الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة عشر - ٢٢ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة عشر - ٢٢ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

بمناسبة الذكرى السنوية لرحيله

العلامة المجلسي في طليعة الفقهاء والأعلام

إنّ علماء الشيعة الكبار رغم الضغوط والحرمان والاضطهاد الكثير طيلة التاريخ بذلوا جهوداً مضنية وقيمة، وتركوا لنا تأليفات غنية، ورووا شجرة التشيع بصبرهم وجهودهم الكبيرة، وأوصلوا تراث النبي العظيم (ص) إلينا.
وخلال ذلك كلما تحسنت الظروف نسبياً آنذاك وقلت الضغوط على الشيعة، نُشاهد ازدهاراً لامثيل له في ظهور فقهاء وعلماء وفلاسفة شيعة، ومن هذه الفترات، عصر الشيخ المفيد والشيخ الطوسي أثناء حكم آل بويه، وكذلك في العهد الصفوي وزمن العلامة المجلسي.
ونظراً لانتساب الملوك الصفويين إلى التشيع ونسبهم للأئمة الاطهار(ع)، استفاد العلامة من هذه الفرصة خير استفادة، وتأليف أكبر موسوعة لأحاديث الشيعة كان صعباً في غير هذه الفترة، مع عدم وجود إمكانيات اقتصادية كبيرة.
وهو عالم جليل القدر، برز في العلوم العقلية والنقلية والحديث والفقه والرجال والأدب، وقد أجمع العلماء على أنه من أكابر الرجال في علوم الدين والشريعة وفي طليعة الفقهاء والأعلام من عظماء الشيعة الإمامية، وُلِّيَ مشيخة الإسلام في أصفهان، وبمناسبة الذكرى السنوية لوفاته نتحدث في هذه المقالة عن العلامة الذي أجمع العلماء على جلالة قدره وتبرّزه في العلوم العقلية والنقلية والحديث والرجال والأدب، وأنّه في طليعة الفقهاء والأعلام وأنّه عظيم من عظماء الشيعة.
الفترة الزمنية والأوضاع السياسية لتاريخ ولادته
ولد الإمام شيخ الإسلام، محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي الأصفهاني، في سنة 1037 ه . وكانت ولادته في زمن الشاه عباس الأول الذي كان رجلا ًيتمتع بالسياسة والكفاية وكان في الوقت نفسه  رجلاً قاسي القلب وظالماً، وعند ما وصل شاه " صفي " بعده إلى السلطة، انفصل العراق من الدولة الإيرانية، وبعد الشاه "صفي" وصل الشاه "عباس الثاني" إلى السلطة، وكان عمره تسع سنوات، طلب العلامة منه في مراسم التتويج أن يمنع شرب الخمر وبيعه وبعض الأعمال المنكرة، وقد نفذ توصيات العلامة، ولكن بالتدريج انغمس كبقية الملوك في شرب الخمر. وقد حظي العلامة بنفوذٍ كبير بين الناس، إذ استطاع توجيه الناس من الخمّارات والمقاهي نحو المساجد بعلمه الغزير ونفوذه المعنوي وبيانه الساحر، وقد تميزت المساجد في عهده بازدهار كبير، وخاصةً في شهر رمضان المبارك وليالي القدر حيث كانت المساجد تكتظ بكثافة. وكان للعلامة ايضاً" نفوذ واسع بين السلاطين الصفويين، لقد كان سياسياً مقتدراً وقد حفظ البلد من هجوم واعتداء الأعداء بتدبيره أثناء حكم السلاطين الفاشلين. ولقد عمت الفوَضى في البلد بعد وفاة العلامة المجلسي إذ هجم الأفغان على ايران وأسقطوا الحكم الصفوي.
علاقته مع أبيه محمد تقي المجلسي الأول ودعاؤه له
روي عن والده الجليل المولى محمد تقي أنّه قال: "إنه في بعض الليالي بعد الفراغ من التهجد عرضت لي حالة عرفت منها أني لا أسأل من الله تعالى شيئاً حينئذ إلا استجاب لي وكنت أتفكر فيما أسأله عنه سبحانه تعالى من الأمور الأخروية والدنيوية وإذا بصوت بكاء محمد باقر في المهد فقلت: إلهي بحق محمد وآل محمد (ص) اجعل هذا الطفل مروّجاً لدينك وناشراً لأحكام سيد رسلك (ص) ووفقه بتوفيقاتك التي لا نهاية لها. وعن صاحب قصص العلماء أنّ والده "محمد تقي" أمر زوجته أن لا ترضعه إلا وهي على طهارة.
أراء العلماء حوله
قال صاحب "لؤلؤة البحرين" بعد وصفه بالعلاّمة الفهامة، غواص بحار الأنوار، مستخرج لآلي الأخبار وكنوز الآثار، الذي لم يوجد في عصره ولا قبله ولا بعده قرين في ترويج الدين وإحياء شريعة سيد المرسلين بالتصنيف والتأليف والأمر والنهي وقمع المعتدين والمخالفين من أهل الأهواء والبدع والمعاندين. كان إماماً في وقته في علم الحديث، وسائر العلوم، وشيخ الإسلام في دار سلطنة أصفهان، ورئيساً فيها بالرياسة الدينية والدنيوية، إماماً في الجمعة والجماعة. وهو الذي روّج الحديث ونشره لا سيما في الديار العجمية، وترجم لهم الأحاديث العربية بالفارسية، مضافاً إلى تصلبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبسط يده بالجود والكرم لكلّ من قصده وأمّ... ، ولشيخنا المذكور من المصنفات..."
وقال الحُرُّ العامليّ في أمل الآمل: «مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي، فاضل، ماهر، محقق، علاّمة، فهّامة، فقيه، متكلّم، محدث، ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن، أطال اللّه بقاءه، له مؤلفات كثيرة مفيدة».
وقال العلاّمة محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري، في جامع الرواة: "محمد باقر بن محمد تقي بن المقصود عليّ الملقب بالمجلسي مد ظله العالي، أستاذنا وشيخنا وشيخ الإسلام والمسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلاّمة، المحقق المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، وحيد عصره، فريد دهره، ثقة، كثير العلم، جيد التصانيف، وأمره في علو قدره وعظم شأنه وسمو رتبته وتبحره في العلوم العقلية والنقلية ودقة نظره وإصابة رأيه وثقته وأمانته وعدالته أشهر من أن يذكر، وفوق ما تحوم حوله العبارة، وبلغ فيضه وفيض والده رحمهما اللّه ديناً ودنيا بأكثر الناس من العوام والخواص، جزاه اللّه تعالى أفضل جزاء المحسنين، له كتب نفيسة جيدة، قد أجازني دام بقاؤه وتأييده أن أروي
عنه جميعها".
سلوكه العلمي
كان للعلامة محمد باقر المجلسي أسلوب معتدل بين الأصولية والإخبارية، رغم أنه كان متحدثاً كبيراً، كان يهتم اهتماماً خاصاً بالعلوم العقلية، ويعتبر من الرجال الكبار وأساتذة العلوم العقلية كالفلسفة، لكنه كان يجد كل شيء في مصدر وينبوع الوحي، وقد كرس حياته وجهوده لنشر روايات المعصومين(ع). إن حساسيته الوحيدة كانت تكمن في الانحراف عن الدين، وكان يرى في زمانه انتشار الصوفية، وبادر لمكافحتها بحزم فانتصر انتصاراً باهراً في هذا الاطار بالاستعانة بأهل
البيت (ع).
شيخ الإسلام في أصفهان
لقد تم تعيين العلامة محمد باقر المجلسي سنة 1098 بمنصب شيخ الاسلام في أصفهان من قبل الشاه سليمان الصفوي، ولقب “شيخ الاسلام” كان أعلى وأهم منصب ديني وتنفيذي في ذلك العصر، لقد كان قاضياً وحاكماً في النزاعات والدعاوى، وكافة الشؤون الدينية تتم تحت إشرافه المباشر وجميع الأموال الشرعية تُرسل إليه. كان شيخ الاسلام يتولى مسؤولية أبناء السبيل واليتامى، وقد قبل هذا المنصب بطلب وإلحاح من الشاه، وقد تولى العلامة هذه الوظيفة المهمة حتى نهاية حياته.
سجاياه وأخلاقه الإسلامية
كان العلامة يحمل الأخلاق الاسلامية، فكل حركة من حركاته وسكنة من سكناته تدور مع سيرة المصطفى (ص ) وسيرة الائمة الطاهرين (ع). فقد كان محافظاً على جميع أوقاته موظفاً تلك الأوقات في سبيل اللّه واعلاء كلمته، وكان لسانه يلهج دائماً بذكره (جل وعلا).
وقد نقل عنه المحدث نعمة اللّه الجزائري، إذ قال:" رافقته سنين طويلة، وكان معي ليل نهار، وفي هذه المدة الطويلة كان شديد الحذر في أعماله المباحة، فكيف يمكن أن يُتصور منه المكروه ؟ ونقل عنه العلامة مـحمد صالح الخاتون آبادي، اذ قال: "اهتم العلامة المجلسي بإقامة صلاة الجماعة، وكذلك صلاة الجمعة، وأحيا ليالي شهر رمضان المبارك بالعبادة والذكر، وإلقاء المواعظ والخطب في المساجد، فكانت جميع أعماله خالصةً لله سبحانه، وكذلك كان في حياته يسعى دائماً لتحقيق الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر.
أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر
انـتـشـرت في زمانه  آراء وأفكار الصوفية، من المعاندين وأهل البدع في أنحاء إيران، فلم يتحمل مشاهدة تلك الانحرافات، فشرع بكشفها للناس عن طريق الخطب والـكـلـمـات وتأليف الكتب، التي تفضح مثل هذه الإنحرافات، وتوضيح النهج الصحيح للإسلام، وبحمد اللّه تمكن من القضاء على هذا التيار المنحرف المظِلّ، وعندما كان العلامة رئيساً لدار السلطنة في أصفهان أيام حكم الدولة الصفوية، انتشرت كذلك بعض المفاسد الأخلاقية، و كان على رأس تلك الـمفاسد شرب الخمور، وبفضل حنكته في إدارة الأمور استطاع إقناع السلطان "حسين الصفوي" بإصدار أمر، يقضي بمنع تعاطي الخمور ومعاقبة كل من يخالف ذلك.
وكـشـاهـد عـلـى تـقوى العلامة ونهيه عن المنكر نروي هذه القصة التي اوردها صاحب كتاب (قـصص العلماء): نقل للعلامة بأن أحد علماء مدينة كربلاء المقدسة يقول بطهارة الخمر، فرد العلامة على ذلـك وقـال: هـذا خطأ فإن الخمر نجس، وعلى إثر ذلك سافر الى مدينة كربلاء المقدسة والتقى بذلك العالم وقال له: ساءني ما سمعته عنك بخصوص موضوع طهارة الخمر، فهذا يشجع الناس على التجرؤ على شربه استناداً على رأيكم هذا. وبـالـتـالي ستنتشر الفاحشة، وقد جئت الى هنا لكي أزور الامام الحسين (ع) وأجتمع بكم مع الاعتذار لكم، ثمّ أعود الى ايران. وهذه الحادثة دليل ناصع على تواضع العلامة، ومرونته في التعامل مع الآخرين، وعدم تعصبه في أمور الدين، ومحاولته منع إشاعة الفاحشة، والابتعاد عن الغيبة، ولو كلفه ذلك كثيراً من متاعب و مشاق السفر الطويل.
مساعدته للفقراء والمحتاجين
يـُقال أن العلامة كان يسعى دائماً لرفع احتياجات المؤمنين الفقراء، والدفاع عن حقوقهم المغتصبة مـن قبل الظالمين، ويسعى بشتى الطرق لدفع الظلم عنهم، ويـحـاول إيصال أخبار المحتاجين والفقراء إلى أسماع ولاة الأمر، لكي يقوموا بتحمل مسؤولياتهم تجاههم.
احترامه ورعايته للعلماء
بذل العلامة طاقاته ومساعيه كافةً في سبيل الدفاع عن العلماء، وتأمين رفاههم وتحسين ظروف مـعـيـشـتـهم. وخلال عمره الشريف لم يتعرض العلماء أو الروحانيون لأي نقص في أمورهم المعيشية، وكان كل ذلك بفضل سعيه في تحقيق السعادة والراحة لهذه الشريحة الواعية، والنخبة المسؤولة عن المحافظة عن سلامة الدين، وتربية وتهذيب المسلمين.
خدماته لمذهب أهل البيت (ع)
سعى طوال حياته لنشر مذهب أهل البيت (ع) والدفاع عنه، ومن خدماته الجليلة للمذهب تأليفه كتاب بحار الأنوار الجامع لاحاديث الأئمة الاطهار عليهم السلام، وتدريس كتب الحديث وحل مبهمات تلك الكتب، والقضاء على الأفكار الصوفية المنحرفة في زمن الدولة الصفوية وتربية جيل من العلماء والفضلاء الذين صار لهم دور في خدمة العلوم الاسلامية. ونشر كـتـابـته في فنون المعارف الإسلامية المختلفة مثل: الفقه، التفسير، علم الكلام، الحديث، التاريخ، والدعاء... وقـيـامـه بـإلـقاء المحاضرات لغرض توعية الناس وارشادهم في المساجد، وإقامة صلاة الجماعة والجمعة والاهتمام ببناء المساجد، واجـابـتـه عـن استفسارات الناس وحل مشكلاتهم عن طريق مخاطبتهم باللغة السلسة التي يفهمونها،و قـيامه بـايـضاح ما صعب من الكتب الأربعة المعتمدة عند الشيعة الإمامية، لهذا نجده قد كتب شرحاً لكتابي الكافي والتهذيب، تـرجـمـتـه و نـشـره علوم اهل البيت(ع) باللغة الفارسية، لغرض توسيع اطلاع الـمـسلمين الشيعة في ايران، سيما أن أكثر الكتب التي تتحدث عن فكر الشيعة ومعتقداتهم مكتوبة باللغة العربية، اتخاذه من المعابد والمقاهي وما شابهها من مجالس؛ للوعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، باعتبارها من الأماكن العامة لتجمع الناس آنذاك، الاستفادة من منصبه الرسمي بدار السلطنة في زمن الدولة الصفوية في الدفاع عن المظلومين والقيم الإسلامية.
مؤلفاته ومصنفاته
للعلامة  المجلسي مؤلفات وتصانيف كثيرة جداً، ويكفي منها ما لم يسبقه عليه أحد  العلماء والعظماء وهو كتابه بحار الأنوار الذي يُعد دائرة معارف تجمع فنون العلوم الإسلامية وتحوي فروعها إلى أصولها، وهو موسوعة حافلة في العلم والدين والكتاب والسنة والفقه والحديث والحكمة والعرفان والفلسفة والأخلاق والتاريخ والأدب والذكر والدعاء والأوراد والرقية وغيرها.
امتاز الكتاب بخصائص وإمتيازات دون الكتب الحديثية الأُخرى، وبهذا أصبح من المراجع والمصادر المهّمة لطلبة العلوم الدينيّة، فيرجع إليه الفقهاء العظام ومراجع التقليد، كما يرجع إليه العلماء والخطباء والمبلغون ورجال الدين وحتى الشباب المثقف الذي يريد أن يتزّود علماً وفهماً في الدّين وفي معارفه وعلومه، بل يرجع إليه عامة النّاس، فإنّه الموسوعة الثقافية ودائرة المعارف الإسلامية.
ويُعد الكتاب من أوسع كتب الحديث والروائيّة عند الشيعة الإماميّة، فإنّه لو قيل: أنه دائرة المعارف الشيعيّة لم يكن ذاك قولاً جزافاً. ـ يحتوي الكتاب على أفضل وأهم وأكثر ما هو المعتبر من الكتب المعتبرة التي ينقل عنها، وقد نقل عنه (375) كتاباً غير الكتب الأربعة المعروفة للشيعة، فإنّه قليلاً ما ينقل عنها لشهرتها بين الناس إلّا من الكافي فنقل عنه في (3500 ) مورد.
يحتوي هذا الكتاب على كتبٍ عديدة وكل كتاب على أبواب، وفي مطلع كل باب يذكر فيه أولاً: جملة من الآيات المتناسبة مع الباب مع شيء من التفسير والتوضيح ثم يذكر الروايات المتعلقة بالباب، ويشرح بعض مفردات الحديث الشريف، وفي مقام النقد والرّد على الشبهات العقلية يميل في معظم الأوقات إلى الطريقة الأخبارية أي في مقام الرّد والجواب عبر ما ورد في الروايات.
ويُعد هذا الكتاب صورة ناطقة عن عبقريّة مؤلفه العلامة الأوحد، وقدّم كلّ ما عاناه وقاساه وتحمل المشاق أداءً لواجب الشريعة، وإحياءً لما درس من معالم الدين، وهو الآن مطبوع بمئة وعشرة مجلدات.
الرحيل إلى جنة الفردوس  
توفي العلامة محمد باقر المجلسي في مدينة أصفهان ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة 1110 ه، عن عمرٍ ناهز السبعين عاماً. ودُفن وفقاً  لوصيته إلى جانب المسجد الجامع في أصفهان قرب والده، وقد دُفن في تلك القبّة وذلك الموضع الشريف جمعٌ کثير من السادات والفضلاء. والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو أدرجت إسم العلامة المجلسي في قائمة الشخصيات العلمية.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي