حراك الشباب الثائر في غزة... هل يعيد مسيرات العودة؟
وسام ابوشمالة
كاتب ومحلل سياسي
شهدت جبهة قطاع غزة تصاعداً متدرّجاً في المقاومة الشعبية على تخوم الجدار العسكري الذي أنشأه العدو شرق القطاع، وبدأ ما بات يعرف بالشباب الثائر في التوجّه يومياً لمخيمات العودة التي أنشأت إبان مسيرات العودة عام 2018، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، وشهد يوم الجمعة توسّعاً لانتشار الشباب الثائر على طول مخيمات العودة، ما يؤشّر على إمكانية تصاعد المقاومة الشعبية ضد العدو على جبهة قطاع غزة، على نحو يعيد بالذاكرة الفلسطينية لمسيرات العودة الأولى قبل نحو خمسة أعوام.
قبيل انطلاق شرارة مسيرات العودة عام 2018 دار نقاش عميق بين أبرز المنظّرين والداعين للمسيرات_ وكنت واحداً منهم _ حول هدف الدعوة لمسيرات العودة، وطرحت العديد من الأسئلة حول قدرة المسيرات على تحقيق هدف استراتيجي لشعبنا الفلسطيني المتمثّل بعودة جموع اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها، وما مدى استجابة والتزام الجماهير بهذا التوجّه الشعبي السلمي؟
تقديران طُرحا في حينه؛ الأول التمسّك بعنوان مسيرات العودة الشعبية السلمية التي ترتكز على عدة مبادئ وقواعد؛ أبرزها الاعتصام المفتوح، وقاعدة صفر خسائر، والحشد الشعبي المتصاعد، والانتشار لباقي الساحات، والتقدّم الشعبي السلمي المتدرّج. تقدير آخر طُرح وهو وضع عنوان وهدف تكتيكي يمكن إنجازه، وهو كسر الحصار عن غزة إلى جانب العنوان الاستراتيجي وهو العودة. إلا أن الرؤية استقرّت على تقييم مسار المسيرات وتقييم نجاحها في الحشد، والاستمرار والانتشار وقياس ردة فعل الاحتلال والمجتمع الدولي، واتفق المنظّمون على الدمج بين الاستراتيجي والتكتيكي، وأصبح عنوان الحراك "مسيرات العودة وكسر الحصار"، والعمل على ابتكار الأدوات والأساليب التي تحقّق الأهداف.
ومع عودة الحراك الشعبي في مخيمات العودة، يستعيد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المبادرة الشعبية، انسجاماً مع التطورات على الجبهة الفلسطينية، التي شهدت تحوّلات لافتة منذ معركة سيف القدس، أبرزها تجسيد معادلة الربط بين الساحات ووحدة الجبهات، على نحو تشهد فيه مختلف الجبهات تصاعداً في مستوى المواجهة مع العدو، ولا سيما ساحة الضفة الغربية، التي تتصاعد فيها عمليات المقاومة وتأخذ شكل الموجات المتصاعدة والمتتالية، بينما ساهمت قوى المقاومة في جبهتي قطاع غزة ولبنان في تعزيز المد الثوري في الضفة عبر التحريض والتمويل وحتى التشغيل.
مع تولّي حكومة اليمين الفاشي بقيادة الثلاثي نتنياهو/سموترتش/بن غفير، تصاعد العدوان على القدس والأقصى والأسرى، كما ارتفعت وتيرة الاستيطان واعتداءات المستوطنين في الضفة، وارتفع مستوى الاقتحامات لمدن الضفة ولا سيما جنين ونابلس، على نحو أدى إلى مواجهتين عسكريتين مع المقاومة في قطاع غزة، وعمليات فدائية عبر جبهة لبنان، أبرزها إطلاق نحو 30 صاروخاً في شهر رمضان، وعملية مجدو في شهر آذار/مارس الماضي، ومؤخراً تصاعدت التحركات الشعبية على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ولا سيما ما بات يعرف بقضية الخيام.
إن حراك الشباب الثائر في قطاع غزة، انطلق تعبيراً عن حالة الغضب المتصاعدة بسبب سياسة العدو الإجرامية تجاه الأقصى والأسرى، كما يأتي الحراك تفاعلاً مع الحالة الثورية المتصاعدة في الضفة، إلا أن عودة تنويع الفعل المقاوم في قطاع غزة، تشير إلى الاستجابة المباشرة لمعادلة وحدة الساحات، التي قد لا تتطلّب في المرحلة الحالية مواجهة عسكرية واسعة مع قطاع غزة، ويمكن أن يتم التعبير عنها عبر حراك الشباب الثائر في مخيمات العودة.
للتذكير فإنّ مسيرات العودة عام 2018 شاركت فيها المكوّنات الشعبية والوطنية كافة، واتخذت المسيرات شكلين شعبيين، الأول يوصف بالحراك الشعبي الناعم، وفيه تحتشد الجماهير في مخيمات العودة الخمسة على بعد 300 متر تقريباً، نظّمت فيه فعاليات تراثية وفنية ووطنية؛ والشكل الثاني يعتبر حراكاً شعبياً خشناً ابتكره الميدان تمثّل في إنشاء وحدات تستنزف العدو مادياً ومعنوياً من دون استخدام وسائل عسكرية، مثل الإرباك الليلي والبالونات والأطباق الطائرة ووحدات قص السياج الفاصل، وغيرها من الأدوات والوسائل الإبداعية.
يعتبر العدو أن حراك الشباب الثائر في غزة، ما هو إلا شكل من أشكال المعركة بين الحروب التي تديرها المقاومة في إطار مساعيها لإشعال الساحات والجبهات وصراعها مع العدو، الأمر الذي سيسعى فيه العدو لعسكرة الحراك، عبر استهداف مواقع عسكرية للمقاومة، على غرار ما حدث مساء الجمعة باستهداف مراصد تتبع للمقاومة في غزة.
ويسعى العدو بكلّ الوسائل لتجنّب سيناريو مسيرات العودة الذي أرهقه واستنزف جيشه طوال خمسة أعوام، إلا أنه يُستبعد أن ترد المقاومة عسكرياً على العدو في هذه المرحلة، وستترك مساحة أكبر للحراك الشعبي الثائر، الذي قد يشهد تصاعداً في قادم الأيام التي ستعود فيه قضيتا الأقصى والأسرى إلى الواجهة، ولا سيما في موسم الأعياد اليهودية.
إن حراك مسيرات العودة عام 2018 شكّل تحوّلاً حقيقياً في النضال الفلسطيني، وأضاف أداة إبداعية شعبية توازي الإبداع الشعبي النضالي الفلسطيني في انتفاضة الحجارة عام 1987، على نحو لم يرتهن فيه الشعب الفلسطيني لثنائية السلم أو الحرب، بل طوّر أدوات الصراع مع العدو، وحافظ على ديمومته واستمراريته بما يؤدي إلى إرهاق العدو واستنزافه على مختلف الساحات والجبهات، الأمر الذي يدفع جبهة قطاع غزة لتفعيل أدوات المواجهة مع العدو، بما فيها الأداة الشعبية، التي قد لا تكرّر سيناريو مسيرات العودة، إلا أنها تستلهم منها الأدوات الفاعلة التي ترهق العدو وجيشه والمستوطنين في ما يسمّى بغلاف غزة.