الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة عشر - ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وتسعة عشر - ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

شكلت ظاهرة قوية بسبب مصداقيتها وقدرتها

المنشأ التاريخي للعادات العاشورائية

شكلت واقعة كربلاء حدثاً مدوياً في التاريخ الإسلامي واحتلت مكانتها بل حفرت وجودها في كل كتب التاريخ العربي والاسلامي لمّا تركته من مآلات ومخرجات عند المسلمين الذي ناهضوا الحكم الأموي والعباسي. لقد استقرت نهضة الإمام الحسين (ع) في الوجدان الشيعي لتتعداه إلى الوجدان الانساني، وحفظت الهوية الشيعية عند مواليهم على طول وعرض التاريخ لتوصلها الى وقتنا الحاضر، وستمتد إلى عمق المستقبل.
فالحركات الاحتجاجية (ثورات العلويين ضد الحكم الأموي) التي ظهرت بعد الواقعة شكلت ظاهرة قوية جداً بسبب مصداقيتها وقدرتها على ربط الإنسان المنتمي إلى مدرسة أهل البيت(ع) بالواقع الاجتماعي والسياسي ربطاً محكماً. وعبرت هذه الممارسات (مناهضة الحكم الجائر)عن حاجات الناس وطموحاتهم وآمالهم. لأن أي ظاهرة أو فكرة لا يمكن قطعها عن جذورها وسياقاتها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي نشأت عنها وفيها، وتطورت بموجبها وتبلورت في إطارها، وهذا ما عبرت عنه المراسم والطقوس العاشورائية التي استمدت وجودها وشرعيتها من عقيدة الولاء لأهل البيت(ع)، والتي نزلت إلى الوجدان وتجذرت في الذاكرة الشعبية. وبذلك كونت وحدة عقائدية واجتماعية ونفسية قوية يصعب جداً تفكيكها.
المراسم العاشورائية متوارثة من جيلٍ إلى جيل
تُعد المراسم العاشورائية مراسم حزن وعزاء ، وقد توارثها الشيعة جيلاً بعد جيل، وقد بذل أتباع آل البيت (ع) مهجهم في سبيل الحفاظ على هذه الشعائر واستمرار ديمومتها،وقاوموا أعتى أنظمة الطغيان التي حاولت طمس هذه الطقوس العزائية، والتي صارت هوية عقائدية للمذهب الشيعي.
وهذه الشعائر الحسينية هي بحق مدرسة للفضيلة، وللتضحية بالنفس، ولمقارعة الطغاة والوقوف بوجههم، لذا تجد على مر العصور أن جميع الطغاة يشتركون في خصلة واحدة، وهي معاداة ومحاربة الشعائر الحسينية، والطقوس العاشورائية، لأنها عنوان لرفض الظلم، ومحرك ذاتي للوقوف بوجه الفساد وجور الحكام، فأخذ الطغاة محاربة الشعائر وبوسائل مختلفة. وقد جرت وقائع وأحداث كبيرة نتيجة ممارسة الطقوس الحسينية تارة بصورة سرية أخرى علنية تبعاً للتطورات السياسية التي كان يمر بها أتباع مدرسة أهل البيت(ع) مما عزز ربطهم بالانتماء الشيعي.
إنّ الحديث عن المنشأ التاريخيّ للعادات المتّبعة في المآتم الحسينيّة "مآتم عاشوراء" يقتضي أن نلفت النظر إلى أنّ العادة والتقليد قد تكون منطلقة من واقع اجتماعيّ أو سياسيّ بغضّ النظر عن منشأ أو منطلق تشريعيّ أو مصدر دينيّ، هذا في العموم وما يتعلّق بعادات عاشوراء بشكل خاصّ، مع ما عاناه الشيعة في التاريخ - وهم الفئة التي تحيي هذه المناسبة - وقد مرّوا بظروف معقّدة وصعبة على مستوى العلاقة مع السلطات الحاكمة في المراحل كافّةً، تكشف القراءة لهذه المراحل أنّ بعض عادات عاشوراء لم تنشأ من منطلق شرعيّ أو مصدر دينيّ، وأن بعضها حظي بتأييد من الفقهاء والبعض الآخر، اختلف فيه.
نشأة المأتم الحسيني العاشورائي
يرجع تاريخ النشأة الفعلية والانطلاقة الأولى للمأتم العاشورائي بدايةً إلى نجد أن الأمر يدور بين حالة عفوية وهي المواقف التي أظهرت حالة الحزن عبر إقامة المأتم والحداد والندب والعزاء من دون تخطيط مسبق عن قصد وتنظيم معين، وقد سجل التاريخ عددًا منها، بعضها كان فرديًّا وبعضها كان جماعيًّا. ومن الحالات الفردية أم سلمة (رض): لما بلغها مقتل الإمام الحسين(ع) قالت: “أوَ قد فعلوها؟ ملأ الله قبورهم نارًا، ثم بكت حتى غشي عليها”. وكذلك زيد بن أرقم الذي  قيل إنه كان حاضرًا على فعل ابن زياد، فقال له:" مه، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رأيت رسول الله (ص) يلثمها ثم خنقته العبرة، فبكى، فقال ابن زياد: مم تبكي؟ أبكى الله عينيك، والله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت رأسك”.
أمّا الحالات الجماعية فكان منها بكاء من حضر وداع السيدة زينب (ع) لجسد الحسين(ع) في الحادي عشر من المحرم، حيث ودعت أخاها بمرثية جاء في بعضها: “يا محمداه.. وبناتك سبايا وذريتك مقتلة، تسفى عليها الصبا”، وقد أبكت كل عدو وصديق. وكذلك بكاء الهاشميات والأنصار في المدينة: وقد وردت الأخبار الكثيرة في وصف الحالة التي آلت إليه المدينة المنورة عند رجوع ركب نساء الامام الحسين(ع) إليها. فقالوا: “عجَّت نساء بني هاشم وصاحت المدينة صيحة واحدة”. وقالوا: “تصارخت النساء من كل ناحية، حتى ارتفعت المدينة بالرجمة التي ما سمع بمثلها قط”.وكذلك استقبال أهل مصر للسيدة زينب(ع): “فقد وردت الأخبار أن والي مصر ومن معه من أهلها عندما استقبلوها في بلبيس من نواحي مصر، استقبلوها بالتعزية والبكاء والنحيب”.
فإن العزاء وظاهرة الحزن والبكاء، برزت في أغلب ولايات ومناطق الدولة الإسلامية على الإمام الحسين(ع) في حينها، والأمثلة التي قدمناها تدل على ذلك وإن كان بشكل عفوي غير منظم أو مقصود.
أمّا الحالة المنظمة من إقامة المآتم العاشورائية فبدأت مع  حركة التوابين: نشأت الطقوس ابتداءً من حركة التوابين بقيادة سليمان ابن صرد الخزاعي سنة 65 ه حيث قاموا بنوع من الاحتفالات الشعائرية الرمزية فنشأة بذلك اول حركة مقاومة للحكم الاموي رافعين شعار “يا لثارات الحسين” واعتبرت اول نواة للاحتفال بذكرى عاشوراء. حيث تم إعلان التوبة والبدء بمقاومة الحكم الأموي. وكذلك ينقل الدكتور إبراهيم الحيدري في كتابه ” تراجيديا كربلاء سوسيولوجيا الخطاب الشيعي” إن المختار الثقفي سنة 66 ه أول من أقام احتفالاً تأبينيا في داره في الكوفة بمناسبة يوم عاشوراء وأنه أرسل بعض النادبات إلى شوارع الكوفة لتندب على  الإمام الحسين (ع)، كما يذكرها “ابن قتيبة" في الإمامة والسياسية.
مجالس أئمة أهل البيت (ع)
يقول السيد محسن الأمين: “إنهم – أي أئمة أهل البيت (ع)- بكوا على الحسين وعدّوا مصيبته أعظم المصائب، وأمروا شيعتهم ومواليهم وأشياعهم بذلك، وحثوا عليه، واستنشدوا الشعراء في رثائه، وبكوا عند سماعهم، وجعلوا يوم قتله يوم حزنٍ وبكاء، وذمّوا من اتخذه عيدًا، وأمروا بترك السعي فيه في الحوائج، وعدم ادخار شيء فيه، فالأخبار فيه مستفيضة عنهم، تكاد تبلغ حد التواتر، رواها عنهم ثقات شيعتهم ومحبيهم بأسانيدها المتصلة إليهم(ع).
البويهيون
عندما سيطر البويهيون على الحكم في بغداد شهدت تلك الفترة تحولاً جديداً في أداء الطقوس بشكلٍ علني وفعال وجماهيري في شوارع بغداد. مما أدى إلى إشعال صراع طائفي بين السنة والشيعة. هذا وقد تم الإعلان رسمياً وعلنياً في الفترة البويهية عن “هوية التشيع”، حيث تطورت الطقوس بشكلٍ كبير وطافت مواكب العزاء شوارع بغداد وبصورة علنية تدعمهم السلطة، وإلى جانبها تطور الفكر والفقه الشيعي وظهرت كتب العلامة الشيخ المفيد، والعلامة الصدوق والشيخ الكليني والشيخ الطوسي وغيرهم من أعلام الشيعة في تلك الفترة. وهنا تحولت وتطورت الطقوس من إعلان التوبة الى إعلان الهوية للجماعة الشيعية وتشكل كيانها بشكلٍ واضح وصريح، ومتميزة بطقوسها وبفقهها وفكرها وبرجالها ومعتقداتها.
في ذلك الوقت ظهرت المواكب الحسينية، وتعمير مراقد الأئمة(ع) وزيارتها، وأضيف إليها الاحتفال بعيد الغدير وبصورة علنية، وتم انشاء حوزة النجف الدينية على يد شيخ الطائفة الطوسي.
خلاصة القول يمكننا أن نعتبر أن النشأة العامة للمأتم الحسيني العاشورائي، كانت بأمر أو موافقة أو تأييد الأئمة (ع)، وقد مهدت المآتم العفوية للمآتم المنظمة الهادفة، واستمرت حتى وصلتنا في العصر الحاضر.
نشأة عادات المآتم العاشورائية
إنّ الحديث عن العادات المتبعة التي اكتسبتها مراسم المأتم الحسيني العاشورائي (الشعر- الندب- والنواح- المواكب- القراءة وأطوارها- اللطم وغيرها )
يقتضي أن نُبيِّن العوامل التي ساهمت في ترسيخ هذه العادات وساهمت في استمرارها وتطويرها مع بيان مراحل النشوء، فالدراسات تؤكد أنه لم تنشأ في وقت ومرحلة واحدة ومعينة بل كانت تطرأ على المجالس الحسينية والمآتم العاشورائية، وفق الظروف الاجتماعية أو السياسية المحيطة بالشيعة، ويمكن أن نعبِّر عن ذلك “بمراحل النشأة”.
مرحلة الأئمة وأهل البيت (ع)
من الواضح وفق الأمثلة التي مرت علينا حث الأئمة(ع) وأنشأوا المآتم، وأنها لم تتجاوز استخدام الشعر والرثاء بنوعيه (الندب والنواح)، وقراءة وانشاد الشعر ، وتجمع آل البيت عليهم السلام واتباعهم لاقامة العزاء على سيد الشهداء(ع) في ذكرى عاشوراء، وكان ذلك من العادات المتبعة حينها.
ولم يطرأ على المآتم في عصرهم جديد، سوى نوع من الاستخدام في أسلوب قراءة الشعر، كما حدث مع أبي هارون المكفوف: عندما دخل على الإمام الصادق(ع) يقول: قال لي: “يا أبا هارون أنشدني في الحسين، قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون – يعني بالرقة- قال فأنشدته: "أمرر على جدث الحســين فقل لأعظمه الزكية” قال فبكى ثم قال: زدني: قال: فأنشدته القصيدة الأخرى فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر”.
وكذلك ذكرت بعض المصادر الأدبية: أن السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع) كانت تولي شعر النياحة اهتمامًا كبيرًا… ونقل عن جماعة من شيوخ مكة: “أن سكينة بنت الحسين(ع) بعثت إلى سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنًا يناح به والشعر هو: يا أرض ويحكم أكرمي أمواتي فلقد ظفرت بسادتي وحُماتي. ويذكر أنها لم تكتف بنوح ابن سريج بل بعثت إليه بمملوك لها يقال له عبد الملك، وأمرته أن يعلمه النياحة، فلم يزل يعلمه مدة طويلة.
وهكذا فالشعر والندب والنواح وقص ما حدث في مقتل  الإمام الحسين (ع) هي العادات والوسائل التي اتبعت في مرحلة الأئمة (ع)، وكان أول من قال الشعر في الإمام الحسين(ع) غير أهل كربلاء: بشر بن حلذم عندما طلب منه الإمام زين العابدين(ع)  أن ينعى الإمام الحسين(ع) لأهل المدينة، عند وصول ركب نساء الامام الحسين(ع) إليها، وقرأ عليهم أبياته المشهورة:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها
 قتل الحسين فأدمعي مدرار
أمّا في مرحلة الحكومات الشيعية فهناك بعض الأمثلة على تلك العادات التي اتبعت إما بطلب تلك الحكومات أو بتأييدها لها.
البويهيون
في هذه المرحلة وفي بغداد بأمر معز الدولة البويهي، نشأت عادات جديدة منها الخروج إلى الشوارع بالندب والنواح والإنشاد أي بداية تأسيس لنوعٍ من المواكب، كما كان يفعلها عامة الناس عند فقد أحبائهم كصبغ الوجه بالسواد ولطم الصدور والوجوه وشق الثياب، أيضًا دخلت بشكلٍ متدرج في المأتم العاشورائي.
الفاطميون
يقول المقريزي في خططه: “انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين، قبر كلثوم ونفيسة، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين(ع).. وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية والكافورية في أيام عاشوراء سنة 350 هـ.
وهنا إشارة إلى وجود الشيعة قبل الفاطميين وإحيائهم للمأتم العاشورائي، ومع وصول الفاطميين إلى الحكم حدث تطور مهم في مراسم العزاء الحسيني، وإن تأثر المصريين بعزاء الحسين (ع)مرجعه إلى سنة 61 هـ حين قدوم السيدة زينب (ع).
وقد اتخذت المراسم أشكالًا تطورت من عام إلى عام منذ السنة الأولى لدخول المعز الفاطمي إلى مصر سنة 363 هـ، وكان أكبر تطور على المآتم الحسينية وقوتها بعد سنة 548 هـ بعدما نُقل رأس الحسين(ع) – على ما قيل- من مدينة عسقلان في فلسطين إلى القاهرة حيث مدفنه في المسجد المنسوب إليه اليوم..
الصفويون
سيطر الصفويون على معظم إيران وأفغانستان والعراق، وكانت عاصمتهم أصفهان في إيران، حكموا من (1502 – 1736 م) دخل الشاه إسماعيل الصفوي إلى بغداد في 914 هـ، وقد لقيت المآتم الحسينية رعاية خاصة منهم “عندما تولى السلطة على العراق الصفويون أو غيرهم من الإيرانيين، كان الإقبال على إقامة هذه المآتم والنياحات عظيمًا وكانت حرية الشيعة في إحياء الذكرى الأليمة مضمونة، وقد غالى الشيعة في إقامتها”.
لقد أولى الصفويون اهتمامًا كبيرًا بالمآتم الحسينية وبقية مراسم العزاء باعتبارها من أنجح الطرق الشيعية العاطفية في نشر التشيع الذي تبناه الصفويون، وعملوا على نشره في إيران وإعلانهم المذهب الشيعي مذهبًا رسميًّا للبلاد، فاستخدموا العزاء الحسيني سياسيًّا ودعائيًّا لنشر التشيع وبسط نفوذهم، وشجعوا على إقامة المآتم وزيارة العتبات المقدسة في إيران والعراق، وبذلوا أموالًا طائلة في عمارة مراقد الأئمة(ع).
ولقد استحدث الصفويون منصبًا وزاريًّا جديدًا باسم وزير الشعائر الحسينية، وقد أدخلت هذه الوزارة الكثير من العادات على مراسم المأتم الحسيني العاشورائي: مثال: النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال، والتطبير، واستخدام الآلات الموسيقية، وأطوارًا جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى.
ختاماً في المآتم الحسينية  تتّخذ العاطفة والحماسة شكل المعرفة والشعور، ويبقى الإيمان حياً في قلوب الموالين لأهل البيت (ع). وتُحافظ مدرسة عاشوراء على دورها في كونها فكراً بناءً وحادثة تستلهم منها الدروس. المآتم إحياء لمنهج الدم والشهادة، وإيصال صوت مظلومية آل البيت (ع) إلى أسماع التاريخ..
ولهذه المآتم دورٌ مهم في الحفاظ على ثقافة عاشوراء. وهي تنقل أقوى الصلات عن طريق مزج العقل والمحبّة والبرهان والعاطفة الذي تجسد في كربلاء. وفيها البكاء على مظلومية الإمام ومن خلالها أيضاً يفهم هدف الإمام من ثورته. فالمآتم التي تقام في البيوت، ومواكب العزاء، وهيئات الضرب بالسلاسل، وارتداء السواد، ورفع الرايات وتوزيع الماء والشربت، والعمل على إقامة مجالس الرثاء والبكاء تمثل في حقيقتها نوعاً من تجنيد طاقات الأمة في خندق الجبهة الحسينية..

 

البحث
الأرشيف التاريخي