نظرة على دور العشائر العربية والنساء والشباب في الحرب
محافظة خوزستان والبطولات الخالدة
البطولات الخالدة والملاحم التاريخية التي سجلها تاريخ الحرب الصدامية ضد الجمهورية الإسلامية ستبقى خالدة مخلدة في ذاكرة الشعب الايراني العظيم حيث ساهم أهالي محافظة خوزستان مساهمة كبيرة مما حققت انتصارات باهرة على النظام البعثي البائد.
محافظة خوزستان سجلت اروع الملاحم طيلة فتره الحرب التي استمرت 8 سنوات اذ أن كل الاطياف الموجودة في المحافظة هبت للمشاركة في سوح القتال ضد الجيش الصدامي المعتدي. المحافظة كانت تعتبر الخط الامامي في مواجهة العدو الصدامي وابناء هذه المحافظة ضحوا من اجل تحرير المدن التي احتلها الجيش العراقي في بداية الحرب مثل خرمشهر وسوسنجرد والهويزة والبستان.
الجيش العراقي استخدم كل اجهزته الحربية لإركاع اهالي المحافظة بكل اطيافها ولكنها أبت أن تستسلم امام الآلة الحربية الصدامية وفي النهاية النصر كان حليفاً لأهالي المحافظة. في بداية الحرب كرّس النظام الصدامي اكبر قدر من قواته البرية لإحتلال محافظة خوزستان حيث قدر عدد الفرق المشاركة في بداية الحرب ضد اهالي محافظة خوزستان الى 12 فرقة مدرعة ومشاة.
ثمة شباب في مقتبل العمر كانوا قد سجلوا ملاحم بطولية وواجهوا باجسامهم الدبابات الصدامية وخلال احتلال مدينة خرمشهر تم قتل اكثر من 7 آلاف من قوات المغاوير الصدامية في اقل من 34 يوما في مدينة خرمشهر وحدها. كانت الحرب مستعرة عام 1982 حينما قام ابطال الجمهورية الاسلامية بتطويق مدينة خرمشهر ومحاصرة اكثر من 6 فرق مشاة عراقية وأسر اكثر من 20 الفا من قوات صدام.
وكان تحرير مدينة خرمشهر الباسلة في حزيران عام 1982 ذروة انتصارات القوات الايرانية ضد الجيش الصدامي حيث تفكيك وانهيار الجيش العراقي كان واضحاً في تلك الحقبة. تحرير مدينة خرمشهر كان بداية لنهاية حكم صدام اذ ان انهيار النظام العراقي من الداخل بدأ يظهر على السطح لأن القوات المسلحة الايرانية استطاعت ان تلملم جراحها لتشكيل جبهة قوية واسعة ضد النظام الصدامي .
خوزستان واجهة للمقاومة الإيرانية
عندما بدأت الحرب المفروضة علی البلاد، فجأة أصبحت محافظة خوزستان واجهة لمقاومة الشعب الايراني، التي لم يمر عليه سوى عامين على ثورتهم الإسلامية وما زالوا يعززون حركتهم الوليدة، لكنهم لم يفشلوا في مواجهة العدو الصدامي، الذي کان مدعوما من قبل دول الاستکبار العالمي دعماً مادیاً وعسکریاً ولوجیستیاً.
عندما عبرت فرق الموت التابعة للنظام البعثي العراقي حدود إيران في مدینة خرمشهر في 31 من شهر شهریور عام 1359 ودخلت الأراضي الإيرانية، لم يُسمح لأحد بالبقاء صامتاً، حیث قاوم هذا العدو المعتدي بكل ما يملك، وكان ذلك في الأيام التي لم يمر فيها سوى عامين على الثورة الإسلامية في إيران وكانت الحكومة الإيرانية الوليدة تعزز أسسها، لكن لم يفشل ولن یتراجع أحد من الشعب الإيراني قید أنملة في مواجهة العدو المعتدي وفجأة أصبحت محافظة خوزستان واجهة للمقاومة في إیران.
في الــ31 من شهريور عام 1359، بدأ النظام البعثي في العراق حربا واسعة النطاق ضد إيران الإسلامية، بقراره وخطته السابقين وبهدف الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية.حیث ظهر صدام حسين أمام الكاميرات وأعلن بدء غزو النظام البعثي لإيران.
وفرضت حرب غير متكافئة على إيران في وضع كانت تتعرض فيه لضغوط شديدة من غطرسة العالم، وخاصة الولايات المتحدة، وداخل البلاد كانت الفصائل التابعة للغرب والشرق تحاول إضعاف النظام من خلال خلق الدعاية، والصراعات العسكرية. ولم تكن القوات العسكرية قد استكملت بعد عملية إعادة الإعمار والتنظيم بشكل كامل.
عندما بدأت الحرب المفروضة، بدأ الناس في المقاومة، وكان هناك فتيان في مدینتي خرمشهر وآبادان أصبحوا جنوداً بين عشية وضحاها، وأخذوا الأسلحة وقاوموا العدو البعثي بشجاعة لا مثیل لها. ولعل من معجزات الحرب المفروضة أن آلة حرب الجیش البعثي العراقي، التي كانت تسمى في تلك الأيام الجيش الأكثر تجهيزا في الشرق الأوسط، أمام مقاومة الشعب الذي لم يكن في أيديه حتى الأسلحة المناسبة، لن یتمکن من العبور والدخول في المدینة لعدة أيام ولم تتح له إمکانیة الاستيلاء على خرمشهر، بينما كان من المتوقع بحسب إعلانه أن يستولي على خوزستان بأكملها في غضون أيام قليلة.
وبعد تشكيل الوحدة والتماسك بين القوى الثورية، تشكّلت ملحمة مقدسة، لم يسبق لها مثيل في تاريخ إيران الإسلامية. ملحمة الدفاع المقدس التي جلبت البركات والإنجازات التي لا نهاية لها للأمة الإيرانية. إن جهاد واستشهاد أبناء الشعب الإیراني المؤمنين والمخلصين في هذه الأرض عزز أركان النظام الإسلامي في البلاد.
وتقام في محافظة خوزستان بالتزامن مع سائر محافظات الجمهورية الاسلامية الإيرانية فعاليات الأسبوع المقدس، للاحتفاء بذاكرة تلك الحرب المفروضة التي شنها النظام الصدامي عليها.
وتشهد محافظة خوزستان فعالیت ونشاطات متنوعة بمناسبة اسبوع الدفاع المقدس، توثق فترة الحرب التي فرضها نظام صدام على البلاد في ثمانينيات القرن الماضي.
أسبوع الدفاع المقدس اسبوع لتمجيد قيم الإيمان والصبر والشهادة والبطولة وتخليد ذكرى الشهداء كي تعي الأجيال الشابة اكتشاف رموز الثورة الخالدة، الذي تتميز به الثورة الإسلامية الإيرانية.
العشائر العربیة ودورها في الحرب المفروضة
لم يكن في حسبان النظام الصدامي البائد ان يواجه مقاومة شرسه وبطولية من قبل العشائر العربية في خوزستان في بداية هجومه على الجمهورية الاسلامية في شهر ايلول عام 1980. كانت محافظة خوزستان الولائية في صلب توجهات النظام الصدامي باعتبارها تتكون من نسيج عشائري ذات اغلبية عربية ولهذا السبب كان تركيز النظام العراقي السابق على هذه المحافظة.
كانت المحافظة انذاك متفاعلة مع الثورة الاسلامية الفتية بحيث أن شرائح واسعة من سكان المحافظة تتكون من العشائر العربية ذهبت إلى طهران وأعلنت الولاء والطاعة إلى قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني (رض). وكان خطاب الامام الراحل في بداية انتصار الثورة مُنصَب على ضرورة الحفاظ على التماسك الاجتماعي والابتعاد عن الخلافات الشكلية والمذهبية والطائفية والتركيز على الوحدة الاسلامية. ولم يكن النظام البعثي البائد يدرك ان ولاء العشائر العربية في خوزستان الى الثورة الاسلامية ودفاعهم المستميت عن ثقافة اهل البيت عليهم السلام هو ولاء مطلق لا يتاثر بالعوامل الخارجية ولا ينطلق من نظرة قومية.
وكانت ارهاصات الحرب الصدامية توحي بأن هناك شيئا ما سوف يحدث في المنطقة وخاصة بين ايران والعراق اذ ان النظام الصدامي بات يحشد قواته العسكرية على الحدود المتاخمة مع محافظة خوزستان. ولكن رغم وجود عدم تكافؤ في القوى بين ايران والعراق آنذاك بسبب انشغال عامة الناس بالثورة الاسلامية التي كانت تطارد فلول النظام الملكي السابق فان عيون ابناء العشائر العربية في خوزستان ساهرة لصد اي عدوان خارجي.
الحرب بدأت بشن غارات جوية مكثفة من قبل الطائرات الصدامية على مطارات محافظة خوزستان ولكن العشائر العربية لملمت جراحها وهبت الى الحدود للتصدي إلى جيش النظام البعثي الصدامي. فكان في بداية الحرب العراقية النظام يعزف على وتر القومية العربية بغية ايجاد فجوة بين العشائر العربية في خوزستان وباقي الطوائف الموجودة في هذه المحافظة ذات الخليط السكاني المتنوع.
فالعشائر شكلت مجموعات قتالية لصد العدوان الصدامي ابتداء من مدينة سوسنجرد "الخفاجية" إلى خرمشهر والهويزة حتى مدينة آبادان الباسلة حيث خاضت معركة ضارية مع القوات البعثية. وكانت المقاومة العشائرية قد استمرت في معركتها ضد العدو البعثي المجرم حتى نهاية الحرب عام 1988 وسجّلت بطولات خالدة في سجل تاريخ الحرب العراقية ضد ايران.
وبعد هذا الصمود والمقاومة الباسلة استخدم النظام الصدامي سياسة قصف المدن وقتل الناس الأبرياء في ارجاء المدن التابعة لمحافظة خوزستان سيما المدن المكتظة بالسكان. ورغم عدد الشهداء المتزايد اثر القصف الصاروخي فإن العشائر العربية باتت حتى اخر ايام الحرب الصدامية متماسكه وصامدة في وجه العدوان البعثي ولم تحيد عن مبادىء الثورة الاسلامية.
بطولات المرأة الخوزستانية في الحرب المفروضة
افرزت الحرب الصدامية ضد الجمهورية الاسلامية الایرانیة والتي استمرت 8 سنوات بطولات تجلى فيها دور المرأة الخوزستانية بكل ابعادها باعتبارها شريكة مع الرجل في كل جنبات الحياة.
كانت النمراءة في خوزستان قد ادركت مفهوم الدفاع المقدس ضد العدو الغاشم لانها ترى ان دور المرأة لا يجب ان يختصر على ان تكون ربة بيت فحسب بل يجب عليها ان تدافع عن القيم الدينية بكل تجلياتها. مدينة خرمشهر أيقونة حقيقية لأن تكون هذه المدينة الباسلة ذات الخليط السكاني العربي والفارسي خندقاً يتمرس فيه نساء ورجال بغض النظر عن هويتهم الطائفية.
في بداية الغزو الصدامي المدينة قد شهدت هبة جماهيرية شارك فيها كل اهالي خرمشهر حيث المقاومة المدنية الباسلة والصمود الرائع جعل اربع فرق مشاة ومدرعة تابعة للجيش الصدامي ان تتكبد خسائر هائلة دفعت الدكتاتور العراقي المعدوم صدام حسين ان يعيد حساباته في احتلال محافظة خوزستان.
كان الدكتاتور المعدوم ارتأى ان يحتل محافظة خوزستان خلال اسبوع ويضمها الى العراق كما فعل مع دولة الكويت لاحقا ولكن ما حدث من صمود ومقاومة شعبية في مدينة خرمشهر دفعت صدام ان يتراجع عن قراراته المتسرعة في غزوه محافظة خوزستان من الجنوب
الى الشمال.
كانت المرأة قبل سقوط مدينة خرمشهر بعد 34 يوما من الحرب الضروس قد وقفت الى جانب ابطال المقاومة الشعبية وحققت انتصارات باهرة وملحمية ضد الجيش الصدامي . في خوزستان سواء في خرمشهر او ابادان اوسوسنجرد تلك المدن التي تعرضت بشكل مباشر الى هجوم الجيش الصدامي كان دور المرأة في تحفيز روح الصمود للرجال والمشاركة في القتال واضحا وجليا.
وخير دليل على ذلك وجود مئات الشهداء بين النساء في محافظة خوزستان سجلن ملاحم بطولية ودافعن دفاع الابطال في صد الغزو الصدامي للمدن المتاخمة للحدود العراقية في خوزستان.
وقد انقسمت النساء ابان فترة الحرب الى ثلاثة محاور منها المشاركة في القتال الى جانب الرجال بشكل مباشر وتقديم الدعم اللوجستي الى المقاتلين في سوح القتال و ارسال المساعدات الطبية من خلف الجبهات الى الجنود المرابطين على جبهات الحرب في محافظة خوزستان.
وكان مؤسس الجمهورية الاسلامية الامام الخميني "قدس" قد أشار مراراً وتكراراً في خطاباته الى دور المرأة الخوزستانية في جبهات الحرب واشاد ببطولاتهن طيلة فترة الحرب الصدامية.
واليوم وبعد مرور 35 عاما على انتهاء الحرب ضد الشعب الايراني خاصة تلك الشريحة التي واكبت احداث الحرب تستذكر بطولات المرأة الخوزستانية التي ناضلت بكل بسالة وحققت انتصارات ضد العدو الصدامي.
الشباب في خوزستان والدفاع المقدس
لا يمكن تجاهل دور الشباب في خوزستان ابان فترة الحرب الصدامية ضد الجمهورية الاسلامية"1980- 1988" حيث للشباب مساهمة رئيسية في تحقيق كل الانتصارات التي شهدتها فترة الحرب . لم تكن الحرب وحدها هي التي صقلت مواهب الشباب في خوزستان بل السنوات الماضية اثبتت بان الشريحة الشبابية في خوزستان هي التي ساهمت بشكل فاعل في اعادة بناء المدن المحررة في خوزستان.
وبما ان لم يكن هنالك احصائيات ميدانية في ما يتعلق بعدد الشبان في محافظة خوزستان الذين تطوعوا للمشاركة في الحرب ولكن التقارير تشير الى نسبتهم اكثر من 95 بالمائة ممن شاركوا في القتال هم من الشريحة الشبابية.
محافطة خوزستان أبلت بلاء حسنا في ما يتعلق بصد العدوان الصدامي وكان شباب خوزستان هم في طليعة المشاركين في ميادين القتال مما انهكوا الجيش الصدامي من خلال تصديهم للقوات العراقية التي هاجمت محافظة خوزستان بشكل مباشر.
فالشريحة الشبابية في خوزستان قامت بتضحيات جسيمة للذود عن حياض الوطن والدفاع عن انجازات الثورة الاسلامية حيث جل قادة قوات التعبيئة في خوزستان هم من الشريحة الشبابية الذين لا يتجاوز اعمارهم الـ 25 عاما. فبعد سقوط النظام الصدامي البائد عام 2003 قام غالبية جنرالات الجيش الصدامي آنذاك بنشر مذكراتهم وكل تلك المذاكرات كانت قد اشارت الى بطولات الشباب الايراني في محافظة خوزستان ابان فترة الحرب.
وجاء في بعض المذكرات ان خلال الحرب وبالتحديد بعد تحرير مدينة خرمشهر اشتكى معظم جنرالات الجيش الصدامي من اندفاع شباب خوزستان للقتال والقيام بعمليات واسعة على ارض المعركة. وبسبب هذه البطولات واندفاع الشباب في خوزستان لتحقيق المزيد من الانتصارات استخدم النظام الصدامي الاسلحة الكيمياوية ضد قوات التعبيئة ولكن الهزيمة كانت تلاحق الجيش الصدامي رغم استخدامة شتى صنوف الاسلحة الفتاكة في جبهات القتال. وكل المعطيات الميدانية تشير الى ان الشباب في خوزستان وبالذات الشريحة العربية ومنهم على سبيل المثال اللواء الشهيد علي هاشمي قد تبوأوا مناصب قيادية في قوات الحرس الثوري.
ومما يدل على ذلك وجود عدد كبير من الشهداء الذين ضحوا بانفسهم من اجل دحر القوات الصدامية وهم غالبا من الشريحة الشبابية حيث تطوعوا للقتال دفاعا عن الجمهورية الاسلامية.