكر، والشرفات إلى روائح قهوتها وموسيقاها، والقلوب إلى دقّاتها الملأى بالفرح والغبطة.
أقول هذا، وأنا في دهشة أو أكاد، بعد قراءتي رواية الأديب الفلسطيني وليد عبد الرحيم، الصادرة حديثاً عن دار دلمون الجديدة في دمشق، تحت عنوان "زريف الطول"، لأنها رواية يتعانق فيها البطل الشعبي والمكان المأنوس، مثلما يتعانق التاريخ ومعاني الوفاء لتصير حكايات تجري بها الألسن، وتسمر بها الليالي، ويتعالى بها نشيد الناس، والأمكنة، والأزمنة في هتاف يهز الوجدان: بلادي، بلادي!
ببراعة مدهشة حقّاً، يبتكر وليد عبد الرحيم رواية مستلّة من أسطورة بطل شعبي اسمه "زريف الطول"؛ أسطورة وطّدها وحفظها الغناء الشعبي في الأفراح والأتراح معاً، حتّى قرّت في التقاليد الفلسطينية، التي من فطرتها عشق الأرض، والجمال، والخير، والمعاني الفضيلة إلى تدوين الحياة الفلسطينية التي زهت بالعمران، والكتب، والقراءات التّامة!
قرن كامل من الشِّدّة، التي عرفتها البلاد الفلسطينية، هو القرن العشرون! قرن كامل طفح بظلمات لم تعرفها الأرض والتواريخ والبشر من قبل. قرن اكتوت به القرى والمدن الفلسطينية التي عرفت المجازر والمذابح والسجون والمعتقلات والمطاردة لكلّ شيء، للأطفال، والدروب، والبيوت، والأفكار، والحقول، ودُور العبادة، وهدأة الناس، والعافية، والنشور، والفرح، والضحك، مطاردة للحق، بطيوفه كلها. قرن من الشِّدّة استوجب ميلاد البطل الشعبي "زريف الطول"، مثلما استولدت الشِّدّة الأبطال الشعبيين الذين عرفتهم البشرية، من عنترة بن شداد إلى روبن هود!
يتبع...