في ظل الشراكات الإستراتيجية بين الطرفين
كيف يؤثر الركود الإقتصادي الصيني على الشرق الأوسط؟
الوفاق/في بداية عام 2023، كانت التوقعات مرتفعة بشأن استئناف الصين للنمو السريع في نفقات المستهلكين والناتج المحلي الإجمالي بعد رفع القيود الصارمة المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، فإن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد شهد ركودًا منذ ذلك الحين. ولا يعني تعثر الاقتصاد الصيني في التعافي من الركود بعد الجائحة بالضرورة أن نموذج النمو الصيني على مدار العقدين الماضيين قد وصل إلى حدوده، ولا يعني أن "القرن الصيني" قد ينتهي قبل أن يبدأ ومع ذلك، فإن الاقتصاد الصيني المريض يمثل مشكلة ليس فقط بالنسبة للصين ولكن للعالم أجمع،و حول هذا الأمر نشر موقع "سياق" تحليلاً ناقش فيه كيف من الممكن أن يؤثر الوضع الإقتصادي الحالي في الصين على الشرق الأوسط.
الانتعاش الاقتصادي المتعثر
يواجه اقتصاد الصين البالغ 18 تريليون دولار صعوبات. فقد تباطأ الاقتصاد بشكل كبير في الربع الأول من عام 2023، مخيبًا الآمال بشأن استعادة النمو بعد رفع القيود الصارمة المفروضة بسبب الجائحة. وانخفض النشاط الصناعي المحلي للشهر الخامس على التوالي في شهر أغسطس. كما ضعف نمو قطاع الخدمات وهو المصدر الرئيسي لفرص العمل. ينفق المستهلكون الصينيون أقل ويمارسون ضغطًا تنازليًا كبيرًا على أسعار السلع والخدمات مما أثار مخاوف عميقة بشأن حالة الاقتصاد الصيني. وفي خضم تفاقم الاستياء في سوق العقارات الصينية – وسط المشاكل المالية والإنشائية وثروة الأسر – فشل أكبر مطور عقاري في البلاد، شركة كانتري جاردن، في سداد سنداته وقدر أنها تكبدت خسائر تصل إلى 7.6 مليار دولار في النصف الأول من العام. أثارت أزمة العقارات والإسكان المعقدة مخاوف من انتشار المخاطر. وتملك شركة كانتري جاردن 200 مليار دولار من السندات غير المسددة. وبالإضافة إلى مواجهة اقتصاد ضعيف وبيع الأصول، يتعين على حكومة الرئيس شي جين بينغ التعامل مع القطاع المصرفي المعقد للغاية والمثقل بالديون في الصين. وتضيف إلى هذه المشاكل تراجع التجارة العالمية الذي عمّق تحديات النمو الصيني. فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الغربية لكبح التضخم جنبًا إلى جنب مع تراجع الطلب الاستهلاكي في الأسواق المتقدمة، إلى تقليص الصادرات الصينية فيما وصل سعر صرف اليوان مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له في 16 عامًا. وفي الوقت نفسه، كان الانتعاش المدفوع بالمستهلك الصيني ضحلاً وقصير المدى. حيث أدى تخلف سوق العمل ونمو الدخل المتاح الأبطأ، إلى تقليص الثقة العامة في الوضع الاقتصادي مما أسفر عن معدلات ادخار احترازية مرتفعة، وتباطؤ وتيرة البيع بالتجزئة، وانخفاض حاد في الواردات. ووصلت الاستثمارات الأجنبية الجديدة في الصين إلى أدنى مستوى لها في 25 عامًا في الربع الثاني من عام 2023، حيث قل المستثمرون الأجانب في خضم عدم اليقين الاقتصادي في البلاد وتصاعد التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة وبالتالي، هناك مخاوف أيضًا بشأن التكاليف وسلاسل التوريد.
وساهم انخفاض شفافية التقارير من بكين حول البيانات الاقتصادية الأساسية في تقويض الثقة في مسار النمو الاقتصادي الصيني. فعلى سبيل المثال، بعد وصول معدل البطالة إلى 21.3٪ في يونيو الماضي، أعلنت الصين في أوائل أغسطس/اب أنها ستوقف نشر أرقام البطالة بين الشباب. وهو جزء من نمط طمس بيانات اقتصادية سلبية في الصين. وفي فبراير /شباط الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن استمرار التعافي يتطلب دعمًا ماليًا ونقديًا بالإضافة إلى إصلاحات هيكلية سريعة. وعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين اتخذوا مؤخرًا إجراءات لتحفيز اقتصاد بلادهم، إلا أن جهودهم حتى الآن كانت في الغالب عبارة عن مجموعة من الالتزامات والتوجيهات السياسية التي تستهدف قطاعات محددة أو تهدف إلى طمأنة المستثمرين، والتي يفتقر البعض منها إلى التفاصيل المحددة. ففي يونيو/ايار خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي. ولكن يبدو أن صانعي السياسات الصينيين غير راغبين في تقديم حزمة تحفيزية أقوى لزيادة الإنفاق.
على الرغم من ضعف النمو العالمي، تجاوزت الصين رياح الركود الاقتصادية بمزيج من السياسات الفعالة. ومع ذلك، يبدو أن الشركات والمستثمرين الأجانب لديهم وجهات نظر مختلفة. وانعكاسًا لعدم اليقين بشأن المسار الاقتصادي قصير الأجل للصين، فخفضت مجموعة من البنوك المتمركزة في وول ستريت توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني لعام 2023. ووفقًا لتقرير هذه البنوك، فقد تدهورت الصورة الاقتصادية الصينية بشكل كبير.
مسار النمو الاقتصادي الصيني والشرق الأوسط
يُعد النمو الاقتصادي البطيء في الصين تحديًا للنمو العالمي. فقد توقع صندوق النقد الدولي سابقًا أن تساهم الصين بنحو 35٪ من النمو العالمي في العام الجاري، إلا أن هذا يبدو أمرًا غير مرجح للغاية الآن. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن تأثير الاقتصاد الصيني المتباطئ سيختلف باختلاف كل بلد ومنطقة. وسيعتمد تأثير ذلك على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على عوامل مختلفة بما في ذلك شدة ومدة الركود الاقتصادي الصيني، وعلاقات التجارة والاستثمار المحددة بين الصين وكل بلد في الشرق الأوسط والمرونة الإجمالية للمنطقة. ومع ذلك، يمكن تقديم بعض الملاحظات العامة حول كيفية تأثير بطء النمو الاقتصادي الصيني حاليًا على العلاقات الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط في مجالات التجارة والتفاعل في إطار مبادرة الحزام والطريق.
تأثير انخفاض الطلب الصيني على النفط
الصين شريك تجاري رائد لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بين المصادر الثلاث الرئيسية للواردات بالنسبة لهم جميعًا. يلعب الطلب الصيني على الهيدروكربونات دورًا أساسيًا في العلاقات التجارية بين الصين والشرق الأوسط. فالصين ظلت دائمًا واحدة من الوجهات الرئيسية لصادرات النفط الخام من الشرق الأوسط. وتقوم المملكة العربية السعودية بتصدير المزيد من نفطها الخام إلى الصين مقارنة بأي بلد آخر. كما تعد الصين سوقًا رئيسية لصادرات النفط الخام من العراق وإيران وعُمان والإمارات والكويت، فضلاً عن صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر. وشهد الطلب الصيني على النفط تحسنًا كبيرًا في النصف الأول من عام 2023. ومع ذلك، بينما أشارت أرقام الواردات الأولية للنفط الخام إلى قوة الطلب على النفط، إلا أن معظم هذا الإمداد تم تخزينه بدلاً من تحويله إلى بنزين ووقود الديزل. فقد قامت مصافي النفط الصينية بقيادة شركتي سينوبك (Sinopec) وبتروتشاينا (PetroChina) ببناء مخزون احتياطي هائل من خلال الاستفادة من طاقتها التخزينية. كما كانت الصين مؤخرًا تبحث عن موردين أصغر مثل البرازيل وإيران لضمان شحنات أرخص، في مواجهة أسعار أعلى من قبل الموردين الرئيسيين وهم المملكة العربية السعودية وروسيا.
قد تكبح بيانات اقتصادية أضعف من المتوقع في الأشهر المقبلة نمو الطلب على النفط والغاز من الصين. ويتوقع المحللون أن تستمر واردات النفط الخام السعودية في مسار تنازلي طفيف حتى الربع الثالث من عام 2023. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يشهد نمو الطلب في الصين انخفاضًا كبيرًا من عام 2024 فصاعدًا. بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تعد الصين وجهة رئيسية لصادراتها من النفط الخام، لا يمكن اعتبار هذه التوقعات أخبارًا مبشرة، فانخفاض أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب الصيني أو ظروف أخرى غير مواتية، يمكن أن يعطل قدرة الحكومة السعودية على توازن ميزانيتها وتمويل مشاريعها الضخمة.
آفاق مشرقة في واردات الشرق الأوسط من الصين
تعاني العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عجز تجاري مع الصين. وحتى في مصر، التي شهدت صادراتها إلى الصين ارتفاعًا مؤخرًا، إلا أن حجمها تراجع بسبب تدفق السلع في الاتجاه المعاكس. وإلى درجات متفاوتة، في أماكن أخرى، سواء في المغرب العربي وبلاد الشام أو تركيا أو الخليج الفارسي. وفي الحالات التي مكّنت فيها صادرات النفط والغاز إلى الصين المنتجين في الشرق الأوسط من تحقيق فائض تجاري (مثل العراق والكويت وعُمان وقطر والسعودية)، تشكل السلع الصينية جزءًا كبيرًا من وارداتهم وتغطي مجموعة واسعة من المنتجات.
وفي الواقع، تتجه حصة متزايدة من صادرات الصين نحو الأسواق الناشئة بما في ذلك الشرق الأوسط. قد يساعد انخفاض الأسعار في الصين على تخفيف الضغوط التضخمية حيث تصبح صادراتها أرخص. لقد حققت الصين نجاحات كبيرة في تصدير السيارات الكهربائية الرخيصة والهواتف الذكية. ومع ضعف الطلب الاستهلاكي داخل البلاد، من المرجح أن يشعر مصنعو السيارات الكهربائية الصينية بحاجة ملحة متزايدة للتوسع خارج البلاد. قد يجعل انخفاض التكاليف في الصين الطرازات الصينية أكثر تنافسية وخيارات ميسورة التكلفة في الشرق الأوسط وكذلك الأسواق الناشئة ذات النمو الهائل.
التفاعل في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية
حتى قبل الركود الاقتصادي الصيني، كان عدد وقيمة المشاريع الخارجية الجديدة الموقعة في البلدان الشريكة في هذه المبادرة قد انخفضا. وبعد عقد من الإقراض والاستثمار الواسع النطاق، تعرّضت مبادرة الحزام والطريق لضغوط لأن العديد من البلدان الشريكة واجهت مشاكل مالية. وردًا على ذلك، قلل المقرضون الصينيون من تدفقات القروض الخارجية الجديدة إلى البلدان النامية، وتفاوضوا حول عشرات إعادات هيكلة الديون الحكومية. كما تطلب رد فعل بكين تحولاً من مشاريع البنية التحتية الضخمة. وفي عام 2021، استثنت دول الشرق الأوسط من هذه الاتجاهات، مع زيادة كبيرة في الاستثمارات الصينية في المنطقة في إطار هذه المبادرة. توقفت أعداد قليلة جدًا من مشاريع المبادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونتيجة للركود الاقتصادي المحلي، سعت الصين لممارسة رقابة أكثر مركزية على مبادرة الحزام والطريق، والتركيز على إكمال المشاريع الجارية، والتحول من المشاريع البنية التحتية الضخمة إلى البنية التحتية الرقمية. ولم تستفد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالكامل بعد من الفرص والمنافع المتبادلة التي تقدمها الطريق الحرير الرقمية الصينية، وهي الجانب المتعلق بتكنولوجيا المعلومات من مبادرة الحزام والطريق، والتي لا تزال في مراحلها الأولى.
لم تقلل المشاكل الاقتصادية المحلية في الصين من طموحاتها، فعلى مدار العام الماضي، عززت بكين جهودها على جبهات مختلفة لتعزيز العلاقات مع بلدان الجنوب العالمي بما في ذلك دول الشرق الأوسط وكسب دعمها. فالزيارة التاريخية للرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي وكذلك مؤتمر الاستثمار في الرياض الذي عُقد في يونيو، أكدا على أهمية تعزيز العلاقات بالنسبة لبكين وشركائها الإقليميين، حتى مع تفاقم المخاوف بشأن النمو الاقتصادي المستقبلي للصين.نسنتنج مما سبق أن الاقتصاد الصيني يواجه "رياحًا معاكسة" وقد ينتشر هذا المرض عالميًا. فقد جاء أداء الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام دون توقعات المستثمرين وسط انخفاض إنفاق المستهلكين وأسعار العقارات وضعف الطلب العالمي. ويبدو أن التخفيضات الأخيرة في المعدلات لم تكن كافية لتغيير المنظور المتشائم للاقتصاد الصيني. قد تستمر الأخطاء السياسية مما يؤدي إلى استمرار حالة الركود الاقتصادي في الصين. حتى الآن، كان للمشاكل الاقتصادية الصينية تأثيرات مختلفة على الشرق الأوسط. قد لا يتطور "المرض" الحالي للإقتصاد الصيني ليتحول لمشكلة أكثر خطورة على المدى الطويل، وربما يؤثر فقط على الأفق الزمني لتوسيع نطاق التفاعل الاقتصادي بين الصين والشرق الأوسط. ومع ذلك، تستحق إشارات التحذير بشأن الضعف الاقتصادي الصيني اهتمامًا جادًا من صانعي السياسات في المنطقة.