الاعلامي سيد امين الحيدري للوفاق:
يجب علينا غرس روح التعاضد والمحبة في قلوب أبنائنا
سهامه مجلسي
المسؤولية الاجتماعية هي نظرية أخلاقية تعتبر أن أي كيان، سواء كان منظّمةً أو فرداً، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل. فالمسؤولية الاجتماعية هي أمرٌ يتعيّن على كل منظمّةٍ أو فرد الالتزام بها للحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد والنُظم البيئية. ويمكن إيجاد موازنة بين التنمية الاقتصادية، بالمعنى المادي، ورفاهية المجتمع وسلامة البيئة، على الرغم من طعن العديد من التقارير خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بهذا. تعني المسؤولية الاجتماعية الحفاظ على التوازن بين الاثنين. فهي لا تنطوي على مؤسسات الأعمال وحسب، بل على كل من تؤثّر أعماله على البيئة. إنه مفهوم يهدف إلى ضمان تأمين رعايةٍ صحية للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية وإزالة جميع العقبات المتمثّلة في المسافة والوضع المالي، إلخ. يمكن أن تكون هذه المسؤولية سلبية، عند تجنّب الانخراط في أعمال ضارّة اجتماعياً، أو يمكن أن تكون إيجابية، من خلال انخراطها بأنشطة تسعى إلى تحقيق الأهداف الاجتماعية مباشرةً. لا بد من توارث المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال لأن أفعال جيلٍ واحد تنعكس تبعاتها على الأجيال التي ستأتي من بعده، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الاعلامي العراقي سيد امين الحيدري وفيما يلي نص الحوار:
ما هو الدليل على وجوب أنْ يتحمَّل الانسان المؤمنُ مسوؤليةً غير مسوؤليته الشخصية عن نفسه وعن أهله وعياله؟
إن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان لم يخلقه فرداً وإنما جعل له أنيساً وجعل له مخالطاً ليتعاونا على ادارة الحياة وتنظيم مسائلها وقد أكد الله سبحانه وتعالى على مبدأ التعاون والتعاضد وتحمل المسؤوليات ومساعدة الآخرين في آيات عديدة في القرآن الكريم ابتدأها بقوله (إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ومن ثم قال تعالى (صفاً كأنهم بنيان مرصوص) وقال تعالى (كزرع أخرج شطأه..) وصفاً للمؤمنين في تعاضدهم وتلاحمهم وجاء في الحديث (مثل المؤمنين في تراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى) هذا بمختصر القول وإلا فالكلام طويل في مسؤولية الفرد أمام المجتمع وباقي بني جنسه، والمثال الأخير أن نصف المجتمع كالسفينة التي تمخر عباب البحر فكل فرد في هذه السفينة لديه مسؤولية فردية ومسؤولية جمعية حتى تسير هذه السفينة وتصل إلى بر الإمان فكل من يتخلى عن مسؤوليته فسوف يعرّض هذه السفينة إلى الغرق.
هل المسوؤلية الاجتماعية تختص بطالب العلم فقط كما يتصور بعض الناس، أم تشمل غيره من المؤمنين؟
المسؤولية الاجتماعية ليست حكراً أو خاصة بطالب العلم بل هو فرد وجزء من مجموعة كخلية النحل أو كوكر النمل هناك مسؤولية على كل فرد وكل عضو من أعضاء هذه المجموعة يقوم بها حسب مكانه ومكانته وإنما تقل وتكثر المسؤولية بحسب المقام والمنزلة والمكانة ولكن لا تكون خاصة بفرد دون آخر. فجميع المؤمنين مسؤولون عن بعضهم البعض سواء بالإرشاد والنصح أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بحفظ الأرض والعرض والمال والأمن.
يبقى أن طالب العلم بما أنه يتسنم مسؤولية دينية أو علمية تخوله أن يطلع على خفايا الامور أكثر من غيره أو أنه يتبوأ مكانة اجتماعية ربما أكبر في نظر الناس تقع على عاتقه مسؤولية اكبر ولكن ليس لوحده بل بمساعدة الآخرين فيجب عليه الإرشاد والوعظ والتوعية وبيان الطريق الصحيح والقويم والأخذ بيد الضالين وهدايتهم إلى الصراط المستقيم وبيان ما خفي على الناس من امور دينهم ودنياهم.
بعض الناس ينتقدون طلبة العلم كافة لوجود بعضٍ منهم بعيدا عن المسؤولية ماذا تقول لمن يتَّخذُ ذلك ذريعةً للهروب منها؟
طالب العلم الذي يبتعد عن المجتمع إنما يخون زيه ومكانته التي خوله الله أن يتبوأها فهو حينما دخل هذا المعترك يكون قد وطن نفسه لخوض غمار الحضور بين الناس وإرشادهم ووعظهم وبيان السبيل القويم لهم فلا يحق له الابتعاد والنأي بنفسه عمّا يصيب المجتمع حوله، ونحن نرى على مر التاريخ كيف صنع رجال العلم وطلبة العلم تاريخ الامم وغيّرو مسار التاريخ بكلماتهم وحضورهم المجتمعي ولدينا في تاريخنا الشيعي العديد من الأمثلة والشواهد كالشيخ الطوسي والشيخ البهائي والميرزا الشيرازي وآيت الله ابو الحسن الاصفهاني والسيد الشهيد محمد باقر الصدر والامام الخمیني(رض) والعديد من العلماء ورجال العلم الذين لولا بصماتهم المؤثرة لكانت المجتمعات دخلت في ظلمات الجهل والتيه وتحكمت بها قوى الاستكبار والضلال.
واما من ينتقد طلبة العلم فيجب القول لهم بأن كل مجموعة فيها استثناءات وفيها القوي والضعيف وفيها المجتهد والأقل اجتهاداً وفيها الشجاع وفيها الاقل شجاعة لخوض غمار الحياة ومواجهة المشاكل فلا يجب التعميم على الجميع، فطلبة العلم حالهم حال أي فئة مجتمعية اخرى كالأطباء والمهندسين والحرفيين والعسكر وغيرهم فليست جميع أصابع اليد متساوية. وأما من يتهرب من مسؤوليته عليه أن لا يحمل الصفة التي تجعل الناس ينظرون إلى صنفه بنظرة سيئة أو سلبية وعليه إما أن يصحح مساره أو يجد لنفسه سبيلاً آخر.
لا زال المجتمع المؤمن بشكل إجمالي يكنٌّ احتراماً خاصاً لطالب العلم خصوصاً للعالم العامل، السؤال يتعلَّق بطالب العلم المبتدئ، كيف يجب عليه أن يتصرَّف مع هذا العنوان الجديد الذي تلبَّس به، سواء كان له حضور سابق في المجتمع أم لا؟ وكيف يجب على المؤمنين التصرف معه؟
على طالب العلم المبتدئ وقبل الخوض في غمار هذا المعترك أن يقرأ سيرة الماضين من العلماء العاملين وأن يجعل لنفسه قدوة منهم ممن تتناسب شخصيته مع شخصيته وأن يعرف بأن هذا اللباس وهذا المجال يجعله يتحمل مسؤولية أكبر من الآخرين باعتبار أن طالب العلم يعتبر قدوة واسوة للناس فيجب أن يكون لديه القابلية والأهلية لتحمل هذه المسؤولية، كما أن عليه أن يتعايش مع الناس ليعرف همومهم ومشاكلهم وأن يقرأ ويطالع ويتعلم كيفية التعامل مع أغلب المشكلات التي تواجه المجتمع وأن يستشير ذوي الخبرة في كل مجال ليكتسب منهم علماً ينفعه وتجربة تفيده ذلك أن الناس ينظرون إلى طالب العلم ورجل الدين بأنه الخليفة بعد الائمة لحل مشاكلهم ورفع الابهام عن اذهانهم بل حتى في بعض الأحيان هناك حركات وسكنات تصدر من رجل الدين تكفي لتسكين غضب أو تخفيف ألم أو حل مشكلة
عند الناس.
كما أن على المؤمنين أن تكون لديهم البصيرة الكافية في اختيار من يقدمونه أمامهم في الوعظ أو العبادة أو من يرجعون إليه في مسائلهم من خلال السؤال عنه أو اختباره أو التقصي عن خلفياته الثقافية والمجتمعية ومن أين تخرج وعلى يد من تتلمذ ومن أي مدرسة فكرية تغذى، فكل ذلك له دخل ودور في مسيرة حياتهم ومجتمعهم.
التزاور بين المؤمنين من العبادات المهمَّة التي وردت فيها كثيرٍ من الروايات، ما هي الآثار الإيجابية لهذه العبادة الاجتماعية؟ وكيف نحافظ عليها عن الضعف والضياع؟
كما قلنا آنفاً أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان وحيداً في نوعه وجنسه بل جعل الناس أجناس وشعوباً وقبائل وفرق ومجموعات ومن ميزة البشر على سائر المخلوقات حالة الالفة والتراحم والاستيناس، وقد أكدت الآيات والروايات على هذا المفهوم بل أن العديد من الأحاديث التي وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تحض وتؤكد على أن يتزاور المؤمنون فيما بينهم من وصيتهم بالجار وايصائهم بعيادة المريض وتحريضهم على مساعدة المؤمنين من الفقراء والمحتاجين ورعاية الأرامل والأيتام وكفالتهم واقامة المجالس ليجتمع فيها المؤمنون ليعلم كل بحال صاحبه، بل إن الأئمة عليهم السلام كانوا يتعاهدون حتى جيرانهم من غير المذهب والدين وهذا دليل على أن من كان من نفس الملة والشريعة أولى بالتعاهد والزيارة
والسؤال.
من الآثار المهمة لهذه الشعيرة الاجتماعية الدينية أن الكثير من المشاكل سوف يتم حلها سواء منها المالية أو الاخلاقية أو الاسرية أو الصحية بل حتى الأمنية منها والسياسية، فتلاقح الأفكار يولد الحلول المناسبة للعديد من المشاكل والمعضلات وتشارك الهموم يخفف منها.
يجب علينا أن نغرس روح التعاضد والمحبة في قلوب أبنائنا وأن نوطن هذه الثقافة بينهم من خلال قيامنا نحن الكبار بهذه الامور حتى تبقى وتستمر جيلاً بعد جيل، كما يجب علينا أن نقلل من التجملات والتكلف فيما بيننا فقد ورد في الحديث (خير الاخوان من لم يُتكلف له وشر الإخوان من تُكلّف له) يجب علينا أن نجعل الامور بسيطة فيما بيننا ولا نحمل أنفسنا ولا الآخرين ما لا يُطاق حتى لا يتم استثقال مسألة التزاور
والمعاشرة.
نسأل الله السداد والهداية وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير وأن يجعلنا ممن يكونون زيناً لا شيناً لديهم ومذهبهم وأئمتهم.. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله
الطاهرين.