تطورات الشرق السوري.. تحفيز اقتصادي على المواجهة
زياد غصن
كاتب ومحلل اقتصادي
لم يكن متوقعاً أن تكتفي الولايات المتحدة الأميركية فقط بمراقبة خطوات التقارب الاقتصادي بين دمشق وبغداد، وهي تتعزز أكثر فأكثر، مهددة بكسر الحصار الاقتصادي المفروض غربياً على سوريا من جهة، وبفتح مزيد من مسارات التعاون بين محور طهران-بغداد-ودمشق، من جهة ثانية، الأمر الذي من شأنه أن يبطل واحدة من الغايات الرئيسية لوجود واشنطن في التنف والشرق السوريين.
ولذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتطور بين دمشق وبغداد، لابدّ أن يكون حاضراً في التقييم الأميركي للمشهد العام في المنطقة، وما بني عليه لاحقاً من إجراءات تصعيدية، زادت من احتمالية حدوث مواجهة عسكرية مباشرة في الشرق السوري، بين الولايات المتحدة وتحالفها المزعوم لمحاربة "داعش" والفصائل المحسوبة عليها، وبين القوات السورية وحلفائها. إذ من السذاجة بمكان التوقع ألا تقوم واشنطن بأي ردة فعل حيال إمكانية تبني الحكومة العراقية مثلاً لمشروع إعادة العمل بالأنبوب النفطي المار بالأراضي السورية، والمتوقف عن العمل منذ ثمانينيات القرن الماضي. كذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع الربط السككي وغيرهما من مشروعات مشتركة بين سوريا والعراق.
ثلاثة أشياء مخيفة لواشنطن
ثمة اعتقاد أميركي مفاده أن العلاقات الاقتصادية السورية-العراقية يمكن أن تذهب إلى أبعد مما هو معتاد في علاقات الدول العربية مع سوريا منذ العام 2011، والتي لم تخرج عن نطاق التبادل التجاري المقيّد بالعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على دمشق. اعتقاد بدأ مع وقوف بغداد إلى جانب دمشق في محنة الزلزال المدمر في شباط/فبراير الماضي، وتعزز أكثر مع الزيارات الرسمية المشتركة، والتي توجت بزيارة رئيس الوزراء العراقي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، فضلاً عن التصريحات الصادرة عن المسؤولين العراقيين حيال فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين وآفاقها المستقبلية. وهي تصريحات كان سقفها مرتفع جداً، ويتعارض بشكل واضح مع ما نص عليه قانون "قيصر" من قيود وعقوبات على علاقات أي دولة أو جهة أو حتى أفراد مع سوريا. وأكثر ما يقلق واشنطن اقتصادياً في علاقات دمشق وبغداد، والتي ربما كانت أحد الدوافع الرئيسية لإجراءات التصعيد الأخيرة والتي تتعدد السيناريوهات المحتملة لنهايتها، ثلاثة أشياء أساسية هي:
-تزايد حاجة البلدين إلى إعادة تشغيل أنبوب تصدير النفط العراقي عبر الأراضي والموانئ السورية والمتوقف منذ بداية الثمانينيات. إذ من شأن إعادته إلى العمل مساعدة دمشق على حل أزمة المشتقات النفطية التي تعاني منها بفعل احتلال واشنطن لحقول النفط في الجزيرة. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن وزير النفط السوري وقع في العام 2011 على مذكرة تفاهم مشتركة مع نظيريه العراقي والإيراني، لإنشاء مشروع خط لنقل الغاز الإيراني عبر العراق إلى سوريا كمرحلة أولى، ومنها عبر البحر المتوسط إلى اليونان، ثم إيطاليا كمرحلة ثانية، وباستطاعة إجمالية تصل إلى 110 مليون متر مكعب يومياً، ثم تم تأكيد المشروع في العام 2013 من خلال توقيع وزراء النفط في الدول الثلاث على مذكرة تفاهم أخرى.
-مساعي البلدين إلى إحياء مشروعات الربط السككي بينهما، والتي كانت قد قطعت أشواطاً كبيرة قبيل العام 2011 تمهيداً للربط مع شبكة السكك الحديدية الإيرانية، وهو ما يعني عملياً تدفقاً واسعاً للسلع والبضائع بين الدول الثلاث.
-تزايد معدلات التبادل التجاري عبر المعابر الحدودية وتقديم مزيد من التسهيلات كالسماح للشاحنات السورية المحملة بالمحاصيل والمنتجات الزراعية دخول الأراضي العراقية والوصول إلى جميع أسواقها من دون أية عوائق، وذلك تنفيذاً للاتفاقية الزراعية التي وقعت في شهر آذار/مارس الماضي بين أربع دول عربية. لكن جوهر الخوف الأميركي يكمن في إمكانية معاودة بغداد تزويد دمشق بالمشتقات النفطية براً كما حصل خلال الأسابيع الأولى لوقوع الزلزال. وحسب المعلومات الخاصة التي وصلت إلى دمشق، فقد تمت بالفعل مناقشة هذا الأمر في اجتماعات للحكومة العراقية، وكانت هناك مؤشرات إيجابية على تزويد دمشق بالمشتقات النفطية وبتسهيلات ائتمانية خاصة.
تأثيرات اقتصادية
بالأهمية نفسها، وربما أكثر، تتبدى مصلحة اقتصادية كبيرة لمحور طهران، بغداد، ودمشق في المواجهة المحتملة، فإلى جانب ما ذكر سابقاً، فإن استعادة الحكومة السورية السيطرة على حقول النفط والقمح الواقعة شرق البلاد تمثل أولوية اقتصادية كبرى في هذه المرحلة. ولذلك، ما ستؤول إليه تطورات الشرق السوري خلال الفترة القادمة ستكون له بالتأكيد، وإلى جانب التأثيرات الأخرى، تأثيرات اقتصادية متباينة تبعاً لماهية النتائج المتحققة ميدانياً، فإن نجحت الخطوة الأميركية في عزل اقتصاديات الدول الثلاث عن بعضها فهذا يعني إحكام الحصار الاقتصادي على سوريا وتحييد إيران عن جزء هام من البيئة المحيطة بها، وإن فشلت الخطوة وتمكنت دمشق وحلفاؤها من إحباط المشروع الأميركي، فإن الفترة القادمة ستشهد مزيداً من التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، وربما تذهب الأمور إلى أبعد
من ذلك.