إمام مسجد السهلة المعظم في حوارخاصمع الوفاق
قوافل العشق نحو كربلاء.. مسجد السهلة المعظّم نقطة الإنطلاق
أمل محمد شبيب
من كل حدبٍ وصوب يأتون، وحده حبّ الحسين يجمعهم، يمشون في طريق العشق حتى بلوغ كمال التلبية، يتحملون عناء الطريق والمشقة، يحملون عفوية الحماس والمشاعر... هي ليست حدثاً عادياً عابراً، بل هي محطة تعبوية خالصة لله خالدة في التاريخ... قبل الإنطلاق نحو أولى خطوات المسير لا بدّ لكل زائر العروج نحو مسجد السهلة المعظم في مدينة الكوفة العراقية، فهو مركز الإنطلاق للملايين الملايين من الزائرين، كون هذا المسجد سيكون مقر حكومة الإمام المهدي(عج)، من أجواء الأربعين وحول أهميته التاريخية والدينية، وإرتباط مسجد السهلة المعظم بزيارة المشاية للأربعين، الوفاق إلتقت من مدينة الكوفة ومن مسجد السهلة بإمام مسجد السهلة المعظم سماحة السيد علي السيد محمد حسن الحكيم وأجرت معه الحوار التالي:
مسجد السهلة: أهمية تاريخية ودينية
بداية اللقاء كانت حول أهمية مسجد السهلة من الناحية التاريخية والدينية، وفي هذا قال السيد علي السيد محمد حسن الحكيم أن مسجد السهلة يكتسب أهميته التاريخية كونه من المساجد القديمة المرتبطة بأول وجود للبشرية على هذه المعمورة، وكان المسجد محط أنظار الأنبياء والأولياء، إذ قال أبو عبد الله صلوات الله عليه: "كان بيت إبراهيم صلوات الله عليه الذي خرج منه إلى العمالقة، وكان بيت إدريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه، وفيه صخرة خضراء فيها صورة وجوه النبيين، وفيها مناخ الراكب يعني الخضر عليه السلام.
فوجود مقام لنبي الله أدريس عليه السلام ونبي الله إبراهيم عليه السلام دليل على وجوده منذ غابر الزمان، وأمّا أهميته الدينية فهي من جهة ما ورد فيه من تعبد الأنبياء والصالحين فيه ووجود عدد كبير من الروايات في فضله وفضل الصلاة فيه ومن جهة كونه سيكون مقر حكومة إمام العصر والزمان.
مسجد السهلة المعظّم: انطلاق قوافل العشق نحو كربلاء
ولأن قوافل العشق الحسيني تطلق أولى خطواتها نحو مدينة كربلاء المقدسة من مسجد السهلة المعظّم، انتقلنا في حديثنا مع إمام مسجد السهلة للحديث حول سبب إطلاق مسيرة الأربعين من مسجد السهلة في الكوفة، يرى السيد الحكيم أنه بإعتبار مسجد السهلة سيكون مقر حكومة الإمام المهدي(عج) كما ورد في رواية عن أبي بصير، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه حيث قال: يا أبا كأني أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله قلت: يكون منزله؟
قال: نعم هو منزل إدريس عليه السلام وما بعث الله نبياً إلا وقد صلى فيه والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى الله عليه وآله، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا وقلبه يحن إليه، وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه، يا أبا، أما إني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلا فيه، ثم إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين، وهو من سيأخذ بثأر جده الإمام الحسين(ع) فالسائر بالمسيرة الأربعينية يعد نفسه أن يكون من أنصار الإمام المهدي(عج) للأخذ بثأر جده وبما أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء بالدين الحق والإمام الحسين(ع) ثار من أجل المحافظة على دين جده من التلاعب والانحراف وإنّ الإمام الحجة(عج) هو من سيقيم دين جده عند ظهوره.
فالزائر للإمام الحسين (ع) ينطلق بمسيرته من مسجد السهلة ليستذكر الإمام (عج) ويعد نفسه لأن يكون من أنصاره وكأنه يربط بمسيره بين الإمام الحاضر والإمام المظلوم الذي يؤخذ بثأره الذي ضحى من أجل بقاء هذا الدين كما أراد له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله.
العلاقة بين مسجد السهلة المعظّم وزيارة الأربعين
اذن، يرتبط مسجد السهلة المعظّم ارتباطاً وثيقاً بزيارة الأربعين نحو كربلاء، ولهذا الإرتباط فلسفة خاصة تتعلق بالتمهيد لظهور صاحب العصر والزمان، وهنا يقول السيد الحكيم أنه في الملاحظ، ما تتسم به الزيارة من خلق وفضائل يتمتع بها الزائر والخادم فإننا نحرز أن هؤلاء الذين لبّوا نداء الإمام الحسين(ع) ولم يثنهم عن عزمهم جميع الموانع من الأعداء والموانع الطبيعية من ظروف الجو والبعد وقلة المال وغيرها فإنهم سيكونون على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لو دعاهم لنصرته وأخذ بثأر جده الحسين(ع) الذي بذل الغالي والنفيس من أجل المسير لزيارته.
زيارة الأربعين منهج أخلاقي وتربوي
هي القوافل المليونية التي تتجه نحو كربلاء سيراً على الأقدام، تُلبي نداء الإمام الحسين عليه السلام وتجدد البيعة، وتظهر مظلومية الإمام الحسين(ع)، ولهذه الزيارة فلسفة وأهمية خاصة، يقول إمام مسجد السهلة المعظّم، بأن أهمية الزيارة تكمن بدايةً ما يظهر من قصد جابر الأنصاري الصحابي الجليل لهذه الزيارة وزيارة الإمام الحسين (ع) بهذه المناسبة، ولا يبدو أنها من إنشائه، فقد يكون موصى بها من قبل النبي صلى الله عليه وآله بالزيارة أو أحد الأئمة عليهم السلام، وحديث الإمام العسكري (ع) بأنها إحدى علامات المؤمن وما نشاهده على أرض الواقع من دروس وعبر وتفاني في خدمة الزائرين، ما يمكن أن تكون منهجاً أخلاقياً وتربوياً للأجيال للتعلم عملياً مما يريده أهل البيت عليهم السلام من خلق
في المجتمع.
مسيرة الأربعين إلتزام لإرادة الإنسان أمام قضية الحق
إلى أعظم مهمة لقضية الإمام الحسين(ع) وارتباطها بواقع اليوم أمام هذه الحشود التي تشارك بالأربعينية، انتقلنا في حوارنا مع سماحة السيد علي السيد حسين الحكيم، إذ يرى أن الإمام الحسين(ع) قدّم هذه التضحية العظيمة بالأصحاب والأهل والأقارب والأولاد والمال والنفس من أجل بقاء دين جده الحق الذي جاء به صلى الله عليه وآله، فلكي لا تذهب هذه التضحية سُدىً علينا أن نلتزم بما أراده الإمام الحسين(ع) من مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه وتكون مسيرة الأربعين بداية لتصحيح الخطأ وما تسوّل للإنسان نفسه وشيطانه بإرتكاب المعاصي، وأن تكون بداية للتخلق بالأخلاق الحسنة التي حثت عليها تعاليم الدين الحنيف وجعل الإنسان حياته اليومية كمسيرة الأربعين بما فيها من تضحية وإيثار.
دَعُوا العالم يدرك أن حشود الأربعين هي جيوش صاحب الزمان(عج)
حشود الأربعين التي تأتي من كل أنحاء الأرض لا تشبه أي حشود، الداخل إلى مسجد السهلة يمر بين مئات الآلاف من البشر من جميع الجنسيات دون استثناء، وحده حبّ الحسين الذي يجمعهم، يأتون الى مسجد السهلة في الكوفة سائلين المولى أن يكونوا من أنصار صاحب الزمان(عج)، وهذا يختصر مقولة: "دَعُوا العالم يدرك أن حشود الأربعين هي جيوش صاحب الزمان(عج)"، وفي ازدياد هذه الحشود التي تزداد عاماً بعد عام يرى السيد الحكيم أنه لا بد أن الهدف الأهم لتزايد هذه الأعداد والحشود هو تلبية النداء الحقيقي، وأن يكون الزائر واقعاً متهيئاً ومُعداً نفسه لأن يكون من أنصار الإمام الحجة(عج)، ولا تكون مسيرة الأربعين مجرد حدث عابر لا يؤثر في حياة الانسان وتربيته واستعداده، فلتكن زيارة الأربعين رسالة للعالم للإعداد لظهور الإمام(عج)، وأن شيعته هؤلاء لو كان إمامهم موجوداً فعلاً بين ظهرانيهم لكانوا أكثر استجابة وعطاء وتفاني له عجل الله فرجه فيمكننا أن نرغب العالم بظهور الإمام(عج) بسبب ما يرونه من معاني خلقية من شيعته.
الأربعينية رمزاً للمقاومة والدفاع المقدّس
هي الأربعينية، الطواف البشري الذي يعمّ العراق، من النجف الى الكوفة فكربلاء، طواف جماهيري عالمي لامس القلوب والوجدان، الزائرون يحملون في قلوبهم حب بلا حدود، وتلبية للحق أمام الباطل، الباطل الذي تكاثر مع الأيام، والحق الذي بتنا نشاهد الدفاع عنه في كل مكان، حتى باتت كربلاء رمزاً للدفاع عن الحق، والأربعينية بهذا الطوفان البشري ثقافة للمقاومة والدفاع المقدس، وهنا يقول إمام مسجد السهلة المعظّم أنه يمكن أن نجعل من مسيرة الأربعين منطلقاً لنفي الظلم والحفاظ على وحدة البلاد الإسلامية، والحفاظ على المكتسبات الوطنية والدينية من أعداء الدين والعقيدة، وأوضح شاهد على ذلك ما حصل من تلبية لهذه الجموع المؤمنة لفتوى المرجعية العليا بالدفاع عن البلد والدين من براثن وعدوان داعش وهمجيته وكيف كانت استجابة هذه الحشود السائرة للإمام الحسين(ع) وبقاء هذه المسيرة الخالدة تُزينها صور الشهداء الذين رووا بدمائهم أرض هذا البلد الغالي لننعم باستمرار هذه المسيرة ونحافظ
على أهدافها.
مسجد السهلة منطلقاً لمسيرة الأربعين
من يدخل مسجد السهلة المعظّم في مدينة الكوفة، يستمتع بالإستماع إلى ذكر صاحب العصر والزمان الذي يردده الحاضرون بإستمرار، وفي هذا يؤكد سماحة السيد الحكيم أن تعزيز ذكر صاحب الزمان(عج) في الأربعينيّة ليكون مسجد السهلة منطلقًا لمسيرتها يقوم على مجموعة مرتكزات هامة تبدأ من الإلزام بتكثيف الإعلام وتوجيه المؤمنين بلزوم أن يكون ذكر الإمام صاحب العصر والزمان(ع) حاضراً في كل حياة الإنسان ومسيرته ومن ذلك زيارة الأربعين والانطلاق نحو زيارة الإمام الحسين(ع) وتجديد الولاء والثبات على العقيدة الحقة، ولا بد أن يكون ذلك برعاية وعناية الإمام الحاضر إمام العصر والزمان(عج)، وذلك يكون باستذكار وجوده عبر زيارة مقر إقامته ودولته(ع) والتوكل على الله وتحت رعاية صاحب الزمان
عليه السلام.
الأربعينية: تمسك بالعقيدة وعزيمة
حكايا حب الإمام الحسين(ع) تنطلق من هنا، من هذا المسجد الذي يجمع هذه الجماهير البشرية التي جاءت من مختلف الدول لتلبي نداء الإمام الحسين(ع) وتجديد البيعة والتي تنتظر وتمشي تحت حرارة الشمس حتى يوم الأربعين، وهي ذات دلالات مختلفة أهمها كما يرى السيد الحكيم تمسك شيعة أهل البيت(ع) بعقيدتهم وأئمتهم وتعاليمهم، ولا يثنيهم عن عزمهم أي شيء، وحيث حثت الروايات على زيارة الامام الحسين(ع) مشياً فعن أبي سعيد القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله(ع) في غريفة له وعنده مرازم، فسمعت أبا عبد الله(ع) يقول: من أتى قبر الحسين(ع) ماشياً كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أتاه في سفينة فكفأت بهم سفينتهم نادى منادٍ من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة. كما أنه قد أصبح المشي في زيارة الأربعين شعاراً واحياءاً لشعائر الحسين(ع) فهذا التمسك بالزيارة بكل هذه الظروف دليل قوة عقيدتهم وحُسن
تمسكهم بها.
وصايا الإستعداد للأربعينية
وفي ختام اللقاء، أوصى إمام مسجد السهلة المعظم سماحة السيد علي السيد محمد حسن الحكيم بمجموعة من النقاط المهة إستعداداً للإنطلاق في مسير العشق نحو مدينة كربلاء المقدسة، تبدأ بأن يكون الزائر كما أراد له أهل البيت عليهم السلام في زيارة قبورهم التي هي كالحج والعمرة في القصد إلى الله تعالى لأنهم أبواب رحمة الله ووسائل التقرب إليه، فقد ورد عن الإمام الباقر (ع) - لما قال له بن مسلم: "إذا خرجنا إلى أبيك أفلسنا في حج؟ -: قال: بلى، قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج؟ قال: ماذا؟ قلت: من الأشياء التي يلزم الحاج؟ قال: يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك، ويلزمك قلة الكلام إلا بخير، ويلزمك كثرة ذكرالله، ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحير، ويلزمك الخشوع، وكثرة الصلاة، والصلاة على محمد وآل محمد، ويلزمك التوقير لأخذ ما ليس لك، ويلزمك أن تغض بصرك ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً والمواساة، ويلزمك التقية التي قوام دينك بها، والورع عما نهيت عنه، والخصومة، وكثرة الأيمان، والجدال الذي فيه الأيمان، فإذا فعلت ذلك تم حجك وعمرتك".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا زرت أبا عبد الله (عليه السلام) فزره وأنت حزين مكروب شعث مغبر جائع عطشان، فإن الحسين (عليه السلام) قُتل حزيناً مكروباً شعثاً مغبراً جائعاً عطشاناً، واسأله الحوائج وانصرف عنه ولا تتخذه وطناً وذلك حتى ينال الزائر المتبع لتعاليم أئمة أهل البيت عليهم السلام بركات دعاء الإمام الصادق عليه السلام حينما دخل عليه معاوية بن وهب فقد ورد عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول:" اللهم يا من خصنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوار قبر أبي عبد الله الحسين(ع) ، الذين أنفقوا أموالهم، واشخصوا أبدانهم، رغبةً في برنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنا بالرضوان، واكلا هم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك وشديد، وشر شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما أثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.اللهم أن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حفرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.اللهم إني أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس، حتى توافيهم من الحوض يوم العطش.
وفقنا الله وإياكم من جعل مراسم زيارة الأربعين شعاراً ومظهراً من مظاهر تربية وتعاليم أهل البيت(ع) لشيعتهم وبيان أثر ثورة الامام الحسين (ع) ونتائجها في إبقاء دين جده الحق كما جاء به من دون أثر لتلاعب الظالمين به والحمد لله
رب العالمين.