«سياحة المقاومة».. أماكن تحتضن آثار المجاهدين وجهادهم
الوفاق/ خاص- اصبحت السياحة في العالم هذه الايام صناعة تتضمن الكثير من المجالات ويزداد الاختصاص فيها يوما بعد آخر، حيث عرضت الجمهورية الاسلامية الايرانية نموذجا أطلقت عليه اسم «سياحة المقاومة».
ففي العالم يطلق على زيارة المتاحف الخاصة بالحرب «سياحة الحرب» للتعرف على وقائع الحروب في العالم، فيما اصبحت «سياحة المقاومة» في ايران فرصة لزيارة المواطنين لجبهات الحرب التي شهدت سوح المعارك في مواجهة الحرب العدوانية التي فرضها نظام صدام على ايران (1980-1988) ومعرفة الملاحم التي سطرها ابناء الشعب الايراني في تلك المرحلة دفاعا عن الوطن.
يسعى هذا النوع من السياحة في سياق الجذب العالمي للأحداث التاريخية إلى تحديد وإعطاء هوية للأحداث جنباً إلى جنب مع السرد الصحيح وإعادة سرد العادات والتقاليد والسياحة في مناطق الجذب التاريخية والطبيعية ونقلها إلى المجتمع وهي واحدة من الأدوات الفعالة في إدخال روح التضحية بالنفس للشعب الإيراني.
إن سياحة المقاومة تعتبر كفرع لسياحة الحرب، بهدف توجه السياح الأجانب إلى مناطق الحرب، ستحقق العديد من الفوائد للبلاد. لأن إدخال السمات الفريدة لفترة الدفاع المقدس إلى جانب عوامل الجذب في الحرب الأطول في القرن العشرين بين إيران ونظام صدام يمكن استخدامها بمثابة قدرة عالية على جذب السياح.
لقد اجتازت هذه العملية اختبارها في العالم؛ وتعتبر متاحف الحرب في العالم مكانا يرتاده الناس لمعرفة قضايا الحرب مثل متحف سلاح الجو الاميركي أو متحف الحرب الامبراطورية في مختلف المدن البريطانية ومتحف جدار برلين ومتحف الحرب في كوريا الشمالية كرمز لحرب هذا البلد مع الولايات المتحدة، ومتحف الحرب الملكي الذي له 7 فروع في مدن بريطانية مختلفة، وغيرها من المتاحف، والذي يجذب العديد من السائحين لزيارته كل عام. وفي الجمهورية الاسلامية الايرانية اقيمت متاحف «المقاومة» في عدد من المدن التي شهدت عدوان نظام صدام عليها، تم فيها تنظيم قوافل النور لتوجه المواطنين الى تلك الأماكن والاطلاع على الملاحم التي سطرها المقاتلون الايرانيون آنذاك.
حديقة متحف الدفاع المقدس ومتحف السلام
حديقة متحف طهران للثورة الإسلامية والدفاع المقدس ومتحف طهران للسلام، وهما من بين 150 متحفاً للشبكة الدولية لمتاحف السلام العالمي مع موضوع ثماني سنوات من الدفاع المقدس، لديهما القدرة السياحية العالية؛ لكن لم يتم تقديمهما كما ينبغي ولم يتم استخدام إمكاناتهما، أيضاً، هناك نقطة أخرى وهي أنه من منظور أوسع، يؤدي النمو المنسق لأنواع مختلفة من السياحة إلى التآزر. هذا التآزر، بالإضافة إلى زيادة عدد السائحين الذين يدخلون البلاد، يؤدي أيضاً إلى زيادة مدة إقامة هؤلاء السائحين، ما يعني زيادة الكفاءة الاقتصادية والثقافية. ومدينة مشهد المقدسة تعتبر مثالا ملموسا على هذا النوع. فمن أسباب نجاح السياحة الصحية في مشهد المقدسة هو الاستهداف الصحيح للاستفادة من الحجم الكبير للزوار في هذه المدينة.
كما تتمتع محافظة خوزستان أيضاً بمناطق جذب تاريخية وحضارية في إيذه، وجغازنبيل في شوشتر، وطواحين مياه دزفول، ومناطق الجذب الطبيعية البكر والمذهلة في زراس، وبحيرة شادغان، ومقبرة دانيال نبي في شوش، ومناطق الجذب الاقتصادية في منطقة التجارة الحرة في أروند تقوي بشكل متبادل عوامل الجذب في عصر الدفاع المقدس، من بين 13 نصباً تذكارياً للحرب في هذه المحافظة، إضافة إلی ما تتمتع به من معالم أثریة وآثار تاریخیة وأخری دینیة، تستقطب محافظة خوزستان سنویاً قوافل النور، لزیارة المناطق الحربیة وإحیاء ذکریات الحرب المفروضة وكانت هذه الزيارة مخصصة بالتزامن مع عطلة عید رأس السنة (النوروز) والعطل الصيفية عقب انتهاء المدارس. ولكن الان اصبحت موقعا سياحيا لجميع فصول السنة ويزورها السياح من جميع انحاء البلاد والعالم، ولقد بدأت نشاطات هذه القوافل لاول مرة عام 1375 ( 1997 ) بالإتجاه نحو المناطق الحربیة، والمناطق الحدودية في محافظة خوزستان لاسيما منطقة شلمجة ونصب شهداء مدینة الشوش، بهدف ترسيخ مبادىء الثورة الاسلامية وتضحيات الشهداء، في اذهان الاجيال المتوالية ولاسيما الجيل الحاضر .
کما أن قوافل الزوار إلی مناطق الحرب المفروضة تشهد مشارکة الشیعة والسنة، جنبا إلی جنب أتباع باقي الأدیان الإلهية من الأرامنة، والتي تعد مؤشرا للوحدة والتلاحم وتجعل هذه الحرکة أکبر عملیات ثقافیة في البلاد بإمکانها ترسیخ ثقافة الدفاع المقدس في اوساط الأجیال.
خوزستان کانت الساحة الرئیسیة في حرب الثماني سنوات، وتمتلك أکبر کم من مناطق وآثار الحروب کـ«واقعة المنیور» ذکری جهاد العشائر العربیة ضد الإحتلال البریطاني والمناطق الحربیة إبان فترة الدفاع المقدس.
قوافل النور، أسلوب فريد في التعريف بمناطق الحرب المفروضة
تعتبر قوافل النور التي لا مثيل لها في العالم من حيث النمط السياحي والاهتمام برموز النصر والمقاومة في إدخال مناطق الحرب والإحصاءات السنوية لها من 2 إلى 4 ملايين، وهي أكثر أنواع سياحة المقاومة شيوعاً في البلاد. إلى جانب هذه القوافل، يذهب الناس لزيارة مناطق الحرب في جنوب البلاد ويرون عن كثب مشاهد مقاومة الشعب والمحاربين في ثماني سنوات من الدفاع المقدس ومقابر بعض شهداء الحرب العظماء. في السنوات الأخيرة، توسع نطاق قوافل النور وتم تقسيمه إلى عدة أجزاء من قوافل نور بحرية في الخليج الفارسي، ومحافظات إيلام وكرمانشاه في الغرب، وكردستان ومحافظة اذربايجان الغربية في الشمال الغربي، وخوزستان في جنوب البلاد. كما أن عقد هذه القوافل لم يعد يقتصر على أيام النوروز فقط، بل يتم على مدار العام، وفي المواسم المختلفة نرى السياح الايرانيين والاجانب يمرون عبر الطرق المؤدية إلى هذه المناطق.
كرمان عاصمة السياحة للمقاومة
ومن تلك المدن التي اصبحت اليوم ايضا مكانا يقصده المواطنون الايرانيون هي مدينة كرمان مسقط رأس شهيد الامة الاسلامية الفريق الحاج «قاسم سليماني» التي اصبحت قطبا لسياحة المقاومة خلال الاعوام الاخيرة.
بعد استشهاد الفريق الحاج قاسم سليماني ودفن جثمانه الطاهر في محافظة كرمان، أصبحت هذه المدينة ايضا أحد الأقطاب المهمة لسياحة المقاومة وأدخلت كعاصمة لسياحة المقاومة في إيران. منذ ذلك الحين، تتابع جهات السياحة في محافظة كرمان تجميع وثيقة مقاومة محافظة كرمان. وفي مقبرة الشهداء يرقد الشهيد الفريق قاسم سليماني بين اكثر 1024 شهيدا ممن سبقوه الى الشهادة، ومسيرة المقاومة عمرها 40 عاما يصطف الناس من كل ارجاء العالم ويؤكد الزائرون انه رغم ألم فقدان الشهيد قاسم سليماني فانه خالد في روحه حاضر في نهجه وفكره ومسيرته بكل عطائه.
ومرقد الفريق الحاج الشهيد سليماني أصبح مقصداً لعشاقه من ايران وخارجها، ويزور مرقده يومياً نحو 2000 شخص، ومقبرة الحاج قاسم سليماني الذي تحول الى مزار لمحبيه وأنصاره ليس من إيران فحسب وإنما من مختلف أنحاء العالم.
ونظراً لأن أكبر عدد من السياح الأجانب في إيران هم من الدول العشر والتي هي العراق، وجمهورية أذربيجان، وأفغانستان، وتركيا، وباكستان، وأرمينيا، وتركمانستان، وعمان، والبحرين، والكويت على التوالي، ومعظمهم من المسلمين، فأن قدرات إيران في مجال سياحة المقاومة يمكن أن تكون جذابة بالنسبة لهم، وبالتالي ، فإن تعزيز الفروع الخاصة للسياحة، بما في ذلك سياحة المقاومة، يمكن أن يكون له تأثير كبير على تحقيق الجذب السنوي لـ 15 مليون سائح أجنبي، وهو ما تستهدفه خطة
التنمية السابعة.
قوافل النور في لبنان
لم تعرف قوافل النور في لبنان غير مسير المقاومة والتضحية والجهاد في سبيل الله... سنوات كثيرة منذ ما قبل العام 1978 كان المجاهدون البواسل من الجنوب الى البقاع وبيروت والضاحية يداً بيد والسلاح رفيقهم ضد العدو الإسرائيلي حتى دحره عام 2000 من جميع الأراضي اللبنانية.
إختلط الدم بالدم في أماكن مختلفة على الأراضي اللبنانية حتى وصلوا الى التحرير والإنتصار، جمعتهم الجغرافيا والقضية والوطن، فكانت قوافل نور المجاهدين والشهداء تمرّ في جميع بقاع الوطن، وأنبتت قرية جهادية ذاع صيتها في عالم المقاومة، معلم مليتا الجهادي في إقليم التفاح الذي أن وطئت قدماك عليه، ستظن أنك تعيش مع المجاهدين في لبنان، إذ كانت هذه المنطقة خط تماس حقيقي وواقعي من خطوط الدفاع الاولى عن الجنوب وفيها اهم مواقع المقاومة المحصنة طبيعياً، فقد اضافت المقاومة الاسلامية في لبنان الى انجازاتها الجهادية الميدانية العديدة انجازاً فنياً وثقافياً وحضارياً ومتحفاً حياً.
معلم مليتا الجهادي السياحي
ضخامة انجازات المقاومة كان لا بد لها من متحف ضخم يليق بها، فكان معلم مليتا الجهادي السياحي وفقاً للتسمية الرسمية المعتمدة.على قمة جبل شاهق يمتد الجنوب امام ناظريه عزيزاً آمناً يقع المعلم الذي يتضمن اقساماً عدة، فقبيل المدخل يستقبلك مطعم واستراحة "تاج مليتا" واقسام اخرى تختص ببيع التذكارات السياحية الخاصة بالمعلم، وهو مرفق اساسي كان ضرورياً لمواكبة المعلم وتلبية متطلبات مئات الزوار الذي يقصدون مليتا يومياً.
في مليتا كما في كل متاحف المقاومة حول العالم، تشعر أنك تسير على خطى المجاهدين متتبعاً اثارهم فتشعر في سيرك بدفء انفساهم يلفح وجهك وتتحسس وقع خطواتهم ودقات نبضات قلوبهم، وما ان ترتفع قليلاً في دروب الجبل حتى تستقبلك دشمة سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه، وفي هذه الدشمة امضى سماحته اياماً وليالٍ مرابطاً مع المجاهدين على الثغور يمدهم بالدعاء الصادق ويقودهم بحكمة العالم المتنور وشجاعة وطهر أهل بيت الرسول عليهم السلام.
إذاً، في مليتا سارت قوافل الشهداء، قوافل النور التي دافعت عن ارضها والوطن والشعب، وهو حال كل المقاومين والمجاهدين في الدول التي رفضت الإستبداد والظلم، فكانت مليتا، وكانت راهيان نور في ايران، شواهد حية على جهاد ودفاع كان ثمنه شهداءنا وكانت نتيجته الحرية من الأعداء.