فنون تربوية تساعد الاب في النجاح بتربية أبنائه
الوفاق/ خاص
إبراهيم الكحلاني
ابنك وابنتك هما هبة ومنحة إلهية لك، وهدية أهداها إياك سبحانه وتعالى، فقال جل شأنه: (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور).
ويقول سبحانه وتعالى: (ونكتب ما قدموا وآثارهم)، لن يتوقف عدّاد حسناتك عند الله، ولن تغلق وتتوقف صحيفة أعمالك على ما قدمت أنت وحسب، بل سيظل عدّاد حسناتك وثوابك مستمراً طالما تركت أثراً مفيداً للآخرين يستفيدون منه، ولا أكبر أثر لك تتركه من بعدك كولدك، فهو أثرك الباقي والممتد.
فولدك يعتبر كنزك الثمين ورأس مالك الأغلى، والتاجر الذكي هو من يحسن استثمار ما بين يديه من رأس مال، وهو أيضاً من يحرص على استخدام واختيار أفضل وأرقى فنون التربية تلك حتى يُخرِج للمجتمع أروع وأنصع أنموذج يمثله ويرفع رأسه بين الناس ويفيد كل المجتمع من حوله.
وعليه إليك بعض فنون التربية التي ستساعدك في النجاح بالقيام بمهامك ومسؤولياتك في تربية أبنائك:-
الفن الأول في التربية: فن التغافل
حتى تأسر ولدك كن متغابياً لا غبياً، فالمتغابي هو ذلك الشخص الذي يدري بالشيء، لكن يعمل نفسه أنه لا يدري. وهذا أرقى فنون التربية والتأثير في الآخرين بشكل عام وفي الأبناء بشكل خاص.
وحتى تكتسب تلك المهارة وذلك الفن، تعامل مع أول تصرف غير لائق أو تصرفين غير لائقين تصدر من ولدك بأسلوب المتغافل المتغابي، لا بأسلوب الغبي المتفاعل، لأنك بذلك تربح أمرين اثنين:
- الأول: تتيح له فرصة جديدة لتعديل سلوكه، مع احتفاظه بكرامته أمامك.
- الثاني: تكون أمامه معذوراً إذا اضطررت لمعاقبته في حال تكراره لذلك التصرف غير اللائق مرة أخرى. وما أجمل ما قاله رسول الله(ص) في ذلك بقوله: «رحم الله من أعان ولده على بره، فقال أحدهم: كيف يعينه على بره؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به».
الفن الثاني من فنون التربية: فن الرحمة
حوار سريع دار بين أب مع ابنه، كان كالآتي:
- الأب: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر.
- الابن: ولكن يا أبتي ربما إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ستصيبي المتاعب وتنهال علي المشاكل من كل مكان، قد أُضرب وقد أُقتل وقد وقد..
- الأب: لا مشكلة يا ولدي.. اصبر على ما أصابك.
إجابة غير متوقعة بتاتاً من أب رحيم..
لكن إذا تأملنا قليلاً في إجابة ذلك الأب لوجدناها فعلاً هي الرحمة الحقيقية في أعلى درجاتها وأنقى صورها، لماذا؟
تخيلوا لو أجاب الأب على ولده بالإجابة التي كنا نتوقعها منه كأب رحيم بمقاييسنا نحن، وقام بمنعه من التحرك، خوفاً عليه مما سيلاقيه من أخطار ومتاعب، أتدرون ما الذي كان سيحدث؟
لجاء ذلك الأب في ذلك اليوم الموعود ولوَّد وتمنى أن يرمي ولده ذلك في قعر جهنم وينجو هو بنفسه، (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه).
عجيب أمر هذا الأب الرحيم والخائف على ولده والحريص عليه، أين ذهبت كل رحمته تلك على ولده عندما كان يخاف عليه من أبسط الأشياء كأشعة الشمس والشوكة التي سيدوسها ولده والتي جعلته يمنع ولده من خوض غمار الحياة ..... تبخرت كلها، إنها الرحمة المزيفة.
فبدلاً من أن تصل بك الرحمة المزيفة في الدنيا إلى أن ترمي بولدك هناك في جهنم، ارمه الآن هنا في الدنيا لتنجيا معاً.
لذلك لا ضير عليَّ فسأجعل ولدي يعاني هنا في الدنيا أياماً قليلة، أفضل لي بكثير وكثير من أن أجعله يعاني هناك في الآخرة أياماً لا نهاية لها.
بل سأشجعه على ذلك وسأطمئنه مثلما أشجعه وأطمئنه على إجراء عملية له حتى ولو كانت تحتاج لشق صدره أو دماغه، فلن يشكك أحد من الناس عندها برحمتي الحقيقية بولدي.
ولذلك عندما يقف كل من الأب والأم حاجزاً منيعاً بين ولدهما وبين مواجهته للأخطار والتحديات من باب رحمتهما به وخوفهما عليه، فإنهما بذلك التصرف والقرار يُخرجان للدنيا وللمجتمع إنساناً هزيلاً ضعيفاً مدللاً يسقط وينهار أمام أبسط المطبات والمشاكل.
ولهذا فالقاعدة الذهبية لك أيها الأب الرحيم، وأيتها الأم الرحيمة التي يجب عليكما أن تجعلاها شعاراً لكما وتعملا بها عندما ينتابكما الشعور بالخوف على ولدكما في مواجهة أئمة الباطل وشرهم هي: رميه وسط تلك المشكلات ولا تخافا ولا تحزنا..
(فإذا خفت عليه فألقيه)، فلو ترددت وامتنعت تلك الأم عن إلقاء ولدها لهلك وهلكت معه.
وما أجمل وأقوى كلمات الأب الرحيم والعظيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لولده، عندما قال له: «تزول الجبال ولا تزل، عضّ على ناجذك، أعرِ الله جمجمتك، تِدْ في الأرض قدمك، ارمِ ببصرك أقصى القوم، وغض بصرك، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه».
الفن الثالث من فنون التربية: فن الرقابة
كن أباً ذكياً ولا تراقب ولدك، واحترم خصوصيته..
يعتقد أغلب الآباء والأمهات أنهم بمراقبتهم الشخصية والدائمة لأبنائهم أنهم في الطريق الصحيح في التربية السليمة لأبنائهم، ولا يعلمون أنهم بذلك إنما يزيدون من حجم الهوة والفجوة في علاقتهم معهم.
تأمل كثيراً في أسلوب ذلك الأب الحكيم والذكي، والذي اسمه لقمان في تعامله الراقي مع ابنه.
لقمان أب ذكي للغاية فهو يعرف تماماً أن رقابته الدائمة لولده هي نوع من أنواع الفضول والتطفل، حتى ولو كانت من الأب نفسه أو الأم نفسها، وأنها لن تجدي نفعاً بل ستجعل علاقته مع ولده علاقة أكثر توتراً وعناداً، وأن هناك من الطرق ما هو أفضل وأجدى من ذلك.
لقمان الحكيم الذكي التفت إلى أمر نسيه ولم يلتفت إليه أغلب الآباء والأمهات وهو أنه إذا كان معه طريقة لمراقبة تلفون ابنه أو أي شيء من خصوصيات ابنه فإن ابنه يمتلك ألف طريقة وطريقة في تفادي تلك الرقابة والهروب منها بكل سهولة وبساطة لا سيما الأبناء والشباب في عصرنا هذا فهم يفوقون أباءهم وأمهاتهم بآلاف المراحل في الذكاء الاجتماعي والتكنولوجي.
لذلك عمد الأب الحكيم الذكي لقمان إلى إيكال تلك المهمة الصعبة والمستحيلة لمن يعلم السر وأخفى، فقام بشد ابنه إلى الخوف من الله لا منه، وزرع استشعار الرقابة الإلهية الدائمة في نفس ولده بدل الرقابة الأبوية المؤقتة.
فخاطبه قائلاً: يا بني إنها إن تكن المعصية التي ستقوم بها بسيطة وصغيرة جداً ولو بمثقال ووزن حبة خردل، (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل)، كنظرة حرام أو اختلاس ألف ريال أو أو... إلخ، وتقوم بارتكابها وأنت مختبئاً داخل صخرة، (فتكن في صخرة)، أو هارباً بعيداً عن أنظار الناس في مكان بعيد كبُعد السماوات أو الأرض، (أو في السموات أو في الأرض)، فإن النتيجة هي: (يأتِ بها الله).
فأراح الأب الذكي نفسه وقام بشد ابنه لمن يستحق الحذر منه، لأنه يعرف أن رقابته مؤقتة ومحدودة ورقابة الله دائمة ومحيطة بكل شيء.