في ذكرى تكريم «شهريار» أمير الشعر الإيراني المعاصر
الأدب الفارسي والعربي.. جناحي تطور الثقافة
يعتبر الأدب الفارسي من أعظم المدارس الأدبية في العالم ويعد الشعراء الإيرانيون كفردوسي وسعدي وحافظ وجلال الدين الرومي والخيام وشهريار من أعظم الشعراء على مرّ التاريخ وقد امتزج هذا الأدب بالأدب العربي فأثر به وتأثّر منه، فالأدب الفارسي والعربي جناحي تطور الثقافة، ونحن مع حلول شهر ربيع الأول المبارك وعلى أعتاب اليوم الوطني للأدب والشعر الفارسي وذكرى تكريم الشاعر الإيراني الشهير "شهريار" الذي يصادف يوم الإثنين 18 أيلول/سبتمبر الجاري، وبهذه المناسبة تكون لنا إطلالة على الأدب الفارسي والعربي والتأثير والتأثر الذي كان بينهما خلال القرون الماضية، وكذلك نبذة عن أمیر الأدب والشعر الإیراني الأستاذ «محمدحسين بهجت تبريزي» المشهور
بـ «شهريار» وقد وصفه السيد القائد دام ظله، بأنه شاعر الثورة والحماسة، فلقد كان عارفاً ملتزماً خرج شعره من صفاء باطنه الذي اشتغل عليه بالقراءة القرآنية والزهد والتقى.
الشعر والأدب الفارسي
ظهر الأدب الفارسي إلى الوجود في القرن التاسع الميلادي، وبخاصة في الجزء الشمالي الشرقي من إيران، بظهور اللغة الفارسية الحديثة. كما أن الشعر هو لسان الأمة ومرآة ثقافتها وصورة واقعها، والأمم الحية هي التي تحيي إبداعات مبدعيها، وتتغنى بما قدّموه، وتخلد ما أضافوه، وهذا ما يلحظه الناقد المتابع لحركة الإبداع في ايران.
ولا ينكر أحد أن الشعر الفارسي قد وصل إلى العالمية، وترجم إلى معظم لغات العالم، فنهلت العربية من عظمة شعر "جلال الدين الرومي" الشيء الكثير، وترجمت مؤلفات حافظ الشيرازي إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربية، ودوّنت أشعار سعدي الشيرازي على جدران الأمم المتحدة، إذ عدّ مدرسة قائمة بذاتها، وأباً للنثر الفارسي، لذلك تأهل ليكون رمزاً للمحبة الإنسانية، واستحق أن يزين مدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك بأبياته الشهيرة التي تدعو إلى الإخاء والمحبة والألفة والاتحاد، وهو من أكثر الشعراء الایرانيين شعبية، وهو ملك الكلام وافصح المتكلمين الذي أنشد الشعر بالفارسیة والعربیة، وقدم نموذجاً رائعاً للوحدة الحضاریة بین الإیرانیین والعرب. وأقدم الأسماء التي يطالعنا بها هذا الأدب هي أسماء الرُّودَكي الذي يُلقَّب بـ "أبي الشعر الفارسي"، و "دقيقي" الذي نظم ملحمةً تغنّى فيها بمآثر أبطال الفرس الأسطوريين، والفردوسي صاحب "الشاهنامه"، وكذلك هناك كثير من الشعراء في العصر الحديث الذين تركوا آثاراً خالدة كالشاعر الإيراني "شهريار".
ﺗﺄثير اﻷدب اﻟﻔﺎرسي في اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وآداﺑﻬﺎ
عندما ننظر إلى آراء الأساتذة والأدباء فيما يتعلق بتأثير وتأثر الأدبين الفارسي والعربي بعضهما ببعض، نرى هناك مقال قيّم للدكتورة دلال عبّاس تحت عنوان: "تأثير اﻷدب اﻟﻔﺎرسي في اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وآداﺑﻬﺎ" جاء فيه: "ما من أمّتين تباينتا وتخالفتا في الدم واللغة والبيئة الطبيعية والإجتماعية، ثم تدانى أدبهما واقترب بعضه من بعض حتى كاد يكون من حيث الصياغة والمنحى واحداً إلى الحد الذي يتعذّر على أحد أن يميّز بين أدب وآخر لولا اللغة الدالّة عليه، كالأمتين العربية والفارسية، وعلى الرغم من أنّ الإختلاف في الدمّ واللغة وطبيعة النشأة بين الأمتين العربية والفارسية لا بد وأن يترك أكبر أثر من الإختلاف في طبيعة أدب الأمتين وصياغته ومنحاه، كان الأدب الفارسي الآريّ أقرب إلى الأدب العربي السامي من الآداب الأخرى المكتوبة باللغات السامية.
حتى قبل الإسلام تسنّى للغة العربية أن تعرف شيئاً غير قليل من المعاني التي تسرّبت إليها من الفارسية، وورد الكثير منها بألفاظها الفارسية في عدد كثير من الأشعار عند شعراء الجاهلية بدواً وحضراً.
أمّا بعد الإسلام فيمكننا القول إنّ اللغة الفارسية تطورت باعتناق الإيرانيين الدين الإسلامي الحنيف متأثّرة بلغة القرآن الكريم، وكُتبت بالخط العربي، وإذا كان الإسلام قد حرّر الإيرانيين من الحكومات المستبدة، فإن ايران قد قدّمت خدمات جليلة إلى الإسلام، فقد تفتّحت العبقرية الإيرانية خلال المرحلة الإسلامية في مختلف الميادين العلمية والأدبية واللغوية، والفلسفية وعلم الرياضيات والطب والفلك والعلوم الدينية، وإذا كان الإيرانيون قد ألّفوا كتبهم باللغة العربية فقد طعّموها بلغتهم، وأنتجوا باللغة المطعّمة هذه ودوّنوا بها كتبهم في المجالات المختلفة، وهنالك عدد لا يُحصى عدُّه من الإيرانيين ممن أبدعوا وبرعوا وكتبوا باللغة العربية علماً وشعراً ونثراً وألّفوا في علوم اللغة العربية كالصرف والنحو والبلاغة وغيرها.
أما في الأدب فقد تبادل الأدبان العربي والفارسي المواضيع والأساليب، وأعطت الفارسية الأدب العربي عمق المعنى وجمال التصوير وعمق الحكمة واتّساع أفق الرؤيا، وأعطت العربية الفارسية العروض والبديع والدين بمنازعه وأفكاره.
والجدير ذكره أن تيار الترجمة من الفارسية كان من أقوى التيارات التي رفدت الثقافة العربية الإسلامية، ولهذا أسباب كثيرة".
شهريار
محمد حسين بهجت تبريزي المعروف بـ "شهريار"، شاعر إيراني شهير ولد في 18 ايلول /سبتمبر عام 1906 م، في قرية "خوشكناب" التابعة لناحية قرة جمن بمحافظة أذربايجان الشرقية شمال غرب إيران. تزامنت تلك الأعوام مع أحداث النهضة الدستورية وكانت أذربايجان تعيش حالة المواجهة بين الداعين للمشروطة وبين المستبدين. لقد أمضى شهريار طفولته إلى جانب جبل "حيدر بابا" الجميل و استلهم قصيدة "حيدر بابا سلام" منقطعة النظير من إسم هذا الجبل وهي من أحد روائعه الشعرية: عندما تلمع البروق يا حيدر بابا/ والسيول الجارفة تجري مزبدة/ وحينما ترى البنات بهاءها صفا صفا/ سلاماً على جمعكم ومنعة دياركم/ ماذا يكون لو تردد اسمي بلسانكم.
هذه الملحمة التي اصبحت فيما بعد منال كل شاعر وأديب وهي من روائع الشعر التركي باللهجة الآذرية التي يصفها كثير من النقاد بـ "ذخيرة الأدب العالمي" او "الشعر العالمي الحي" لما تميّزت به من المضامين الإنسانية والفلسفية وتجاربه في الحياة والتراث وصدق العاطفة وجمال في الشكل والأسلوب وهي من نوع السهل الممتنع ومن طراز "تركيب بند" على شكل خماسي بوزن المقاطع الصوتية وهو خاص للشعر التركي، كما أنه أنشد شعر "علي أي هماي رحمت" حول أميرالمؤمنين الإمام علي(ع) وأبيات الشعر تدل على سخاء وكَرَم الإمام علي(ع) وهو شعر مشهور. كان الشاعر حلقة وصل بين الشعر الكلاسيكي والحر وقد عاصر شعراءهما، وهو المعادل الشعري لبدر شاكر السياب في الادب الايراني، وكان شهريار يكتب الشعر بالأسلوب الكلاسيكي إلا أن أسلوبه في البيان ونمطه الشعري يعد دليلاً على حالة من التجدد في طبعه، كما أن صور الخيال الأخرى التي يتميز بها شعره تضفي عليه مظهراً لامعاً. وقد توفي الشاعر تاركا وراءه ذخيرة ادبية لا تفنى، تنوّر العقول وتهدي الاجيال وهي باقية ببقاء الشمس على وجه الخليقة عاش في ضمير الناس ونال تقديرهم وانه اخترق القلوب عندما احترق بنار العشق لينير درب المحبين بدايته ماديه نهايتة.
قواسم موضوعات أشعار شهریار ونازك الملائکة
إن شهریار ونازك الملائکة یعتبران کشاعرین رائدین في الأدبین الفارسي والعربي المعاصرین. وهناك قواسم مشترکة بین آراءهما. قد ظهر روح مکافحة الظلم وحبّ الإنسان والعدالة وبیان الآلام الإجتماعیة في أشعارهما. هذان الشاعران یعتمدان الآلام الاجتماعیة المصابة بها بلادهما مصوّرین شعورهما بالمسؤولیة إزاء الوطن.