في ظل رغبتها بتعزيز نفوذها غرب افريقيا
هل تسعى تركيا لإستغلال الفرص الناجمة عن انقلاب النيجر ؟
الوفاق/ يبدو أن الانقلاب في النيجر قد وفر فرصًا جديدة لحكومة أردوغان لتوسيع نفوذها و استغلال التغييرات السياسية لتتماشى مع تفضيلات أنقرة. بدأت تركيا بهدوء الإجراءات السياسية لتعزيز مصالحها الخاصة وملء الفراغ السياسي في النيجر على خلفية انقلاب شدد المشاعر المناهضة للغرب داخل البلد،و لكنه تسبب في العديد من التحديات المالية والاقتصادية للنيجر.
أردوغان يشيد بالإنقلاب
جاء أبرز مؤشر على الدعم الضمني التركي للحكم العسكري في النيجر مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. في خطبة الجمعة 4 أغسطس، أشاد أردوغان بقرار الحكام العسكريين في نيجير بوقف صادرات اليورانيوم والذهب إلى فرنسا، قائلاً: "نحن نسعى جاهدين للحفاظ على علاقات إيجابية معهم"، و انتقد أردوغان فرنسا لما وصفه بالظلم والقمع التاريخي الفرنسي في أفريقيا، مشيرًا إلى أن توقف نيجير عن التصدير كان ردًا على الإجراءات القمعية الفرنسية. وأشار إلى أن هذه الإجراءات "القمعية" لا تقتصر على نيجيريا، بل امتدت أيضًا إلى الجزائر ورواندا ومالي.
و أشار أردوغان إلى صادرات الحبوب إلى أفريقيا من أوكرانيا وروسيا عبر البحر الأسود، مشددًا على أن موقف تركيا يتوافق مع روسيا، بمعنى أن لدى البلدين مظالم مماثلة في هذا الصدد من الدول الأوروبية. ووفقًا له، أدت سياسات الدول الأوروبية إلى تعريض الدول الفقيرة للضغوط.
الدولة العميقة تدعم الإنقلاب
جاء المؤشر الثاني عن وجهة نظر تركيا حيال التطورات في النيجر من خلال بيان أصدره المجلس الأعلى للأمن القومي التركي. هذه الهيئة، المعروفة على نطاق واسع باسم الدولة العميقة في تركيا، تلعب دورًا محوريًا في تشكيل السياسة الخارجية والأمنية للبلاد. صدر البيان في اجتماع برئاسة أردوغان وحضور قادة الجيش ورؤساء الاستخبارات وعدد من وزراء الحكومة، و وفقًا لهذا البيان، لم تمتنع تركيا فقط عن إدانة أو انتقاد الانقلاب في النيجر، بل وقفت بشكل دبلوماسي أمام سخط الدول الغربية ومعارضة الانقلاب. ينص البيان على أنه "يجب حل قضايا هذه القارة من قبل أولئك الذين ينتمون إليها". علاوة على ذلك، خلافًا لبيان وزارة الخارجية التركية الذي صدر في 27 يوليو/تموز واستخدم مصطلح "انقلاب" لكنه امتنع عن إدانة أو انتقاد صريح لقادة الانقلاب - امتنع بيان المجلس الأعلى للأمن القومي التركي صراحة عن وصف الاستيلاء العسكري بأنه انقلاب، و ربما يعكس هذا البيان بشكل أكبر وجهات نظر القيادة السياسية والعسكرية الفعلية في تركيا، في حين يمكن اعتبار بيان وزارة الخارجية موقفًا دبلوماسيًا يهدف إلى إرضاء الجماهير الخارجية.
ادعاء تركي
وبالمثل، نشرت الأناضول، وكالة الأنباء الحكومية التركية، تقارير وتحليلات أكدت على مشاركة تركيا المتزايدة في أفريقيا والتي ساعدت في تعزيز المشاعر المناهضة للغرب في المنطقة. في 4 أغسطس/آب، أكدت الوكالة أن تصريحات أردوغان، جنبًا إلى جنب مع جهود المؤسسات الحكومية مثل مؤسسة الشؤون الدينية (القناة الرسمية لتصدير الإسلام السياسي خارج البلاد) والوكالة التركية للتعاون والتنمية (منظمة شريكة للمخابرات التركية تحت غطاء المساعدات الإنمائية)، ساهمت مجتمعة في تعزيز المشاعر المناهضة للإمبريالية والاستعمار في غرب أفريقيا.
ترحيب نيجري
يبدو أن قادة النيجر العسكريين قد اعترفوا بالدعم الضمني التركي لجهودهم للحفاظ على سيطرتهم وسط ضغوط متزايدة من الدول الغربية وائتلاف دول المنطقة. وفقًا لبيانات من FlightRadar24، منصة مراقبة حركة الطيران، في 8 أغسطس/آب، على الرغم من إغلاق المجال الجوي النيجيري في 4 أغسطس بسبب القلق من تدخل عسكري محتمل من كتلة غرب أفريقيا الإقليمية، نجحت طائرة إيرباص A330 التابعة للخطوط الجوية التركية في إجراء رحلة ذهابًا وإيابًا بين إسطنبول ونيامي. جاء قرار الحكومة العسكرية النيجيرية بإغلاق مجالها الجوي ردًا على المهلة التي حددتها مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية لاستعادة الحكم المدني بقيادة الرئيس المخلوع محمد بازوم.
و خلال المسيرة التي نظمها الحكم العسكري لأنصار الانقلاب في العاصمة نيامي لإظهار دعمه الشعبي، رفع المشاركون علم تركيا كرمز للامتنان لموقف حكومة أردوغان تجاه الأحداث الجارية في النيجر.
وفي 10 أغسطس/آب، نشرت قناة المعارضة التركية Halk TV تقريرًا غير مؤكد مفاده أن وكالة الاستخبارات التركية، ميت، جنبًا إلى جنب مع صهر أردوغان سلجوق بايراكتار، ربما شاركا في الانقلاب العسكري في نيجيريا. ومع ذلك، لم يقدم التقرير تفاصيل محددة حول كيفية مشاركة تركيا في عزل الرئيس بازوم.
و في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كشفت وثائق سرية أن سفارات تركيا في عواصم دول المنطقة في غرب أفريقيا نشطت في جمع معلومات عن منتقدي حكومة أردوغان هناك. تقدم هذه الوثائق نظرة ثاقبة إلى حقيقة أن السفارات التركية جمعت معلومات عن المواطنين الأتراك المشتبه في انتمائهم إلى حركة غولن، ومعارضة أردوغان، وكذلك المعلمين الأتراك، وممثلي الجمعيات المحلية، ورجال الأعمال، وأفراد أسرهم المقيمين في المنطقة. توجد العديد من الوكالات التركية نشطة في النيجر، بما في ذلك مؤسسة الشؤون الدينية التركية، وهي مؤسسة حكومية ذات أصول كبيرة وميزانية سنوية تتجاوز مليار ليرة تركية.
مصالح تركية
يعود تاريخ العلاقات التركية مع النيجر إلى عام 1967 عندما أنشأت البلدين علاقات دبلوماسية، وبعد فترة طويلة، تم افتتاح السفارتين في 2010. في سياق جهود توسع تركيا في أفريقيا والتفاعل الإيجابي مع القارة، زادت الزيارات المتبادلة بين البلدين في الفترة الأخيرة،و تسعى تركيا لتحقيق منافع اقتصادية وسياسية وعسكرية في النيجر من خلال توسيع نفوذها هناك. فعلى المستوى الاقتصادي، تستفيد تركيا من امتلاك النيجر لمخزون كبير من اليورانيوم والذهب، إذ تستورد تركيا نحو 15% من اليورانيوم الخام من النيجر سنوياً بحسب تقرير لوكالة الطاقة الذرية الأوروبية. كما تستفيد الشركات التركية من فرص الاستثمار في قطاعات الطاقة والتعدين والبنية التحتية في النيجر، و ارتفعت قيمة التبادل التجاري بينهما وصولاً إلى 203 مليون دولار أمريكي في عام 2022. و عسكرياً، فقد وقّعت تركيا اتفاقيات تعاون عسكري مع النيجر في السابق تشمل بيع الطائرات من دون طيار وتدريب الجيش النيجيري.
و على الصعيد الأيديولوجي، تهدف أنقرة لنشر الإسلام السياسي المحافظ عبر نشاطات "مؤسسة الشؤون الدينية التركية" التي تدير المساجد والمدارس في افريقيا. كما تموّل تركيا برامج تعليمية دينية تروّج للإسلام السياسي التركي. أما ثقافياً، فتعمل أنقرة على نشر الثقافة واللغة التركية في النيجر عبر برامج تبادل طلابي ومنح دراسية كل ذلك يصب في خدمة أهداف تركيا بزيادة نفوذها الثقافي وتعزيز صورتها كقوة إقليمية مؤثرة في القارة الأفريقية.