وسط تحديات داخلية و خارجية
هل ستنجح السعودية بتحقيق رؤية2030 ؟
الوفاق/ رؤية 2030 هي خطة كبرى للمملكة العربية السعودية لضمان استدامة اقتصادها القائم على النفط في ظل التغيرات العالمية. تهدف الخطة إلى تحويل الاقتصاد وتحسين حياة المواطنين والحفاظ على مكانة السعودية على الساحة العالمية. ولكن هل ستنجح هذه الخطة في تحقيق أهدافها ؟ وما هي المخاطر التي تواجهها؟
كيف تبدو رؤية 2030؟
رؤية 2030 هي فكرة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يريد بناء دولة وفق تصوره، حيث تهدف رؤية 2030 إلى تحويل اقتصاد المملكة العربية السعودية والحد من اعتمادها على النفط. تهدف الخطة أيضًا إلى تحسين حياة مواطنيها والحفاظ على مكانتها على الساحة العالمية. و أبرز مشاريع هذه الخطة هو مشروع نيوم، الذي يشمل مدينة عملاقة تُعرف بـ "ذا لاين" بتكلفة تقدر بتريليون دولار. تقول المملكة العربية السعودية إن هذه المدينة المستقبلية والخالية من السيارات ستعمل بنسبة 100٪ من الطاقة المتجددة وستضع الخدمات على مسافة قريبة لـ 9 ملايين نسمة. يرمز "ذا لاين" إلى كل ما تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيقه من خلال رؤية 2030 و الالتزام بمستقبل ما بعد النفط، وبناء مساحات سكنية توفر فرصًا اقتصادية، ووضع معيار لمدينة مستقبلية. .و "هذا الأمر لا يتعلق فقط بتنويع الاقتصاد، بل يتعلق بتحويل المجتمع بهدف خلق اقتصاد ناجح يمكنه التصدي لتحديات العالم الحديث"،وفق ما قاله البروفيسور سيمون مابون، الباحث الكبير في مركز السياسة الخارجية في لندن لــ (بيزنيس اينسايدر).
و هناك أكثر من 20 مشروعًا آخر تابعًا لرؤية 2030، مثل وجهة البحر الأحمر السياحية و"قديّة"، عاصمة للفنون والترفيه، والتي صُمِّمَتْ كوسائل لبناء المملكة التي توفر وظائف لجميع مواطنيها. كما تستثمر المملكة في قطاعات مختلفة على المستوى المحلي والدولي، من خلال صندوق الاستثمار العام، وهو صندوق ثروة سيادي قوي يدير أصولًا تبلغ قيمتها حوالي 700 مليار دولار.
أهمية رؤية 2030
قال جيرالد فايرشتاين سفير الولايات المتحدة لدى اليمن تحت إدارة الرئيس باراك أوباما لـ "إنسايدر" إن القطاع الخاص محلياً ودولياً أصبح ضرورياً بشكل كبير في مسعى السعودية لخلق فرص عمل. "لم يعد من الممكن توفير وظائف في القطاع العام بالدرجة الأولى لأي سعودي يدخل سوق العمل، لأن حجم السكان قد زاد عن طاقة القطاع العام"، و من جانب آخر و رغم أن المملكة العربية السعودية تشعر بالتفاؤل بوصفها أكبر مصدّر للنفط في العالم - وهو موقف تعززه الحرب الروسية مع أوكرانيا التي تعطل صادرات الخام الروسي، و تسجيل شركة النفط الحكومية السعودية العام الماضي ربحًا صافيًا مذهلاً بقيمة 161 مليار دولار، إلا أن أفراد العائلة المالكة في السعودية يدركون جيدًا أن إيرادات البلاد غير النفطية ستصبح ذات أهمية متزايدة في السنوات المقبلة مع دفع الأزمة المناخية الدول نحو الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وهذا يفسر لماذا تستثمر بشكل كبير محلياً ودولياً، ولماذا وضعت هدفًا لزيادة إسهام الصاد رات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 16٪ إلى 50٪ كجزء من أهداف رؤية 2030
تحديات كبيرة
رؤية 2030 هي مخاطرة كبيرة للسعودية، فهي تتطلب تغيرًا جذريًا في اقتصادها ومجتمعها. تواجه هذه الخطة عدة تحديات، من بينها التغير المناخي، حيث يزداد الضغط على المملكة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، في ظل التزاماتها باتفاق باريس للمناخ، كما تتأثر المشاريع الضخمة في رؤية 2030 بظروف المناخ الصعبة في المنطقة، فدرجات الحرارة العالية والجفاف والعواصف الرملية في المملكة تحتاج إلى تطوير تقنيات وحلول مبتكرة للتكيف مع هذه الظروف والحد من انبعاثاتها.
أما اجتماعيا فتواجه القيادة السعودية مشكلة التغييرات الاجتماعية، حيث تسعى إلى حث المواطنين، خاصة النساء والشباب، وتشجيعهم على المشاركة في الحياة العامة، و غيرها من الأمور، إلا أن هذه التغييرات، تواجه مقاومة من بعض القوى المحافظة والتقليدية في المجتمع، التي ترى أنها تهدد هوية وثقافة المملكة، لاسيما مع التساؤلات حول قدرة ولي العهد محمد على الحفاظ على "شرعية الدولة في الإسلام أثناء الانطلاق في مشروع يميل إلى ملامح الحداثة الغربية"، كما عبر فاريا المسلمي، الباحث بمعهد تشاتام لــ (انسايدر). و من جهة أخرى فالمملكة تواجه انتقادات من بعض المنظمات الدولية والحقوقية بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية. أما على الصعيد الإقليمي فالأمر ليس بسيطاً للملكة التي تسعى إلى تعزيز مكانتها كزعيمة في منطقة الشرق الأوسط ، لأنها تواجه منافسة من دول أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة وإيران وتركيا، التي تطمح أيضًا إلى لعب دور أكبر في المنطقة. كما تواجه المملكة صراعات وأزمات في بعض الدول المجاورة التي تهدد استقرارها وأمنها، و هذا ما يفسر سعي المملكة العربية السعودية مؤخرا لتحسين علاقاتها مع جيرانها، و العمل على بدء صفحة جديدة من العلاقات.
فرصة أم مخاطرة؟
2030 هي رؤية جريئة وطموحة للسعودية، لكن هذه الرؤية تحتاج إلى التزام وجهد كبيرين من جانب جميع أطراف المجتمع السعودي، بالإضافة إلى دعم وتعاون من شركائها الدوليين، مما يتطلب العمل على ايجاد توازن سياسي مع جميع القوى المؤثرة في العالم، كما تحتاج هذه الرؤية إلى التغلب على التحديات والصعوبات التي قد تواجهها على طول الطريق.و في حال نجحت رؤية 2030 في تحقيق أهدافها، فإن ذلك سيكون إنجازًا تاريخيًا للسعودية، يضعها في مصاف الدول المتقدمة والمبتكرة في العالم. كما سيكون ذلك نموذجًا يُحتذى به لغيرها من الدول التي تسعى للتحول إلى اقتصادات مستدامة وشاملة. ولكن إذا فشلت رؤية 2030 في تحقيق أهدافها، فإن ذلك قد يؤدي إلى خسارة كبيرة للسعودية، ستؤثر بشكل كبير على مستقبلها ومكانتها واستقرارها. ولهذا السبب، تعتبر رؤية 2030 مخاطرة كبيرة، ولكنها أيضًا فرصة كبيرة.