الناقد السينمائي اللبناني «جهاد أيوب» لـ «الوفاق»:
من لا يؤمن بالنقد كحامل الكتب وهو أمّي
موناسادات خواسته
الفن السابع أي السينما لها دور هام جداً في العالم، الأفلام والدراما التي تجول العالم ومنها الأفلام الإيرانية التي يتم عرضها في الدول العربية ومنها لبنان، كما حصل أخيراً وشهدنا عرض فيلم "غريب" و "هناس" وغيرها، حيث واجهت الأفلام إقبالاً كبيراً، ومنها نقّاد السينما، فالناقد السينمائي الأستاذ جهاد أيوب إعتبر أن فيلم "غريب" يستطيع المنافسة في المهرجانات العالمية، فاغتنمنا الفرصة وأجرينا حواراً مع هذا الناقد السينمائي والإعلامي اللبناني الذي له كثير من النشاطات وتكرّس إسمه كناقد بفعل تراكم الخبرة والحضور في الكثير من المقامات المستحقة للنقد. الأستاذ جهاد أيوب، ناقد متخصص في الدراما والسينما والمسرح والتلفزيون والتشكيل والثقافة، وحصل على جائزة أوسكار لأفضل شخصية مؤثرة في الشرق الاوسط، وأعد العديد من الأفلام الوثائقية، وعضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين، وفيما يلي نص الحوار:
بداية عندما رحّبنا بالناقد والإعلامي اللبناني الأستاذ جهاد أيوب، قال: الترحيب مشترك، "الوفاق" بما تحمل من رسائل ومضامين اعتبرها مجاهدة، ونجمة مشرقة في الإعلام المسؤول... أنا أشكركم للتفكير بنا.
هل تجد اليوم للنقد الجاد والمرتكز على البعد الفكري والفني بأنه يعطي نتيجة في زحمة المتغيرات في العالم على كل الاصعدة؟
يبقى للنقد السلطة الخفية والأهم لتصحيح الخلل، أو لتقديم وجهة متميزة في العمل الإبداعي، وعلى الناقد أن يطور أدواته لا أن يغرق بنظريات أصبحت بالية خاصة النظريات الاكاديمية، فالمتابع لا تعنيه هذه الجمل المعقدة، بل يرغب بالبساطة المتمكنة...النقد لغة ابداعية ضرورية، موهبة يفتقرها الغير، سلاح البحث عنه فريضة!
من لا يؤمن بالنقد ودوره كحامل الكتب ولا يعرف القراءة!
وماذا عن المتلقي؟
نجح الإعلام في تخدير الشعوب خاصة في الدول العربية، وبحجة الحرية المفروضة فرضاً من قبل سياسة تتحكم بها، فكانت كذبة الإعلام الخاص حيث صُنعت الجريمة الكبرى، غالبية إعلامنا ممول من الحكومات التي تمتلك رصيداً مخيفاً من تغيير النفوس والأفكار والناس والسياسة التي لا تتوافق مع أحلام الوطن والمواطن!
نعم النظام كان شريكاً من خلف ستائر حريرية ومراقباً ومخططاً لشراء ذمم الإعلام الخاص، ومن هنا اختلف ذوق المتلقي، وأصبح معجباً بالبشاعة التي اعتبرها فناً، وبالارتجال بحجة الحرية والإبداع المختلف، والكل أصبح ناقداً وفقيهاً، يضاف إليها تلك العنصرية حيث اغرقتنا في وحلها!
هذا الكلام صافع... لماذا؟
لا بد من صفعة تصنع اليقظة، واليقظة تبرز البحث، والبحث مسؤولية، والمسؤولية يتحكم بها الأفضل، والأفضل يعني العلم المعرفة التميز، وهذا يتطلب يقظة وتطوير الأدوات عند أهل الاختصاص!
ما هو تأثير الفن السابع او السينما على المجتمع؟
الفن السابع ذاكرة الشعوب وأرشيف صناعة التاريخ حتى لو زور، ومع الأيام ينسى المتلقي التزوير الذي حصل في تاريخه واحداثه وقد يكون هو من ضمنها ويتقبل التزوير فيها، ويتعامل مع السينما كما لو كانت صورة عن ماضيه، خاصة أن الجيل الشبابي لا يقرأ ولا يرغب بالبحث، ومعرفته فقط بما هو عليه وأن يعيش كما يشتهي، وهنا مكمن الخطورة!
السينما بحر موجه للأيام المقبلة، ومن لا يعترف بدور السينما يعني لا يفقه بما ينتظره في المستقبل!
إذا تريد صناعة المجتمع عليك أن تتحكم بالإعلام والسينما وما تبقى من مسرح وبالتأكيد برسائل الدراما التلفزيونية، وبنشر وابراز رجال دين لا علاقة لهم بالدين، وهذا ما تقوم به أميركا في العالم!
وما هو رأيك بالأفلام الإيرانية (غريب/ هناس/ لوبيتو و...) وما مدى استقبال الأفلام الإيرانية في لبنان؟
على صعيد النقاد هنالك مساحة كبيرة لمتابعة السينما الإيرانية بجدية، واليوم الدراما التلفزيونية أيضاً... أما الناس فنجد جمهوراً كبيراً من مختلف الأعمار والأحزاب يتابع بجدية وبمسؤولية، ولقد تمكنت السينما الإيرانية منذ سنوات قليلة تخطي الحواجز التي فرضت من قبل السياسة المتحكمة خاصة من قبل امريكا وتوابعها!
السينما الإيرانية متصالحة مع مجتمعها، مع قضاياها، مع مشروع الثورة، فأوجدت مشروعية الطرح!
وهنا نلفت إلى التنفيذ، ومن خلال "غريب وهناس" وبعض ما شاهدته استطيع القول أن الجيل الفني الحالي في إيران انتهى من عقدة الخواجة، وتعلم فنونه واتقنها!
وما ينقصها؟
ينقصها الإهتمام بالتسويق، وبالإعلام... وإعطاء المرأة مساحة من المشاركة فيها تنفيذاً وإدارة وتمثيلاً.. في "غريب" كان الفقر واضحاً بذلك رغم أهمية الطرح والتنفيذ!
كما أدعو إلى الإهتمام بالشباب السينمائي تعليماً وتدريباً، والتواصل مع الجيل الشبابي فكرياً واجتماعياً ودراسياً، ومتابعة أحلامهم ومشاكلهم ودورهم... من يتصالح مع الشباب يضمن المستقبل.
أستاذ جهاد بما أن المرأة الإيرانية نشطة في جميع المجالات، ماذا تقصد عن إعطاء المرأة مساحة من المشاركة؟ هل تقصد فيلماً خاصاً؟
لا شك أن المرأة الإيرانية وصلت إلى مراتب علمية واجتماعية ودبلوماسية مهمة جداً جداً، وأيضاً في الإخراج وتحديداً في السينما، ولكن هنا قصدت من الناحية التمثيلية وبعض المواقع الفنية في السينما بالأخص، وجاء كلامي هذا بعد مشاهدة فيلم "غريب" بشكل مباشر، وواجهت المخرج بذلك حينما زار لبنان وافتتح الفيلم، واعترف بملاحظتي النقدية... بعدها قررت أن أتابع بشكل عشوائي بعض الأعمال السينمائية فكانت النتيجة متفاوتة، ولا زلت أعتقد بصوابية ملاحظتي خاصة على صعيد التمثيل السينمائي... قد أكون لم أصب، لكنني حتى الآن أشعر بعدم الخطأ!
دائماً تعطي الشباب مساحة من فكرك وقلمك... لماذا؟
الدول الإستكبارية والإستعمارية خاصة أميركا همها غزو الشباب بما حمل، تدخل إليهم سمومها بنعومة من خلال الفن والأكل وأن الحلم هناك وليس في بلادنا المسجونة بالحروب والمؤامرات والتحايل الصحي...كل الفساد الوظيفي زرع من قبل أميركا وتوابعها، ونحن مؤخراً اكتشفنا ذلك، مع إن الإمام الخميني قدس سره أول من اكتشف ذلك، ونبهنا، وقال: "أميركا هي الشيطان الأكبر"!
وكيف يمكن مواجهة الحرب الناعمة التي نشهدها حالياً من خلال الغزو الثقافي؟ وما هو دور الفنانين الملتزمين والمثقفين؟
بمزيد من الانفتاح على الآخر، والتصالح مع المبدع، والإهتمام بمتطلباته الحياتية، وإعتبار الفن مسؤولية، وهو السلاح الفعال الذي لا يطلق النار ليقتل بل يخدر وصولاً إلى احتلال فكر المواطن والسيطرة على كي الوعي لديه، وجعله يعيش شهوانياً فقط لا غير، وهذا ما قامت به وتقوم به أميركا في كل مشاريعها!
علينا أن نؤمن بفكر الفنان والمثقف وأن نثق به خاصة إذا كان مقتنعاً بدولته ونظامه ومشروع بلاده...المثقف يقرأ الأمور من زاوية مختلفة عن الحاكم والسياسي والمواطن، والاستماع إليه وتقبله هو غاية أساسية للوصول إلى حكمة العمل الفني والأدبي!
وبالمقابل وجب أن يكون لدى الفنان مشروعة الوطني الجامع والمدافع عن بلد وشعب ينتمي إليه لا أن يكون رافضاً من أجل الرفض، ولأجل الإشارة إلى "خالف تعرف"، والأهم أن لا يكون ساذجاً بل صاحب مشروع تنويري أو الاكتفاء بما لديه من موهبة يعمل على تقديمها بصورة تليق به ...الفنان الساذج هو ادعاء فارغ يسقط في أول امتحان، وأدوات ساذجة يستغلها العدو بسهولة!
وهل الفنان أو المثقف يستطيع التغيير والمشاركة بنهضة الوعي في ظروفنا الحالية؟
من المستحيل أن يسلم الفنان المميز والمثقف أوراقه بسهولة إلا إذا كان عاطلاً عن العمل والموهبة فقرر فجأة أن يصبح فناناً أو كاتباً وهنا العلة الكبرى والمصيبة...
إن تصالح الفنان والمثقف مع بيئته وإيمانه بدور بلاده ودوره يعني الانطلاق إلى أعمال فيها الفكر الإنساني والوطن الجامع والمواجهة... نعم إيران تسير عكس التيار الإستعماري الأميركي، وعكس التيارات التي تتحكم بعقول الشعوب وتسرق أفكارهم وخيرات بلادهم، وتُسيّر السياسة كما تشتهي من أجل تجميد فكر الإنسان والتعامل معه كحيوان، لذلك إيران اليوم رفضت الإحتلالات الحديثة بكل ما تحمل من أدوات شيطانية تسيطر على العقول من خلال الفن ووسائل التعبير، فكانت المواجهة، وطويلة هذه المواجهة إلى أن تستمر راية رفضنا لواقع الخنوع!
من هنا على الفنان والمثقف الإنتباه إلى مقصد العدو وما تزرعه أميركا من فتن وأمراض تمررها عبر سياسة فنونها وتجويع الناس تحت كذبة الحرية والعيش، كل هذا ينتشر تحت عباءة الكذبة الأميركية... على الفنان أن لا يكون شريكاً في معركة كي الوعي!
وماذا عن متطلبات الحياة المعاصرة؟
سؤال جميل... ومن قال الفنان أو المثقف يعيش الانفصام في حياته وأيامه وإيمانه؟... الفنان ابن بيئته، وإن اعتقد أنه هو الكون والكون هو يخسر وجوده وتميزه، لذلك عليه أن يؤمن بما لديه، وأن يتعلم من تجاربه وتراكمات تجارب الأمة، وأن يطلع على تاريخه لا أن يعيش الغرور وأنا أو لا أحد!
وأيضاً على الدولة الإيمان بدوره، وتعمل وهذا واجبها، تعمل على تأمين الحياة الكريمة مهما اختلف معها نظرياً وليس عقائدياً... إن تجربة الجمهورية الإسلامية مع الفن والرياضة والعلوم تجعلها حاضرة وبقوة المساحة المختلفة عن ما قدمه الغرب... إيران الثورة تؤمن بأن للإنسان حق العيش بكرامة، والغرب كان ولا يزال يؤمن بسجن الشرق والإنسان بالشهوة وبعدم التفكير وبأن الغرب يفكر عنه، صحيح الغرب في بلاده يسعى إلى إعطاء دافع الضريبة حقوقه وتقديم خدمات كثيرة له، ولكن ما أن وقعت هزة الحرب الأوكرانية الروسية وهي صناعة شيطانية أميركية سقط المشروع الاجتماعي الغربي في الغرب، وظهر إنسانه سلعة حيوانية مصنعة، وينتظر فرصة كي يكشف عن الشر فيه، وبعجل قام النظام الغربي بنشر أدوات الفكر الماجن والرخيص المعتمد على شهوات غرائزية ستقضي على البشر، وهذا هو دور الغرب اليوم... نعم سقط الغرب في شرور أعماله الشيطانية التي قدمها ويقدمها وسيقدمها في فنونه وثقافة الاستهلاك وتسويق شروره في إعلامه الكاذب العنصري، وعقيدة "اعمل ما يحلو لك خارج الدين والعقل والأخلاق"!
لم يتعلم الغرب من سقوط الإمبراطورية اليونانية التي اغرقت بالفساد الاجتماعي!
برأيك الأفلام التي تخوض بحياة أبطال ساحات المقاومة والدفاع عن الوطن كم تحظى من أهمية، وما دورها في ترسيخ المقاومة عند الجيل الشباب؟
هذا هو كنزنا المستقبلي، وقيمة تاريخنا الجديد، ولو تعمقنا أكثر نجد أن قوة مواجهتنا للمشروع الفتنوي الأميركي كان ثورة الإمام الحسين(ع) وعاشوراء الكرامة والقرار... نحن علينا إبراز أبطال مقاومتنا وحياتهم وطريقة إيمانهم، إنهم مداميك الصبر والبصيرة وما ينتظرنا من مواجهة... سقوط الغرب في وحل الشهوة جاء لكونه صنع القدوة من فراغات الكذبة!
وإن نجاح صبرنا وتحملنا لكل حروب الغرب علينا جاء من أفعال أبطال استشهدوا في معركة المواجهة والتواضع... يحمل تاريخنا المعاصر الكثير من حكايات لو نفذت بطريقة صحيحة دون مبالغات وعاطفة جياشة بل واقعية ستغير الكثير فينا، وستجدد الأمل بأننا أمة وجدت لتعيش وتُعلم وتُؤثر... أبطالنا الشهداء رايات الأمل المنتظر، وهذا سر بطولاتهم ومواقفهم وحلمنا!
ماذا تقصد بالعاطفة؟
نحن أمم عاطفية في الشرق، وموروثنا فيه مبالغات وعشق حتى الجنون، ونقدم أبطالنا عبر التاريخ من خلال تقديس الرمز لا من خلال واقعيته كإنسان ينجح لكونه مؤمناً بالله ومشروعه، و يخطئ حتى يعلمنا من خطئه... لذلك نحن في كثير من الأعمال نُغلب العاطفة عن المنطق الوجودي كفرد إنساني، ونرفض السلبيات وننتصر لإيجابيات الشخص الرمز فقط، وهذا بنظري الخطأ الموجع مع الأيام.
صحيح إيران تقدّم رموزها بذكاء، وبحنكة، وبعاطفة رمزيتها الثورة المشتعلة، ولكن يتطلب الأمر مغامرة أشمل في الطرح!
وما يشفع أن الجمهورية مؤمنة بدور الفن، وبأن للثورة فنونها التي تتراكم من خلال تجربتها، ومع الأيام ستجد الصورة أعمق.
ما هو رأيك حول فيلم "موقع مهدي" والذي سيتم عرض مسلسل مأخوذ منه تحت عنوان "عاشوراء"؟
لا استطيع إعطاء رأي بما لم اشاهد، أنا متشوق للمشاهدة لكثرة ما قرأته عنه... خوض الفكرة هذه تجربة فيها الكثير من المغامرة أمل أن لا نغرقها بالعاطفة، ونقدمها ببعدها السياسي والإجتماعي والإقتصادي خارج المبالغات وإبراز ما لا هو منطق ولا هو حقيقة، إن الواقعية هنا تحصد النجاح خاصة أن إيران تمتلك كوكبة من المخرجين والفنانين تضعها في صفوف المنافسة!
برأيك هل المسلسلات الإيرانية تواجه الإقبال في العالم العربي ويتابعونها وما سر ذلك؟
نعم تجد مساحة لها في المشاهدة البصرية، وهي منافسة احياناً، ولكن سوء الإعلان من حولها هو ما يعيقها في الإنتشار... علينا وضع خطة لاستراتيجية تسويقية إعلامية وإعلانية مغايرة كلياً، والعمل على مشاركات نجوم الدراما الإيرانية في برامجنا ومهرجاناتنا الخارجية لا أن نكتفي في السوق الإيراني فقط!
أنا أعلم أن التنوع في المجتمع الإيراني وعدد السكان يجعلان من العرض شبه مكتفياً محلياً، ولكن وبرأي متواضع هذا خطأ في السياسة التسويقية في فكرة زرع نتائج نجاح الثورة كدولة، وأدعوهم إلى قراءة متأنية ومختلفة إعلامياً وفي فهم المهرجانات والمسابقات... الحديث هنا يطول!
وأخيراً... ماذا عن دراما المقاومة والدراما الإيرانية؟
دراما المقاومة مشبعة بالمواقف إن سردت اليوم في لحظتها قد تحدث تغييراً لكونها من لحم ودم، ولكن مع الأجيال إن تأخر تنفيذها لن تصدق لكثرة ما فيها من حقائق لا تصدق، وستعتبر مبالغات، لذلك ادعو إلى كتابتها أولاً، وتنفيذها برؤية بصرية واقعية، وإخراج الجانب العاطفي والمبالغات منها، حينها تبرز المصداقية وشفافية الطرح ليكسبها التواصل مع كل الاجيال مهما انتُقدَت فنياً! وهذا ينطبق على الدراما الإيرانية التي أخذت بالحضور ولو بخجل، لكنها صافية من شوائب المفهوم الغربي، وواثقة في فهم بيئتها، وهنا بيت القصيد، فالبيئة مفتاحناً إلى الانتشار...وأنا متابع جيد للدراما الإيرانية، وهذا يسعدني.