«جيش» الاحتلال والمقاومة.. ما الذي تغيّر في المعادلة؟
أيمن الرفاتي
كاتب ومحلل سياسي
على مدى الأعوام الماضية، أدّت مجموعة من العوامل إلى تغيير المعادلات التي رسّخها كيان الاحتلال من أجل تثبيت وجوده في المنطقة، إذ طالت التغييرات في المنطقة المجتمع الإسرائيلي وجيشه من ناحية، والمقاومة وجمهورها من ناحية أخرى، الأمر الذي انعكس على تصرفات الاحتلال وسلوكه، إعلامياً وميدانياً، خلال العام الحالي، خشية أن تبادر المقاومة إلى أعمال جديدة تؤدّي إلى اشتعال حرب متعددة الجبهات.
فعندما دخل الاحتلال، خلال العام الجاري، في دوامة الخلافات الداخلية، وبلغت التظاهرات والاحتجاجات حدّاً غير مسبوق إلى درجة تأثّر الجيش بدرجة كبيرة بها، بادرت حركات المقاومة إلى تنفيذ عدد من العمليات غير المسبوقة، بما فيها "عملية مجدو" شمالي فلسطين المحتلة، ثمّ تلتها الضربة الصاروخية متعددة الجبهات في شهر رمضان الماضي. وفهم الإسرائيلي أنَّ هاتين الضربتين غير المسبوقتين ما كانتا لتحدثا لولا قراءة المقاومة جيداً الوضع الداخلي الإسرائيلي.
بالتزامن مع التأزم الداخلي في الكيان، ازدادت الحساسية لدى الأجهزة الأمنية وجيش الاحتلال من إمكان تكرار مبادرة المقاومة، وهذا الأمر انعكس على الجيش وطريقة تعاطيه مع تصريحات قيادة المقاومة وتهديداتها، وخصوصاً في لبنان وقطاع غزة. وبات الجيش متأهباً على مدار الساعة خشية عمل مفاجئ تنفّذه المقاومة في إحدى هاتين الجبهتين.
المتابع للتعليقات الإسرائيلية بشأن تهديدات الأمين العام لـ"حزب الله"، السيد حسن نصر الله، يدرك جيداً ارتفاع الحساسية تجاه تلك التصريحات، بدءاً بوزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، اللذين ما فتئا يهددان بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وصولاً إلى الكتّاب والمحللين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، والذين بات صوت صراخهم أكثر حدة بشأن "ضرورة الانتباه لما يقوله نصر الله، فثقته بنفسه تزداد، ويجب الأخذ في الحسبان تهديداته، وخصوصاً بعد الإلمام الذي أظهره بالمجتمع الإسرائيلي"، بحسب ما يقول المحلل في "القناة الـ13" العبرية، تسيفي يحزكلي.
وفي جبهة غزة، دفعت الحساسية العالية لدى المستوى العسكري إلى المشاركة في تنفيذ عملية عسكرية ضد حركة الجهاد الإسلامي في أيار/مايو الماضي، في محاولة لاستعادة المعادلات السابقة مع القطاع كي لا تبادر المقاومة فيه إلى أي عمل يستغل الوضع الداخلي المتأزم. وحذر قائد القوات الجوية في الجيش الإسرائيلي، اللواء تومر بار، من إمكان أن يستغل "أعداء إسرائيل" الأزمة داخل الجيش بسبب أزمة التعديلات القضائية "من أجل اختبار قدراتنا".
ودعا بار إلى تماسك الجيش في الوقت الحالي، وقال: "لا أشك في أننا نواجه تحديات كثيرة، وأنا متيقظ بشأن كل التهديدات في جميع القطاعات، وبشأن ما يقوله أعداؤنا. من الممكن أن يحاولوا، في وقت مثل هذا، اختبار حدود قدراتنا في قطاع الجو. ولدينا ما يكفي من التماسك واليقظة".
ومن ضمن التغيّرات التي حدثت في كيان الاحتلال تقديم المصلحة الذاتية والشخصية على مصلحة "الدولة"، وهو ما بات يتجسّد في نتنياهو وجهوده للسيطرة على القضاء، لينجو بنفسه من المحاكمة، بغضّ النظر عمّن يعترض أو يرفض.
في المقابل، هناك تغيرات كبيرة لدى المقاومة التي باتت خياراً شعبياً وحيداً في المنطقة لمواجهة الاحتلال، وحدثت تحولات كبيرة خلال العقدين الأخيرين لدى المنتمين إليها، وباتت قناعاتهم أكثر رسوخاً بالقدرة على هزيمة الاحتلال، وجعل ثمن بقائه كبيراً عليه.
علاوة على ذلك، فإنّ العقود الأخيرة شهدت تطوراً في القدرات العسكرية لدى المقاومة، بالإضافة إلى وجود توافقات متينة بشأن تكامل الجبهات وترابطها في الداخل والخارج. وتزامن ذلك مع انكسار صورة قوة كيان الاحتلال لدى رجال المقاومة، الذين باتوا أكثر جرأة ورغبة في الالتحام في المعارك ضد هذا الكيان.
والأخطر، بالنسبة إلى "إسرائيل"، في التغيّرات خلال الفترة الماضية، يتعلّق بفشل كل الحروب والمجازر والقوة، التي استخدمها كيان الاحتلال، في تثبيت قناعة لدى الجمهورين العربي والإسلامي بأنّه "لا يمكن هزيمة إسرائيل، المتطورة عسكرياً وتكنولوجياً". وبات الأمل ودوافع العمل إلى تحرير فلسطين غير مسبوقة. فعلى رغم جهود التطبيع الرسمية، والتي تقود كيان الاحتلال، عبر ضغط أميركي على الدول العربية، فإن الشعوب العربية لا تزال ترفض ذلك، بل إنّها مستعدة للمواجهة.
لقد دفعت التغييرات الأخيرة الجيش الإسرائيلي، خلال العام الحالي، إلى إحداث تغيرات كبيرة في خطته التطويرية للأعوام الخمسة المقبلة، لتشمل مفاهيم جديدة، مثل: "التحديات العملياتية، وجاهزية الجيش الإسرائيلي في جميع الجبهات، ومفهوم بناء قوة الجيش الإسرائيلي". وكل هذه المفاهيم ترتبط، بصورة مباشرة، بالخشية من تطور قدرات المقاومة، ونيّتها أخذ زمام المبادرة، خلال الفترة المقبلة، ضد الاحتلال.