الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرون - ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرون - ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

في ظل المواقف و التصريحات المثيرة للجدل التي رافقته

انقلاب الغابون صنيعة فرنسية أم ثورة قصر؟

الوفاق/ خاص
جميل رحال
في 30 أغسطس/آب 2023، انتهى حكم علي بونغو في الغابون، بعد انقلاب عسكري قام بهه ضباط من فرقة الحرس الجمهوري (RGP)، وهي وحدة نخبة تحمي الرئاسة. وقد قاد المحاولة ضابط يدعى بريس كلوثير أوليغي نغيما، الذي أعلن أنه يمثل "اللجنة للانتقال واستعادة المؤسسات". وقال إنه يهدف إلى "إنهاء النظام الحالي" و"إعادة السعادة للشعب الغابوني".
مواقف مريبة
و أثارت ردود الفعل من قبل فرنسا و أوروبا على انقلاب الغابون، الكثير من شك حول طبيعته و دوافعه، فعلى الرغم من الإقدام على إدانة الانقلاب، إلا أن بعض التصريحات والمواقف التي صدرت لاحقاً منها تظهر تضاربًا أو تحفظًا في دعم حكومة بونغو، الذي كان يعد راعياً للمصالح الغربية و الفرنسية، و من قبله والده كذلك.
فمثلاً، فرنسا أعلنت إدانتها للانقلاب ومتابعتها للوضع عن كثب.  ولكنها لم تذكر اسم بونغو أو تطالب بإطلاق سراحه. كما لم تشير إلى أي تدخل عسكري لحماية حكومته، كما فعلت في انقلابات سابقة في إفريقيا، و آخرها انقلاب النيجر، التي سعت لتجييش افريقيا ضده و التهديد بالتدخل العسكري.  وبدلاً من ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية إن فرنسا "ستظل منفتحة على التطورات" في الغابون.
أما المفوض الأوروبي للأمن والخارجية، جوزيب بوريل، فأثار جدلاً حول مصداقية الموقف الأوروبي من انقلاب الغابون، بقوله "الانتخابات التي جرت في الغابون كانت مثيرة للجدل، ولم تكن ديمقراطية كاملة، الغابون ليست ديمقراطية كاملة، هي دولة تحكمها عائلة واحدة منذ خمسين عامًا".  وبهذه التصريحات، بدا بوريل و كأنه يبرر الانقلاب أو يدعمه بشكل غير مباشر و يقول أنه على حق.
فإذًا، يمكن القول إن الموقف الفرنسي والغربي من انقلاب الغابون يدعو للشك، فهو يختلف عن مواقفهم من الانقلابات السابقة في إفريقيا، ولا يظهر أي تضامن حقيقي مع حليفهم بونغو، كما جرت العادة مع حلفائهم الآخرين.
علاقة بونغو المتوترة مع فرنسا
الرئيس بونغو الابن هو علي بونغو أونديمبا، تولى الحكم في الغابون في عام 2009، خلفا لوالده عمر بونغو أونديمبا، الذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود. وهو حليف قديم لفرنسا، التي كانت القوة الاستعمارية السابقة للغابون، والتي حافظت على علاقات اقتصادية وعسكرية معه، ولكن علاقة بونغو بفرنسا شهدت تدهورا وتوترا في السنوات الأخيرة، لعدة أسباب، منها الأصوات التي تعالت في فرنسا و اتهمت بونغو بالفساد والاستيلاء على المال العام، و وصل الأمر إلى إطلاق السلطات الفرنسية تحقيقًا في ثروة عائلة بونغو، وصادرت بعض ممتلكاتهم في فرنسا. وأثار هذا التحقيق غضب بونغو، الذي اعتبره تدخلا في شؤونه الداخلية، وانتهاكًا لسيادته ، كما اختلف بونغو مع فرنسا حول قضايا سياسية وإقليمية، مثل التدخل في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ،و من جهة أخرى فقد حاول بونغو الإبتعاد عن فرنسا و الإتجاه نحو شركاء دوليين آخرين، مثل الصين والمغرب و بعض الدول الإسلامية ، فمثلاً أقدم بونغو على ضم بلاده إلى مجموعة "الكومنولث" للدول الناطقة بالإنجليزية في مؤشر واضح على رغبته بالإبتعاد عن الفرنسيين. و على الرغم من كل هذه الأمور و لاسيما قضايا الفساد المالي و الإنتخابي و غيرها، إلا أن القيادة الفرنسية كانت تغض الطرف عن بونغو, طالما يقوم بحفظ مصالحها في بلاده، و تجلى ذلك في إقدامها على طرد نائب الدولة للتعاون الفرنسي الأفريقي في حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي "جان ماري بوكيل" من منصبه، فقط لأنه هاجم بونغو على الملأ.
السيناريوهات محتملة
و بعد كل ما استعرضناه من معطيات، بإمكاننا القول أن هنالك سيناريوهين محتملين لهذا الانقلاب، السيناريو الأول: أن الانقلاب صنيعة فرنسية و فرنسا هي التي تقف وراءه، و ذلك سعياً منها إلى استبدال بونغو بشخص تعرفه من داخل نظامه، فقط ليكون وجهًا جديدًا يرعى المصالح الفرنسية في الغابون، لاسيما مع تدهور علاقة بونغو بفرنسا خلال السنوات الأخيرة، و تطبيقًا لما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بعد انقلاب النيجر، بأنه يجب البحث عن شركاء جدد لفرنسا في أفريقيا، خصوصا مع حدوث سلسلة انقلابات ذات نزعة معادية للغرب و فرنسا، فأرادت الأخيرة أن تتدارك الموقف قبل أن يحدث انقلاب من نوع آخر تقوم به قوى وطنية تريد استغلال الصحوة المنتشرة حالياً في المنطقة، أو حتى انقلاب بدعم خارجي، لاسيما أن أنظار القوى الكبرى في العالم متجهة حاليا نحو افريقيا، فلهذا و جدت فرنسا ضالتها في نغيما ، فهم على معرفة جيدة به لأنه من أقرب المقربين من عائلة بونغو، وكان يعمل كحارس شخصي لعمر بونغو، وكان مسؤولًا عن أمن علي بونغو.
أما السيناريو الثاني أن الانقلاب لم يكن نتيجة لتنسيق فرنسي، ولكن سعت فرنسا والغرب إلى احتوائه.حيث قام الانقلاب من داخل النظام ونُفِّذ بواسطة شخصية مُقربة جدًا منه، ومن الممكن أن يكون هذا الانقلاب نتيجة لخلافات وتطلعات شخصية وسياسية،- هذا ما أشار إليه المعارض الغابوني أوندو أوسا الذي وصف الانقلاب بأنه "ثورة في القصر" حيث قال: "يجب أن نضع هذا الأمر في سياقه، فهو ليس انقلابًا عسكريًا بل ثورة في القصر-  و لكن و على الرغم من أن أوروبا و فرنسا سارعوا في البداية إلى التنديد بالإنقلاب الذي أطاح بحليفهم ،إلا أن تصريحاتهم و مواقفهم التالية قد تعكس رغبتهم باحتواء الإنقلاب من خلال مواقف غير تصعيدية ، و بدى ذلك واضحاً بالمقارنة مع مواقفهم اتجاه انقلاب النيجر، من ناحية عدم التجييش و التلويح بتدخل عسكري و غيرها من المواقف، فلعلهم أرادوا طمأنت قادة الانقلاب، بأنهم على استعداد للحوار والتعاون معهم،خشية أن يسعى الإنقلابيون-في حال احساسهم بالخطر- إلى البحث عن دعم من قوى خارجية أخرى، مثل الصين أو روسيا أو تركيا و غيرها من الدول التي قد تستغل الفرصة للتدخل، كما حصل في بعض الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات مماثلة.
على أي حال و بغض النظر عن الحقيقة الكامنة وراء هذا الانقلاب، سواء كانت نتيجة تدبير فرنسي أو أنه ثورة قصر، يظل الواقع واحدًا ، وهو أن هذا الإنقلاب يختلف تمامًا عن ما حصل في النيجر وغيرها من الدول التي شهدت انقلابات تحمل نزعة استقلالية مناوئة لفرنسا و الغرب و مصالحهم الإستعمارية، فإما أن يكون هذا الانقلاب استمرار للهيمنة الفرنسية على الغابون، ولكن بحلة جديدة، أو محاولة لتجديد وجه نظام فاسد ومستبد، دون أي تغيير في طبيعته، و تبعيته.

البحث
الأرشيف التاريخي