السيف السعودي العاري
الوفاق/ معهد مرصاد
ايمان محمدي
قبل اكثر من 20 يومًا، تحدث بن سلمان في لقاء مع صحفيين سعوديين محليين قائلاً:«إن الإمارات العربية المتحدة، حليفنا منذ عقود، طعنتنا في الظهر...وسيرون ما يمكنني فعله.» بعد انتشار هذا الخبر، تصاعدت حدة التطورات ضد القوات المدعومة من قبل الإمارات في اليمن، وزاد الضغط على حلفاء أبوظبي في جميع الجبهات.
المجلس الوطني لحضرموت، نموذجاً للمحافظات الجنوبية الأخرى
تكتسب السيطرة على محافظة حضرموت أهمية خاصة بسبب مساحتها التي تغطي ما يصل إلى ثلث جغرافية اليمن بأكملها حيث تجاور حضرموت محافظتي شبوة ومأرب الغنيتين بالنفط إضافة إلى احتياط النفط والغاز لمنشآت المسيلة في هذه المحافظة، وإتصالها براً بجمارك الوديعة بين السعودية واليمن، مع أهمية الترانزيت والمسافرين ذات الحجم الكبير، وكذلك الإتصال بسواحل بحر العرب قد ضاعف من أهمية هذه المحافظة.
كان تصاعد التحركات الانتقالية في محافظة حضرموت، خاصة بعد انعقاد مجلس الشورى لهذا المجلس في عدن، قد دفع السعودية إلى دعوة شخصيات مؤثرة في هذه المحافظة إلى الرياض وبدء اجتماعات لتشكيل مجلس محافظة جديد، وتم الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني لحضرموت مع التأكيد على التمسك بوحدة اليمن، وذلك في 20 من حزيران.
مع عودة الوفد المؤسس للمجلس الوطني لحضرموت من الرياض إلى اليمن وسفر رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي والوفد السعودي إلى حضرموت وإعلان السعودية عن تقديم مساعدات بملايين الدولارات لإعادة البنى التحتية للمحافظة، يبين مدى أهمية هذا المجلس المنشأ حديثاً بالنسبة للمملكة العربية السعودية. وظهرت أهمية الخطوات السعودية اللاحقة في دعوة مختلف الجماعات إلى الرياض والضغط عليها للانضمام إلى مجلس حضرموت الوطني. وفي غضون الأسبوعين الماضيين، أعلن العديد من الشخصيات والفصائل المؤثرة في حضرموت من بينها مكتب حزب الإصلاح بحضرموت وتجمع القبائل الحضرمية و"عقيل العطاس" أحد وجوه الحراك الجنوبي ، عن انضمامهم إلى مجلس حضرموت الوطني ووقعوا مذكرة ميثاق.
كانت هناك دعوات انتقالية عديدة لإضعاف المجلس الوطني لحضرموت، والتي قوبلت بالفشل الواحدة تلو الأخرى من قبل أبناء حضرموت ، وفي خطوة لاحقة قررت السعودية أن تجعل الوضع السياسي الانتقالي في المحافظات الجنوبية الأخرى أمام تحديات صعبة، وفي هذا الصدد شهدنا كيف أن السعودية قد بدأت تحركاتها لتشكيل مجلس وطني في عدن وشبوة من خلال دعوة الشخصيات ذات النفوذ في هاتين المحافظتين إلى الرياض، وعقد اجتماعات تداولية .
تنظيم القاعدة وتوسع نطاق حركاتها
يُعد انسحاب حزب الإصلاح من "محافظة أَبْيَن" وسيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على هذه المحافظة في العملية العسكرية "سهام الشرق" بداية تحركات تنظيم القاعدة في محافظة أبين. قيادات وقوات تنظيم القاعدة، الذين عاشوا حياة أكثر سلمية مع قوات حزب الإصلاح في محافظة أبين، وبعد دخول قوات الانتقالي إلى مختلف مناطق محافظة أبين، نفذوا عمليتين واسعتين بعنوان "سهام الحق 1 و2 "، التي الحقت أضراراً جسيمة بإفراد ومعدات هذه القوات. وصفت قيادات تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم خالد باطرفي، زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، في أحدث الدعوات والمقاطع المنشورة، بأن تنظيمهم تابع لأهل السنة اليمنيين فقط، الذين يقاتلون ضد القوات التابعة للإمارات، وطالبوا قبائل الجنوب وخاصة قبائل محافظة أبين لمحاربة المرتبطين بالإمارات.
أدت الدعوة التي أطلقها زعيم تنظيم القاعدة في اليمن إلى تصاعد التحركات ضد قوات الانتقالي في محافظة أبين، وتزايد الضغوط إلى حد أن عبد اللطيف السيد أحد قيادات الحزام الأمني الذي له سوابق تعاون مع تنظيم القاعدة، تم تعيينه قائداً للحزام الأمني لمحافظة أبين من خلال مفاوضات مع شيوخ القبائل، سيطر على الأوضاع في هذه المحافظة. وفور وصوله إلى أبين، أرسل السيد مبعوثين إلى شيوخ قبائل هذه المحافظة، خاصة في وادي عمران، وطلب منهم تولي أمن هذه المحافظة، خاصة في مناطق المحفد ومدية ، من خلال تشكيل قوى متحدة مع الانتقالي. الطلب الذي تزامن مع تكثيف تحركات قوات الانتقالي واعتقال قيادات القاعدة في أبين قدأثار تساؤلات حوله. لكن تكثيف التحركات والاعتقالات من قبل السيد قد أدت إلى اغتياله وثلاثة من رفاقه بانفجار قنبلة زرعت في سيارته، وكان هذا الإغتيال بمثابة ضربة قاصمة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي تكثيف تحركات الانتقالي لإدارة الوضع في محافظة أبين؛ كانت الأنباء تشير إلى تزايد حجم تحركات تنظيم القاعدة في الجزء الشرقي من محافظة لحج، المنطقة التي كانت تقليدياً مقراً للمجلس الانتقالي الجنوبي وكذلك محافظة عدن. في الأسبوع الماضي إدعت القوات الأمنية التابعة للإنتقالي في تقرير خبري، أنها تمكنت بعد تزايد تحركات تنظيم القاعدة في لحج من إلقاء القبض على 7 عناصر من قوات هذا التنظيم ومعهم وثائق تعاون مع السعودية. كما ذكرت مصادر خبرية بمحافظة لحج في مقال آخر أنهم تمكنوا من التعرف على زعيم تنظيم القاعدة في هذه المحافظة والقبض عليه.
ويظهر سير اتجاه الأشهر الماضية أن تنظيم القاعدة يكثف من تحركاته في محافظة أبين دون أي معرقلات وبضوء أخضر سعودي وعدم تدخل أمريكي، كما وسع في الأسابيع الماضية نطاق التحركات إلى المحافظات المجاورة. إن تكثيف أعمال تنظيم القاعدة يشير الى أن الانتقالي لم يكن ناجحاً في محاربة هذا التنظيم، وأن هذه الجماعة الإرهابية أصبحت تشكل أزمة للشرعية ولتحركات الانتقالي في الجنوب.
تنظيم معسكر الإخوان المسلمين في اليمن ببطاقة قطر
بعد تنحية عبد ربه منصور هادي ونائبه عن رئاسة السلطة في الحكومة المدعومة من الرياض وتشكيل مجلس رئاسي من ثمان شخصيات مؤثرة، إلى جانب إضعاف القوى التابعة لحزب الإصلاح في جغرافية اليمن خلال فترة إيقاف إطلاق النار، عززت الإعتقاد بأن عهد قيادة جماعة الإخوان المسلمين قد انتهى ، ما دفع بالسعودية أن تتحرك نحو جهات يمنية أخرى. ومن ناحية أخرى، فإن تزايد التوتر بين الدول العربية وقطرالذي أدى إلى فرض حصار على هذه الدولة من قبل حكومات عربية أخرى،قد قلل بشكل كبير من دور آل ثاني في اليمن، وكذلك قلص من دورالقوات التي تدعمها هذه الحكومة في جنوب منطقة الخليج الفارسي، لكن مع تصاعد الخلافات بين طرفي التحالف القوي في اليمن، شهدنا إعادة تنظيم معسكر الإصلاح في اليمن بدعم من الرياض ولعبت قطردورها في ذلك.
في الأسبوع الماضي انتشر خبر عقد اجتماع للمجالس المحلية لحزب الإصلاح في محافظة مأرب لمدة يومين. ويمكن تحليل نشر هذا الخبر من جانبين، الجانب الأول هو تطبيق وإعادة إنسجام المجالس التي فقدت كفاءتها منذ عام ونصف على الأقل حتى تم تجميد الكثير منها. أما الجانب الثاني الذي يتطلب المزيد من الدقة فهو عقد الإجتماع التداولي لهذه المجالس في محافظة مأرب تحت المظلة الأمنية القوية للقوات اليمنية المشتركة والتحالف بقيادة صغير بن عزيز الذي تمركزت قواته في مأرب منذ السنة الماضية، للسيطرة على أي نشاط مثير للتوتر في هذه المدينة الموالية للإخوان المسلمين وحزب الإصلاح.
لكن الأمر المثير للاهتمام هو تشكيل "المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية اليمنية" برئاسة حمود المخلافي ، الشخصية الإخوانية المقربة من قطر وتركيا، الذي في عام 2015 عُرِفَ من قبل قيادات جماعة إخوان المسلمين في اليمن كشخصية بارزة في جماعة الإخوان كان يلقب بـ "الشيخ حمود المخلافي". وفي الوقت نفسه تم تعيين المخلافي قائداً لقوات المقاومة التابعة لحزب الإصلاح، وحصل على أموال ضخمة من حكومة هادي بهدف تنظيم هذه القوات. ولكن بعد الخلاف بين الدول العربية وقطر تم طرده من اليمن وذهب إلى عمان ثم غادر عمان إلى تركيا.
تم تأسيس المجلس الأعلى للمقاومة لحزب الإصلاح برئاسة الشيخ حمود المخلافي الشخصية المقربة من قطر، مع خطة عمل تهدف الى إحياء المجالس المحلية لجماعة الإخوان المسلمين في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، والذي أُعلنَ عنه بعلم السعودية بعد اجتماع اليومين في محافظة مأرب، ولاقى ترحيباً من الرياض، وبرغبة السلطات السعودية في إحياء حزب الإصلاح في المناطق الجنوبية وإعادة نشاط هذه القوات بينوا على أن الأوضاع هذه المرة تسير ببطاقة قطر.
الساحل الغربي وتركيز السعودية على باب المندب
خضع الساحل الغربي لليمن وسواحل باب المندب لسيطرة الإمارات منذ بداية عام "2018"بعد تشكيل قوات "المقاومة الوطنية اليمنية" بقيادة طارق صالح ابن شقيق علي عبد الله صالح وتحالفه مع قوات العمالقة؛ لكن هذه الهيمنة واجهت تحدياً خطيراً منذ عيد الأضحى وخاصة منذ الأسبوعين الماضيين، حيث واجهت قوات طارق صالح التي تأسست بدعم إماراتي وتعتبر حليفا استراتيجيا لأبوظبي في هذه المنطقة، تحركات واشتباكات مع قوات تابعة لحزب الإصلاح من جهة، وصمت وعدم دعم قوات العمالقة لها من جهة أخرى.
تُعد مدينة تعز منذ فترة طويلة إحدى القواعد الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وهو المركز الذي حاول طارق صالح جاهدا السيطرة عليه. واحتدم الصراع بين حزب الإصلاح وقوات الضفة الغربية منذ مارس/آذار من هذا العام، بعد زيارة طارق صالح الأولى إلى تعز بعد الربيع العربي عام 2011. استمرت الاشتباكات بشكل متقطع الى ما بعد عيد الأضحى وخلفت أكثر من 100 قتيل وجريح من القوات وحتى في قادة الطرفين، وفي نهاية الأمر هاجمت القوات التابعة لحزب الإصلاح الاحتفال الكبير الذي نظمته قوات طارق والقوات المسلحة وضربوا المدعوين لهذا الاحتفال، وهم مسؤولين وفنانين جنوبيين ، وحالوا دون تحرك قوات طارق صالح في مدينة تعز.
أدى انسحاب طارق من تعز إلى زيادة تحركات قواته في المناطق الغربية من محافظة لحج؛ لكن هذه المرة لم تؤد تحركات قوات طارق إلى اشتباكات متفرقة، بل انخرطت القوات المسلحة لقبائل الصبيحة، وخاصة الألوية التي تحت سيطرة حمدي شكري الصبيحي، وهم الحلفاء التقليديون لحزب الإصلاح (قوات حمدي شكري التي كانت سابقاً متحالفة مع العمالقة لكنها انفصلت عن التحالف معها) مع بعض القوات السلفية العمالقة التابعة لأبو زرعة المحرمي، ودخلوا في معارك ضد قوات طارق صالح على نطاق واسع، وبحسب بعض الأخبار المنتشرة تمكنوا لأول مرة بعد عام 2018 من السيطرة على شواطئ رأس العارة والمضاربة، وكذلك سواحل رأس عمران بالقرب من مدينة عدن، التي تُعدالأجزاء الرئيسية للإشراف على باب المندب.
الجانب الآخر لصراعات قوات طارق صالح هو الصمت وأحيانا دعم قوات العمالقة بقيادة أبو زرعة المحرمي للتحركات المناهضة لطارق في السواحل الغربية، وهو ما يمكن تحليله من عدة زوايا. وتتكون قوات العمالقة المتواجدة في الساحل الغربي لليمن من قوات سلفية ومحلية في منطقة تعز ولحج وتهامة، بعضها بعد اغتيال وعزل العديد من قادتها بأمر وتخطيط هاني بن بريك المعاون المعزول الذي يسكن في الإمارات، تجمع المجلس الانتقالي الجنوبي ومن أجل مواجهة تحركات أنصار الله في السواحل الغربية تحت وحدات الدعم والإسناد. ومع الأخذ بنظرالإعتبار النقاط المذكورة أعلاه فإن سبب تجنب الدخول في النزاع الحالي من قبل قوات المحرمي يمكن النظر إليه على أنه عدم الرغبة في الصدام مع القوى المحلية الذي هو جزء منها، والميول الفكرية نحو السعودية لكونه سلفياً، والنظرة السلبية الموجودة تجاه القوات التابعة للإمارات بسبب اغتيال القيادات الفكرية لهذا التيار.
إستنتاج:
بالنظر إلى تزايد منحى التوتر في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف والصراع المتزايد بين القوى المدعومة من أبو ظبي والرياض، يمكن القول أنه في الوضع الحالي، ما تسعى إليه الأمم المتحدة والأطراف الدولية من مفاوضات يمنية - يمنية، تُعد مساعٍ صعبة، ومحادثات السلام الخاصة بمستقبل اليمن حالياً موضوع شائك ومعقد لم تتضح جوانبه بعد، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها التحالف، كما يمكن اعتبار الدخول المباشر لستيفن فاجن، السفير الأمريكي لدى اليمن، إلى قصر المعاشيق في عدن، وتوليه إدارة شؤون المناطق الجنوبية من اليمن، عاملاً في تزايد هذه الخلافات . من جهة أخرى، يبدو أن على أنصار الله الاستفادة من الخلافات المتزايدة في اتجاهين. فمن ناحية عليهم تكثيف اتصالاتهم مع الجهات الفاعلة الواقعة تحت الضغط الجنوبي، سواء في موقع القيادة والقيادة الميدانية أو في مستويات أقل، ومن ناحية أخرى يجب على صنعاء أن تضاعف تحركاتها، لكسب المزيد من الإمتيازات من السعودية والغرب، خاصة فيما يتعلق بالالتزامات المدرجة في مفاوضات وقف إطلاق النار، مثل زيادة رحلات مطار صنعاء الدولي وإعادة فتح ميناء الحديدة، أو المفاوضات في الملفات الإنسانية، مثل دفع رواتب الموظفين الرسميين اليمنيين.