الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأحد عشر - ٢٠ أغسطس ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وأحد عشر - ٢٠ أغسطس ٢٠٢٣ - الصفحة ۸

القبيسيات نموذج لحركة دعوية تنظيمية غير سياسية

 

الوفاق/ خاص
محمد رضا عشوري
خلال العقود الماضية لطالما أثيرت مسألة العلاقة التي يجب أن تربط الدعوة الدينية بالسياسة. بمعنى آخر هل يمكن لتنظیم دعوي أو جماعة دينية أن يكون لها توجه سياسي بالإضافة إلى الدعوة؟ هل تستطيع التعليق على التطورات السياسية أم لا؟ ما نوع الدعوة الدينية التي يمكن أن تحصل عليها من حيث التنظيم؟ هل يجب أن يكون لها توجه حركي وتنظيمي وتسعى لخلق حركة للتغيير في المجتمع أم لا؟
في الزمن المعاصر وخاصة في الأوساط الدينية في شبه الجزيرة العربية شهدنا العديد من النقاشات والجدل حول هذا الموضوع. ولا يمكن إصدار حكم عام بأن السلفيين مثلاً  كانوا ضد العمل السياسي وبقية الجماعات لم يعارضوه. على سبيل المثال الحركة السلفية الجامية (المنسوبة للشيخ السعودي محمد بن أمان الجامي) لم يعجبها العمل السياسي ولا سيما التعبير عن رأي ضد الحكومة، لكن الحركة السلفية السرورية على العكس من ذلك دعت لموقف سياسي وكان لها أيضاً اتجاه حركي خاص. أما رأي الشيخ الألباني الذي عُرف منهجه بالسلفية العلمية فان الدعوة الدينية تتعارض مع التوجه السياسي.
لقد قَدّمتُ هذه المقدمة لأقول أنه حتى في منطقة الشام وسوريا حيث انتشرت دعوة الشيخ الألباني لا يزال هناك انطباع عام بأن فعل الدعوة الدينية ينفرد في دعوة الإخوان المسلمين التي هي رمز للحركة الدعوية السياسية. إذا لم يكن الأمر كذلك فربما كان للدعوة الدينية غير السياسية في هذه المنطقة أسس أقوى. كانت الدعوة في الفترة المعاصرة في سوريا ذات طبيعة سلفية وصوفية من قبل. وبالمناسبة ركز كلاهما على التزکية الشخصية والعمل غير السياسي ، كما ذكرت من قبل بالسلفية للشيخ ناصر الدين الألباني و هذا رغم أن الألباني نفسه كان قد وجه سيفه الحاد نحو الصوفية منذ البداية. لكن ما فعلته السيدة منيرة القبيسي في سوريا كان مختلفًا عن مجموعات الدعوة الأخرى من حيث نوع الأداء. السمة المهمة لدعوتها أنها كانت بالدرجة الأولى «تنظيمية» ولم يكن نهج القبيسيات مجرد دعوة فردية بشکل أن تکون فقط تجلس على المنبر وتتحدث وتترك جمهورها وشأنهم. كانت ميزتها الخاصة أن تنظيمها يعمل وفق خطة تدريجية ومحسوبة وكان مجتمعها المستهدف واضحاً وهو النساء والفتيات الاثرياء، وتعمل وفق جدول زمني محدد ونظام تسوية وترقية محدد. أما السمة الثانية للقبيسيات فهي أنها «أنثوية» ولا يستطيع الرجال الوصول إليها. كان همّها هو تمسك المرأة السورية بالحجاب والالتزامات الشرعية. كان من المهم بالنسبة لها أن تكون المرأة السورية في أي مركز ومكانة متدينة وأن تكون على دراية بالقرآن والأذكار والأدعية وترتدي الزي الإسلامي. والزي الذي وصلت إليه کان بسبب تنظيمها وهذه التغطية أثرت على عدد كبير من النساء السوريات.
الميزة الثالثة للقبيسيات أنها كانت غير سياسية. لا يعني ذلك أنه لم يكن لديها علاقة جيدة مع الأحزاب والجماعات والأطياف السياسية ، بل على العكس لم يكن لديها تحدٍ خاص مع الجماعات السياسية. وعلى الرغم من أن أنشطتها خلال سنوات رئاسة حافظ الأسد كانت سرية ، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة تحديًا للحكومة. حتى عندما أزال الرئيس بشار الأسد القيود عن هذه المجموعة وسمح لها بالعمل بحرية في المساجد ، لم يكن ذلك مؤشرًا على أنها سياسية وتميل إلى النظام. حتى حقيقة أن منيرة القبيسي كانت تلميذة للشيخ أحمد أمين كفتارو المفتي العام لدولة سوريا ذو التوجه الصوفي وهذا ليس سببًا لاعتبارها منتمية إلى فصيل ديني وسياسي معين. نعم ربما كان الهيكل التنظيمي للقبيسيات شديد الشبه بالمنظمات الصوفية لكن لا يمكن اعتبارها صوفية بالتأكيد.
هنا لا أنوي الحديث أكثر عن هيكل وطبيعة التنظيمات القبيسية ولا أنوي تقييمها أو تأكيدها. لأقول ما إذا كان عمل الدعوى غير السياسية صحيحًا أم لا. سواء كانت نهج القبيسيات صوفيًا أو سلفيًا أو أيًا كان فهذه ليست نقطة النقاش هنا. أنا أريد فقط أن أقول حقيقة واحدة خاصة الآن أن منيرة القبيسي مؤسسة هذه المنظمة قد توفيت منذ شهور. النقطة التي أريد أن أؤكد عليها هي أنه مهما كان الأمر فإن القبيسيات أصبحت نموذجًا للدعوة التنظيمية. هذه النقطة مهمة لأنه عندما نتحدث عن العمل التنظيمي تتبادر إلى الذهن على الفور مجموعات دعوية حركية سياسية. بالطبع توصلت بعض هذه المجموعات أيضًا إلى استنتاج في مراجعتها النقدية في هذه السنوات أنه ربما يكون من الأفضل فصل الدعوة عن العمل السياسي، ولقد سمعنا همسات هذه النظرية مرات عديدة من مختلف فروع الإخوان والجماعة الإسلامية. وبالطبع إذا أردنا أن نكون منصفين وانتبهنا لأداء هذه الأطياف السياسية یمکن أن نجد أيضًا تجربة ناجحة في دعوتهم.
ومع ذلك  كانت القبيسيات مثالًا رائعًا من حيث أنها كانت «تنظيمية» و«دعوية» و«غيرسياسية» في الوقت نفسه وتمكنت من التأثير على مجموعة واسعة من المجتمع السوري وحتى أبعد من ذلك في بلدان أخرى من المنطقة في عدة عقود من الزمن من تأثير نشاطها. والآن يمكن رؤية آثارها في المناصب السياسية والاجتماعية العليا للمرأة في هذا البلد.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي